سـاعــات قـسنطينـــة الـعمومـيـــة خـــارج الزمـــن ومسؤولـون يجهلـون أنهــا معطّلــــة !

لا تزال عقارب ساعات قسنطينة العمومية ، المثبتة أعلى البنايات العريقة بوسط المدينة، متوقفة منذ سنوات، فيما يجهل المسؤولون المعنيون سبب ذلك، و تبّين من خلال روبورتاج أجرته النصر، أن العديد من سكان المدينة و زوارها لا يعلمون أصلا، أن هذه الساعات العمومية موجودة، على غرار تلك المثبتة في محطة القطار و مقر البريد المركزي، رغم أنها تكتسي أهمية كبيرة في دول أخرى، تقدس شعوبها الوقت.
ربورتاج: أسماء بوقرن
النصر قامت بجولة استطلاعية إلى مختلف البنايات القديمة الموجودة بوسط المدينة التي تعتليها ساعات قديمة، ذات أشكال مميزة و أرقام كبيرة و عقارب حديدية سوداء، تضفي لمسة جمالية خاصة على المظهر الخارجي للبنايات، على غرار مبنى محطة القطار بباب القنطرة و البريد المركزي و المجلس الشعبي البلدي، بالإضافة إلى ساعة جامعة الإخوة منتوري الشهيرة التي تعتلي كلية الآداب و اللغات و غيرها، و جميعها ترمز لحقب زمنية بعيدة ، غير أن ما يشوه منظرها هو توقف عقارب الزمن بها، فأعطى صورة سلبية لكل من تقع عيناه عليها، خاصة زوار المدينة و السياح الذين يقصدونها، حيث أنهم قد يستنتجون بأن الجهات المعنية لا تهتم بالموروث الثقافي للمدينة، و بالوقت في حد ذاته، لأن الساعات العمومية من المفروض أن تكون مرجعا للكثيرين في ضبط الوقت بالتدقيق و رمزا للالتزام بالمواعيد بأنواعها . ما وقفنا عليه خلال جولتنا هو جهل بعض المواطنين لوجود ساعات تعتلي البنيات القديمة التي تضم مؤسسات و هيئات مختلفة، كما تفاجأنا بعدم علم الإدارات المسؤولة عن صيانة الساعات، بسبب و مدة توقفها ، و كلما سألنا أحد المسؤولين كان يجيب بسؤال عن مدة توقفها، و كأن الأمر لا يعنيهم و لا يدخل ضمن صلاحياتهم،  ما يدل على عدم الاهتمام إطلاقا بأمر توقفها، و بالوقت في حد ذاته، و هو ما نلمسه عند مختلف شرائح المجتمع الجزائري، فالكثيرون يعانون من مشكلة الالتزام بالوقت، في مواعيدهم اليومية المختلفة و كذا  توقيت التحاقهم بمناصب الشغل .

بداية استطلاعنا كانت بمحطة القطار بباب القنطرة، وسط مدينة قسنطينة، حيث ثبتت بأعلى بناية المحطة ساعة عمومية منذ مدة طويلة، و تشير إلى توقف الزمن بها عند الساعة الثامنة و أربعين دقيقة، رغم أنها كانت مرجعا لأبناء المدينة و المسافرين في ضبط عقارب ساعاتهم، لأنها كانت دقيقة، و تخضع لصيانة دورية. سألنا مجموعة من المارة عبر المحطة و المتعودين على سلك هذا المعبر، كما أنهم يستعملون باستمرار محطة القطار، فكانت إجاباتهم مختلفة.
شباب يجهلون تواجد ساعات عمومية بوسط مدينة قسنطينة
  سألنا سيدة في الثلاثينات من العمر، كانت تهم بالخروج من محطة القطار،  عن الساعات العمومية الموجودة بالمدينة ، و مدى اعتمادها عليها في معرفة الوقت، فردت بسؤال» هل هي موجودة حتى نستعملها؟» ، فأشرنا إلى الساعة المتربعة على حافة سقف المحطة ، و قلنا لها بأنها من بين الساعات العديدة الموجودة في الفضاءات العمومية بوسط المدينة ، فعلقت» إنها معطلة ، و ليس هناك فائدة من رصد مكانها»، مضيفة بأنها تستعمل القطار يوميا، لكنها لم تنتبه أصلا لوجودها بالمحطة، و ترى بأن دورها لا يتعدى تزيين  الفضاءات العمومية،  في ظل التطور التكنولوجي الراهن، على غرار امتلاك كل فرد لهاتف نقال يستخدمه الأغلبية لمعرفة الوقت.
و قال شيخ في الستينات من العمر، بأن الساعات العمومية الموجودة في قسنطينة، كان لها دور مهم جدا، حيث كانت مرجعا للقسنطينيين لمعرفة الوقت، و يعرفون مكان تواجد كل واحدة منها، مضيفا بأنه كان يفضل استعمال الساعة الموجودة أعلى بناية البريد المركزي، لكونها دقيقة ، بالإضافة إلى تزويدها في السبعينات بلوحة إلكترونية لعرض الأخبار و نتائج المباريات الكروية، و كذا أحوال الطقس، مشيرا إلى أنه منذ نحو 10 سنوات توقفت الساعة.
و أعرب المتحدث عن أسفه للوضع الذي آلت إليه الساعات العمومية، داعيا الجهات المسؤولة إلى تصليحها ، لما تحمله من رمزية تاريخية كما أنها  تعطي روحا للمدينة، حسبه.
محرك ساعة محطة القطار معطل و سيتم تغييره قريبا
توجهنا إلى مديرية المنشآت القاعدية بمحطة السكة الحديدية، للاستفسار عن سبب توقف ساعة المحطة منذ أزيد من 3 سنوات، فأجابنا مديرها نسيم بولعسل بسؤال « متى توقفت ؟»، منتظرا الجواب منا، فقلنا له « منذ سنة 2014»، ليؤكد لنا بعد استفساره عن الأمر من مصالحه، بأنها توقفت منذ نحو ثلاث أشهر فقط.
و أشار محدثنا إلى أن الساعة القديمة التي كانت موجودة بالمحطة، تم تغييرها سنة 1998 ، أثناء القيام بأشغال تهيئة و ترميم المحطة ، و كان آنذاك مسؤولا عن مشروع التهيئة ، موضحا بأنه تم التخلص من الساعة القديمة بسبب اهتراء إطارها الخارجي و تلف محركها الذي كان يشتغل بالنظام الميكانيكي، إذ لم يتمكن التقنيون من تصليحه، لأن قطع الغيار غير متوفرة، ما حتم التخلص منها و استبدالها بأخرى تشتغل بالكهرباء، مع تصميم إطار خارجي بشكل تقليدي مصنوع من مادة الراتنج، المستخرجة من شجر الصنوبر، باعتبارها مادة مانعة للتسربات.

 و أضاف المسؤول بأن الساعة الجديدة تخضع للصيانة بشكل دوري، و تضبط من خلال الساعة الأم الموجودة بالمحطة، التي تعتبر ساعة تحكم مركزي ، تُضبط من خلالها مختلف ساعات محطة السكة الحديدية، مؤكدا بأن سبب توقفها مؤخرا ، هو تعطل محركها و  سيتم استبداله قريبا.
الزمن متوقف عند منتصف النهار و 5 دقائق بساعة البريد المركزي
 ساعة البريد المركزي المتواجد على مستوى ساحة أول نوفمبر بوسط مدينة قسنطينة ، لا تختلف هي الأخرى عن ساعة محطة القطار بباب القنطرة، فقد توقف الزمن بها عند منتصف النهار و 5 دقائق، و لم يعد بريقها يخطف كل من مر بساحة «لابريش»، كما في الماضي،  لتعود الجميع على توقف عقاربها منذ سنوات عدة.
 حاولنا معرفة سبب تعطلها من السيد محمد بوغمبوز ، مدير فرعي للوسائل و الخدمات و الموارد البشرية بالنيابة ، فرفض الإجابة عن تساؤلاتنا العديدة، و طالبنا في البداية بإحضار ترخيص من مدير البريد المركزي، ثم قال لنا بأنه لا يعلم شيئا عن مدة توقفها، مشيرا إلى أن الساعة خضعت للصيانة منذ نحو 10 سنوات و هي لا تزال تعمل بالنظام الميكانيكي، و أضاف بأن الجهة الخارجية لبناية البريد المركزي ستخضع للتهيئة قريبا ، للحفاظ على جمال هندستها ، كما سيتم تزويدها بلوحة إلكترونية لنشر الأخبار، مع التكفل بتصليح الساعة .
الهواتف النقالة عوضت الساعات العمومية
تحدثنا مع بعض الموظفين على مستوى البريد المركزي، فقالت لنا موظفة بأنها  لا تعلم أصلا بوجود ساعة مثبتة في أعلى المقر،  مضيفة بأنه لم يعد أي شخص ينتبه لها، لأنها ليست ضرورية، فبإمكان الجميع النظر إلى ساعاتهم الخاصة أو هواتفهم النقالة لمعرفة الوقت، فيما أكدت متقاعدة من سلك التعليم، التقيناها بمقر البريد المركزي بأن الساعات الموجودة في الفضاءات العمومية بوسط المدينة و أعلى بنايات مهمة ، لها رمزية ثقافية يجهلها المواطن العادي، فإلى جانب رمزيتها من حيث الشكل و المادة المصنعة بها التي تعيدنا لأكثر من عقدين من الزمن، فإن توقف عقاربها أيضا، يحمل دلالة و هي أن المسؤولين عن تشغيلها و صيانتها لا يعيرون اهتماما و لا يولون أهمية للوقت . لاحظنا أثناء قيامنا بهذا الروبورتاج، بأن ساعة بناية المجلس الشعبي البلدي لولاية قسنطينة ، توقفت عقاربها عند الساعة الثامنة و النصف منذ مدة، و حاولنا الاتصال بمسؤول الوسائل العامة بالبلدية للاستفسار عن ذلك، غير أنه تعذر علينا ذلك.جدير بالذكر أن الظاهرة تشمل ساعة جامعة الإخوة منتوري، فهي متوقفة في أغلب الأحيان ، و لا  تخضع للصيانة و الضبط ليتم تشغيلها،  إلا قبيل الزيارات الرسمية للوزراء و الرؤساء و الشخصيات الوطنية و الأجنبية الهامة.