كثيرا ما يقترن البياض بنظرة عامّة ترى فيه نموذجا للون الحيادي ضعيف الدلالة، ذي الدرجة الصفرية الدنيا من التأثير، التي لا يمتلئ فراغها إلا بدخول ألوان جديدة عليها واضطلاعها بتحويل صمتها إلى بوح، وضحالتها إلى عمق يستوعب بعضا من تشذرات ملامحها ويعيد شيئا مما ضاع منها في دروب الاحتمال والإطلاق.
بهاء بن نوار
وهذا ما يجعل منه لونا تقلبيا منفتحا، مشرعا أبدا، وظامئا إلى ابتلاع بقية الألوان؛ فهو اللون اللاّلون، ذو السمة الاستقبالية، التي لا تكتفي بنفسها أبدا، لأن حضورها لا يكون إلا لحظة انفتاحها، وازدواجية تمظهرها أو تعدديته، ممّا يعمق النزوع التحولي فيها، ويثري سلطة الهاجس الخلقي الراني إلى إبداع الجديد وتجاوز الســائد واستعــادة ما مضى، بصهره، وتكثيفه، وصبه في قالب أبيض، كثيرا ما يكون فضاء الـورقة، أو فضاء اللوحة البكر التي لم تتشكل بعد.
وبتأمّل رواية «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي نجد هذا اللون يستحوذ على معظم مشاهدها ويرتبط في كثير من مظاهره بحبيبة بطلها «خالد» التي لا تكاد تظهر حتى يتداعى معها صفاء ذاك اللون وضياؤه؛ فهي ومنذ أول لقاء بينهما - أيام طفولتها الأولى- تحبو أمامه ببراءة، وثيابها البيضاء الصغيرة منشورة تجف (ص 131)، وهي حين رآها امرأة أول مرة، تلج معرض لوحاته في باريس بثوب أبيض، أثار دهشته وهو يراه يتنقل من لوحة إلى أخرى:»ربما لأن الأبيض عندما يلبس شعرا طويلا حالكا يكون قد غطى كل الألوان.» ص60.
وحين زارته في مرسمه – أول مرّة أيضا- فاجأته بنصاعة حضورها: «ها أنت تدخلين في فستان أبيض (لماذا أبيض؟!)» ص179.
ولذا كثيرا ما يناجيها باستحضار لوازم هذا اللون؛ فهي «ياسمينة تفتحت على عجل» ص101 وصوتها حين يفاجئه في الهاتف لا يلبث أن يتدفق شلال فرح وشجرة ياسمين تسّاقط أزهارها على وسادته. ص 155.
وحتى بعد أن كادت علاقتهما تنتهي، صار يخال كلامها كذبا أبيض، يستمع إليه بفرشاته، ويلوّن جمله بألوان تتناسب مع ما يعرفه عنها، فيكسو ما تقوله له بالبنفسجي والأزرق... والرمادي وغيرها ..ص 261.
وعليه يمكن القول بأن في امتزاج حضور الحبيبة بنصاعة البياض إيحاءات كثيرة؛ فهو لون البراءة والطهر، والطفولة الراحلة أولا، وهو لون البداية ثانيا؛ وإشعارٌ ببدء مغامرة خالد العشقية مع أحلام، وهو ثالثا فسحة أمل، وانتظار لما سيكون، أكسب الرواية جوًا ترقبيّا، بدت من خلاله علاقة الرجل بمشروع حبه أشبه ما تكون بعلاقته مع مشروع لوحته؛ تجمعهما صلة عشقية واحدة، وهاجس إبداعي واحد؛ حرص فيه الرجل على تشكيل صورة محبوبته – اللوحة/المرأة – وتفانى في إبقائها حية، خالدة، متسرمدة الحضور، تتجلى دائما في فضاء أبيض ديموميّ الحركة، لأنه احتماليّ أبدا، وذو سمة تحولية، كانت في بداية مسارها حيوية، متجهة نحو الماضي؛ الماضي الثوريّ الذي عاشه خالد، والذي فقد فيه ذراعه، وبعضا من أحلامه، فاستعاض عنهما بفرشاة سريعة الحركة، يستثيرها البياض، وصمت اللوحات فتعمل على تبديدهما، ومحو أثرهما، ثم لا يلبث بياض آخر أن يطل عليها أو على صاحبها خالد؛ هو بياض تجليات المرأة «أحلام»، الذي يجعل منها امرأة لغزا، مستحيلة، منفلتةً من جميع الأطر والتحدّدات، تستفزّ دهشة الرجل «خالد» بإقبالها عليه رغم كلّ الحواجز، وانفلاتها منه دون أدنى مسوغ، وإقبالها على صديقه «زياد».
وبتأمل علاقة هذين الرجلين، نجد رابطا قويا يجمعهما - فضلا عن اشتراكهما في حب امرأة واحدة - هو رابط النزوع الفني، ومحاولة إعادة إنتاج الواقع، وتغيير العالم؛ برسمه، وتشكيل ملامحه المفصلية العميقة – كما يفعل خالد – أو بتوقيع نشازاته النابية والعلو بها إلى مرتبة الغناء – كما يفعل زياد – وبينهما – الرّسم والشعر – يقع نشاط المرأة أحلام وهو كتابة الرواية والسعي إلى تقديم واقع بديل، يتراوح بين الإحالة إلى الواقع الأصل من جهة وتجاوزه من جهة ثانية.
وفي جميع هذه النزوعات يبدو العنصر السائد فيها معركة ضارية ضد البياض وما يستتبعه من صمم، وصمت، وعمى، كانت نتائجها متفاوتة: كتابات سرية – لدى زياد – لا يدري بها غير الورق، ونوبات جنون معلنة، معلقة على الجدران تشهد ضد صاحبها – خالد – وتفضحه. ص 244.
أما أحلام، فكان البياض الملازم لها أشدّ إرباكا من الذي لازم زياد؛ فهي امرأة تجيد التلاعب بالكلمات؛ تخط على الورق الأبيض أكاذيب بيضاء ممكنة الصدق، وتتملص ببراعة من شكوك خالد وأسئلته، ثم لا تلبث أن توقعه في لعبة الأمل الكاذب، فتهديه روايتها الأولى تاركة صفحة الإهداء فيها بيضاء فارغة!
ولدى وصوله إلى هذه الحال يبدو البياض هو الفضاء المكاني الوحيد لتشكل جميع تلك الشكوك والخواطر؛ فهو الفسحة الوحيدة المستوعبة جميع الاحتمالات، بما فيها احتمالات الخيبة والفشل: «كانت تلك الصفحة البيضاء كافية لإدانتك، كانت تقول بالكلمات التي لم تكتب أكثر ممّا كان يمكن أن تكتبي ... لقد كنت امرأة تتقن الكتابة على بياض!» ص299.
وواضحٌ ما يوحي به هذا القول من ملامح إمكانية، بلغت حدودها الاحتمالية القصوى عندما غدا الأبيض بؤرة عميقة تبتلع شكوك «خالد» وتضخّمها وتمزج فجواتها بشيء من التكتم المطلق، والبوح المطلق، اللذين خيّما عليها وأضفيا سمة تذبذبية عالية، كان لتراوح أجزائها بين الأمل واليأس، وغلبة هذا الأخير عليها الأثر الأكبر في ترسيخ حس الخيبة، والهزيمة، والوصول إلى مرحلة الفراق بمختلف تدرُّجاته؛ الفراق الزئبقي، غير المتلمَّس الذي كرّسه ظهور زياد، وبدَّده غيابه، والفراق الحادّ شبه الحاصل الذي عمقته القطيعة، وأثراه النأي، والهجران، وأخيرا الفراق الحاسم الذي لا لقاء بعده ولا رجاء؛ وهو الذي خيّمت فيه واقعة وحيدة؛ هي واقعة زواج أحلام، وانفلاتها الأبديِّ من يدي خالد، وما جرّه هذا الزواج من مفارقات محزنة؛ كونه ليس سوى صفقة رابحة بين عمِّ الفتاة وأحد الأثرياء من ذوي الجيوب المكتنزة، الذين بسببهم اضطهد خالد، واختار الغربة على الوطن أكثر من ربع قرن، وكونه- ثانياً – سيقام في قسنطينة؛ الوطن، والذاكرة، والوجع العميق الثاني الذي تجلت فيه ومن خلاله المرأة المحبوبة. ثم اضطراره إلى حضور الزفاف، ومباركته، بوصفه الصديق الأثير لوالد الفتاة الشهيد «سي الطاهر» وكونه بمثابة الأب الثاني لها.
وهنا يبلغ التوتر أقصاه ويظهر البياض من جديد، متشحا بكثير من العجائبية الخارقة والنفس الأسطوري الذي يعيدنا إلى أجواء الليالي ويستعير بعضا من حلميّتها المكثفة، وخرافية أحداثها: «... لو كنت خطاف العرائس؛ ذلك البطل الخرافي الذي يهرب بالعرائس الجميلات ليلة عرسهن لجئتك ممتطيا الريح وفرسا بيضاء وخطفتك منهم.» ص 430.
ومن جديد يتراءى البياض لأعيننا، ولكنه هذه المرة يتراءى لونا متخيلا غير مرئيّ، متلبسا بكثير من اللوازم الإيجابية المنشودة؛ من ذلك ارتباطه بالزمن الأول؛ زمن الوصل واستدامة الأمل والرجاء؛ أو الزمن البدئي المبهج الذي لا تكاد تظهر فيه المرأة إلا وتتداعى معها كتل مضيئة مشعة البياض، هي بمثابة الترميز المحيل إلى أحد أمرين: استدامة الأمل، وتسرُّب ملامح الطفولة الماضية المتسمة بحدٍّ أعلى من التطلع من جهة، واحتمالية المرحلة التالية لها؛ المرحلة الباريسية التي نضجت فيها الأحاسيس أكثر واشتركت مع سابقتها في صفتي الخصب والانفتاح من جهة ثانية.
وفي هذا الجو المترع بنسائم الماضي وأشواقه، يتعمَّق فعل الذاكرة أكثر من أي وقت مضى وتستحيل الفرس البيضاء – فضلا عن مرجعيتها الأسطورية المعروفة، المتعلقة بتكثيف مظاهر الحلم والمثال الجامح – محاولة ارتدادية إلى الوراء، يحاول فيها خالد التقاط بعض من تشظيات حاضره، ونسيان ما يستطيع نسيانه من مفارقاته الدامغة.
ومن جهة أخرى، ولدى تأمل بؤرة البياض المحيطة بجدلية العمل الفني والملازمة جميع تجلياته وإيقاعاته، يمكن ملاحظة ظاهرة صراعية مهيمنة، تستبد بأغلب تحولات الرواية وتؤسِّس لبَّها التكويني الصميم الذي يتجذر في أعمق أجزائها، ويهيمن على جميع حركاتها؛ هي ظاهرة احتدام الحسِّ العدمي، وتفشي ملامح الموت والسكون، اللذين يسعى خالد إلى تجاوزهما، واختراق جمودهما بالانفتاح على حركات فرشاته، وتداعياتها اللونية التي ينبجس منها فيض من الصور والإيحاءات المشتجرة، تحيل في جميع تجلياتها إلى تضخّم حدّة المواجهة والصراع بين رقعة بيضاء ميتة، مستوية التضاريس، حيادية التعابير، والأسرار، وريشة عنيدة لفنان عنيد، يطمح إلى التغلب على بياضها وإحالة ثباتها وجمودها إلى حركية خصبة، تتماوج فيها التقلبات وتصطخب الهزات وزلازل القراءات منتجة مقصديتها العميقة، وجذوتها المتقدة التي لا يستديم إشعاعها إلا لحظة تشابك تأثيراتها من جهة، واضطرام حسِّ المواجهة والقتال فيها من جهة ثانية.
وهي مواجهة شديدة العنف والتفجر، تحتدم بين الفنان ونزوعه الإبداعي الذي يلازمه في جميع اللحظات، ويستحيل هاجسا إلحافيا ملحا يهزه، ويقضّ مضجعه.
ولذا يبدو»الرسام مثل الكاتب لا يعرف كيف يقاوم النداء الموجع للون الأبيض، واستدراجه إياه للجنون الإبداعي كلما وقف أمام مساحة بيضاء.» ص 184.
ويغدو وقوفه ذاك مثار تجربة مصيرية حاسمة يجد نفسه فيها على محك المواجهة والاختبار؛ إمَّا أن يهزم عدمية البياض ويبدد رتابته، وإمَّا أن يبتلعه البياض وينفثه شبحا يهيـم في اللاشيء، لأن «الذي يجلس أمام مساحة بيضاء للخلق لابد أن يكون إلها أو عليه أن يغير مهنته.» ص207.
وعليه يمكن النظر إلى إشكالية العمل الفني المهيمن على جوّ الرواية باعتبارها إشكالية ترتبط في صميمها بعلاقة ثنائية يعود أحد طرفيها إلى خالد، وما يكتنفه من هوس الفنان، وجنونه، ورغبته في الخلق والتغيير والارتجاج المنقلب على كل شيء، ويعود طرفها الثاني إلى اللوحة وفضائها البكر المحاط بالمغريات والأسرار؛ تنتظر من يقتحم غموضها ويتسوّر طلاسمها، ويفك منغلقاتها، وألغازها، وعصي إشاراتها.
وكلا الطرفين يتضمَّن ملامح العلاقة العشقية ويتقمّصها بكلّ ما تفيض به من وله، وحنين، وأنانية، ورغبة في التملك والاحتواء، بدا من خلالها الرجل/ المبدع مفصل جميع التحولات والحركات، تتعاقب في داخله نوبات الحب والجنون، وتسكن أعماقه مشاعر غامضة مصطخبة تعتريه كلما تحدّاه بياض إحدى اللوحات، أو استثاره صمتها، وسكونها، وحياد عناصرها، وتزداد نوباته تضخّما وتعقيدا كلما كانت اللوحة فتية وعذراء؛ لم تسلم حصونها ولا باحت بأسرارها بعد إليه، لأن ما بينهما في مثل هذه الحال لن يكون سوى «تواطؤ عاطفي صامت، لن يكسره سوى دخول لوحة عذراء أخرى إلى دائرة الضوء.» ص 184.
وهذا ما يجعل من صميم العلاقة تجدّديا متصاعدا، لا يرضى بغير الجدَّة، والخصب، والحركيَّة المستعصية على كل حصر وتقييد، المرتبطة في كثير من تجلّياتها بجوهر الحال العشقية التي تنتعش وتتحرك في القلق والحزن؛ لأنها تعنى بسرّ الزمان والأبدية، وتضرب بجذورها إلى أعمق أعماقه متعلقة بتعطش الزمان إلى التحقق الأبدي الذي لا يستطيع الحصول عليه.(3)
وهذا ما يقوّي نزوع المكابدة والمعاناة، ويجعل من حضور البياض متلبّسا بكلّ ما يحيل إلى الشوق، واللهفة، والصبابة، وحتى الرغبة التي تتكثّف لتغدو هاجس لذة شبقية تؤطر اللوحة من جميع الجوانب، وتجعل منها ومن حياد بياضها موضوعا جنسيا يقوم بديلا عن الموضوع المعتاد؛ المرأة:
«لم يكن السرير مساحة للذتي، ولا لطقوس جنوني، وحدها تلك المساحة البيضاء المشدودة إلى الخشب كانت قادرة على إفراغي من ذاتي.» ص 400.
وليس هذا بعجيب، فاللوحة لم تعد فسحة خلق وإبداع، يتحرَّر فيها الرَّسام من قدريَّة الواقع وتسلطه فحسب، بل غدت – كما يصفها خالد – أنثى كذلك؛ تحب الأضواء، وتتجمَّل لها؛ تحبّ أن ندللها، ونمسح الغبار عنها؛ أن نرفعها عن الأرض، ونرفع عنها اللحاف الذي نغطيها به... تحب أن نعلقها في قاعة لتتقاسمها الأعين حتى لو لم تكن معجبة بها. ص 87.
وهنا يتوضّح الجانب الغائيّ من علاقة الفنان بإبداعه؛ الجانب الانفتاحيّ الذي ينشد الوحدة والاتصال كيفما كانا، مستعينا في ذلك بحيويَّة الفن، وتسرمد آثاره التي لا تتراءى إلا مشتبكة مع عدميَّة الزمن، وتناهي ملامحه؛ ثائرة عليها وساعية إلى تبديدها، ومحو سلطتها، بالانقلاب على رتابتها وزعزعة ثباتها، وتحويل صمتها بوحا وإفاضة، ودفقا من الأخلية، والصور المتنامية الغزيرة.
ويمكن تشبيه سلطة الزمن على الفرد بسلطة البياض على الفنان؛ كلاهما يطبق عليه، ويهدِّده ويستثيره، ضاربا عليه نطاقا كثيفا جدا من احتمالات التناهي والانضواء، والموت الذي لا تتجاوز سلطته إلا عن طريق الفرشاة، وما تجرّه خلفها من ألوان أخرى، تغطي البياض، وتمحو عدميته، وكأنها – الألوان- معادل استعاريّ للحياة، والحركة، والألق، ووحده البياض يعادل الموت، والهمود، ووحشة الكفن!
ولذا يمكن القول بأن في هيمنة البياض على معظم فضاءات الرواية إحالةً إلى هيمنة الهاجس الخـَلقي والرغبة في التجاوز والاستباق التي تظهر بشكل شديد التكاثف والاطراد، متراوحةً بين شعريَّة المكابدة الفنية وما تطرحه من معارك ضارية ضد العدم واللاشيء، وشعرية المكابدة العشقية التي لا تني نوباتها تتبع البياض، وتشير إليه وتقترن بلوازمه، سواء أكانت ثبوتية، متمثلة في نسيج البراءة والطهر والنصاعة، أم إرباكية متمثلة في كلِّ ما يحيل إلى التكتم، والغموض، وعتمة المراوغة، والاحتمال.
وجميع هذه اللوازم تصبّ في بؤرة واحدة؛ هي بؤرة النزوع الطلبي المتفرع إلى شقيْ: اللوحة والمرأة. وكلاهما يتطلب حدّا أعلى من الفاعلية أولاً، والتطلع ثانيا، ولذا كان اسم البطل: «خالد» بكل ما يفيض به هذا الاسم من حركية حيّة وفاعلية بلغت حدودها التأثيرية القصوى؛ دلاليا لما يحمله من معاني البقاء، والمكث المتسرمد الدائم، وصرفيا لما في صيغته الوزنية – اسم الفاعل- من إشارات القوة والفعل، والتأثير؛ فاسم الفاعل هو الصيغة الصرفية التي تمتصّ قوة الفعل وتتمثل طاقته، وهو البؤرة السلطوية التي تتضمن دائما معاني القهر والاستلاب؛ قهر المفعول واستلاب وجوده، وتغييب إرادته وأثره.
مما يضفي على هذا الاسم حدّا أعلى من «التحدي والجموح» هما بمثابة المعادل الترميزي لتحدي الفنان وجموح أدواته.
أمَّا التطلع فيتلمس من اسم المرأة المحبوبة: «أحلام» وما يوحي به من تطلعات رؤيوية تكوّن صميم الجدلية الإبداعية القائمة على الحلم والاستشراف.
وهنا تتوضّح المقصديّة العميقة لاختيار اسمي بطلي الرواية:»خالد» و»أحلام» اللّذين يحيلان بدقة إلى إشكالية الخلق الإبداعي، وقطبيْه الفاعليْن؛ قطب المبدع وقوة أدواته من جهة، وقطب الهاجس الحلميّ المستبد به، وقوة تأثيراته من جهة ثانية.
وكلاهما – المبدع وهواجسه- يلتحم بالبياض، ويشتبك معه ويطمح إلى قهره، وتجاوز سلطته.