* إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي خلال 3 أو 4 سنواتتخوض شركة» فيترو بلونت ألجيري» الجزائرية الإيطالية تجربة جديدة في إنتاج بذور البطاطا تعتمد على...
كشفت، أمس، رئيسية مصلحة الطب النووي بمركز مكافحة السرطان بعنابة الدكتورة عثمان رجاء، في تصريح للنصر، عن اعتماد تقنية جديدة لعلاج سرطان الغدة الدرقية باليود المشع،...
* الاستعراض العسكري عكس احترافية جيشنا وجاهزيته أكدت افتتاحية مجلة «الجيش» أن «الحفاظ على أمن واستقرار بلادنا، في عالم لا مكان فيه للضعفاء ولا يعترف...
درست الحكومة، خلال اجتماعها، أمس الأربعاء برئاسة الوزير الأول، السيد نذير العرباوي، مشروع قانون يتعلق بالتأمينات في ضوء التوجيهات التي أسداها السيد...
لا تزال ميلة القديمة، مدينة تسحر أبناءها قبل زوارها نظرا لخصوصيتها المعمارية و تاريخها الزاخر، فالمدينة التي تصنف كتوأم للسويقة بقسنطينة، لا تفقد قيمتها رغم تعاقب العقود و تغير نمط العيش و هجرة نصف سكانها، ناهيك عن انهيار قطاع من مبانيها، لأن أزقتها مساجدها ومعالمها وحتى مقاهيها تحتفظ بروح رمضان، وينبعث منها عبق تقاليد و عادات منها ما هو مكرس إلى اليوم بفضل الأوفياء من أبنائها الذين حافظوا على ذلك الرباط المعنوي الذي يعيدهم دوما إلى ميلاف، رغم بعد المسافات تماما كمن يعود إلى حضن أمه فلا يجد الأمان إلا بين ذراعيها ولا يشعر بالانتماء إلى إن اقترب منها، لذلك يقصدها هؤلاء لاستشعار نفحات الشهر الفضيل و استرجاع ذكريات الزمن الجميل.
روبورتاج: مكي بوغابة
قامت النصر، بجولة في ميلة القديمة تزامنا مع أول أيام رمضان وككل مرة لاحظنا، بأن البيوت القديمة تقاوم الزمن وترفض أن تستلم وتسقط في حفرة الفناء و النسيان، رغم أن جزءا كبيرا من القطاع الحضري القديم قد تهالك و انهارت جدرانه ولا يزال السقوط يتهدد بيوتا أخرى، بسبب الإهمال و القدم و عوامل الطبيعة. شدتنا الحركية كذلك، مع أن غالبية سكان المدينة غادروها نحو سكنات جديدة أكثر راحة وأمنا وصمودا، فلشهر رمضان بالمدينة العتيقة خصوصية لأنها تحتضن ذاكرة المنطقة و تحتفظ بفهرس العادات والتقاليد، التي توارثتها ميلة القديمة وهي المدينة الضاربة في عمق التاريخ التي تعاقبت عليها حضارات عديدة.
عودة الحركية التجارية
وتشهد المدينة العتيقة خلال أيام رمضان، ومنذ بدايته تحديدا حركية كبيرة مقارنة مع باقي أشهر السنة، أين يقصدها العديد من سكان الولاية، لشراء مستلزمات الإفطار على غرار الخضر والفواكه، و يتفنن الباعة في تزين مدخل المدينة أو «باب الرحبة» كما يحلو لأبناء الحي تسميته بمختلف السلع الاستهلاكية، كما يعرض صانعو الحلويات التقليدية ما لذ من «زلابية ومقرقشات و صباع لعروس وقلب اللوز» وكلها حلويات لا تكاد تغيب في كل موسم عن موائد العائلات الميلية والجزائرية عموما.
ولا يتوقف النشاط على الجانب التجاري فحسب، فهناك من يترددون ليلا على المدينة القديمة قادمين من أحياء قريبة أو حتى بعيدة أحيانا، لأجل صلاة التروايح والسهر مع الأصدقاء والأحبة في المقاهي والشوارع.
مقهي دحماني شاهد حي على تاريخ «المدينة» و نقطة لقاء
ورغم رياح التغير والتطورات التي عرفها المجتمع المحلي، إلا أن العديد من سكان عاصمة الولاية، يفضلون التوجه في ليالي رمضان نحو المدينة العتيقة وبالأخص نحو مقهي «دحماني»، الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى الحقبة العثمانية كما يتداول، وفي حديثنا مع صاحب المقهي، جمال دحماني، قال بأن ملكية المكان تعود لأجداده الذين توارثوه أبا عن جد منذ زمن العثمانيين وقد استمرت سلسلة الميراث إلى أن وصلت إلى والده الذي أورثه أياه بدور.
مضيفا، بأنه وبالرغم من هجرة نصف سكان المدينة العتيقة نحو منازل جديدة وتراجع النشاط في المنقطة، إلا أنه يصر كل يوم على مواصلة العمل وفتح المقهى أمام الأوفياء، لأن من يقصدونه يبحثون بالأساس عن « ريحة زمان»، أو عبق الماضي والذكريات لأن المنطقة خلفية مشرقة ومهمة لمدينة ميلة وسكانها على مر العقود، ففيها تمتزج عناصر التراث مجتمعة.
عمر محدثنا، 58 سنة، قضى جزءا كبيرا منها في مقهاه الذي يعد شاهدا على الكثير من الأحداث و نقطة لقاء لكل زائر إلى ميلة القديمة، وحسبه فإن روح رمضان كانت قد انكمشت نوعا ما في سنوات مضت، لكن الأجواء جاءت خاصة هذا الموسم، مع عودة الحركية نسبيا قبل وبعد بداية الشهر الفضيل.
فالمقهى يستقبل حسبه، زبائن من القطاع القديم ومن أحياء مجاورة إلى جانب زوار قادمين من خارج الولاية أحيانا، بينهم من يأتون من قسنطينة وجيجل، يدخلون المقهى كمن يلاحق ذكرى لأن أغلبهم في الأصل من أبناء المدينة الذين قادتهم مسارات الحياة للعيش و العمل في مدن أخرى، فتجدهم يترددون على المكان خلال رمضان مشدودين بالحنين، يجلسون لتبادل الحديث مع معارفهم أو مع باقي الزبائن، ويرتشفون القهوة ويستمتعون بمشاهدة البرامج التليفزيونية.
حسب محدثنا، فإن النشاط يمتد إلى خارج المقهى أحيانا، ليبلغ الأزقة القديمة أين يفضل البعض الممارسة المشي بعد الإفطار، أو السهر فقط،وهي أجواء قال بأنه افتقدها خلال سنوات مضت، لأن المدينة القديمة، كانت القلب النابض لميلة، بدءا من محلاتها التي تعرض ما لذ وطاب وصولا إلى شوارعها، وهو تحديدا السبب الذي أعاد إليها روحها هذا الموسم بعدما انقشعت سحابة الجائحة كليا و عادت الحياة إلى طبيعتها.
مواطنون قابلناهم في المكان، تحدثوا عن سحر المدينة التي لا تزال قادرة على الاستقطاب رغم تدهورها وانهيار أجزاء من بناياتها مقابل تطور التجارة في الأحياء والشوارع الكبرى، حيث قال رجل، إنه يتردد عليها في كل موسم رمضاني، لأجل التسوق لأيام الشهر، وذلك لأن كل البضائع متوفرة كما أن الأسعار تكون في متناول المواطن البسيط عادة مقارنة بأماكن أخرى.أما مواطن آخر، فأخبرنا بأن حال المدينة يحز في نفسه، لأن معظم المحلات أغلقت لعدة أسباب منها الانهيارات المستمرة للبنايات أو أجزاء منها، فيما توجد بنايات ومنازل أخرى في وضعية سيئة، وهو ما دفع بغالبية التجار إلى التخلي عن المنطقة والتوجه نحو التوسعات الحضرية الجديدة، مع ذلك لم ينكر محدثنا أنه يقصد المدينة في كل رمضان هو والعديد من أبنائها لأجل استشعار نفحات الشهر و استرجاع جميل الذكريات.
سهرات المالوف في المقاهي
ومن العادات القديمة المرتبطة برمضان كما قال جمال دحماني صاحب المقهى الشهير، السهرات الموسيقية في المقاهي، أين كان شيوخ المالوف والفنانون يجتمعون لإحياء سهرات خلال أيام الشهر.
وهو ما ذهب إليه السيد لزهر، ابن المنطقة، الذي أوضح بأن المدينة القديمة تسكنه ولا يمكنه الابتعاد عنها أبدا، حتى وإن كانت ظروف العيش فيها قد تراجعت بفعل وضعيتها المتهالكة، فرغم تغييره لمقر سكناه، إلا أنه يقصد المدينة دائما ويتنقل بين محلاتها ومقاهيها التي كانت تحتضن سهرات المالوف و الآلة بعد الإفطار. كما تحدث لزهر، عن أداء صلاة التراويح بمساجد المدينة الأثرية على غرار المسجد العتيق وحنصالة، ناهيك عن السهر بمقهى «دحماني» أين يحظى بلحظات من المتعة وهو يرتشف قهوة منكهة بطعم لقاء الأحبة، قائلا بأن من عاداته التوجه مباشرة إلى المقهى بعد تناول وجبة الفطور، ثم يقصد المسجد لصلاة التروايح.
أماكن و أسماء
تقاوم ميلة القديمة الزمن وتحاول التحايل عليه والصمود أكثر، ولا تخلو زاوية من زواياها من عادات وتقاليد تروي تاريخها العتيق، والزاخر بالقصص والحكايا، فحسب عمي قدور زياني ، البالغ من العمر 90 سنة، والذي عاش حياته بين أحضان منازلها، فإن ميلة تشبه الأم التي يعشقها أبناؤها و يضلون صغارا في حضنها مهما كبروا، كان الرحل جاسا قبالة أحد المنازل، وحين لاحظ بأننا نلتقط بعض الصور، رحب بنا بحرارة ودعانا للدردشة معه قليلا.
روى لنا بعض الأمور عن تاريخ المنطقة، وكيف كانت المدينة العتيقة أيام رمضان مقصدا للمواطنين من كل ربوع الولاية ومن خارجها، لكن رياح التغيير أثرت عليها وتسببت في هجرانها قائلا، إنها تبقى رغم ذلك محفورة في ذاكرة كل الميليين.
وأضاف عمي قدور، الذي طبعت الحسرة نبرة صوته، بأن المدينة العتيقة، كانت عبارة عن منزل واحد، فالناس يجتمعون مع بعضهم للإفطار دائما ويساعدون بعضهم البعض، وقد كانت العلاقات طيبة بين العائلات التي تعرف بأسمائها، كما أن لكل مكان خصوصيته ولكل شارع أو زقاق أهله وشهرته، وقد كانت الأزقة حسبه تشهد حركية كبيرة خلال الشهر، وتظل الدكانين مفتوحة تعرض مختلف الحلويات على غرار «النوقة والزلابية».
دعانا عمي قدور بعدها للمشي قليلا معه داخل الأزقة الضيقة للمدينة، أين عدّد على مسامعنا أسماء أشخاص وعائلات، وقال إن المنازل القديمة كانت جميلة جدا في السابق، وبعضها كانت مزينة بالبلاط و الزليج و مبنية بمواد نبيلة، وأغلبها مسقفة بالقرميد الذي يعتبر الصناعة الأشهر بالمدينة .
« عين البلد» منبع الذكريات الأبدية
تركنا مرافقنا يستريح قليلا، وواصلنا طريقنا رفقة وسيم، شاب من المدينة، قال إنه يجد السكينة في المكان خصوصا خلال رمضان لأن عراقة ميلة وسحر تاريخها وعمرانها يساعدانه على الهدوء و التأمل والتدبر، خصوصا قرب «عين البلد»، قصدنا المنبع ونحن نتحدث عنه مع مرافقنا، التي اعتبره هبة إلهية لميلاف، فالعين الرومانية أو عين البلد تتدفق منذ عدة قرون وهي دليل على عظمة الخالق.
قال، إن تاريخ بنائها يعود إلى القرن الأول ميلادي وهي جزء من ذاكرة المدينة العتيقة وتعد العين الوحيدة في الجزائر التي تحتفظ بقناتها الرئيسية تحت الأرض وجريان مياهها الطبيعية منذ إنشائها إلى يومنا هذا، علما أنها تأتي من أعلى جبل بني ياروت الذي يحيط بالمدينة.
وتتميز أيضا بكون ماء المنبع باردا صيفا ودافئا شتاء ولذلك تعتبر العين وجهة مفضلة لكل سكان المدينة قبيل أذان الإفطار، لأجل الوضوء أو لأجل جلب الماء، وهناك أيضا عادة رمضانية مكرسة في المكان، فهناك من يجلبون الفواكه بعد قطفها من الحدائق القريبة، لغسلها وتبريدها في المنبع العذب.
كما أكد محدثنا، بأنه وبالرغم من هجرة معظم سكان المدينة نحو مناطق حضرية جديدة، إلا أن منهم من يترددون عليها كل شهر رمضان طلبا للراحة و لأجل طبيعة المكان العتيق العريق فالأحاديث بين المارة لا تغفل استذكار العادات والتقاليد و الإشارة إلى الماضي، وكيف كان في المنطقة رجل مكلف بإيقاظ الناس للسحور وهو أكثر ما يميز القطاع القديم، إلى جانب مساجدها كالمسجد العتيق ومسجد حنصالة، الذي كان قبل سنوات عبارة عن زاوية تدرس العلم و الدين، بالإضافة إلى زاوية رحمانة القاطبة للمصلين خلال التراويح.