الخلع سلاح دمار شامل بيد زوجات أنانيات و الأبناء يدفعون كل الفواتير
يدعو زوج خلعته زوجته و صمم على أن ينقل معاناته إلى القراء، كأول جزائري يكسر جدار الصّمت لاستخلاص العبر، إلى عدم إخضاع اختيار الطرف الآخر لمحك العاطفة فقط، و العودة إلى تعاليم الدين و عادات و تقاليد الأجداد في هذا المجال، لأنها، حسبه، تقود إلى الاختيار الأمثل و وضع أسس متينة لحياة زوجية مستقرة، كما يدعو المشرع إلى تقييد اللجوء إلى الخلع، الذي تفشى بمجتمعنا بشكل مرعب و أصبح سلاح دمار شامل بيد الزوجات يستعملنه في لحظات غضب و أنانية ، مع الحرص على إجراء تحقيق اجتماعي معمق، قبل الموافقة على أية دعوى من هذا النوع، و ذلك لحماية البيوت من شبح الخراب و الأبناء من اليتم و التشرد و الضياع .
التقينا بمهدي .ب ، 52 عاما ، بناء على موعد مسبق في عيادة طبيب، و أعرب لنا عن رغبته في تكسير جدار الصمت و سرد قصته مع الزواج و الخلع، لتكون عبرة لمن يعتبر من الشباب، لكي لا ينساقوا، كما قال، خلف وميض العواطف عند اختيار شريكة الحياة، بدل التفكير العقلاني، مشيرا بأصابع الاتهام إلى المادة 54 (أمر رقم 05 ـ 02 مؤرخ في 27 فيفري 2005) من قانون الأسرة الجزائري المعدل، المتعلقة بالخلع، و التي جاء فيها «يجوز للزوجة دون موافقة الزوج أن تخالع نفسها بمقابل مالي . إذا لم يتفق الزوجان على المقابل المالي للخلع، يحكم القاضي بما لا يتجاوز قيمة صداق المثل وقت صدور الحكم».
لا أزال تحت الصدمة و أبنائي وجعي الأكبر
لاحظنا بأن محدثنا يحفظ المادة عن ظهر قلب، لأنه اكتوى، كما قال، من نارها، و لا يزال يعاني من عواقبها هو وثلاثة أبناء تتراوح أعمارهم بين 22 و 12عاما، مؤكدا بأن أسرته ليست الوحيدة التي انهارت بضربة قاضية من رحم هذه المادة الموجعة، فهناك آلاف الأسر كأسرته و مئات الأبناء كأبنائه، و أشار إلى أن كل وسائل الإعلام التي دقت ناقوس الخطر في ما يتعلق بظاهرة الخلع، و من بينها النصر قبل أشهر، دون أن تنقل معاناة الرجال «المخلوعين»، لأنهم يرفضون الحديث عن التجربة المؤلمة التي يصنفونها في خانة الطابوهات، لأنها تجعلهم يشعرون بالخجل و العار و الإحباط لدرجة الاكتئاب، و حتى الانهيار العصبي أحيانا.
و أضاف مهدي بأنه فكر كثيرا قبل أن يتخذ قرار فتح قلبه، لعل الصخرة الثقيلة التي يشعر بأنها تجثم فوق صدره و تخنق أنفاسه تزول و تتلاشى، و عاد بذاكرته إلى سنوات طويلة من حياته ، قائلا «أنتمي إلى أسرة بسيطة متعددة الأفراد ، و كنا نقيم معا في منزل كبير بحي شعبي في قسنطينة، و كانت تزور ابنة أختي في المنزل من حين لآخر، فتاة جميلة أخبرتني بأنها زميلتها في الدراسة و تربطهما صداقة وطيدة، و تعرفت لاحقا على شقيق الفتاة و أفراد من عائلتها ، ثم نشأت بيننا قصة حب تطورت بمرور السنوات ، و علمت منها بأنها تعاني من مشاكل و ضغوط لا تنتهي مع أفراد أسرتها، فوالدها استقال من مسؤولياته ، و والدتها منهمكة في العمل و تبذل قصارى جهدها من أجل إعالة أبنائها. و عندما عرضت على الفتاة الزواج، و شرحت لها بأنني مجرد عامل بسيط بعقد مؤقت، و مستواي التعليمي متوسط و لدي غرفة واحدة في المنزل العائلي ، وافقت بسرعة، و كان شرطها الوحيد أن أسمح لها بمتابعة دراستها الجامعية. لم أتردد في قبول شرطها و مباركته ، و بعد شهور معدودة من الخطوبة ، نظمت أخواتي حفل زفاف بسيط ببيتنا و تزوجنا و كنا نرفل في السعادة و نحن ندخل قفص الزوجية بمعنى الكلمة، لأنني لم أكن أستطيع أن أوفر لها سوى غرفة صغيرة بمنزل أهلي «.
زيارات و تدخلات أفراد عائلة زوجتي أشعلت أول فتيل خلافاتنا
توقف المتحدث فجأة عن الكلام، و طلعت من أعماقه تنهيدة ألم و تابع» قضينا الثلاث سنوات الأولى من زواجنا في هناء و استقرار، أنجبنا خلالها ابننا البكر، ثم اندلعت الصراعات و المشاكل ، من جهة بين زوجتي و زوجات إخوتي، لأننا كنا نقيم بنفس المنزل، و من جهة أخرى بيني و بينها بسبب زيارات إخوتها و أخواتها المتكررة و مكوثهم لأيام و أسابيع معنا في نفس الغرفة، علما بأنني قلت لها قبل الزواج بأنني لا أملك سوى غرفة واحدة في منزل والدي الذي يقيم فيه إخوتي المتزوجين و أبنائهم. و كنت أتساءل هل تزوجتها هي أم عائلتها بأكملها؟ و كنت أشعر بالانزعاج و الحرج و أخبرها بذلك، لكنها لم تحرك ساكنا».
و تابع بنبرة حزن وحسرة « عندما تخرجت من الجامعة ، بحثت لها عن عمل في سلك التعليم، في البداية كان مؤقتا، ثم حصلت على منصب قار، و عندئذ تضاعفت زيارات و تدخلات أمها و أخواتها و إخوتها في حياتنا ، و كنت أشم رائحة الغيرة و التحريض على الانفصال من كلامهم ، من أجل الاستحواذ على راتبها، لأن وضعهم المادي كان سيئا جدا، و كنت أتظاهر باللامبالاة أحيانا، و أخرى أنصحها بكل حب و حنان أن تتجنب الأقاويل و الإشاعات التي قد تهدد حياتنا الزوجية، لكنني أدركت في نهاية المطاف أنني أحارب عائلة كاملة من أجل حماية زوجتي و أبنائي فقد أصبح لدينا ثلاثة أبناء، و لأنها كانت تعمل و تعود متعبة في المساء، كنت أساعدها في تربية الأبناء و أشغال البيت لعلها تفهم بأنني أحبها و أحب أبنائي و تتمسك بنا أكثر من أي شيء آخر، و لوضع حد لمشاكلها مع زوجات إخوتي، استأجرت بيتا صغيرا و انتقلنا إليه لعلنا نجد الراحة و الهدوء».
زوجتي طعنتني بسكين
اغرورقت عينا مهدي بالدموع و طأطأ رأسه مطولا ، ثم أردف» هيهات أن نجد الهدوء و كأن حياتي معها سلسلة عواصف و زوابع متتابعة، أصبحت زوجتي عصبية جدا تصرخ دون سبب و تهملني و تهمل أبناءنا، و تقضي وقتها مع أفراد أسرتها أو جارة شابة حذرني منها جيراني لأنها، حسبهم، ذات سمعة سيئة، و كنت ألاحظ بأن زوجتي أصبحت كثيرة الكلام في هاتفها النقال، و تحمله دوما معها، و كلما أسألها عن السبب، ترد بانفعال بأنها تتواصل مع صديقاتها و قريباتها، و شاء القدر أن يصاب ابننا البكر بمرض خطير، و كدت أنهار من الخوف عليه في رحلة العلاج الصعبة، و بعد أن تجاوز مرحلة الخطر، عادت مجددا العواصف إلى منزلنا و معها إدمان زوجتي على مكالمات مجهولة .عدت ذات يوم مبكرا إلى البيت، و عندما هممت بفتح الباب ، سمعت زوجتي تعبر عن حبها و شوقها لشخص كانت تدعوه «حبيبي»، جن جنوني و فتحت الباب بسرعة و عندما حاولت انتزاع الهاتف من يدها حطمته، و رفعت يدي لأصفعها ، فطعنتني بسكين في صدري..».
توجهت إلى المستشفى و تلقيت الإسعافات اللازمة، و ادعيت بأنني سقطت فوق جسم حاد، و رفضت رفع شكوى ضد زوجتي من أجل أبنائنا، و عندما عدت إلى البيت، بدل أن تعتذر و تشرح طلبت مني أن أطلقها، أتدرون ماذا فعلت ؟ صفعتها و حملت ثيابي و عدت إلى غرفتي القديمة و جراح روحي و قلبي تنزف بسبب سكين الخيانة و الغدر ، أكثر من جرح سكين طعنتني به شريكة حياتي و أم أولادي و قلت لنفسي، الزمن كفيل بكل شيء.. و صبرت و احتسبت ربي، و كنت أزور أبنائي من حين لآخر و أقدم لهم ما تيسر من مصروف، و لم أكن أتحمل نظرات الحيرة و القلق و الخوف في عيونهم البريئة، لأنهم ضحايا اختياري الخاطئ لأمهم.
الاستدعاء الذي قلب حياتي رأسا على عقب
و في أحد الأيام ، بينما كنت بمقر المؤسسة التي أعمل بها، أحضر لي ساعي البريد استدعاء من محكمة شؤون الأسرة، و اكتشفت أن زوجتي رفعت دعوى خلع بعد أن حصلت على سكن وظيفي، أقسم بالله كدت أموت قهرا ليس من أجلي، بل من أجلي صغاري الأبرياء و آمالي التي تحولت إلى آلام مزمنة ، و عندما حان موعد الجلسة ، توجهنا إلى مكتب القاضية ، سألت زوجتي عن سبب رفعها للدعوى، فلفقت مجموعة من الأكاذيب و الادعاءات دون خجل أو وجل، و عندما حان دوري للكلام، لم تتركني زوجتي أتكلم و حاصرتني بالاتهامات، و عندما طلبت منا القاضية توقيع عريضة بحوزتها، لم أتردد في ذلك دون أن أقرأ و لو كلمة واحدة».
و استطرد مهدي قائلا» انتهت 15عاما من الحب و الزواج و الحياة المشتركة، و انهار كل شيء»ما عليهش»، لكن ماذا عن الأبناء؟ ابني البكر اضطر للتوقف عن الدراسة تحت وطأة الظروف القاسية، في حين يحاول أخوه و أخته تحدي نفس الظروف لمتابعة تعليمهما. أشعر أن سوطا يجلدني كل يوم و كل ساعة و كل ثانية عندما أفكر بمصير فلذات كبدي .. خاصة بعد زواج والدتهم من رجل غريب، لدرجة أنني لا أستطيع النوم ليلا و تجتاحني حالة من الرعب و الاختناق و أكاد أنهار و أغرق في بحر يأسي تحت وقع صدمة الخلع. أنا الآن أعالج عند طبيب متخصص في الأمراض العصبية يصف لي بانتظام مهدئات و حبوب منومة. أزور أبنائي في المواعيد التي حددتها المحكمة ، رغم أن طليقتي حاولت حرماني من هذه النعمة الوحيدة في حياتي، و اتهمتني بالاعتداء عليها بالشتم و القذف و رفعت دعوى بذلك، لكن العدل انتصر في نهاية المطاف و صدر حكم ببراءتي.
بالرغم من أن راتبي محدود ، أحرص على أن أقوم بواجب الإنفاق على أبنائي بانتظام و توفير كل احتياجاتهم، لكن هذا غير كاف، حلمي أن أحصل على سكن اجتماعي و يعودون للعيش معي وجددا و أعوضهم على الحرمان الطويل، لقد تقدمت بطلب و أودعت ملفا للحصول على سكن اجتماعي منذ سنوات و أنا في انتظار تحقيق حلمي.
أدعو اليوم المشرع الجزائري أن يرأف بالأسر و بالأطفال ضحايا الخلع ، و يعيد النظر في المادة 54 من قانون الأسرة و يحيط الخلع بقيود تحد من انتشاره، حتى لا تستسهله الزوجات، خاصة الموظفات المستقلات ماديا، في لحظات طيش و تهور أو أنانية، و كأنه موضة نسوية في مجتمعنا. كما أدعو الشباب إلى عدم التسرع في الزواج و العودة عند اختيار النصف الآخر إلى الشريعة و العادات و التقاليد».
إلهام طالب