هل أثّرت تكنولوجيات الاِتصال الحديثة على حياة الفرد والمجتمع، في مرحلة اِنتشار فيروس كورونا، نتيجة البقاء شبه المتواصل أمام شاشات الحواسيب والألواح والهواتف الذكية، وكيف وهل تأثيراتها هذه المرة كانت إيجابية أكثر من كونها سلبية؟ أيضا هل أثّرت على الجانب العائلي من ناحية التواصل، فإذا كان التباعد الاِجتماعي أحد أهم توصيات الصحة والسلامة في الأزمة الوبائية، فهل التكنولوجيا ساهمت في التقارب الأسري والتواصل الإنساني، أو ألقت بظلالها على التباعد الأسري، بحيث كلّ فرد من أفراد العائلة اِنعزل أكثر؟
إستطلاع/ نــوّارة لحــرش
وفي المقابل هل يمكن القول أنّ سطوة هذه التكنولوجيا قد ساهمت في إلهاء الفرد عن كوارث الجائحة وبالتالي خفّفت من مخاوفه، أم أنّها ساهمت في تأجيج مخاوفه وفي الزج به في دائرة القلق والتوجّس؟
حول هذا الشأن «التكنولوجيا وتأثيراتها على المجتمع في ظل الوباء»، كان ملف «كراس الثقافة» لهذا العدد مع مجموعة من الدكاترة والباحثين الأكاديميين.
مريم بن زادري/أستاذة وباحثة بكلية العلوم السياسية -جامعة قسنطينة03
التكنولوجيا كانت المنفذ الوحيد الّذي قلل من الشعور بالعزلة والفراغ
يعيش الأفراد والمجتمعات منذ أشهر وباءً اِنتشر بشكلٍ غير مسبوق واكتسح مُجمل المعمورة، وباءً أَطلق عنانه على كلّ فئات المجتمع ولم يتوقف عند مجتمع متقدم ولا آخر في طريق النمو، بل إنّه يشبه التكنولوجيا في اِنتشاره وعدم اِعترافه بالحدود الجغرافية ولا باِختلاف اللغات ولا بجنس الأفراد ولا اِختلاف مستوياتهم.
إنّ جائحة كوفيد19 من أشد الأزمات التي يمر بها العالم، فقد وُفقت القليل من الدول في إدارة اِحتواء اِنتشار الفيروس، بالاِعتماد على سياسات مدروسة واستباقية كالعزل وإغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية، وكذا تأجيل كلّ النشاطات التجمعية، فيما أخفقت الكثير منها في ذلك، مِمَّا أدى إلى تفاقم العدوى وزيادة عدد الإصابات والوفيات بنسب كبيرة جدا، فكان الحل أمام اِنتشار هذا الوباء هو الحجر الصحي الجزئي والشامل، والعزل لبعض المناطق الموبوءة، وإجراءات صحيّة أخرى كالتباعد الاِجتماعي.
لقد ساهمت هذه السياسات المُنتهجة في الحد من اِنتشار الفيروس بشكلٍ ملحوظ، وهذا ما يُمثل اِنعكاسًا إيجابيًا على صحة المُجتمع وأفراده، فالمكوث في البيت لفترات طويلة عزّز التواصل مع الأصدقاء والأقارب عن بُعد، وطوّر مهارات أداء المهام عن بُعد، وكذا ساهم في تنمية الثقافة الصحية لدى الأسرة والفرد عن طريق الاِطلاع على مُستجدات الجائحة وعلى سُبل الوقاية منها وعلاجها، وذلك عن طريق اِستخدام مختلف التطبيقات المتاحة على الانترنت، كما ساهم اِستخدام هذه الوسيلة في جمع التبرعات لصالح الأُسر المعوزة، وتوفير أجهزة تخدم قطاع الصحة في التصدي لهذا الوباء –على غرار جهاز PCR- كما استخدم مجموعة من الشباب وسائل التواصل الاِجتماعي لإعادة إحياء سلوك “التويزة” المُتأصل في المجتمع الجزائري وذلك من خلال تنظيف وتعقيم بعض الأحياء والمجمعات السكنية، وكذا إعادة تهيئة بعضها الآخر في تلاحم وتعاون وتطوع بين مختلف فئات المجتمع المدني، أمّا من ناحية التعليم فقد اِنتهجت الجامعة الجزائرية سياسة التعليم عن بُعد لكلّ الأطوار، من خلال اِستخدام بعض تطبيقات الانترنت من أجل اِستكمال ما تبقى من السداسي الثاني، وهكذا يمكن القول بأنّ الجانب الإيجابي للحجر الصحي المنزلي قد خلق للأفراد مجالات لتطوير القدرات الذاتية وتعزيز الروابط المجتمعية وإحياء بعض الثقافات التي بدأت تتلاشى.
لكن في المقابل، نلحظ اِنعكاسات سلبية مختلفة على الفرد والمجتمع جراء الحجر الصحي المنزلي والتباعد الاِجتماعي وإغلاق المدارس والجامعات والفضاءات الترفيهية والرياضية الّذي أدى إلى اِنتشار اِستخدام مختلف وسائل التواصل الاِجتماعي كالهواتف النقالة والحواسيب واللوحات الاِلكترونية من قِبل مختلف فئات المجتمع، فقد بات الكثير من الأولياء يشتكون من الاِستخدام المفرط لها من قِبل أطفالهم، كما هو الحال بالنسبة للمراهقين والشباب وحتّى الكهول، حيث أصبحت تلك الوسائل تمثل المنفذ الوحيد الذي يُقلل من الشعور بالتوتر والعزلة والفراغ الّذي بات يتخبط فيه من ترك مقاعد الدراسة ومن غادر مكان عمله ومن افتقد روتين حياته، فالحجر الصحي المنزلي أجبر أفراد الأسرة الواحدة على التواجد في نفس الزمان وفي نفس المكان طيلة اليوم لمدة مُعتبرة، مع العِلم أنّ الأسرة الجزائرية تُعاني من النمط المعماري الّذي لا يُلبي حاجياتها، فعدّد أفراد الأسرة الواحدة لا يتواءم مع مساحة الشقة أو المنزل الّذي لا يتجاوز عدد غرفه ثلاث غرف في مُجمل ربوع الوطن، ومع إجبارية المكوث في البيت في ظل هذه الظروف نتجت مشاكل اِجتماعية كثيرة كالعنف بشتى أنواعه والقلق والتوتر والاِنعزال، حيث وجد الأفراد ملاذهم الوحيد في خلق فضاء خاص بهم، يبحثون فيه عن الترفيه وفك العزلة والاِنتماء إلى فضاء اِفتراضي يُحقق لهم ما افتقدوه في حياتهم اليوميّة، دون الاِكتراث إلى ما يُسببه الاِستخدام المُفرط لهذه الوسائل على الصعيد النفسي والاِجتماعي والصحي.
نجاح بوالهوشات/ أستاذة محاضرة وباحثة بكلية الثقافة والفنون -جامعة قسنطينة03
التكنولوجيا بريئة في زمن رقمنة الحياة اليومية
ساهمت التكنولوجيا بشكلٍ عام، والتكنولوجيا الرقميّة بشكلٍ خاص في رسم معالم مجتمعات جديدة تختلف مرجعياتها القيمية والأخلاقية عن المجتمعات التقليدية، ولعلّ أكثر ما يُميّز مجتمعات الرقمنة اليوم هو رقمنة الحياة اليوميّة للأفراد داخل النسق الأُسري، حيث لم يعد للفاعلين الرئيسيين داخل الأسرة الجزائرية تلك المكانة والوجاهة والسلطة الاِجتماعية المُطلقة في تسيير العلاقات القرابية والجوارية على حدٍ سواء، بل أصبحت مواقع التواصل الاِجتماعي -على سبيل المثال لا الحصر- تنافسهم وتحل مكانهم حتّى في تربية وتنشئة الأبناء وذلك في مقابل الجوانب الاِمتيّازية التي جادت بها تقنيات التواصل الرقمي، فلا يمكن التنكر للخدمات الاِتصالية النوعية التي وفرتها هذه الوسائط لأنّها بالفعل اِختصرت الوقت والجهد والمكان، خاصة وأنّنا نعيش اليوم وضعًا اِجتماعيًا اِستثنائيًا بسبب تفشي وباء كورونا، تجلّت فيه الحاجة المُلحة للوسائل التكنولوجية من أجل الحفاظ على اِستمرار التواصل الإنساني.
من وجهة نظر سوسيولوجية يعد التواصل الإنساني عصب الحياة الاِجتماعية، فإذا تمّ بطريقة سليمة وآمنة من خلال اِحترامه لمنظومة القيّم والأخلاق المجتمعية، فإنّه يُعزز من توازن المجتمع خاصة إذا حقق مقصد تقوية الروابط الأسرية، على اِعتبار أنّ الأسرة هي الخلية الأولى التي يتكوّن منها أي مجتمع إنساني، والعكس إذا ما مُورست العملية الاِتصالية بشكلٍ متطرف ومتمرد عن الضوابط الاِجتماعية، لاسيما في ظل الاِعتماد على التكنولوجيا الرقمية كوسيلة تواصل توفر هامشًا معتبراً من الحرية المطلقة، التي تتجاوز في الحقيقة الإمكانيات الرقابية للأسرة في المجتمع الجزائري.
إنّ الحديث عن آثار اِستعمال الوسائل التكنولوجية من طرف أفراد الأسرة الجزائرية في ظل تفشي وباء كورونا، يقودنا إلى الحديث عن السلوك الاِجتماعي أثناء الأزمات، فلا يجب أن نناقش هذا الموضوع خارج هذا السياق لأنّه في الأصل عبارة عن ممارسة اِجتماعية في ظروف اِستثنائية. فالأزمات الصحيّة حسب الدراسات السوسيولوجية تتسبب في ظهور «اِضطراب» في السلوك الجماعي للأفراد خلال فترة اِنتشار الوباء، حيث يتأرجح تارة بين العقلانية (الاِيجابية) وتارة أخرى بين اللاعقلانية (السلبية)، ويتعدى هذا الاِضطراب الاِجتماعي السلوكي ليشمل المعتقدات الدينية أيضا أين تزيد وتضعف مظاهر التدين والإيمان لدى الأفراد، كما تظهر حاجتهم كذلك إلى اِستحضار التراث الشعبي كملاذ للبحث عن الحلول التي تمّكنهم من تجاوز أزمة الوباء، ومن أبرزها اللجوء إلى الطب الشعبي.
إذن، إنّ الحياة اليومية الاِستثنائية التي فرضها اِنتشار وباء كورونا في الجزائر إلى جانب الإجراءات الوقائية المرافقة له خاصة منها التباعد الاِجتماعي، أثّرت على كيفية اِستعمال الوسائل التكنولوجية من أسرة إلى أخرى وهنا يجب أن نركز على مستوى الوعي الجمعي الّذي يزيد أو ينقص معدله لدى أفراد كلّ أسرة حسب المستوى التعليمي، وكذلك حسب البيئة الاِجتماعية التي يعيشون فيها، والوضع الاِقتصادي الّذي يتمتعون به، فالأسر التي تعاني مثلا من التفكك المادي أو الرمزي في ظل تدني المستوى التعليمي وهشاشة المستويين الاِجتماعي والاِقتصادي، تنقل في أحيان كثيرة ما تعانيه من صراعات وخلافات يومية من الواقع الحقيقي إلى الواقع الاِفتراضي الرقمي، الّذي يوفر إمكانية اِستعمال الأسماء المستعارة كاِمتياز للتمادي وممارسة العنف، وهو ما يمثل إحدى صور التواصل الأسري السلبي باِستخدام شاشات الحواسيب، أو الألواح الاِلكترونية، أو الهواتف الذكية، التي تحوّلت في فترة الحجر الصحي إلى عوالم وهميّة لعبت دور مُسَّكِن الألم، ولكنّها لم تساهم في علاج العارض المرضي العلائقي لدى العديد من الأسر الجزائرية.في حين حرصت الأسر الجزائرية التي تملك معدلاً مقبولاً من الوعي الجمعي على اِستخدام الوسائل التكنولوجية لحماية التوافق العلائقي بين أفرادها، من خلال التواصل عن بُعد مع أفراد «العائلة الكبيرة» (كما تُسمى في الدارج الاِجتماعي) والسؤال عن أحوالهم، وهو ما خفّفَ من وطأة التباعد الاِجتماعي كإجراء وقائي. أمّا على مستوى «العائلة الصغيرة»، فقد وظفت هذه الأسر التكنولوجية الرقمية لحماية أطفالها من الفراغ الاِضطراري الّذي تسبب فيه الحجر الصحي بعد غلق رياض الأطفال والمدارس، والبدائل هنا كثيرة ومتنوعة بين الألعاب الاِلكترونية، ومشاهدة الأفلام الكرتونية، والمشاركة عن بُعد في مسابقات الرسم. ولقد لاحظنا في نفس السياق حرص الأُسر التي تتمتع بوعي جمعي على المشاركة في الأعمال التطوعية للصالح العام عبر مختلف مواقع التواصل الاِجتماعي، بالتالي سمحت لهم التكنولوجيا بممارسة حدٍ مقبول من الحياة الاِجتماعية الطبيعية متجاوزين بذلك مشاعر القلق والخوف، التي فرضتها إحصائيات وباء كورونا في العالم عمومًا وفي الجزائر خصوصًا.
يندرج طرحنا السابق في إطار تبيان حقيقة الأمور كما هي في الواقع المعيش، فالتكنولوجيا وما توفره من وسائل تواصلية أثّرت على كيفية القيام بالممارسة الاِجتماعية أثناء الحجر الصحي ولم تُساهم في خلقها من العدم، وهنا نستطيع القول أنّ التكنولوجيا بريئة من ظواهر اِجتماعية سلبية كان وجودها قبل اِنتشار اِستعمال الوسائط الرقمية في الجزائر، فتخلي الأولياء عن مسؤوليتهم في تربية الأبناء، الخيانة الزوجية، اِضطراب علاقة صلة الرحم، إهمال الأبناء للوالدين، سوء التعامل مع الاِبن المراهق، عدم التوافق العائلي...الخ، كلها ظواهر أسرية معتلة سبقت زمانيًّا اِستعمال التكنولوجيا في المجتمع الجزائري. ما يُعاب على التكنولوجيا في هذا الشأن أنّها ساهمت في الترويج لهذه المشاكل الأسرية من خلال تداولها على نطاق واسع ودخولها خانة «normal» في ثقافة الجزائري، لكنّها عرّت في المقابل واقعًا اِجتماعيًا هشًّا زادت متاعبه بسبب تفشي وباء كورونا. ومن جانبٍ آخر لعبت التكنولوجيا الدور الاِيجابي والسلبي في يوميات الأُسر الجزائرية، بحيث خفّفت عن بعضها متاعب القلق والخوف من اِنتشار وباء كورونا، وزادت لدى بعضها الآخر بعض المخاوف الإضافية من المصير المجهول.
بسمة ترغيني/ باحثة في عِلم الاِجتماع -جامعة محمّد خيضر بسكرة
الانترنت كانت حصان طروادة لمكافحة الوباء
إنّ الحديث عن تكنولوجيا الاِتصال وتأثيرها على حياة الفرد والمجتمع، خاصةً أثناء الظرف الوبائي، يُحيلنا إلى أهمية الاِتصال كونه حاجة مُلحة في حياة الإنسان ومنذ القِدم، فالاِتصال هو محور العلاقات الإنسانية ومن الأساسيّات الحياتيّة للأفراد والمجتمعات، فلا يستطيع أي إنسان أن يعيش بمعزلٍ عن الآخرين أو دون أن يتصل بهم، وقد يكون من مبررات ميل الإنسان لاِستعمال تكنولوجيات الاِتصال الحديثة لاسيما مواقع التواصل الاِجتماعي هو اِستجابة لميله للتواصل.
وللإنصاف اِستعمال التكنولوجيا لا يخلو من إيجابيات مُتعدّدة، إذا ما اُستخدمت في التواصل الهادف والتعليم الذاتي والتثقيف والإطلاع على المستجدات المحلية والعالمية. ففي عصرنا الحالي تحوّل مستخدم تكنولوجيات الاِتصال من مجرّد مُتلقي سلبي للرسالة إلى مرسل، يُشارك في تقديم المحتوى ويصنعه أيضًا من خلال ما يُعرف بصحافة المواطن أو (إعلام النَحن)، فوسائل الاِتصال الحديثة أتاحت الفرصة لكلّ شخص أن يكون (فاعل اِجتماعي) في محيطه المحلي وحتّى الصعيد العالمي. لكن ما يجب التوقف عنده هو ليس اِستعمال التكنولوجيا، ولكن الإفراط في اِستعمالها الّذي وصل درجة الإدمان، حيثُ صُنِفَ إدمان الانترنت كاِضطراب صحي يستوجب العلاج.
وصول المُستخدم لحالة الإدمان الاِلكتروني يُؤثر سلبًا على سلوكه الإنساني ونظرته للحياة ككلّ، وكذا شبكة علاقاته الاِجتماعية التي تتراجع كثيراً في الواقع ويستبدلها بعلاقات اِفتراضية تؤدي به إلى العزلة والفردانية والاِغتراب عن بيئته الاِجتماعية، هذا إضافة إلى المشاكل الصحيّة وعلى رأسها اِضطرابات النوم وحالته المزاجية التي تتأرجح ما بين الاِعتداد المُبالغ فيه بالنفس إلى حالة توتر وقلق قد تُفضي إلى الاِكتئاب.
أمّا عن تأثير تكنولوجيا الاِتصال على حياة الفرد أثناء جائحة كورونا، فعند مناقشة تأثير اِستخدام التكنولوجيا الحديثة على سلوك الفرد في المجتمع أثناء هذه الجائحة، يجب التنويه أنّ تزايد الاِستخدام لم يكن وليداً للظرف الصحي الاِستثنائي العالمي، فعند الرجوع للإحصائيات الأخيرة، أي قُبيل اِنتشار الوباء فمعظم الإحصائيات لسنة 2019 تُؤكد أنّ أكثر من نصف عدد سكان العالم مرتبط بالشبكة العنكبوتية، بينما الاِشتراك بالهاتف المحمول كان أكثر من عدد السكان في بعض المناطق في العالم على غرار منطقة الشرق الأوسط التي يسكنها نحو250 مليون نسمة، بينما نجد فيها 304.5 مليون اِشتراك بالهاتف المحمول.
ومِمّا لاشكّ فيه أنّ إجراءات مكافحة جائحة كورونا، وأبرزها الحجر الصحي المنزلي أدت إلى تفاقم الوضع أكثر، فبعد تعطيل الدراسة في كلّ المدارس والجامعات والسماح بالعُطل الاِستثنائية للموظفين في مُعظم القطاعات على المستوى العالمي سُجلت زيادة واضحة في حركة مرور البيانات عالميًا على شبكة الإنترنت، وزيادة الاِستخدام لعديد من التطبيقات، سواء كانت التطبيقات الخدمية أو التطبيقات الخاصة بالتواصل المُباشر والدردشة أو خدمات بث المحتوى.
وعليه يمكن القول أنّ الانترنت كانت حصان طروادة لمكافحة فيروس كورونا لإنجاح سياسة التباعد الاِجتماعي والتخفيف من أعباء الحجر المنزلي، إذ تساءل الكثيرون بكثير من الإعجاب ماذا لو لم تكن الانترنت في زمن كورونا؟ وأجاب بعضهم أنّ التكنولوجيا التي لطالما كانت محلاً للاِنتقاد أصبحت أثناء اِنتشار فيروس كورونا «ملجأً نشعر فيه بالأمان»!!! فتلك التكنولوجيا أصبحت البديل الوحيد لاِستمرار بعض النشاطات كالعمل والدراسة عن بعد، لتكون «شركة زوم» الاِستثناء باِرتفاع أسهمها رغم تراجع السوق العالمية ككلّ. وحتّى على مستوى التواصل الإنساني قدمت البديل الاِفتراضي عن طريق برامج المحادثة الفورية ومكالمات الفيديو التي شهدت اِرتفاعًا منقطع النظير خلال اِنتشار الوباء.
وعلى المستوى النفسي ونتيجةً لسهولة تداول المعلومات والاِطلاع الفوري على مستجدات اِنتشار المرض عالميًا كانت التكنولوجيا مصدراً ثريًا بالمعلومة الطبية التي يحتاجها الأفراد في الوضع الراهن ومن المُتخصصين مباشرةً، كما كانت عاملاً للتطمين النفسي للأفراد، أي أنّ المعاناة مشتركة تأكيداً للمثل «إن عمت خفت» وهي حيلة من حيل الدفاع النفسي التي تُساعد العقل على تجاوز السلوك غير المرغوب وتحويله إلى سلوكٍ مرغوب. ولكن الأمر لا يخلو من بعض المحاذير والآثار السلبية، فالتكنولوجيا في زمن الوباء باعدت المُتباعد وعزلت المعزول، فالآثار الاِجتماعية والنفسية السابقة الذِكر تعمّقت أكثر، ليس اِستجابةً لإجراءات الوقاية من العدوى فقط، ولكنّها كانت ذريعة للاِستمرار في الفردانية التي عاشها البعض قبل اِنتشار الفيروس، فساعات العمل والدراسة اُستهلكت وأُهدرت في التصفح اليوميّ لمواقع الانترنت وتطبيقات التواصل الاِجتماعي بدلاً من التواصل بين أفراد الأسرة واستدراك الوقت الإضافي الّذي منحه الحجر لكلّ الأفراد في التثقيف وممارسة الهوايات.
يبقى الفيصل في الموضوع هو ليست التكنولوجيا في حد ذاتها ولكن طريقة اِستعمالها، أو بالأحرى ترشيد اِستخدامها والتأكيد على وعي الفرد الّذي ترتقي به مؤسسات التنشئة الاِجتماعية لاسيما الأسرة من خلال أدائها لأدوارها التربوية للتكفل بأفرادها وتنظيم حياتهم وقد يكون الحجر الصحي فرصة لاِسترجاعها لتلك الأدوار.
في الأخير، نُثمِن ما ذهب إليه «ديفيد بشيري» من أنّ التكنولوجيات التي تسمح بمواصلة الروابط الاِجتماعية ستخرج مُعزّزة من هذه الأزمة «لأنّ الإنسان يبقى كائنًا اِجتماعيًا باِمتياز وغير مستعد للعيش منقطعًا عن الآخرين».
بلال قريب/ أستاذ محاضر بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية -جامعة بسكرة
التكنولوجيا ظلت تلعب دورا في اِنعزال أفراد الأسرة ودورا إيجابيا خلال الوباء
في حقيقة الأمر عند التكلم عن التكنولوجيا وتأثيرها على المجتمع بأفراده وأسره فنحن هنا بصدد الحديث عن «سلاح ذي حدين»، بمعنى أنّ بقاء كلّ فرد داخل أسرته بمعزل عن البقية واتخاذه لجهاز حاسوبه أو هاتفه الذكي أنيسًا ومُؤنسًا لأوقات كثيرة في أحيان كثيرة قد يكون شيئًا سلبيًا، على أساس أنّ هذا الأمر قد ينعكس بالسلب على العلاقات الأسرية، فإن كان هذا الفرد أبًا فهو لديه من المسؤوليات ما يدعو إلى عدم الاِلتهاء بالحاسوب أو الهاتف الذكي فيكون ذلك على حساب أسرته، وبشكلٍ كبير على حساب تربية أبنائه والاٍستماع والإصغاء إليهم والاِهتمام بهم سواء كانوا أطفالاً أو شبابًا، ونفس الأمر ينطبق على الأم، أمّا بالنسبة للأطفال فالأمر السيئ في اِنفرادهم بتكنولوجيا الحواسيب والهواتف الذكية هو نوع المواقع التي يلجؤون إليها أو المواضيع التي قد لا تكون في صالحهم، وفي أحيان كثيرة ينعكس بقاء الأطفال والشباب أمام الحواسيب والهواتف الذكية على مستواهم وتحصيلهم الدراسي، على أساس أنّهم لا يستخدمون هذه التكنولوجيا من أجل التحصيل الدراسي أو تحسين مستواهم العلمي في غالب الأحيان، وعلى الرغم من هذا فهناك إيجابيات من اِستخدام تكنولوجيا الحواسيب والهواتف الذكية سواء للكبار أو الصغار إن كان اِستخدامهم لها يؤدي إلى الغرض المطلوب من دراسة، عمل، تواصل مع الأهل والأقارب...الخ، لكن بشرط أن لا تأخذ الحيز الكامل من وقت الفرد مع أسرته، بمعنى ترشيد اِستخدام الإنسان مع أسرته لهذه التكنولوجيا، وهنا يقع على عاتق الفرد وخاصة رب الأسرة أن يُنشئ أسرته تنشئة سليمة فيما يخص اِستخدام الحواسيب والهواتف الذكية.
فيما يخص التواصل الأُسري في زمن الاِنتشار الهائل لتكنولوجيا الحاسوب والهاتف الذكي فللأسف الشديد سواء في العالم المتقدم أو المتخلف تسببت في تباعد الأفراد داخل الأسرة الواحدة، وعدم تواصلهم في غالب الأحيان، حتّى أصبح الفرد في الأسرة الواحدة لا يعلم ولا يدري باِنشغالات الطرف الآخر، وهذا طبعًا من بين أخطر السلبيات لتلك التكنولوجيا.
بالنسبة للتباعد الأسري في زمن الكوفيد19، فلا أعتقد بأنّ كورونا قد تسببت في تنافر وتباعد أفراد الأسرة الواحدة، بل، بالعكس تمامًا أصبح الأفراد أكثر قربًا من بعضهم، خائفين على أنفسهم من الاِختلاط مع الغرباء، وأصبح لأرباب الأسرة دورٌ فعّال وكبير في ذلك، إلاّ أنّ أمر اِستخدام التكنولوجيا (الحواسيب والهواتف) بقيَّ يلعب دوراً في عزل وانعزال أفراد الأسرة الواحدة، إلاّ أنّ هذا الأمر يعتبر إيجابيًا مقارنة بخروج الأفراد واختلاطهم مع غيرهم ما قد يتسبب بالإصابة بفيروس كورونا.
بالنسبة لسطو هذه التكنولوجيا على الفرد وهل زادت من مخاوفه أم ألهته عن ذلك؟ فأعتقد أنّ خوف الأفراد من فيروس كورونا كان بشكل تنازلي، حيث أنّه في بداية اِنتشار هذا الفيروس كان اِستخدام الأفراد لتكنولوجيا الحاسوب والهاتف الذكي من أجل تتبع أخبار الفيروس ومعرفة مدى خطورته ولكن شيئًا فشيئًا أصبح الأفراد لا يولون اِهتمامًا لهذه الجائحة وأصبحوا يستخدمون تكنولوجيا الحواسيب والهواتف الذكية في الألعاب خاصة فئة الشباب والأطفال، أو في متابعة مواضيع أخرى لا علاقة لها بالفيروس وأخطاره. وكخلاصة في الأخير، فإنّ استخدام تكنولوجيا الحاسوب والهواتف الذكية سواء قبل فيروس كورونا أو مع الفيروس، يحتاج إلى بعض الحذر وعدم الإسراف في الأمر، حتّى لا يصل إلى درجة الإدمان، لأنّ اِستخدامات التكنولوجيا، تبقى بمثابة سلاح ذي حدين (له إيجابياته وسلبياته، لكن الجانب السلبي هو الطاغي).
عبد الحميد حامدي/أستاذ وباحث في العلوم السياسية -جامعة الوادي
الجائحة أعادت ضبط العلاقة بين المجتمع والتكنولوجيا
حتّى مطلع 2020 كانت ثنائية التكنولوجيا والمجتمع مرتبطة بكثير من التهديدات المُعقدة، والتي تطورت بفعل الاِنفتاح على العولمة، حتّى باتت حدود الدول اِفتراضية أمام التشابك في القيم والممارسات عبر المجتمعية، فتمثلت آثار هذه الثنائية إشكالاً قيميًا في رسم السياسات وبناء الترابط الاِجتماعي، فضلاً فتكون التكنولوجيا تؤدي إلى إحجام التواصل المباشر بين الناس، وتقلص أعدادهم في أماكن العمل لتحل الآلة محل هذا التقليص.
في خِضم الحقيقة السابقة التي باتت فهمًا طبيعيًا لا يختلف حوله الكثيرون، تُمثل وقائع الأحداث في معالجة تأثر المجتمع بالتكنولوجيا مسألة جوهرية تُغدي المخاوف الكثيرة في فقدان هيبة المجتمع الواحد، وقيمه الثابتة وسيادته الأصيلة، بوصف أنّ وسائل التكنولوجيا الحديثة زادت من التعقيدات الكلية، وراحت تُؤسس لبناءات الشرخ الأُسري والاِنكماش الوظيفي والتهديد القومي، حتّى تعالت الأصوات في إعادة صياغة منظومة العولمة، بجعلها تتماهى مع مشروطيات السيادة الوطنية والخصوصيات البيئية، بغية التعجيل في صياغة مقاربات بنائية رصينة تجعل من الدول الناشئة خاصة تستفيد من التطوّر التكنولوجي العابر للحدود، بالشكل الّذي يُقوّي السيادة الوطنية، ويحمي تآكل القيم المجتمعية، ويُغير ميل الموازين في ثنائية المجتمع والتكنولوجيا من كونها اِنعكاس تكنولوجي خطير يُهدد المصلحة الوطنية، إلى زوايا نظر جديدة تُعزّز من فُرص التواصل البشري، وتحسين جودة الحياة الإنسانية على وجه الخصوص.غير أنّ الاِعتقاد في اِعتبار المدّ التكنولوجي يخدم المجتمعات أكثر مِمَّا يُهددها يطرح قضيتين جوهريتين بالأساس هما: أولاً: أنّ جوهر الاِستفادة محله المجتمع الصناعي الّذي ينغمس في بناءات مادية، يسعى من خلالها إلى تعظيم الأرباح على حساب المصلحة الإنسانية، وهو ما تُمثله الاِتجاهات الرأسمالية التي باتت تجني وحشية ما أنتجته من تقنيات تكنولوجية متعدّدة، في صور تُؤكد الاِستعمالات الاِستعمارية للمُتغير التكنولوجي في طرح المقاربة الرأسمالية للمنفعة.ثانيا: أنّ المسألة كذلك متعلقة بذوبان الخصوصيات الدولاتية، وباتت حدود الدولة مكشوفة على الآخرين، ما ساهم في اِستشراء تبعية الدول المستوردة للتكنولوجيا للدول المُصدرة لها، وهو تهديدٌ خطير يُؤسس دومًا للسطوة التكنولوجية على حساب خصوصيات دول العالم الثالث خاصة.في ذات السياق ولأنّ تسارع الأحداث الدولية والتحوّلات في الحروب الغير مرئية عجلت من ضبط بعض الاِتهامات الموجهة للتكنولوجيا، وباتت توحي كذلك بالحاجة نحو التدافع الدولي لإعادة مأسسة المفاهيم التي طالما أساءت للاِستخدامات التكنولوجية تجاه حدود الدولة الوطنية، فمثّلت واقعة اِنتشار فيروس كورونا «COVID-19» في نهاية ديسمبر/كانون الأوّل2019 بالصين محطة مفصلية في تاريخ العلاقات الدولية، فحسّنت من أنماط التعاون الدولي خصوصًا مع اِعتبار هذا الفيروس قد اِنتقل من دائرة الوباء ليصبح جائحة عالمية حسب ما أقرته منظمة الصحة العالمية في مارس/آذار2020، وبالتالي أعطى الضرر الدولي لهذه الجائحة توصيفًا جديداً للتكنولوجيا في أصالة اِيجابياتها، واستعمالاتها التي كشفت جدوى مساهمتها في مواجهة تعقيدات المسألة الصحية العالمية. بات الاِقتناع الدولي في خضم مواجهة أزمة كورونا أنّ التكنولوجيا لها أهمية إستراتيجية داعمة لجهود الأطقُم الطبية وفِرق البحث العلمي البيولوجي، حيث عزّزت إجراءات العزل الاِجتماعي من خلال تحوّل التفكير في اِستحالة إيجاد اللقاح للفيروس المُستجد على المدى القريب والمتوسط، إلى تبني التفكير التقني الذكي مع هذا الخطر، فكان التباعد المدني أمراً سهلاً على كلّ الدول، من خلال إمكانية التواصل الاِفتراضي عبر مختلف منصّات التواصل الاِجتماعي، وتقنيات التحاضر المرئي، والعمل الوظيفي عن بُعد، وكذا الحصول على الخدمات التمويلية عبر الاِشتراكات في مواقع التسويق، فضلاً على تلقي طلاب المدارس والجامعات تعليمهم المرئي في وسائل الإعلام والاِتصال الذكية، بعد أن كانت أكثر من 180 دولة على موعد مع غلق مؤسساتها التعليمية اِحترازيًا، ناهيك عن التحوّل نحو التدين بعد إغلاق دور العبادات المختلفة، وقد أكدت على ذلك دراسة حديثة من جامعة «كوبنهاجن» أنّه مقابل كلّ ثمانون ألف حالة جديدة من «كوفيد-19» الموجود في بلد ما، تضاعفت عمليات البحث في الانترنت عن الصلاة. وبنجاح الصين في تسجيل معدلات نجاح باهرة في حربها ضدّ فيروس كورونا، وهي التي تحوّلت إلى أكبر منصة اِفتراضية تقنية في تعاملها مع الجائحة، مَثَّلَ ذلك طوق نجاة بالنسبة لكثير من الدول التي أخذت التجربة الصينية محملَ الجد، بمحاكاة آليات التطوّر التكنولوجي المستخدمة في الاِنتصار على هذا التهديد البيولوجي، وبالتالي تحوّلت جل المفاهيم المعادية لاِنتشار التكنولوجيا، إلى فكر مُرحّب باِستعمالاتها في سبيل دعم الصحة والوقاية داخل المجتمع.
عقبي مصمودي/أخصائي نفسي أرطوفوني وأستاذ مكون معتمد لدى وزارة التضامن الوطني ومدرب دولي
تأثير التكنولوجيا ازداد في الوضع المستجد
لقد اِزداد دور التكنولوجيا في التأثير على الفرد وعلى الأسرة بشكلٍ كبير في ظل الحجر الصحي وسياسة العزل الاِجتماعي الّذي رافق تطوّر أزمة كوفيد19، حيث تجد الأسرة نفسها مضطرة للمكوث في المنزل لفتراتٍ طويلة، ولا تُمارس حياتها بالشكل الاِعتيادي، مِمَّا يُوَّلِد لديها فائضًا في الوقت والجُهد، فتبحث عن الطُرق المُثلى لاِستثماره أو على الأقل قضائه، وتبحث عن سُبل جديدة للتعامل مع الوضع المُستجد بالنسبة لها وبالتالي تلجأ لقضاء أطول وقت ممكن على الحواسيب والهواتف الذكية، وهو ما يجعل هذه الأخيرة تُؤثر في سلوكيات الأفراد خاصة الأطفال منهم لأنّهم يكونون في مرحلة التنشئة واكتساب القيم والأفكار، ولم يتعودوا على قضاء هذا الحجم من الوقت مع وسائل التكنولوجيا، لكنّنا في معظم الأحيان نقوم بردة فعل مباشرة على الأحداث التي تواجهنا، ونحاول الحكم عليها بالسلب أو الإيجاب دون الإحاطة بها من مختلف جوانبها، لذلك أعتقد أنّنا أمام معادلة تحتم علينا التحكم في تقنية تُسمى في عِلم النفس «التواصل غير العنيف» حتّى نتمكن من التغلب على هذه الإشكالية والخروج من الوضع غير الاِعتيادي بشكلٍ مناسب.
ويمر التواصل غير العنيف بأربعة مراحل يمكن تلخيصها فيما يلي: أوّلاً، الملاحظة، حيث يشترط فيها عدم إلقاء «أحكام» على ظاهرة الحجر الصحي. ثانيا، تحديد الشعور: بحيث يكون إيجابيًا أو سلبيًا، فهناك فئتان، الفئة الأولى ترى أنّ الحجر الصحي إيجابي وتقوم باِستغلاله في أمورٍ إيجابية، وهناك من يراه سلبيًا وأثَّر على الأسرة نفسيًّا بشكلٍ سلبي، وأثَّر عليها كذلك في طريقة التواصل بينها بشكلٍ سيء. ثالثًا، تحديد الاِحتياجات: إذ أنّه علينا دائمًا قبل القيام بأي ردة فعل أوّلا تحديد اِحتياجاتنا وبعدها الاِنتقال إلى المرحلة الموالية. رابعًا، ردة الفعل: التي تكون عبارة عن السلوكيّات التي يجب ضبطها والتحكم فيها وعدم ترك الاِنفعالات تسيطر علينا.فمن خلال هذه المراحل يمكننا فهم هذه الظاهرة والتكيف معها وضبط ردة الفعل اتجاهها، حتّى نتعامل معها بشكلٍ سليم يضمن عدم الاِنحراف إلى سلوكات سلبيّة واكتساب قيم وأفكار سيئة سواء للأفراد أو الأسرة ككلّ، في ظل هذه الجائحة التي لم يعرف لها العالم مثيلاً.