هناك إنفاق مالي مدمّر على تشجيع - مصانع إنتاج الكراهية - في الميديا الجديدة
يتحدث الباحث الأكاديمي والأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى، الدكتور بوزيد بومدين، في هذا الحوار، عن مواقع التواصل وخِطاب الكراهية الّذي تفشى عبر مختلف وسائطها، مُعرجا على أكثر من نقطة في هذا السياق، فمن قراءته لــ"خطاب الكراهية" الّذي أصبح ماثلا ومزعجا في صفحات التواصل الاِجتماعي والّذي تطرحُ حوله الكثير من الأسئلة: أهمها، ما الّذي جعله يتمادى في الاِنتشار والاِتساع بهذا الشكل الخطير؟ وقد خاض البروفيسور بومدين، في هذا الشأن الحساس، من خلال حواره هذا مُسلطا تحليلاته على الظاهرة في محاولة لتشريحها وشرحها من خلال بعض الأبعاد والخلفيات. ومن جهة أخرى حاول من خلال إجاباته على أسئلتنا، قراءة هذا الواقع الاِفتراضي العدائي. أيضا الحوار لم يغفل إشكالية أخرى، وهي حالة المُثقف مع الميديا، والثقافة الميدياوية وهل لها تأثيرها وسطوتها على/وفي الحياة الثقافية عمومًا، أم دورها محدودٌ ومُربك، خاصة في ظل اِنتشار خِطاب الكراهية الّذي يشكل مفاصل هذا الحوار.
حاورته/ نـوّارة لحــرش
للإشارة الدكتور بومدين بوزيد (الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى حالياً)، شغل قبل هذا منصب أستاذ مُحاضر في الفلسفة بجامعة وهران، وعمل صحفيا ثمّ رئيس تحرير لجريدة يومية، ثمّ مديرا للثقافة الإسلامية بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وقد شارك في العديد من المؤتمرات والملتقيات الوطنية والدولية، له بعض المؤلفات من بينها "التصوّف والسلطة". و"الحركات الدينية المعاصرة"، كما له اِشتغالات متنوعة في بعض النصوص التراثية والقضايا الدينية والفلسفية وفي شؤون وحوار الحضارات، وله أيضا مشاركات في مؤلفات جماعية.
كيف تقرأ ظاهرة وخلفيات "خطاب الكراهية"، الّذي أصبح ماثلا في صفحات التواصل الاِجتماعي وبخاصة الفيسبوك؟
بوزيد بومدين: عَبّر الباحث الفرنسي جيل كيبل عن "خطاب الكراهية" أنّه "اِنتقام الأديان" طبعًا هو مُتابعٌ للحركات الدينية الجهادية ولحالات الصراع الديني في التاريخ وكيف أَنْتَجَ حروباً وتباعداً بين البشرية، فالبشرية عاشت حربين عالميتين وعنصرية مقيتة واِستعمار خلال القرنين التاسع عشر والعشرين مِمَا ولّد "ذاكرة مريضة" مريضة بالكراهية وليس من السهولة تجاوز هذه "الذاكرة" بالقوانين فقط ولكن أيضا من تحريرها من ذاتها، من أمراضها وأَثَرَ ذلك في ما تُنتجه من أفلام وفن وفلسفة وأدب، ومن تجليات "خِطاب الكراهية" الإسلاموفوبيا التي اِنتشرت كموقفٍ ثقافيّ-نفسي تُجاه المسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر وتنشيط خِطاب العَداء الديني من طرف اليمين الجديد في الغرب، ومع ثورة الربيع العربيّ وانفجار التطوّر الرقميّ وسهولة الولوج إلى المواقع الاِلكترونية وتطور علاقات السوشل ميديا أخذ "خِطاب الكراهية" منحى صراع ديني ولغوي وعرقي وقبلي داخل الدولة القطرية، وهكذا نحن أمام "كراهية" تغتني كلّ عقد زمني بالذاكرة، طبعا العوامل السياسيّة والاِقتصاديّة حاضرة في تنشيط هذه الذاكرة وتنويعها، وهناك إنفاق مالي مُدمّر على تشجيع "غرف دردشة" أشبه بمصانع إنتاج الكراهية، حتى مثلا يسهل تجنيد الشباب نحو الإرهاب أو الدعارة المنظمة أو التبشير الديني أو الشذوذ الجنسي وهي كلّها قد تكون إستراتيجية هيمنة وإحداث تمزيق في النسيج الاِجتماعي مِمَّا يُسهِّل تمرير أجندات مُخطّط لها.
المثقف الفايسبوكي يتحوّل على رهينة متابعيه ويصبح مروجا للوهم والكذب والكراهية
هل يمكن القول أنّ التحوّلات التي يشهدها العالم، ساهمت في بروز "خطاب الكراهية" وأنّ مساحة الواقع الاِفتراضي العدائي آخذة في الاِنتشار والاِتساع أكثـر يومًا بعد يوم؟
بوزيد بومدين: كما قلتُ لكِ هناك توافقٌ مقصود بين ما يحدث في العالم من تحوّلات يُراد لنا نحن العرب أن نبقى خارج الزّمن وبهيمنة دول متقدمة تحاول إعادة "الجغرافيا السياسيّة" في العالم ولعلّ "صَفقة القرن" هي مظهر من مظاهر ذلك، وهذا له أثره على مساعي إضعاف الدولة التي تقاوم هذا الترتيب العالمي الجديد. طبعًا تساعد على ذلك حالة التخلف ووجود أنظمة اِستبدادية والتبعية الاِقتصادية. من هنا يصبح الإعلام الجديد أداة نفسية وذهنية في تنشيط مخيال تدميري يعتمد "تفجير الهُوية" بالكراهية التي تحيي الاِستقطاب وتدفع بالأنا العاجز عن التفاعل والمحبة والكرم إلى ذاكرته المريضة بإلغاء الآخر واعتباره العدو الّذي ينبغي القضاء عليه.
ما الّذي أخرج خِطاب الكراهية بين أبناء الشبكة الواحدة؟ ولماذا هذا التنمر الاِلكتروني على مواقع التواصل الاِجتماعي؟
بوزيد بومدين: أشرتُ إلى بعض العوامل كتلازم ما يُسمى بالربيع العربيّ مع التطور الرقمي وبروز الإعلام الجديد، ويتميز هذا الإعلام بفراغ قانوني يُنظمه وبغياب المدونات الأخلاقية التي عليها الاِلتزام به، وغياب الإبداع والتطور في وسائل الإعلام التقليدية التي كانت مصدر الخبر عند المواطنين سهّل من هروب المُتلقي إلى مصادر إعلامية أخرى أكثر سرعة وتعتمد الصورة والتقنيات الفنيّة الجديدة وربّما لاحظتِ كيف اِستطاعت الجماعات الجهادية اِستثمار ذلك منذ مشاهد قتل ضحاياها "التي اِستخدمت فيه الفنيات السينمائية" أقصد هنا داعش، إذن الدولة عليها تطوير وسائلها الإعلامية التقليدية وتقنين الميديا سوش دون المساس بالحريات الفردية والجماعات.
هل يمكن الجزم أنّ الفيسبوك أو مواقع التواصل بصفة عامة هي أكثـر الفضاءات المُتاحة والسهلة أو المُيسرة لخطاب الكراهية؟
بوزيد بومدين: سهولة ذلك تكمن في كونها اِستعاراتٌ رمزيّة واختباءٌ وراء صور وأسماء وهميّة وهو أشبه بحالات التحايل والتدليس التي يصعب محاربتها. اللعب بالصورة والتركيب الخداعي كلّها فنيات كانت في صالح "الكذب" الّذي هو أداة للكراهية والعنصرية. والكذب القصد منه إلحاق الضرر بالغير في التضليل والتدليس والإيقاع وقد كان الزميلين الدكتورين العربي بوعمامة ومارون محمّد من جامعة مستغانم موفقين في اِختيار ندوة جمعت باحثين في الإعلام حول "الكذب في منصّات التواصل الاِجتماعي" لأنّ محاربة الكذب أو الكراهية كعواطف وخِطاب ليست بالموعظة أو القوانين فقط ولكن بآليات جديدة تعتمد الاِنتصار التقني والإعلامي واِستخدام الذكاء.
محاربة الكراهية ليست بالموعظة والقوانين ولكن بآليات جديدة تعتمد الاِنتصار التقني والإعلامي واِستخدام الذكاء
هذا يقودنا إلى سؤال آخر: كيف تعامل/ ويتعامل المُثقف الجزائري اليوم مع الميديا، وإلى أيّ حدّ يتفاعل معها؟
بوزيد بومدين: حالة المُثقف مع الميديا يُمكن حصرها في ثلاثة أنواع، مجموعة لا تعتمد هذه الوسائل الجديدة والمثقف ليست له علاقة بها تمامًا رغم أهمية ما يُنتجه وهنا ربّما يصعب عليه معرفة ما يُنشر في هذه الصفحات عبر الغير. وقد لا يعنيه ذلك. وهناك مجموعة تنشر مقالاتها وتحاول أن تتواجد في هذا الفضاء ولكن هل هذا التواجد يكون بنفس الطريقة التي كان حاضرا فيها في الجرائد والوسائل الإعلامية التقليدية. هنا يحتاج هؤلاء إلى مساعدة تقنية للحضور والتأثير. ولكن للأسف هناك مجموعة أخرى قد يكون فيها إعجابٌ متزايد للمتابعين له –المثقف- فيتحوّل إلى "نجم فيسبوكي" لأنّه يخضع لعواطف وذهنية المُتلقي وبالتالي يصبح رهينة للذين يتابعونه وقد يجد نفسه مُروجًا للوهم والكذب والكراهية من حيث لا يدري. وأنتِ تذكرين ما سُمي منذ أكثر من عشرين عامًا "الدّعاة الجُدد" الّذين بعضهم سلَّع التدين، وبعض هؤلاء لم يتخرج من كليات الشريعة أو المعاهد الدينية المُتخصصة.
وهل الثقافة الميدياوية لها تأثيرها وسطوتها على/وفي الحياة الثقافية عمومًا، أم دورها محدودٌ ومُربك، خاصة في ظل اِنتشار خِطاب الكراهية؟
بوزيد بومدين: بالعكس الميديا الجديدة اِنفجارٌ رقميّ جديد أثر على الأحداث السياسيّة في العالم ومنها ما حدث في بلداننا العربيّة ولذلك نعتبره من هنا "روح العصر" مُقابل البروتستانتية التي كانت "روح الرأسمالية" في نشوئِها. ومهما كانت سلبيات مظاهرها ولكنّها سمحت للمواطنين الاِنفلات من الرقابة السياسيّة وحالات القمع والاِضطهاد، فهي التي تفضح الفاسدين من المسؤولين وهي التي تضيءُ على نقاط معتمة في واقعنا الجزائري والعربي عمومًا.