الضحية سعادة عربان أكدت أن الروائي استغل قصتها في رواية حوريات بدون إذنها أعلنت المحامية الأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم اليوم الخميس عن رفع قضية أمام محكمة وهران...
* رئيس الجمهورية يؤكد على ضرورة الالتزام بدعم الحكم الرشيد والشفافية في القارةأشرف رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بصفته رئيسا لمنتدى دول...
أكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الأربعاء، عزم الجزائر، بفضل أبنائها...
طالب مقررون أمميون من مجلس حقوق الإنسان، الحكومة الفرنسية بتزويدهم بجميع المعلومات والبيانات المتعلقة بتجاربها النووية في الجزائر، بما فيها المواقع المحددة...
لم تمكن عمليات الترحيل المكثفة التي تشهدها ولاية قسنطينة خلال الثلاث سنوات الأخيرة من التخلص من جحيم الأكواخ القصديرية، بعد أن إزدهرت تجارة بيوت الصفيح وعرفت أسعارها ارتفاعا كبيرا نتيجة الطلب المتزايد، فأحياء تمت إزالتها عادت إلى الظهور بل وتوسعت بعد سيطرة بعض الأطراف على المواقع وتحولهم إلى سماسرة يعرضون أكواخا تتراوح أسعارها ما بين 20 مليونا إلى 75 مليون سنتيم، بينما يمكن الحصول على “قربي” صغير بأسعار أقل من 3 ملايين سنتيم لكن في مواقع غير مضمونة، فيما يسمح البعض بدخول حالات خاصة بينهم مجانا من باب الشفقة.
صحفي النصر تقمص دور شاب متزوج حديثا يبحث عن سكن يؤمن له استفادة سريعة ومضمونة من سكن اجتماعي وقام بجولة ما بين الأحياء القصديرية بمدينتي قسنطينة والخروب، أين اكتشف ما يشبه الشبكات المسيطرة على القصدير والتي تبدأ من الدليل وتنتهي عند صاحب الكوخ الذي يقدم ضمانات تصل حد الإدراج ضمن قائمة الإحصاء التي تشرف عليها لجنة السكن، ووسط كل هذا لم يجد الصحفي أي عائق يحول بينه وبين شراء كوخ حسب ما يحدده من مواصفات وتلقى عروضا مغرية.
الأحياء القصديرية لا تزال تصنع جزء هاما من المشهد العام للنسيج العمراني بولاية قسنطينة، و ذلك بالرغم من الترحيلات العديدة التي مست سكان هذه الأحياء في السنوات الأخيرة، حيث أن الأحياء المزالة، قد أعيد احتلالها، و عادت للتشكل من جديد و التوسع لدرجة أن بعض المواقع إستعادت نفس الملامح التي كانت عليها قبل الترحيلات.
أهم الأماكن التي كانت تشتهر بانتشار الأحياء القصديرية في قسنطينة لا تزال تقريبا على حالها، و هو ما وقفنا عليه عند زيارتنا لبعض البؤر المعروفة بكثرة الأكواخ، فعلى امتداد “واد بومرزوق” تنتشر بيوت الصفيح من حي الدقسي صعودا إلى غاية حي سركينة، البداية كانت من حي “مسكين” في أعالي منطقة واد الحد.
و قبل أن نلج إلى داخل الحي المحاذي لعمارات حي ساقية سيدي يوسف، صادفنا أحد سكان العمارات و استفسرنا حول وضعية الحي القصديري الذي تم ترحيل معظم سكانه قبل نحو سنتين، المواطن أخبرنا بأن المكان عاد كما كان سابقا، و أكد بأن السكان الذين تم ترحيلهم، خلفهم سكان آخرون في نفس الأكواخ، كما تم ظهور الكثير من الأكواخ الأخرى، و قال محدثنا بأن سعر الكوخ قد يصل إلى 40 مليون سنتيم في المكان.
دخلنا إلى الحي أين اكتشفنا مشهدا يوحي لنا بأن المكان يتعلق بتجمع لأكواخ لم يتم ترحيلها منذ عدة سنوات، فالمساحة التي يتربع عليها كبيرة جدا و لم تعد تكفي لبناء أي كوخ آخر، و الكثير منها خاصة الموجودة على الحواف تبدو حديثة البناء، و أمام الحي وجدنا بعض سكانه، سألنا عن أسباب عودة الحي إلى سابق عهده، فأكدوا لنا أن عملية الترحيل السابقة استثنت 72 عائلة يملك أصحابها استفادات مسبقة و ينتظرون ترحيلهم، إضافة إلى 8 عائلات من أصحاب الطعون، لكن عدد الأكواخ حاليا يفوق 400 كوخ حسبما أضافوا.
أحد السكان الذين تحدثوا إلينا و يظهر أنه في العقد السادس من عمره، قال بأنه يقطن مع عائلته و بأنه يملك استفادة مسبقة و هو متخوف من تأخر الترحيل بسبب التزايد الكبير لعدد الأكواخ التي تضاعف عددها، و قد أبدى استياءه من ذلك، في حين أوضح لنا أحد الشباب أنه متزوج و يسكن كوخا رفقة زوجته و ابنيه و بأنه لا يملك استفادة مسبقة، و مع ذلك فهو يأمل في أن تقوم السلطات بمنحه بيتا، مؤكدا بأنه لا يملك حلا آخر، و لولا ذلك لما اضطر لتحمل العيش وسط الظروف القاسية و تعريض عائلته لخطر السكن تحت سقف من قصدير و بين جدران هشة قد تسقط في أي وقت، و بين الجرذان و الزواحف التي تشكل ديكورا طبيعيا في المكان، حسبما أضاف محدثنا.
داخل الحي و وسط ممراته الضيقة صادفنا بعض النسوة، سألناهن عن السبب الذي يدفعهن إلى تحمل الظروف القاسية للعيش في كوخ قصديري، فأكدوا لنا أن طموحهن في الحصول على سكن يهون عليهن ذلك، و حتى لا نتعجب كثيرا فقد ذكرن لنا بأن بعض الأشخاص اشتروا أكواخا من حجرة واحدة أو حجرتين بأسعار تتراوح بين 20 و 50 مليون سنتيم.
في حي “بوشهرين” أو “شهرين حبس” كما يسمى، و الذي رحل سكانه سنة 2013 نحو الوحدة الجوارية 14 بعلي منجلي، لاحظنا أن الكثير من الأكواخ مهدمة خاصة في مدخل الحي، لكن العديد منها يدل على وجود حياة بها، فكل البيوت التي توجد بها أبواب و يعلوها هوائي هي بيوت آهلة بالسكان، و ما أكثرها داخل الحي الذي تجولنا به لبعض الوقت، و كما لاحظنا تواجد الكثير من الأكواخ المخصصة لتربية المواشي وذبحها.
داخل الحي صادفنا أحد الشيوخ الذي كان يجلس بالقرب من باب كوخه الصغير الواقع وسط الركام، اقتربنا منه و سألناه إذا كان يقطن بالمكان، فأخبرنا بأن الكوخ يعود لابنيه المتزوجين، أما هو فقد أصبح من سكان علي منجلي، و عن سبب عدم استفادة ابنيه من عملية الترحيل قال بأنهما كانا أعزبين حينها، و هما حاليا ينتظران ترحيلهما بعد أن قدما ما يثبت ذلك لمصالح الدائرة و حصلا على وصلي استفادة، قدمنا أنفسنا على أننا متزوجون حديثا و نعاني من مشاكل في البيت العائلي و نريد أن نجد كوخا مناسبا في المكان، عندها أكد محدثنا بأن الأمر في غاية السهولة، و أشار إلينا باختيار أحد الأكواخ المهجورة و القيام بإصلاحه سريعا قبل تفطن السلطات، و بذلك يمكننا السكن في ظرف ساعات قليلة على حد تعبيره، لكنه نصحنا بأن نتوجه إلى جهة معينة داخل الحي لأن المكان سيكون أنسب هناك. قصدنا المكان و سألنا أحد الشباب عن ما إذا كان بإمكاننا احتلال أحد الأكواخ و السكن فيها، فأخبرنا بأن الأمر ممكن، لكننا نحتاج إلى معرفة شخصية بأحد أعضاء اللجنة حتى يسهل من عملية اندماجنا وسط الحي، و لولا ذلك يقول محدثنا “ لن تستفيدوا من سكن مستقبلا إذا ما تم ترحيل قاطني المكان”، و من خلال حديثنا إلى عدة أشخاص في المكان أوضحوا لنا بأنه منذ عملية الترحيل، الكثير من العائلات تلجأ إلى المكان للسكن و بأن أعداد الأكواخ التي أعيد احتلالها وبناؤها تتضاعف يوميا، و الأشخاص الذين يتوافدون عليها غرباء عن المنطقة.
المشهد بأحياء “جاب الله” و “شعباني” لا يختلف كثيرا عن الحي المذكور سابقا، فالمنظر العام هو نفسه تقريبا، و طريقة و سبب إعادة احتلال الأكواخ و كذا بناء أكواخ جديدة تتكرر في هذه المواقع أيضا، و إن كانت حدتها تختلف من مكان إلى أخر.
تضم منطقة “قطار العيش” بدائرة الخروب أكبر التجمعات القصديرية بولاية قسنطينة، حيث تتربع الأكواخ هناك على مساحة شاسعة، و قد صنع قاطنوها الحدث مؤخرا من خلال احتجاجاتهم المتكررة بعد صدور قرار من السلطات بهدم أجزاء من الحي.
قصدنا المكان صباحا و تجولنا بأرجائه، و لفت انتباهنا العدد الهائل من الأكواخ، و التي يقدر عددها تقريبا 600 كوخ، و قد لاحظنا قلة الحركة بالمكان، و كأن أغلب الأكواخ لا يشغلها أصحابها.
بعد دقائق من دخولنا إلى الحي صادفنا فجأة أحد الأشخاص تجمعنا به معرفة سطحية، سألنا عن سبب تواجدنا بالمكان و أجبناه بأننا نبحث عن شراء كوخ، بعد أن وردت مسامعنا أن السكان قد يرحلون و يستفيدون من سكنات لائقة، و طلبنا مساعدته.
في البداية قال بأن الأمر سيكون صعبا نوعا ما لكنه وافق بعد إلحاح منا، و بعد أن بحثنا قليلا وسط أرجاء الحي قابلنا أحد الأشخاص، حينها أخبرني “الدليل” بأن هذا هو الشخص المناسب و يمكنه مساعدتنا، فتوجهنا نحوه و بعد أن قدمني مرافقي على أني أحد معارفه، عرضنا عليه طلبنا.
جلسنا إلى هذا الشخص و حدثنا عن وجود العديد من الأكواخ يستعد أصحابها لبيعها، و قال بأن السعر يبدأ من 20 مليونا و قد يصل إلى أكثر من 70 مليونا، و قد أكد لنا بأن الشخص الذي سيبيع كوخه لنا سيتنازل أيضا عن مكانه في القائمة الإسمية للسكان المسجلين من لجنة الحي و سيرد إسمنا بدل اسمه، و قد أخبرنا بأن لجنة ولائية ستقوم بزيارة الحي قريبا لإحصاء السكان، و هي آخر فرصة حسبه للظفر بسكن إذا ما قررت السلطات إزالة الحي و ترحيل سكانه نحو سكنات لائقة.
بعد ذلك توجهنا لمعاينة الكوخ الذي يعرضه صاحبه للبيع، لم نستطع الدخول إليه بسبب تواجد عائلته بالداخل، لكنه أخبرنا بأن الكوخ يتكون من غرفة و مطبخ و حمام، و يتوفر على الماء دون انقطاع لأنه يتزود من الشبكة الرئيسية للمنطقة كما أن الكهرباء متوفرة، و عن سعر البيع فقد طلب مبلغ 25 مليون سنتيم.
حينها أخبرنا “الوسيط” بأننا لن نجد سعرا أفضل، خاصة أن الكوخ يقع في قلب الحي و عملية الهدم التي قررتها السلطات لن تمسه، كما أن جميع الأكواخ المحيطة به تقطنها عائلات و بذلك فالمكان الأكثر “أمانا” في الحي على حد قوله.
الوسيط أخبرنا بعد ذلك بأننا إذا كنا نبحث عن كوخ أكبر فما علينا سوى إضافة الأموال لأن طلبنا موجود، و قد فاجأنا حين أخبرنا بأنه قد عرض عليه شخصيا بيع كوخه المكون من ثلاث غرف مقابل 64 مليون سنتيم وعرض عليه مبلغ 20 مليون سنتيم مقابل غرفة واحدة، أما الأمر الذي دفعنا للذهول فهو حين أخبرنا بأن أحد الأكواخ قد بيع بمبلغ 75 مليون سنتيم، و الشخص الذي اشتراه قام بترميمه مقابل 100 مليون سنتيم.
حديثنا إلى هؤلاء الأشخاص قادنا إلى اكتشاف العديد من الخبايا التي يضمها الحي، فحسب محدثينا فإن التجمع يضم 540 كوخا و كل “قربي” قد يضم عائلتين، فيما معظم الأكواخ مهجورة و العدد الفعلي للبيوت المسكونة هو 200، أما الباقي فاشتراها سكانها أو بنوها على أمل الظفر بشقة إذا ما قررت السلطات ترحيلهم، كما أن الحي يقع بجوار منشأة غازية و جزء كبير منه قد صدر قرار قضائي بهدمه، محدثونا أضافوا بأن هذه المنطقة المهددة بالهدم يمكن شراء كوخ بها بمبلغ 3 ملايين سنتيم فقط، لكنهم لا ينصحون بذلك خاصة أن المكان يكثر به المجرمون و المسبوقون قضائيا و تنتشر به جميع أنواع الفساد، على حد تعبير محدثينا، الذين أكدوا أن بيوت الدعارة تنتشر داخل الحي بشكل كبير ويطرح الكثير من التساؤلات.
عبرت سلطات ولاية قسنطينة و على رأسها الوالي في عدة مناسبات عن رفضها الاعتراف بأصحاب الأكواخ القصديرية التي ظهرت بعد عمليات الترحيل، و قد أكد الوالي في تصريحات سابقة خلال فوروم النصر بأن الولاية لن تقوم بمنح سكنات للمواطنين الذين قاموا ببناء أكواخ جديدة في الأحياء المزالة أو في مواقع جديدة، موضحا بأن هذه الأماكن سيتم هدمها.
و من جهته رئيس بلدية قسنطينة أوضح في تصريح سابق للنصر، بأن مصالحه ستعمل على تهديم الأكواخ القصديرية التي تظهر في تراب البلدية مستقبلا عن طريق عملية واسعة فيما تحركت قطاعات حضرية لأجل القيام بعمليات متفرقة لهدم الأكواخ التي تظهر في نقاط مختلفة.
تحقيق عبد الرزاق مشاطي * تصوير: الشريف قليب