الكاتبة والصحفية زهية منصر تفوز بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة
عادت الجائزة الأولى اِبن بطوطة في أدب الرحلة، فرع "الريبورتاج الرحلي-الرحلة الصحافية" للكاتبة والصحفية زهية منصر عن كتابها "منازل الغائبين: على خُطى المقيمين في الغياب". وقد أعلنت جائزة اِبن بطوطة لأدب الرحلة التي تُقدَم سنويا لأفضل الأعمال المحققة والمكتوبة في أدب الرحلة عربيًا، عن أسماء الفائزين في دورتها ـ20. وجاء في بيان "المركز العربي للأدب الجغرافي-اٍرتياد الآفاق" في أبو ظبي ولندن الّذي يقدم الجائزة أنّ عدد المخطوطات المشاركة هذا العام بلغ 58 مخطوطًا من 11 بلداً عربيًا.
وصدر كِتاب منصر الفائز إلى جانب الأعمال الأخرى الفائزة بمختلف فروع الجائزة، عن دار السويدي في سلاسل "اِرتياد الآفاق" للرحلة المُحققة والرحلة المعاصرة والدراسات بالتعاون مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت. ويُنتظر أن تُوزع الجائزة شهر ماي المقبل (2022) بالتزامن مع عقد ندوة حول أدب الرحلة والأعمال الفائزة، والتي سيشارك فيها إلى جانب الفائزين وأعضاء لجنة التحكيم، عددٌ من الباحثين العرب المتعاونين مع "المركز العربي للأدب الجغرافي". وتُقدم جائزة اِبن بطوطة لأدب الرحلة سنوياً لأفضل الأعمال العربية المحققة والمكتوبة في أدب الرحلة بهدف تشجيع أعمال التحقيق والتأليف والبحث في أدب السفر والرحلات.
وعن دورة هذا العام، قال الشاعر نوري جراح المدير العام للمركز العربي للأدب الجغرافي: "في حصاد الجائزة هذا العام في فروعها المختلفة تنوعٌ لافت، يُغطي جغرافيات السفر في العالم العربي والعالم، وفي الزمن الحاضر والأزمنة السالفة من القرن الثامن عشر وحتّى القرن الحادي والعشرين".
الكِتاب عبارة عن سلسلة تحقيقات أنجزتها الكاتبة في مرحلة من مراحل عملها الصحفي، وفيها اشتغلت على شخصيات من منطقة القبائل وتحديداً تيزي وزو. وهو الاِشتغال الّذي يمكن أن نصفه بأنّه بمثابة التكريم، وبمثابة الإضاءة وبمثابة شهادات تقدير واِعتراف.. هي محطات ووقفات عانقت فيها منصر أثر وسيرة ومسيرة شخصياتها التي انتقتها وأعادتها إلى عالمها الّذي تجيد التحليق فيه. عالم الصحافة وشؤونه وعوالمه الثقافية، الفنية والأدبية. أعادتها من منازل الغياب وقادتها إلى فضاءات الحضور والنّور. رغبةً منها في إعادة تسويق صورة أخرى مُغايرة عن منطقة القبائل، صورة –حسب المؤلفة- لا يعرفها الكثيرون أو يتجاهلونها.
تمضي منصر في سرد شخصياتها ومنازلها. تسرد تفاصيل التفاصيل فتطل الحكاية من عبق المنازل ومن عُمق الشخصيات. تسع منازل. وتسع شخصيات: حسين آيت أحمد، الطاوس عمروش، فاطمة لالة نسومر، مولود معمري، حنيفة، معطوب الوناس. عبد الرحمن بوقرموح، عز الدين مدور، يما قوراية. وبالصدفة فأغلب هذه الشخصيات –كما تقول منصر-: "عاشت (الغياب) الفيزيائي بالتغرب خارج الوطن ولم يكن هذا الغياب الاِختياري غير نتيجة حتمية للتغيب الفكري واللغوي وحتّى الديني عن محيط لا يُؤمن بالاِختلاف والتعدّد وحرية الاِختيار". والغياب هنا عند منصر يحمل دلالات وفلسفة خاصة، فهي ترى أنّ "الغياب" لا يعني أن تنتفي من الوجود، أو تختفي عن الحضور، فقد يكون الحضور السلبي غياباً، وقد يكون التهميش غياباً بقدر ما يكون اِستعارة لغة والعجز عن اِستيعاب أخرى غيابًا أيضا.
لا منازل تنجو من الغياب إلاّ بسيرة ومسيرة شخصيـات أقامت فيها وقاومت بطريقتها
ما تطرحه منصر في هذا الكِتاب يُؤكد أن لا منازل تنجو من الغياب إلاّ بسيرة ومسيرة شخصيات أقامت فيها وقاومت بطريقتها، وتهجت سُبل النجاة بطاقة الثقافة والفن والأدب والفكر والإبداع. لا منازل تخلد وتقيم في الذاكرة إلاّ بسلطة الحكاية والذكريات، وبسلطة الكاتبة والكتابة/الصحفية. فهي بشكلٍ ما سردت حكايتها وحكاية شخصياتها/أيقوناتها. فالقاسم المشترك في المنازل والغياب هي حكايا وذكريات تلتقي في سياقات متشابهة، فهي تتحدث من خلال هذه الشخصيات ومناطقها الجغرافية عن نفسها أيضا، وعن مرابع الطفولة العالقة في الذاكرة. تقول منصر بهذا الخصوص في مقدمة كتابها: "في هذه الأسطر لا تنتظروا أن أحدثكم عن منطقة القبائل ولا عن المُدن التي عبرتها فما حدثتكم في الحقيقة إلاّ عن نفسي". وتضيف في ذات المعطى: "لم تكن تلك المناطق التي زرتها ومررتُ بها إلاّ منازل طفولتي التي غادرتها ذات قدر وأنا لا أتقن غير لغة تلك الجبال فعدت إليها وقد ضيعتُ بعض لغتي ولهجتي في الدروب التي تنازعتني فكانت هذه الرحلة أشبه بالبكاء على الأطلال تارةً، وتارةً أخرى أشبه بدموع متأخرة لم تعد تليق لا بالعمر ولا بالمكان. كثيرا ما كنتُ أقف بالمكان والقرية والدشرة أُسائل الدروب والأزقة وأنا أبحث عن شيء ضيعته ولم أعد أعرف اِسمه ولا شكله. كنتُ كمن يجبر الذاكرة على اِستعادة نفسها وأنا أستأنس بتلك الأسماء والقامات التي وشمت طفولتي المبكرة سواء في حكايات جدتي أو صور الأقارب المهاجرين العائدين صيفا إلى الديار أو في قراءاتي لاحقًا". إنّه نوع من الاحتماء والالتحام بمرجعيات وشخصيات بعينها، ترجو منصر أنّها فتحت من خلالها نافذة ولو صغيرة على النقاش في سبيل إنصاف ذاكرتنا الثقافية.
في هذا الكتاب، تذهب منصر إلى إضافة بعض الأشياء التي لم يكن الحيز ولا طبيعة العمل الصحفي يتيحهُ لها في نشرها الأوّل لتحقيقاتها، فقامت بتعديل النصوص وبتغيير بنيتها وإضافة أشياء لم تكن موجودة في النصوص الأصلية المنشورة في الصُحف في فترات مختلفة، كما عمدت إلى جعل مدخل كلّ نص شخصية من المنطقة سواء كان فنانًا أو سياسيًا أو قائداً تاريخياً لتجمع بذلك بعض شتات تلك الذاكرة.
نوّارة لحـــرش