ســــائــق بـــرتــبة مســــؤول
يعتقد الكثير من الجزائريين بأن سائقي سيارات المسؤولين رفيعي المستوى كالوزراء و الولاة و حتى مدراء المؤسسات الاقتصادية و الهيئات التنفيذية، هم الصناديق السوداء للمسؤولين وأصدقائهم المقربين، لذلك يحسدهم الكثيرون و يتقرب منهم آخرون، لطلب خدمة غالبا ما تكون سكنا أو وظيفة، وإن لم يلبوا فهم بخلاء و أنانيون، هذا واقع يومي يحدثنا عنه سائقو مسؤولين ،منهم من تخلى عن وظيفته هربا من الضغط.
لم نكسب منها سوى «التعب و العتاب»
سائقون متقاعدون وآخرون في الخدمة تحدثوا إلى النصر عن تجربتهم مع مهنة وصفوها بأنها « شيعة بلا شبعة» ،كما نقول بالعامية، مؤكدين بأنهم جميعا لم يكسبوا منها سوى التعب و العتاب، فيومياتهم لا تخلوا من اتصالات خلفيتها طلب خدمة و التوسط لدى المسؤول من أجل الحصول على سكن أو وظيفة أو إتمام إجراء ، يتعلق بقطعة أرض أو خدمة أخرى تختلف عادة ، حسب القطاع الذي يشتغل فيه المعني.
محدثونا قالوا بأن الجميع يظن بأنهم مقربون جدا من المسؤول و يتخيلون بأن التواجد على بعد مقعد واحد منه، يعني أن السائق باستطاعته أن يطلب منه ما يشاء، و أن الأخير سيرد بعبارة « أكيد اعتبر الأمر منتهيا»، لكن الحقيقة هي أن البروتوكول الإداري يمنع السائق من إلقاء التحية على المسؤول، إن لم يبادر المسؤول بتحيته أولا.
أما عن الامتيازات، فأخبرونا بأنها منعدمة تماما وحتى المجاملة البسيطة تتوقف على شخصية المسؤول، فإن كان اجتماعيا قد يسأل السائق عن وضعه، أما خلاف ذلك ، فمعظم السائقين يعانون من ضعف الراتب الذي لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور أو أكثر من ذلك بـحوالي 2000 إلى 3000 دج، بينما يعد السكن مشكل الجميع.
عمار سائق متقاعد لأحد الولاة
«مواطن أخلط بيني وبين وزير »
عمار سائق متقاعد، عمل مع والي سابق أصبح لاحقا وزيرا لقطاع الشباب و الرياضة، قال لنا بأنه يتذكر أحيانا مواقف طريفة و أخرى مزعجة حدثت له في فترة عمله، يقول محدثنا « كنت بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا في نظر عائلتي، فكلما قابلت أحدا سألني خدمة، خصوصا ما تعلق بالتوظيف، فالجميع كانوا يتصورون بأنني قادر على توظيف من أريد في الوزارة أو مؤسسة من مؤسسات القطاع بكلمة واحدة، أحيانا و لتجنب الإحراج أمام الأقارب،كنت أحاول أن أتقرب من مسؤولين تنفيذيين لأحدثهم في الموضوع وكثيرا ما كان حديثي معهم ينتهي دون نتيجة، لكنني لم أتجرأ يوما على إلقاء التحية أولا على الوزير، فما بالك بسؤاله خدمة معينة. أذكر أنني تعرضت يوما للإهانة من قبل مواطن اعتقد أنني الوزير، لأننا بحكم طبيعة عملي ملزم بارتداء أطقم رسمية و ربطات عنق، ما يعطي انطباعا خاطئا عن مكانتنا، المعني مر بجانبي و أنا أقف عند مدخل الوزارة وخاطبني بحدة قائلا» منذ30سنة و أنا أنتظر السكن « .
يواصل الحديث « تسمرت في مكاني في البداية، ثم لحقت به وشرحت له الوضع فما كان منه إلا أن اعتذر ، ثم عاد ليطلب مني التوسط له لدى الوزير من أجل الحصول على سكن»
العربي يعمل بشركة كبرى
«طمع في مصاهرتي ليوظف ابنه»
لعل قصة العربي، سائق يعمل لصالح مدير عام شركة جزائرية كبرى، تنشط في مجال المنتجات الصيدلانية وشبه الصيدلانية بقسنطينة، تعد الأكثر طرافة،فقد أخبرنا بأنه كان نجما في محيطه الاجتماعي، حتى أن جيرانه في الحي الشعبي كانوا يلقبونه « المدير» و انطلاقا من هذه التسمية تحديدا بدأت قصته.
يقول « أقيم بحي شعبي و كان لدي جار مهتم جدا بي وبعائلتي كان يعاملني بلطف شديد، و في يوم قابلني في المسجد بعد صلاة الظهر، و طلب مصاهرتي، معلقا بأن ابنه جامعي و مؤدب و هو في نفس سن ابنتي الوسطى و يتشرف بأن يطلب يدها له، لكن عيبه أنه لا يشتغل، وهذا طبعا ليس مشكلة، كما عبر، خصوصا إن تمكنت من توظيفه في الشركة فالمدير، حسبه ، لن يرفض لي طلب توظيف صهري».
محدثنا أضاف بأنه أوضح للمعني حقيقة الوضع، فلم يفاتحه في موضوع الزواج لاحقا.
مختار عمل مع مديرين تعاقبوا على ديوان « أوبيجيي»
«يضغطون على زوجتي للحصول على خدمات»
مختار، سائق عمل لمدة طويلة مع مدراء كثيرين لديوان الترقية و التسيير العقاري، قال بأن وظيفته تسبب له التوتر و الانزعاج أحيانا، فلا يوجد من عائلته و أقاربه من لم يطالبه بالسكن الاجتماعي، حتى أن البعض منهم يتوسطون لدى زوجته التي قال بأنها تضغط عليه كثيرا من أجلهم، لكي لا تقع معهم في حرج، وتبدو عاجزة أمام طلباتهم.
محدثنا قال بأنه بعد 32 سنة من العمل كسائق لمدراء الديوان، تحصل كغيره من المواطنين على سكن اجتماعي، بعدما قضى عمرا في منزل والديه و عائلته ولم يتمكن يوما من مفاتحة مدير بمشكلته، خوفا من ردة فعله، وهي حقيقة لا يصدقها محيطه الاجتماعي، فأحد أقاربه وهو ابن عمه، قطع علاقته به بعدما وصفه بالبخل، وقال له بأنه أناني ولا خير فيه لأهله، فقط لأنه صارحه بعجزه على رفع ملفه إلى مدير الديوان، و أوضح له بأنه هو نفسه ينتظر الترحيلات ليستفيد من السكن، الأمر الذي دفعه إلى مقاطعة المناسبات العائلية كالأعراس ليتجنب الإحراج.
عبد الوهاب سائق سابق لواٍل
«لم أتمكن حتى من التوسط لنفسي لأحصل على سكن»
عبد الوهاب، سائق لوالي ولاية شرقية، قال لنا بأنه أصبح أيضا يتجنب زيارة أقاربه في الأعياد، كما قاطع المناسبات العائلية نهائيا، حتى صلاة الجمعة قال بأنه يفكر مرارا قبل أن يقصد المسجد لأدائها، لتجنب بعض من يعتقدون بأنه هو و الوالي صديقان.
يقول محدثنا «علاقتي بالكثيرين توترت بسبب فهمهم الخاطئ لعلاقتي بالوالي و تقديرهم الزائد لمدى أهميتي في الديوان على وجه الخصوص، فمن لا يطلب مني التوسط له من أجل السكن الاجتماعي، كان يطلب توظيفه أو توظيف ابنه ، ومن لم يتصل بي يتصل بزوجتي أو ابني».
أذكر أنني في إحدى المرات وقبل تقاعدي بمدة، قصدت مكتب الوالي، و طلبت منه إدراج اسمي وليس اسم قريب لي، ضمن قائمة السكن الاجتماعي المقرر توزيعها نهاية الشهر لأن انتظاري طال، فنهرني ، فخرجت من مكتبه والدموع تنهمر من عيني، الصدمة جعلتني ألجأ إلى عطلة مرضية مطولة إلى غاية تقاعدي». يواصل « بعد التقاعد قصدت الأمين العام للولاية و طلبت منه توظيف ابني خلفا لي، لكنه قال لي بأنني لا أملك الحق في توريث الوظيفة و أضاف بأنه على ابني المشاركة في المسابقة كغيره، وبالفعل شارك لكنه لم يوظف إلى يومنا هذا»، وهذا يعني أننا لا نعامل معاملة خاصة ولا نحصل على امتيازات لا يحصل عليها غيرنا.
هدى طابي