ميلود حكيم
1
المداخل مغلقة
و إذا طاح الليل نخاف عليك
و أنا لا أريد الرجوع
إلى بلد
أو أحد
الوباء لا مرئي
مع ذلك تتوقف عند بائع البرتقال
البليدة ليست بعيدة
و حاجز الدرك يرد الجميع
إلى أين أنت ذاهب؟
إلى جبل شنوة
و بحر تيبازة الجميل
كي أطل للمرة الأخيرة
على الأزرق المستحيل
لكنك مجنون
و العالم كله هارب
من عدو غامض لا يعرفه
أريد الموت على موجة
في البعيد
هناك حيث نثرت أناشيدها الضفاف
و ليكن آخر ما أراه منحدر
لا يوصل سواي
لرقصة الأرجوان الأصيل
2
أيها الدركي الخائف
كمامتك الزرقاء
و قفازاتك البيضاء
و ضحتك المتوجسة
تدلني على جهة الموت
لن أعود
كن لطيفا و دعني أمر
لي مشاغل في آخر هذا الطريق
سأزور طللا باليا
و قلبا شريدا
و أتفقد مرابع القلب
و أشلاء الحنين
كن لطيفا
و اترك لعيني أن تستمتع بهذا الربيع
السماء زرقاء
و البحر ينادي في البعيد
و إذا أغلقتم علي في غرفة بملايين الجدران
سأموت من القنطة و الضجر
دعني أزور قبر الرومية الفارغ الآن
و الميناء المستوحش
لن ألتقي بأحد
سوى شبحي العائد من الأبد
أيها الدركي الجميل
دعني أطل على جبل في الأعالي
يشد الفراغ
بحبل الظنون .
3
لم أَجِد من يرشدني في هذا المساء
إلى بائع الورود
الدكاكين مغلقة
ترى رتاجاتها الشائكة
و تسير في الشارع الفارغ
لا سيارات و لا مارة
الجميع منزوٍ في البيوت
وحدك تسير بسيارتك السوداء
في موكب الجنازات اللامرئية
لمن الورود؟
لامرأة من القرن الماضي
دعتني لزيارتها
و أنا الغريب
لا أرد بحرا إلى شاطئ
و لا أترك موجة بلا زبد في الرمال
إلى أين أنت ذاهب؟
إلى موعد يليق بميت
ينتظر دوره
لا يهم
لكن الفنار في البعيد
شامخ في الصمت
و لا أحد يراه
كما في الزمن الماضي
مطعم السمك فارغ
بابه موارب
و قطة تموء في الجوار
لا أحد يفتح للفرح بيت الوعود
هنا كنت تأتي
لتنقذ الأيام من موتها الرتيب
و أنت وحدك تمضي بخطى كسيرة إلى آخر ما ترى
ميناء حزين
و عدم يطل بعينين رماديتين على ما بقي من حياة
في هذا المدى
سلام عليك يا أغنية مبحوحة في الذي بقي من ذكريات
ليكن الموت أزرق هذا المساء
سأنتهي وحيدا
كما اشتهيت
يرشدني المغني الأعمى
إلى آخر وصلة
في أغنية الفقد الكبير
4
لم أكن نائماً في مركبٍ يعبر أنهارًا جفّت منذ دهْرٍ
في استعادةٍ متأخّرة لرحلة أوصلتني إلى منتهى الآمال
كنتُ فقط مسترسلاً في مطاردة الظلال
أطل من نافذة فسيحة على منظر كان سيعجبني في حياة أخرى
فيه ما يجعل المدى يتنفس رائحة البحر بلا سفن الشحن و آليات السحب و الجرافات التي تصدأ من الانتظار ..
في الأسفل حديقة تحفها أشجار النخيل و مكتشفات أثرية منثورة بلا معنى في الجوار..
وصلت إلى هنا مصادفة و لم تحملني الأقدار
غيّرت بيوتا كثيرة تركت فيها شذرات ناقصة من حياتي
و ذكريات علقتها في الزوايا مع أعشاش العنكبوت و قلت علي أن أصدق حظي السيء هذه المرة
ربما منحني أن أرعى ممالك النمل في هذه الشقة الكلونيالية ذات السقوف العالية
سيرة النمل غريبة يخرج من كل فجٍّ و يفاجؤني كل يوم بوفود جديدة تتوزع بعدل في الغرف و الممرات و حين يسأم يصعد معي و يدب في جسدي دبيبا فاتنا تكتنفه عضات و قرصات تبحث لها عن موج سيحملني إلى الخذر الذيذ.. لم أعد أحتاج للأحلام.
أعبر حديقة الملذات كما رآها رسّام قديم و أسهو في الكسور...
سأطل إذن من هنا على منحدرات تخفي تعرجاتها بنايات قديمة تتآكل
أطل على الباقي من الحياة في أزمنة الوباء و أمدح الفراغ الذي يتسع و يضيق بمشيئة المطر الصاهل منذ الصباح
و هي حياتي في الانعطاف الأخير
تسلمني لأعداء غير مرئيين و لضفاف قاحلة
و إذ أدور بين الغرف و الدهاليز أستحضر المعابد و الملاجئ الكهوف التي احتمى بها الإنسان من رميم يحاصره
فكرة الله جيدة في هذا القفر
و القيامة لا تحتاج لوصف باذخ
أفلام الخيال و الرعب سبقتني إلى هنا و أنا لا أحتاج لقدرة خارقة كي أصف الحالة
يكفي شرر صامت كي أشعل الومضة التي تطلع من أصابعي
تكفي الصدفة كي أنجو أو أموت...
مسرح أشباح.. متحف حفريات سحيقة.. و العدوى التي مدحها أرطو ذات جنون صارت حديث الجميع
لكن لن أتسلق حدبة الأناشيد كي أصل إلى الفرق بين الصرخة و الدمعة و ما ينفتح في الخلايا بعد عبور النمل ...
حديث طويل مع الفراغ. ماذا تعني الوحدة في هذا النهار البليل
ماذا تعني لي بعد انجراف تربة العمر ساحبة في طريقهاوابل الهواجس هذه القفزة
و الطائر المبلل يصرخ بعد توقف المطر
لم أره لأفسر صرخته، و هل هي نذير شؤم
أكتفي بالملل
و بالتحديق في شفافية الهواء
ناعم و مسترخ هذا الرذاذ
و شاسعة روحي
تستطيع حمل أثقال من الحكايات و الأخبار عن الموتى الجدد
الشاشات تنقل كرنفال العبور إلى الجهة الأخرى المظلمة و لا شاعر يستطيع التنبؤ بما سيحدث
هي أجداث تبحث عن جلدها و مساماتها التي تقفر كمضارب بدو رحلوا
هي الارتجافة الأخيرة
بعد احتضار طويل