الثلــوج تعــري الكبــت الاجتماعـــي و تبعــث النقــاش حــول العنــف
تعرض الكثير من المواطنين لاعتداءات عنيفة بكريات ثلج قاسية على يد مراهقين و شباب منذ بداية المنخفض الجوي الذي تشهده مدن جزائرية عديدة، بينما ألقى آخرون قطعا كبيرة من الثلج فوق سيارات مواطنين ، فحطمت الزجاج الأمامي و المرايا الجانبية لمركبات كانت مركونة، في مشهد غير حضاري يعكس صورة سلبية عن مجتمع لم يعد يتقن لغة أخرى للتعبير سوى لغة العنف، الذي شوهت ملامحه البشعة جمال البساط الأبيض و أفسدت على الكثيرين فرحتهم به.
هدى طابي
تخريب للممتلكات و عداء غير مبرر
التعليقات السلبية على السلوك العدواني لشباب ومراهقين حولوا الشوارع و الأحياء إلى ساحة للمعارك و القتال بالثلج، امتلأت بها مواقع التواصل الاجتماعي، و لم تستثن مدينة دون سواها، بل شملت مناطق عديدة من الوطن، على غرار قسنطينة التي حرم الكثير من مواطنيها من الخروج خوفا من التعرض للرشق بكريات ثلج قد تكون مفخخة تخفي حجرا أو قطعة زجاج أو شفرة حلاقة، بالمقابل وقع البعض ضحية لطائشين أغلقوا مداخل الشوارع بالثلوج و اعتدوا عمدا على المارة، فلم يسلم منهم الرجال و لا النساء ، ولا حتى السائقين و مستعملي الطرقات.
حتى المركبات المركونة كانت أيضا مستهدفة من قبلهم، إذ تعمدوا صنع صفائح ثلجية كبيرة أفرغوها من مياهها، لتشبه في قسوتها الحجارة ، ثم قاموا بإلقائها من أماكن مرتفعة على السيارات، علما أن المركبات لم تكن الهدف الوحيد لهؤلاء المنحرفين، الذين تجرأ بعضهم على رشق نوافد مؤسسات تعليمية بالمدينة الجديدة علي منجلي، بكريات ثلجية تحتوي على حجارة و تسببوا في تخريب زجاجها، ما اضطر مصالح البلدية إلى إصلاحها صبيحة أمس.
و الملاحظ هو أن العدوانية بلغت درجات مخيفة هذا العام، فلم تعد تنحصر في رشق المارة بالثلوج أو مضايقة النساء و تعمد إسقاطهن و إحراجهن، بل أخذت منحنيات أخطر، فبعض المنحرفين وصلوا إلى حد تشكيل مجموعات و التموقع في أماكن معينة، كالأحياء الجامعية لاستهداف الطلبة و الطالبات و حتى أعوان الحراسة، و في حال حاول أحد الاعتراض ينهالون عليه بالشتائم و السب، حتى أن بعض هؤلاء الأشرار استعانوا بالكلاب، لإخافة مستعملي الطرقات، ما جعل المواطنين يعزفون عن الخروج، خصوصا على مستوى وسط المدينة و حي علي منجلي وكذا حي القماص و بعض الأحياء الأخرى.
هذه الممارسات البدائية و غير المبررة، أعادت إلى الواجهة الحديث عن استفحال ظاهرة العنف في المجتمع الجزائري، والذي بدأ يشمل كل جوانب الحياة تقريبا، ما جعل البعض يتساءلون عن سبب عدم قدرتنا على الاستمتاع بالثلوج البيضاء بطريقة حضارية، كما هو الحال في باقي الدول، و لماذا أصبحت سلوكات فئة قليلة من المنحرفين و الأشرار تطغى على واقع الحياة و تعطي انطباعا سيئا عن المجتمع الذي خضعت غالبيته العظمى لسطوة و سيطرة فئة قليلة من المنحرفين .
الباحث في علم الاجتماع نجيب بولماين
هو انتقام اجتماعي خلفيته طبقية و تربوية
يفسر الباحث في علم الاجتماع بجامعة عنابة نجيب لولماين، هذا السلوك العدواني الذي يبرز من خلال اللعب الخشن، بأنه نوع من الانتقام الاجتماعي لفئة المقهورين الذين يحقدون على الأشخاص الطبيعيين و يحسدونهم على أبسط ممتلكاتهم، كالبيت و السيارة و حتى العائلة المحترمة و التربية، إذ ينظرون إلى أنفسهم نظرة دونية و يميلون إلى الشعور بالنقص تجاه الآخرين، حتى وإن كانوا غرباء عنهم، وهو إحساس يولد لديهم رغبة في الانتقام من التقسيم الطبقي في المجتمع، و بالتالي فإن الاعتداء على المارة في الطرقات، هو انعكاس لهذه الرغبة.
بمعنى آخر، فإن هذه الفئة على قلتها، تعمد إلى فرض سلطتها على المارة من خلال تفجير سلوك عدواني لا يمكن للأشخاص الطبيعيين المحترمين أن يجاروه، وعليه فإن هؤلاء الأشخاص المنحرفين أو المعقدين، إن صح وصفهم، يجدون في سلطة العنف عزاء لهم، كما أن الشعور بالتفوق على الآخر و لمس خوفه يعوضانهم عن ما يعتبرونه حرمانا و ربما غيابا للعدالة الاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك فإن التنشئة في حد ذاتها، تلعب دورا، فمثلا السبب وراء انتشار مثل هذه السلوكات في المدينة الجديدة علي منجلي أكثر من باقي المناطق، هو أنها استقبلت الكثير من المرحلين من الأحياء القصديرية و البيوت الهشة، أي أشخاصا ترعرعوا في محيط شعبي له خصوصية قد لا تشمل الجميع، لكنها سمة غالبة، وهنا نتحدث عن الانحراف و العنف، و بالتالي فإن هؤلاء الأفراد نقلوا سلوكهم العنيف إلى المدينة التي يسكنها كذلك أطباء و أساتذة و موظفون، وهنا حصل صدام بين الطبقتين، تبرز معالمه خلال كل فرصة سانحة ، و ما الثلوج إلا تمثيل بسيط لذلك، يعني أن هؤلاء الأشخاص لا يميلون إلى الاستمتاع بالثلوج كباقي الأفراد، بل يميلون إلى إجراء مقارنة بين نمط الحياتين و بالتالي الثأر من الاختلاف.
أخصائي علم النفس الإكلينيكي اعمر يحي عز الدين
الثلوج عرت مخلفات العشرية السوداء
يعتبر أخصائي علم النفس العيادي أعمر يحي عز الدين، السلوكات العنيفة للبعض و عجزهم على الاستمتاع بالثلج بطريقة طبيعية كباقي الأشخاص، انعكاسا لعدم قدرتهم إلى الإحساس بالفرح، و نظرتهم السلبية للحياة و للمجتمع على وجه التحديد، و السبب، حسبه، هو أننا كمجتمع بمختلف فاعليه و هيئاته، لم نعالج إلى لآن رواسب العشرية السوداء التي خلفت مجموعة من الصراعات النفسية تحولت إلى كبت عميق تتوارثه الأجيال بشكل مقلق، بما في ذلك الأطفال الذين يتشبعون عادة من محيطهم و غياب القدوة فيه يجعلهم يلتقطون أي شيء وكل شيء، بما في ذلك التعابير العنيفة التي تنعكس من خلال اللعب الخشن و الاعتداء على المارة، و الميل إلى إيذائهم و حتى الاستمتاع بذلك. و شدد الأخصائي في ذات السياق على دور الأسرة و الباحثين الاجتماعيين و الهيئات الجمعوية و المدارس في تكوين شخصية الفرد و صقلها بشكل سليم.