الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

تخلصوا من أزمة السكن لكنهم يجدون صعوبات في التأقلم


نوستالجيا "بنة" رمضان تعيد المرحلين الجدد لأحيائهم القديمة  بوهران
لم تتأقلم عدة عائلات من المرحلين الجدد من الأحياء العتيقة إلى الأقطاب العمرانية الجديدة مع الحياة الجديدة ، خاصة وأن عملية ترحيلها تزامنت مع شهر رمضان الذي له نكهة مختلفة من حي لآخر بوهران.
إلتفتت مجموعة من السيدات حول بعضهن في حافلة النقل الحضري التي خصصت للعمل على مستوى خطوط إحدى الأحياء الجديدة التي تبعد عن مدينة وهران بحوالي 25 كم، وبدت جلستهن عبارة عن نوستالجيا لإستعادة صور عن «بنة رمضان» التي تفتقدنها في هذه السكنات،  التي هي عبارة عن عمارات  لا تسمح هندستها ولا تركيبتها البشرية بأن تعيش العائلات لحظات لها نكهتها الخاصة.
حنين للمهراس و نكهة السهرة في «الحوش»
تقول السيدة فاطمة  وهي تروي حنينها «قبل شهر من رمضان كنا في منطقة راس العين التي هي أقدم مكان في وهران، نجتمع لنحضر الكسكسي ونعد التوابل التي نشتريها غير مرحية ونغسلها ثم نضعها في الشمس لتجف ثم نتداول على هرسها في «المهراس النحاسي» فتحافظ على نكهتها وكل مكوناتها، أما اليوم عجزنا عن فعل ذلك في العمارة، لدا كل يوم ننتقل للحي القديم عند من بقي من الجيران لنستعيد تلك العادات والتقاليد».
وتضيف السيدة جميلة «أنا ولدت وترعرعت وتزوجت وأنجبت في حي راس العين الذي أصبح جزءا مني، وتشربت من العادات والتقاليد التي وجدت الجدات يمارسنها خاصة في رمضان حيث لا تغيب «التويزة» في كل شيء ولا تغيب السهرات التي تقام كل يوم في بيت ولا تغلق أبواب المنازل، هذا يحز في نفسي كثيرا خلال رمضان في الحي الجديد، رغم أنني سعدت بالشقة المنفردة وليس الغرفة التي كنت أعيش فيها مع أولادي، ولكن نحتاج لوقت طويل كي نتعود على غلق الأبواب والإحتباس بين الجدران» وتشير هنا «الحمد لله أن العمارة التي أسكنها بها مجموعة من جيراني القدامى، وتقريبا كل يوم ننتقل للحي القديم لنتنفس نسماته ونغترف منه ما نستطيع من تلك العادات التي رسخت في وجداننا».
أما السيدة زهرة فلم يعد لها أحد تعود إليه في الحي القديم لأن كل أفراد عائلتها تم ترحيلهم معها، توضح أنها خلال رمضان تحاول إستعادة بعض العادات والممارسات التي تعودت عليها في راس العين وهذا ببرمجة سهرة كل يوم في بيت أحد من عائلتها أو بعض الجيران القدامى، ولكن نكهة السهر في «الحوش» ليست مثل العمارة وتشير أنها تجد صعوبة أيضا مع أولادها الصغار الذين لا ينقطعون عن التردد على بيوت أعمامهم أو جدتهم في الحي الجديد لأنهم ألفوا العيش مع أبناء العائلة الكبيرة وتعبر عن هذا «بعض المرات أفطر لوحدي في الشقة، أو أحمل ما طبخت وأنتقل لشقة أم زوجي بما أن أولادي يرتاحون فيها».
هذا الحنين الذي تتقاسمه تلك السيدات هو ذاته المركون في قلوب الوهرانيات اللواتي فقدن تقريبا كل العادات والتقاليد بسبب أن أغلبهن إنتقلن من الأحياء القديمة الشعبية إلى أحياء أخرى  لكنها تضم خليطا من الناس قد لا يعرفون بعضهم البعض رغم عيشهم المشترك لسنوات.
الرجال لم يقطعوا «الحبل السري» مع الأحياء القديمة
الرجال والشباب من جهتهم لم يقطعوا «الحبل السري» مع الأحياء القديمة ولكن مع ذلك ترتسم لديهم صور المعاناة لإبتعادهم عن تلك الأحياء التي كانت إمتدادا لبيوتهم وكأنهم كانوا يسكنون الحي ويسكنهم ،  و يروي هواري حرقته لمغادرة منطقة «سكاليرا» بسيدي الهواري، حيث كان يبدأ يومه باستنشاق نسمات المتوسط مباشرة التي تجره لينزل للمسمكة أين يلتقي ب «أولاد الحومة الحواتة» الذين كانوا يبيتون الليل في جوف البحر ليصطادوا السمك، وكان هواري يشتري منهم ما يستطيع من السمك يحمله في صناديق على دراجته النارية ويصعد به للحي ليعيد بيعه، و يوضح في هذا الإطار «لم أتناول سمكا مجمدا في حياتي، بل هذا عيب علي وأنا ابن البحر والحال نفسه لكل أبناء سيدي الهواري» ومن أجل هذا ينتقل هواري يوميا من الحي الجديد إلى المسمكة ليقوم بنفس العملية و يحمل معه كمية من السمك الطازج إلى بيته، هذه العملية يكررها هواري على مدار السنة حتى في رمضان، لكن الأمر أصبح شاقا و بدا الرجل وكأنه يريد أن يجد حلا يجمع بين حبه للبحر والسمك وإبتعاده عنهما.
نفس الحنين  جعل حكيم وهو شاب لم يتجاوز الثلاثين من عمره، يحتفظ بعمله في الحي القديم في ورشة خياطة لتكون حجته اليومية للتنقل لسيدي الهواري والمحافظة على توازنه النفسي مثلما يقول، خاصة في رمضان، حيث يعمل نهارا ويبقى  إلى ما بعد الإفطار لأن كل بيوت الحي القديم مفتوحة له، لمشاركة الجيران وجبة فطور رمضان ولا يجد حرجا في ذلك لأنها عادة  كان يعيشها من قبل، حيث أن إفطار رمضان، كما يقول، ليس بالضرورة في منزله العائلي ولكن في أي بيت من منازل الجيران، أما السهرة فيتم قضاء جزء منها مع شباب الحي، وهكذا كل يوم حسبما يسرد،  مضيفا أنه في بعض الأحيان يتمل الليل في سيدي الهواري وينام في الشارع، ليس مثل المتشردين ولكن هناك عادة في الأحياء الشعبية في رمضان عندما تكون الحرارة مرتفعة، يفترش شباب الحي أرصفة الشارع ويقيمون جلسات سمر لغاية السحور ثم ينامون هناك، فمثلما سبق وأن ذكرنا الشارع كان إمتدادا للمنازل، عكس الأحياء الجديدة أين أصبح الشارع غريبا عن البيت.
لكن فئة أخرى من المرحلين تجد صعوبة في التنقل للحي القديم ليس لإنعدام النقل بل لأنهم أطفال صغار، فبعدما كانت المعلمة من أبناء الحي يعرفها جميع التلاميذ، أصبح هؤلاء مثل الغرباء عن بعضهم البعض داخل القسم الذي يجمع أبناء كل العائلات التي رحلت من مختلف أحياء الولاية، وغرباء حتى أثناء اللعب في الشارع فتجدهم يبحثون عن أقرانهم من الذين كانوا معهم في الحي القديم لممارسة ألعابهم المعتادة مثل «الكاريكو» وهي لوحة خشبية تنزلق بواسطة لوالب حديدية، ولعبة «البينيور» التي تنتشر في  هذا الوقت تزامنا وتواجد فاكهة المشماش التي تنزع نواتها وتنظف ثم تجفف في الشمس لتصبح صالحة للعب.
وهكذا بدأت «بنة رمضان» تتلاشى شيئا فشيئا وسط العمارات الجديدة وتلقي بظلالها فقط في الأحياء القديمة.
هوارية ب

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com