ياسين سليماني
هناك عودة واضحة لاستخدام الأقنعة في المسرح الغربي المعاصر أسوة بما كان عليه الحال في المسرح القديم. كانت مسرحيات أسخيلوس الذي اعتبر صوت الشعب اليوناني تستخدم الأقنعة وما يمكن أن يقال عبرها لا يمكن أن يقال من دونها. توظيف القناع في المسرح أو السينما أو الدراما التلفزيونية له غاية واحدة، إنه كما يعبّر باتريس بافيس «يُرفع و يتموضع في المسرح بناء لعدة اعتبارات لاسيما منها مراقبة الآخرين فيما يكون المراقَب بعيدا من الأنظار» كما نجد الأقنعة أيضا في الحفلات التنكرية التي تحرر فيها الأقنعة أصحابها من الهُويات والممنوعات والزمن والطبقة والجنس. تقول الناقدة ماري إلين أوبراين في كتابها التمثيل السينمائي: «تعلمنا التجارب، غالباً، أن نختبئ وراء بعض الأقنعة الجسدية أو السلوكية من أجل مجاراة أحداث الحياة. إن الامتحان «النفس – جسماني» هو تكنيك لتحديد تلك الأقنعة، والتخلص منها، عند الضرورة».
يخفي القناع التعبيرات النفسية التي يفترض أن يُظهرها الممثل على وجهه وتقدم للمشاهد مجموعة من المعلومات لذلك فإنّ جهدا كبيرا يجب أن يُبذل لتعويض هذا النقص. التعويض الواجب تقديمه في هذه الحالة يكون من خلال حركة ومجهود حركي كبير. هذا الجهد الواضح لجسد الممثل مع الوجه المحايد والتناقض بينهما تنتج عنه جمالية أساسية كفيلة بتركيز الانتباه للجسد بمعزل عن القناع الجامد.
يتحدث النقاد عن واحدة من نتائج استخدام القناع وهي التشويه الطوعي للمظهر البشري، فالقناع يرسم بكاريكاتورية ويعيد تركيب الوجه كليا سواء أكان تعبيرا مبتذلا أم أسلبة كما يعبر بافيس وغوفرو وروبين وغيرهم فـ»كل شيء يصبح متاحا صورة وفعلا من خلال استخدام المواد الحديثة ذات الأشكال والحركية المذهلة». كما يؤكدون أنّ القناع لا يكتسب معناه إلا ضمن عملية الإخراج بمجمله ولم يعد اليوم مقتصرا على الوجه بل إنه يحافظ على علاقة وثيقة مع الإيماء والمظهر الشامل للممثل إلى جانب طواعية الخشبة. لذلك نجد في الأعمال الموجهة للأطفال مثلا ممثلين بأقنعة حيوانات وحشرات كبيرة بتنوع هائل (يمكن العودة إلى ميوزكال «الملك الأسد» لشركة ديزني من إخراج الشابة جولي تيمور) كما يمكن بالطبع العودة إلى أعمال كبيرة أُخرجت عن نصوص لشكسبير مثل «كما تهوى» لجون دكستر عندما يضع الممثلون ذوي الكفاءة العالية أقنعة من رؤوس الغزلان.
هناك عدة مشكلات قد تنجم عند استخدام الأقنعة فهي أولا تحتاج في الكثير من المرات إلى إعادة تصميم أكثر من مرة حتى لا تعيق إيصال الكلام للجمهور وثانيا وهو الأهم تحمّل الممثل عبئا مباشرا وتوتّرا بما أنّ عليه أن يتكيف ويتعامل معها في فعله وردود فعله. غالبا ما تُصنع الشرائح اللاصقة لتوضع على وجوه الممثلين وعلى أيديهم وعلى أجزاء من أجسامهم، وغالبا ما يتم استخدام القوالب لخلق الأقنعة. إنّ جلوس الممثل من أجل وضع شرائح لاصقة على وجهه هو -كما تعبّر «أوبراين» في كتابها المذكور- تجربة رهيبة. في البداية يدهن وجه الممثل بالفازلين ثم توضع عليه شرائح مما يستخدمه أطباء الأسنان أو مادة مشابهة. تأخذ عملية الجفاف من نصف ساعة إلى أربعين دقيقة تقريبا يستطيع الممثل خلالها أن يتنفس فقط من خلال «شلمونتين» في منخريه ويتوجب على الممثل أن يبقى ساكنا قدر الإمكان خلال مراحل العلمية للحصول على قالب قابل للاستخدام.ويتحدث العديد من النقاد عن أعراض مشابهة لعقدة الأماكن المغلقة وشعور طاغٍ من الحرمان الحسي يعانيها الممثل بعد الدقائق الخمس الأولى.
يمكن الحديث عن نموذجين في السينما الغربية والدراما التلفزيونية العربية في المثال الأول نجد الممثل أنتوني دانيالز في فيلم «غزاة تابوت العهد المفقود» عندما تطلب العمل ما يفوق الاكتفاء بقناع للوجه وحده فقد اضطر دانيالز للانتظار طيلة المدة التي استغرقها وضع شرائح لاصقة كقالب لكامل جسده من أجل صنع نموذج لبزته. أخيراً، صنعت في التصميم النهائي بزة من «اللاتيكس» فوق بزة داخلية أخرى فيها أنابيب دقيقة تحتوي مياه باردة. ولكونه مضطراً أن يبقى في بزة الإنسان الآلي كلياً زمناً طويلاً، تطلب ذلك من دانيالز تكيفاً عظيماً، سواء كممثل أو كإنسان. تضمنت بعض المتطلبات الذاتية أيضاً: الصبر، المرونة، والقدرة على الاحتمال. أما كممثل، فاضطر دانيالز إلى استخدام قدرٍ من الإيماء في تشخيصه.
في المثال الآخر وفي الدراما التاريخية «دليلة والزيبق» (إخراج سمير حسين وإنتاج عاج-سورية) قام مصمم الماكياج الإيراني داريوش صالحيان وبإشراف زهرة أحمدي بعمل عبقري مع الأدوار التي قام بها كل من الممثل وائل شرف (الزيبق) والممثلة كاريس بشار (دليلة) تطلب العمل ذي الستين حلقة (مقسمة على جزأين عرضا في الموسمين الرمضانيين 2011 و2012) إنجاز عشرات الأقنعة والتصميمات التي حوّلت الشخصيتين إلى مجموعة من الشخصيات شديدة التنوع: العبد الأسود، السقّاء ذي الحدبة، بائع الحلوى، الخيميائي عزرا، من غير الممكن اكتشاف الشخصية الحقيقية للممثل أو الممثلة بعد سلسلة التعديلات والتغييرات الكبيرة التي قام بها الماكيير والقدرة الهائلة للممثلين –خاصة وائل شرف-على تمثّل الأدوار وأدائها وهو عمل يظهر الوجه المشرف للدراما السورية.