يصفُ معالجون أدويّة مختلفةً للداء ويغفلون في غالب الأحيان الخُطوة الأولى في العلاج: التشخيص.
و تدفعُ الأهوالُ المحيطة بجرائم الاغتصاب، مثلاً، إلى المطالبة بتشديد العقوبات ويتمّ تجاوز النقاش الضروريّ الذي يجب أن يُثار حول هذه الظاهرة القديمة في مجتمعنا والتي أخرجها الإعلام الجديد من دهاليز الحياة إلى الأضواء.
وإذا كان الرّدع ضرورياً للحدّ من جرائم من هذا النّوع، فإنّ الوقاية تقتضي كسر الطابوهات المحيطة بالمشكلة الجنسيّة التي تعدّ المحرّك الأساسيّ لكثير من الجرائم في مجتمعنا ولمظاهر العُنف والفوضى الآخذة في الانتشار مع تزايد عدد السّكان و الفضاءات الحضريّة، ويقتضي ذلك طرح قضايا الحياة الجنسيّة علناً والإصغاء إلى ما يقوله المختصّون حول الحرمان الجنسيّ والأمراض الجنسيّة وأثرهما على الأسرة والمجتمع، فضلاً عن إخراج التربيّة الجنسيّة من دائرة الممنوعات، فمن غير المعقول أن يهيمن على ساحةِ النّقاش المختصّون في الاقتصاد والعلوم السيّاسيّة والقانون و يُغيّب علماء النّفس والاجتماع في مجتمع مرّ بتجارب خطيرة تقتضي استماع المجتمع وصنّاع القرار إلى ما يقترحه الطبّ النفسيّ والعقليّ، ويكفي اليوم تحليل محتوى ردود الفعل حول جرائم اغتصاب وقتل لنقف على مُؤشرات حمراء يقدّمها التفاعل الإيجابيّ مع الفعل الإجراميّ والإشادة بالمجرم وهجاء الضحيّة، فإذا كان القاتل قد قتل «موضوع الرّغبة» الذي لم يستطع امتلاكه، فإنّ المشيدين كرّروا الفعل ذاته رمزياً، أي أنّهم مشاريع قتلة لم تتوفّر لهم ظروف المرور إلى الفعل، ويحيل انتقاد جماهير وسائل الإعلام أو المتدخلين عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ لطريقة لباس الضحيّة أو خروجها إلى الشّارع إلى المشكلة ذاتها: هجاء موضوع جنسيّ بعيد المنال، يكشف عن استعدادات كامنة للقيّام بفعل عنيف يتراوح بين الكلام البذيء والشتم والاعتداء في مظاهر تستهدف النساء يومياً في شوارعنا، إلى درجة أنّها أصبحت عادة تتقبلّها المعنيّة ويتقبّلها المتواجدون في مسرح الحدث.
لكلّ ذلك يجب الخروج من المقاربات الأخلاقانيّة والدينيّة للظاهرة وإيجاد حلول واقعيّة مثلما تفعله مختلف المجتمعات، لأنّ غلق فضاءات الترفيه والمتعة، و إحاطة المشكلة بالصمت يؤدي إلى حدوث هذا النوع من المآسي الذي نشهده اليوم.
وكان يكفي أن نصغي إلى أهل الاختصاص لنعرف أنّ أغلبيّة مشاكلنا تأتي من استخدام خاطئ للطّاقة الجنسيّة.
سليم بوفنداسة