العقم مشكل صحي يُحوّل الزوجة إلى متهمة
هو عدو صامت يجرح بخبث و يترك عاهات مستديمة على أرواح نساء يطوق أعناقهن و يذيقهن كل يوم طعم الحرمان، كما يعرضهن لأحكام اجتماعية قاسية، تحمل المرأة مسؤولية عقم لم تختره، و في الجزائر تشير الإحصائيات إلى أن سيدة من أصل كل خمس نساء، تعاني العقم، هاجس نغص على الكثيرات حياتهن و تسبب في طلاق أخريات، كن ضحايا أزواج مهملين و محيط اجتماعي غير متفهم، كما تؤكده سيدات روين للنصر قصصهن مع الحرمان.
نور الهدى طابي
15 إلى 25 في المئة من الأزواج في الجزائر يعانون من العقم
مشكل ضعف الخصوبة و تأخر الإنجاب عند الأزواج الجدد، أصبح أكثر حدة خلال السنوات الأخيرة، لدرجة أن مختصين أكدوا للنصر، بأنه بات يصنف كأحد مشاكل الصحة العمومية في الجزائر، إذ سبق للبروفيسور قاسي حجار رئيس الجمعية الوطنية لأمراض النساء و التوليد، أن كشف بأن 15 إلى 25 في المئة من الأزواج في الجزائر يعانون من مشكل العقم الذي ترجع أسبابه بالأساس إلى اختلاف نمط المعيشة، نوعية التغذية و التوتر، فضلا عن أمراض عضوية معروفة.
و من خلال مجموعات فايسبوكية عديدة تناولت عضواتها مشاكل الحمل و رحلات العلاج، نلاحظ أيضا بأن العقم لم يعد يحتكم لمعيار السن، بل أنه معضلة تواجه الأزواج بداية من سن 25سنة، و بالرغم من تطور العلم و التأكيد على أن المرأة لا تعد وحدها مسؤولة عن تأخر الإنجاب، إلا أن المجتمع لا يزال يحملها مسؤولية ذلك و يلقبها بألقاب مؤذية كالعاقر، كما أن الكثير من الأشخاص يعتبرونها نذير شؤم، كما ذهبت إليه سيدات فتحن قلبهن للنصر.
رحلة العلاج بين سندان التكاليف و مطرقة الفشل
قصص مؤثرة هي تلك التي تختلج صدور سيدات من مختلف الأعمار، جمعنا بهن حديث حول مشكل تأخر الإنجاب، فاتضح من خلالها، بأن العقم لا يقل فتكا عن السرطان، كما قالت وسيلة 32سنة، من مدينة المسيلة مر على زواجها 16سنة و لم ترزق بطفل، رغم محاولات كثيرة منيت كلها بالفشل.
تقول « أنا شبه مطلقة زوجي طلب مني الذهاب إلى بيت أهلي دون أي تفسير بعدما فشلت في الإنجاب، رغم أننا جربنا عملية الحقن المجهري مرتين مرة في الجزائر العاصمة و أخرى في تونس، دفعنا ما يعادل 45 مليون سنتيم في كل مرة، أما تكاليف العلاجات و التحاليل و الأدوية الدورية فقد تعدت الملايين منذ سنوات بمعدل شهري يقارب ألف دج.
لقد زرنا أطباء من كل الولايات تقريبا و الجميع أكدوا بأنني أعاني ضعفا في البويضات، وبعد محاولتين فقد زوجي الأمل و تخلى عني، أنا لا ألومه لكن ضغط عائلته لا يحتمل، والدته تناديني بالعاقر وقد قطعت علاقتها بي بعد فشل محاول التلقيح الأولى».
أما نسيمة فتؤكد بأنها اضطرت لبيع كل مجوهراتها لتتمكن من السفر إلى الأردن، بعدما قيل لها بأن عمليات التلقيح تتم بنسب نجاح أكبر من» 40» بالمئة هناك، لكنها اضطرت لإنفاق مبلغ 85 مليون سنتيم بين الإقامة و العلاج و العملية، لتعود بخيبة أمل كبيرة قالت بأنها تسببت في توتر علاقتها بزوجها، ومعاناتها من اكتئاب حاد، سببه شعورها بالذنب من حرمانه من الأطفال، ما أجبرها على قبول فكرة زواجه مجددا.
نادية ، قالت بأن ما أنفقته على العلاج و التحاليل طيلة سنوات زواجهما التي تعدت 8 سنوات، يتجاوز المعقول، فتكلفة بعض التحاليل تتعدى مليون سنتيم، أما الأشعة و أبرزها «الإيستيرو» فتكلفتها من 5000 دج إلى 7000دج، وهي نفس قيمة بعض الأدوية، أما تلك الخاصة بعلاج التخصيب و التنشيط الخاص بالتلقيح الاصطناعي ، فتقدر بالإجمال بـ 15مليون سنتيم، بالمقابل تقدر تكلفة عملية الحقن بـ 12مليون سنتيم فما فوق.
الطلاق الهاجس الأكبر
قصص كثيرة لسيدات أخريات كن ضحية طلاق سببه عقمهن، تعج بها صفحاتهن على مواقع التواصل الاجتماعي كصفحة» التلقيح الاصطناعي في الجزائر و رحلة العلاج»، وكذا صفحة » متأخرات عن الحمل ضحايا العقم».
نوال 29سنة، حدثتنا عن قصتها فقالت « بعد 6 سنوات من المعاناة و تأخر الإنجاب أنا اليوم مطلقة، زوجي أراد الأطفال بشدة و رفض تمويل عملية تلقيحي اصطناعيا بسبب تكلفتها العالية، أحيانا كان يمل من مصاريف العلاج الشهرية، و مؤخرا قال لي بأنه يريد الزواج مجددا و عندما رفضت خيرني بين القبول أو الطلاق، فاخترت الطلاق حفظا لكرامتي».
أما صاندرا35سنة ، فتقول بأنها حملت مرة واحدة في أول سنة من زواجها، لكنها فقدت جنينها بعد مرور 3 أشهر، ولم تتمكن من الحمل مجددا إلا بعد سنتين و فقدت طفلتها بعد ولادتها بأقل من أسبوع، الأمر الذي انعكس سلبا على حياتها، فوالدة زوجها كانت تنعتها بألقاب مختلفة من بينها « المقبرة أو الجبانة»، أما زوجها فقد كان داعما في البداية، لكنه و بعد مرور سبع سنوات من الحرمان، اضطر للرضوخ إلى مطلب أسرته بالزواج مجددا، و لأنها لم تستطع التكيف مع زوجته الجديدة طالبته بتطليقها فتخلى عنها.
عاقر و نذير شؤم
من بين أكثر القصص المحزنة، هي قصة وداد 23 سنة، التي أخبرتنا بأنها تزوجت قبل إحدى صديقاتها المقربات بثلاث سنوات، لكنها لم ترزق بطفل، وبعد زواج صديقتها رزقها الله بصغيرة في أول سنة زواج، تقول :» في البداية أعلمتني بحملها، لكنها قطعت اتصالها بي مع قرب ولادتها، إلى أن سمعت بأنها قد وضعت، فذهبت لأزورها وأبارك لها، لكن والدتها منعتني من حمل الطفلة و قالت بأنني عاقر و بالتالي فإنني نذير شؤم و إن حملت الصغيرة فقد أتسبب في مرضها أو موتها، كانت صدمتي كبيرة و لم أتحمل الموقف».
تونس و حلم الحمل المدعوم
قصص كثيرة تختلف تفاصيلها، لكنها تصب جميعها في قالب واحد ، هو حلم السفر إلى تونس لإجراء عملية تلقيح اصطناعي ناجحة، لأن فرص النجاح هناك، كما تقول السيدات، أكبر، فمعظم محدثاتنا قلن بأنهن سبق و أن دفعن الكثير على العلاج و تجولن بين ربوع الوطن لاستشارت أطباء، غالبيتهم ينصحونهن بإجراء عمليات حقن مجهري أو أطفال الأنابيب في تونس، لكنها كما قلن عمليات جد مكلفة و تتطلب حوالي 45 مليون سنتيم، وهو مبلغ لا يستطيع الجميع توفيره بسبب الظروف المادية، ليبقى الحلم معلقا و الرحم خاويا و الألم يعتصرهن، خصوصا وأن المجتمع يميل إلى إطلاق الأحكام و ظلم المرأة حتى و إن لم تكن هي سبب المشكل.
البروفيسور منار لحمر رئيس مصلحة التوليد بمستشفى قسنطينة
20 في المئة من الحالات سببها رجال
أوضح رئيس مصلحة أمراض النساء و التوليد بالمستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة، البروفيسور منار لحمر، بأن مشكل العقم لا يرتبط بالأساس بالمرأة، فحوالي 20 في المئة من حالات تأخر الإنجاب لدى الأزواج سببها نساء، بينما تمثل السيدات نسبة30 في المئة، مشيرا إلى أن المعاينات اليومية للمرضى، تشير إلى أن حوالي 25في المئة من الأزواج الجدد في الجزائر، يعانون من مشكل ضعف جنسي. الأخصائي أكد بأن تكيس المبايض يعد أبرز الأسباب وراء العقم عند النساء، بالإضافة إلى مشكل وجود خلايا الرحم خارجه، و مشاكل أخرى تتعلق بعجز في قنوات فالوب و السمنة المفرطة وحتى مضاعفات لها علاقة باستخدام مواد كيميائية متضمنة في مواد التجميل و العطور، بالمقابل سجل تراجع كبير في مشاكل الالتهابات التي تطور علاجها و لم تعد من مسببات تأخر الحمل. أما بالنسبة للرجال، فإن ضعف النشاط و نقص العدد المنوي يعدان من أبرز مسببات العقم، لكن المشكل الأكبر يكمن في رفض الكثير من الرجال للتشخيص و التحليل، و بالتالي فإن السيدة تكتفي بعلاج نفسها و الدوران في حلقة مفرغة، الأمر الذي لا يأتي بنتيجة في النهاية، رغم إكثارها من تعاطي الأدوية المنشطة، وهنا يشدد الدكتور على أهمية التقليل منها، لأن أدوية التخصيب الكثيرة قد تودي بحياة المرأة و قد تحول تأخر الإنجاب إلى عقم مطلق، مضيفا بأن الكثير من النساء يتسرعن في اللجوء إلى الطب بعد6 أشهر فقط من الزواج، مع أن الوقت يعد مبكرا إذ لا يمكن الحديث عن العقم، إلا بعد مرور سنة كاملة من الزواج و العلاقات المنتظمة.
البروفيسور عبد المجيد بركات
العقم أصبح من مشاكل الصحة العمومية في الجزائر
يؤكد البروفيسور عبد المجيد بركات أخصائي أمراض النساء و التوليد بمصحة دار الشفاء بقسنطينة، بأن العقم تحول إلى مشكل من مشاكل الصحة العمومية، ولا يتعلق الأمر ، حسبه، بطرف واحد فقط، بل إن النسبة متساوية مناصفة بين الرجال و النساء، علما أن المشكل عالمي، فهناك إجماع دولي حول التراجع في عدد الولادات في العالم ككل، و السبب الرئيسي هو التوتر و السمنة، خصوصا عند النساء، و كذا التدخين و نوعية الأطعمة التي نتناولها، فضلا عن السموم الموجودة في الهواء.
أما بخصوص مجتمعنا، فيشير المختص إلى أن تراجع سن الزواج يعد من بين المسببات إذ تحصي الجزائر حوالي 10 آلاف سيدة في سن الإنجاب تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 49 سنة.
لكن يقول البروفيسور بركات، بأن العقم لم يعد مشكلا مستعصيا، إذ أن الجزائر حققت نقلة نوعية في مجال الحمل المدعوم منذ نهاية التسعينات و بداية الألفية الثانية، و أصبحنا نتوفر على مراكز للتلقيح و الحقن التي من شأنها حل مشاكل تأخر الإنجاب، خصوصا عند المرأة، وأبرزها ضيق عنق الرحم الذي يشكل 2 في المئة من الحالات، مقابل 30في المئة مشاكل ناجمة عن أمراض الرحم، و 40في المئة التصاقات في قنوات فالوب.
ن. ط