مواطنون يسترجعون وثائقهم الضائعة عبر "الفايسبوك"!
تحوّل موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، إلى فضاء يلجأ إليه الكثيرون للوصول إلى أصحاب وثائق هوية عُثر عليها بالصدفة، من أجل تسليمها لهم، و هي ظاهرة جديدة يرى البعض أن لها مزايا، فقد مكنّت عشرات المواطنين من استرجاع أغراضهم في ظرف ساعات، عوض اللجوء إلى الإجراءات الرسمية التي قد تتطلّب وقتا أطول، لكن المختصين في القانون يحذرون من خطورة الأمر و يصنفونه في خانة التشهير و انتهاك الحياة الشخصية للآخرين، مع ما ينجرّ عن ذلك من إمكانية استغلال المعلومات الخاصة بالأفراد، من طرف المجرمين.
يقول حكيم، و هو موظف بالعاصمة، إنه تفاجأ خلال إحدى زياراته إلى ولاية برج بوعريريج، بابنه و هو يعلمه بأنه تلقى عدة مكالمات من الأصدقاء، أبلغوه فيها أن رخصه سياقة والده قد ضاعت قبل دقائق بولاية برج بوعريريج، و بأن عليه أن يتواصل مع صفحات "فايسبوك" نشرت الخبر لاستعادتها، ليكتشف حكيم، بالفعل، أن الوثيقة قد ضاعت منه ثم يتمكن من استرجاعها في ظرف أقل من نصف ساعة، و يضيف محدثنا أن ما أعجبه في الأمر، هو أن الشخص الذي وجد البطاقة، حرص على عدم إرسال جميع المعلومات المدونة بها إلى الصفحات، بل اكتفى بالصورة و مكان استخراج الرخصة، رغم ذلك، يعترف حكيم بأن الطريقة الأنسب، تكون بتقديم الوثيقة للجهات الأمنية، لكن استرجاعها في هذه الحالة، قد يتطلب أياما.
صفحات لا تراعي الخصوصية و أخرى تنشر بشروط
حالة حكيم ليست الوحيدة، فقد أصبحت صفحات "الفايسبوك" مليئة بمثل هذه البلاغات التي تنُشر بشكل شبه يومي و تشمل الوثائق الثبوتية و رخص السياقة، و حتى جوازات السفر و مفاتيح السيارات و بعض الأغراض الثمينة، و هو ما يرى فيه العديد من المواطنين، أنه سلوك سويّ و حضاري يعكس، بنظرهم، مدى أمانة أصحابه، لكن الخطير في الأمر هو أن بعض الإعلانات المنشورة في "الفايسبوك"، لا تخفي البيانات الشخصية الخاصة بالأشخاص الذين ضاعت منهم الوثائق، فتوضع بها الصورة الشخصية و العنوان المضبوط و حتى مكان الازدياد و رقم البطاقة و الإماء و غيرها من المعلومات، ما يفتح الباب أمام المُحتالين و محترفي التزوير، الذين قد يستغلون كل هذه التفاصيل لنسخ هذه الوثائق و تزويرها لاستعمالها في أعراض إجرامية.
و في هذا الخصوص، يوضح مصطفى و هو مسيّر إحدى صفحات "الفايسبوك" الشهيرة بقسنطينة، أنه يحرص رفقة فريق المسيرين، على عدم إظهار جميع المعلومات الخاصة بالأشخاص الذين تنُشر أغراضهم الضائعة بناء على رسائل من وجدوها و التي تصل إلى البريد الخاص بالصفحة، فغالبا ما يتم إخفاء الصورة و العنوان، و الاكتفاء بوضع الإسم، كما أنه يتأكد شخصيا من أن المعني أو أحد أقربائه استلم الوثيقة، عن طريق الاتصال به عبر الهاتف بشكل مباشر، مضيفا أنه و بعد تسلم المعني لغرضه، يتم فورا حذف الإعلان، لتجنب إعادة نشره من طرف متابعي صفحته التي يقول إنها ساعدت مؤخرا فقط، في إعادة رخصة سياقة فقدها أحد سكان قسنطينة بمدينة القل.
و يؤكد مصطفى أن الطريقة الأمثل للتصرف في مثل هذه المواقف، تكون بإبلاغ مصالح الأمن قبل اللجوء إلى "الفايسبوك"، لكن الكثير من الأشخاص أصبحوا، برأيه، يفضلون استعمال هذا الفضاء الافتراضي، لأن استخدامه سريع و لا يتطلب سوى بضع نقرات، كما أنه يضمن وصول المعلومات لأكبر عدد من المتابعين في وقت وجيز، مضيفا أن إرسال الوثيقة الضائعة عبر البريد إلى صاحبها، غير مضمون، لأن المعني يكون، ربما، قد غيّر عنوان مسكنه. و بالمقابل، لا يتردد العديد من الأشخاص في الإبلاغ عن حالات الضياع التي تعرضوا لها عن طريق نشرها بالفضاء الأزرق، حيث يضعون تفاصيل الغرض الذي يبحثون عنه و المكان الذي يظنون أنه فُقد فيه، و ذلك قبل التفكير في تبليغ مصالح الأمن، اعتقادا منهم أن هذه الوسيلة الحديثة هي الأسرع و الأنجع، رغم ما قد ينجرّ عن ذلك من متاعب.
بن حمودة بوبكر الأستاذ في العلوم القانونية بجامعة قسنطينة
نشر بيانات الآخرين يُعد تشهيرا و القانون لا يعترف بحسن النية
النصر اتصلت بالسيد بن حمودة بوبكر أستاذ العلوم القانونية بكلية الحقوق في جامعة قسنطينة 1، لمعرفة وجهة النظر القانونية فيما يتعلق بهذه الظاهرة الجديدة على المجتمع الجزائري، و قد كانت إجابته بأن الإشكالية لا تكمن في وسائل التواصل الاجتماعي بحد ذاتها، بل في عدم تنظيم الإعلام الشبكي و عدم تنصيب سلطة الضبط الخاصة به، سيما بعد أن أصبح جميع المواطنين "إعلاميين مُفترضين"، ينشرون الأخبار و المعلومات و يتداولونها على الأنترنت.
و يرى الأستاذ بن حمودة، أن نشر المعلومات الخاصة بالأشخاص على الأنترنت، و لو كان عن حسن نية، يُهدّد في الواقع حرية الأفراد و حياتهم و كذلك النظام العام، مضيفا أن من حق أي شخص نُشرت وثيقة خاصة به على "الفايسبوك"، اللجوء إلى المساءلة الجزائية، فالمفترض، مثلما يتابع، إيصال بطاقة تعريف أو رخصة سياقة مفقودة إلى صاحبها، عن طريق القنوات الرسمية و القانونية، بالمرور على مصالح الأمن أولا، أو إرسال الوثيقة إلى بريد الشخص المعني.
و يؤكد المختص في القانون، أن تصرفا هكذا يبدو حضاريا للبعض، لكنه قد يخفي وراءه عملية سرقة أو أمور أخرى، كما قد يعرض صاحبه للمساءلة القانونية، بتصنيفه في خانة التشهير و التعرض للحياة الشخصية للآخرين، و هي تهم يمكن تنتهي بعقوبة الحبس أو دفع غرامة مالية، و هي إجراءات عقابية يستبعد محدثنا الوصول إلى تطبيقها ببلادنا، على اعتبار أن أغلب الأشخاص الذين يتضّررون من نشر المعلومات الخاصة بهم على الأنترنت، في حال ضياع وثائقهم، لا يرفعون شكاوي إلى الجهات الأمنية، داعيا إلى وجوب توسيع مهام النيابة العامة في مثل هذه الحالات، لأن الأمر يتعلق بقضايا تمس مباشرة الحرية الشخصية للآخرين، على حد تعبيره.
ياسمين.ب