الأخبار الكاذبة بمنصات التواصل تحدٍّ كبير لجميع الديمقراطيات في المستقبل
• على الصحفي ألا يلعب دور ممثل الحق العام
صرح أول أمس الاثنين من قسنطينة ، الكاتب والإعلامي الفرنسي، باتريك بوافر دارفور، أن الأخبار الكاذبة المنتشرة بمنصات التواصل الاجتماعي هي التحدي الأكبر لجميع الديمقراطيات في المستقبل، في حين اعتبر أن "ديغاجيزم" الحراك العربي خلال العقد الأخير قد أثر على "عمر الرؤساء" في الغرب.
سامي حبّاطي
وألقى باتريك بوافر دارفور، نجم نشرة أخبار الثامنة الفرنسية على قناة "تي أف 1" لحوالي عقدين من الزمن، ندوة بالمعهد الثقافي الفرنسي بقسنطينة، حول روايته "انتقام الذئب"، تُبعت بحوار مع الجمهور أداره مدير المعهد آرنو نوبلي، حيث رد الكاتب على سؤال حول مكانة الصحافة في الحراك الذي يعيشه العالم اليوم بالتعبير عن عدم إعجابه بالصحفيين الموجهين، مشددا على ضرورة طرح جميع الأسئلة على اختلافها، دون أن يكون الجواب مضمنا فيها، وإلا فإنه يصير حكما أخلاقيا يستهدف قولبة مسبقة لأحكام المتلقي حول المحتوى المقدم له، بحسبه، فيما دافع على ضرورة احترام حرية أي كان في إصدار الأحكام الخاصة به.
ولفت نفس المصدر إلى أن اللوم يقع على الصحفيين الذين يظهرون في صورة "المُوالين" أكثر من صورة الصحفي الخالص، موضحا "أنه من غير المحبذ أن يلعب الصحفي دور "ممثل حق عام"". وأضاف الكاتب أن الصحافة قد تغيرت كثيرا بسبب منصات التواصل الاجتماعي التي يصير التمييز فيها بين الحقيقة والكذب أمرا في غاية الصعوبة، منبها إلى أن المعلومات الكاذبة تنتشر فيها دون توقف ودون سند إلى مصدر معلوم، لكنه اعتبر أن أخطر جزء منها يكمن في الأخبار الكاذبة الموجهة بنيّة مبيّتة، حيث تمثل بالنسبة إليه التحدي الأكبر لجميع ديمقراطيات المستقبل، ليضرب المثال بالبريكست والانتخابات الرئاسية الأمريكية وكثير من العمليات الانتخابية التي لحقتها.
"الديغاجيزم" العربي أثر على عمر الرؤساء في الديمقراطيات الغربية
ودعا بوافر دارفور الصحفيين إلى الاستثمار في شبكات التواصل الاجتماعي، في حين تحدث عن الخطأ الكبير الذي وقعت فيه جريدة "لوموند" قبل أيام قليلة بإعلان خبر وفاة رجل الأعمال برنار طابي رغم أنه ليس حقيقيا. وطرح أحد الحاضرين سؤالا على الكاتب حول رأيه في الانتقال الديمقراطي الذي يعيشه العالم العربي، حيث نبه إلى أن مفهوم "الديغاجيزم" قد انطلق من تونس ثم انتشر في عدة دول من العالم العربي، معتبرا أن هذا الحراك قد أثر على الديمقراطيات الغربية، ويمكن ملاحظته في ضُمور عُمر الرؤساء الغربيين في مناصبهم.
واستشهد الكاتب على وجهة نظره بمثال عن الرئيس فرنسوا ميتران الذي ظل رئيسا لمدة 14 سنة وجاك شيراك الذي حكم فرنسا لمدة 12 سنة، بينما لم تعد مدة بقاء الرئيس في منصبه في السنوات الأخيرة تتجاوز الخمس سنوات في الغالب. وقال الإعلامي الفرنسي أن الأفضل للمتحكمين بمقاليد الحكم اليوم الإنصات إلى كل ما يدور بين شعوبهم، وإلى جميع الفئات، دون الاكتفاء بإصدار القرارات بناء على ما يردهم من دوائرهم المغلقة فقط، و"إلا فإنهم سيؤولون إلى زوال ومعهم أنظمة بأكملها مثلما حدث لآخرين من قبل"، مثلما أكد، موضحا أنه ينبغي منح الفرصة للجميع للتعبير عما يجول في خاطرهم، خصوصا وأنه لم يعد يمكن إخفاء شيء في عصر اليوم.
وتحدث بوافر دارفور عن جزء الأحداث التي تدور في الجزائر داخل روايته الجديدة خلال الأربعينيات، حيث يقع البطل شارل الذي يعيش في العاصمة في حب فتاة نصف جزائرية من منطقة القبائل ونصف فيتنامية، لكنها تتعرض للاغتصاب من طرف مجموعة مُعمّرين لتندلع الشرارة الأولى لنار الانتقام التي بنيت عليها الرواية، في حين صرح للنصر على هامش اللقاء في رد على سؤال حول سبب اختيار الفترة المذكورة كإطار زمني للوقائع في الجزائر، بالقول أن السبب الأول يعود إلى دراسة والده في الجزائر بين 1940 و1943، في حين نبه إلى أن السبب الثاني يعود إلى أن والده كان في كلية الحقوق وحدّثه عن الكثير من الصراعات على السلطة الفرنسية التي كانت تدور خلال الفترة المذكورة، كما أوضح أن في الرواية قصة حب، واعتبر أنها تحمل بُعد تجاوز العقبات النفسية التاريخية.
وطرح أحد الحاضرين سؤالا حول السبب الكامن وراء الصعوبة في الوصول إلى علاقة هادئة بين فرنسا والجزائر، رغم أن "الأخيرة من بين أكثر الدول فرانكوفونية" بحسب السائل، حيث أشار بوافر دارفور في رده على هذا السؤال إلى لقائه منذ أيام ببوريس سيرولنيك، الذي سبق له وأن ألقى محاضرة بقسنطينة منذ بضعة أشهر، وهو صاحب الإسهامات الكبيرة في تطوير مفهوم الرجوعية النفسية، ونبه بوافر دارفور إلى أن العلاقة بين البلدين "معقدة جدا" بسبب مرورها بالكثير من المحطات السيئة والجيدة عبر التاريخ، لكنه شدد على أن ما ينطبق على الفرد يمكن سحبه على الشعوب، ودافع على ضرورة أن يحمل الجزائريون اليوم نظرة مغايرة عن فرنسا، تتجاوز كونها أرض المستعمر ومن تسببوا في حرب فظيعة.
وقال منشط الندوة "إن جميع الشعوب عاشت أمورا مماثلة، لكن السياسيين بارعون في جميع الدول في التشويش على الجميع وإيجاد العدو من خلال اللعب على وتر الوطنية ليدخلوا بالجميع بعد ذلك في مسار دائري مغلق لا نهاية له"، موضحا أنه من الأفضل التفكير في المستقبل، كما أوضح أن الجزائريين مطالبون اليوم بالتعبير فيما بينهم والتعبير مع الآخر عن كل ما يختلج صدورهم، لكن دون نسيان الماضي.
أفكار إريك زمور لا تمثل أغلبية الفرنسيين
وعاد الكاتب والإعلامي خلال الندوة التي استمرت لأكثر من ساعتين، إلى الحديث عن محطات مختلفة من طفولته وشبابه، حيث استعاد مروره بالجزائر وعدة بلدان عربية خلال فترة دراسته في رحلة مع أصدقائه، مشيرا إلى أنها من الأشياء التي صنعت شخصيته وجعلته يكتشف العالم العربي من العمق من خلال سكانه الذين احتك بهم واستضافوه خلال رحلته التي قطعها بأدنى الإمكانيات. وقال بوافر دارفور أن النشرة المتلفزة يمكن أن تصمد لزمن معين ثم تُنسى، عكس الكتابة لأن حياة النص تستمر في التاريخ وتبقى للأجيال المقبلة، حيث ذكر مشاركته ذات يوم في رالي باريس داكار، وتفاجأ أثناء مروره بالصحراء الجزائرية بإيجاد روايته الأولى "أطفال الفجر" في مكان ناءٍ.
واعتبر الكاتب في رد على سؤال حول أفكار "إريك زمور" التي تتداول بكثرة في وسائل الإعلام مؤخرا، أنها لا تمثل أغلبية بين الفرنسيين، كما شدد على أنه لا يتفق مع أي شيء مما يقوله، لكنه نبه إلى أن حرية التعبير تفرض احترام حقه في قول ما يشاء. وروى الكاتب للحضور بعضا من المحطات الخاصة خلال مشواره المهني، على غرار حواره مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ومساهمته في "تهريب" رضيع فرنسي من العراق، بالإضافة إلى علاقته بساركوزي ومغادرته لقناة "تي أف 1" في سنة 2008، قبل أن يختتم اللقاء بجلسة بيع بالإهداء لمجموعة صغيرة من كتبه التي أحضرها معه، بعد أن تعطل وصول رواية "انتقام الذئب" إلى الجزائر من خلال دار هاشيت، مثلما ذكره خلال اللقاء، الذي أعلن فيه عن اقتراب موعد صدور الجزء الثاني من روايته الأخيرة.
س. ح