الثقافة العربية أبهرتني والغرب شيطن الثقافات الأخرى
كريستن سكوت هي واحدة من الأصوات الشعرية الأمريكية المهمة التي اختارت الكلمة كسلاح ضد الظلم والقبح والتمييز العنصري، لم تكتف بتدبيج القصائد وإلقائها، بل راحت، استجابة لنداء روحي خفي وتوقا لحرية أوسع وفضاء مديد لفنون القول كما تقول، تؤسس لمنابر أدبية وثقافية نشطة وفاعلة في الميدان، بحيث استقطبت جماهير واسعة من الأدباء و القراء المتذوقين، على غرار مجلة « KNOT Magazine. « الإلكترونية التي عمرت طويلا وصمدت رغم كل المعوقات المادية والمعنوية، و لا تزال إلى غاية اليوم تمارس حضورها البهي المتألق. وقد صدرت للشاعرة حتى الآن عدة مؤلفات منها مجموعتان شعريتان في انتظار مجاميع أخرى وعدت بنشرها قريبا، كما أن قصائدها نشرت في عدد معتبر من الأنطولوجيات العالمية، وللشاعرة اهتمامات أكاديمية أيضا، حيث تعكف على إتمام أطروحتها للدكتوراه و كانت رسالتها لنيل درجة الماجستير (التي تعادل درجة الدكتوراه Ph.D )حول الكتابة الإبداعية، وتتويجا لكتاباتها الزخمة حصلت سكوت على عدد من الجوائز، منها جائزة عن دراسة لها حول شعر فيديريكو غارسيا لوركا، وفي هذه المقابلة سنستطلع رأي الشاعرة كريستن سكوت بشأن مسارها الشعري والإعلامي فضلا عن قضايا أخرى ذات صلة..
حاورها : رشيد فيلالي
لقد تعرفت عليك وتابعت نشاطك الأدبي الحثيث، الذي لم يصبه الكلل رغم كل الظروف الصعبة ، وذلك منذ أكثـر من 15 عاما ، أريد أن أعرف من أين تستمد الشاعرة كريستين سكوت هذا الشغف غير المحدود إلى كل ما هو ثقافي؟
- أولاً ، ويا لدواعي سروري أن أعرفك على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية ، وأشكرك على هذه الأسئلة.. إن شغفي بالتعددية الثقافية يأتي من عدة جهات مختلفة، أتصور أن أحدها مصدره نزعة الفضول لدي تحديدا، كنت متعلمة فضولية واستمتعت بالحكايات القادمة من الأراضي البعيدة حتى عندما كنت مجرد طفلة محدودة الوعي بالحياة عموما.. ما زلت أشعر بالفضول الطاغي ولدي عطش لا يرتوي للمعرفة، كما أن شغفي منبعه توقي إلى العدالة والمساواة، فضلا عن نفوري الكبير من الظلم بسبب الجهل الثقافي.. أخيرًا ، أضيف إلى أن والدتي تعتبر مسؤولة جزئيًا عن حبي لكل ما هو ثقافي ككل. لقد نشأت في وسط محب للموسيقى والبرامج الإذاعية المختلفة وهو ما جعلني أنغمس في تأملات ثقافية ثرية، حيث كنت محاطة بكل هذا الزخم الفذ.
على حد علمي ، لقد نشرت مجموعتين شعريتين حتى الآن. هل يمكننا معرفة أسباب عدم قيامك بنشر مجموعات شعرية أخرى ، مع العلم أنك ما زلت تكتبين الشعر بغزارة؟
- على مدى السنوات السبع الماضية ، كانت ربة الشعر لدي تجيء وتذهب.. لدي لحظات أكتب فيها بغزارة لمدة أسبوع ، ثم أصاب بالعقم فلا أكتب شيئًا لمدة عام.. بالنسبة لي ، يأتي الإبداع على شكل موجات متعاقبة ، وعندما أنفقها كلها على الطلاب ، فإنها لا تتحول بسهولة إلى كتابات.. أنا حاليا مشغولة جدا بالعديد من المشاريع المختلفة ، ومن الصعب إيجاد وقت كاف أمارس فيه شغفي بكتابة الشعر.. لكن شكرا لك على طرح هذا السؤال.. سوف أجعل من بين أهدافي القريبة إصدار ديوان شعري جديد.
لقد واجهت صعوبات في مسيرتك الأكاديمية ولهذا السبب لم تكملي أطروحة الدكتوراه ، فهل هناك أي جديد حول هذا الموضوع؟
- لم أواجه صعوبة في مسيرتي الأكاديمية؛ و الأمر بالأحرى له صلة بمحدودية الوقت.. وكلما أجد كفاية منه ، أشتغل على إكمال رسالة الدكتوراه ، لكن في كل مرة أصطدم بمسؤوليات «الحياة» ، وهو ما يفرض علي تأجيل العمل لفرصة أخرى وهكذا دواليك.. أنا متأكدة من أنني سأحصل على درجة الدكتوراه وذلك خلال العامين المقبلين إن شاء الله! وقد أخبرني أحد العرب الحكيمين ذات مرة أنه كان عليه أن يسرق الوقت للكتابة والحصول على شهاداته ، وأنا أجد ذلك صحيحًا في حياتي.. ومع هذا أذكر بأن لديّ ماجستير في الكتابة الإبداعية ، وهو ما يعادل درجة الدكتوراه.
هل كريستن سكوت لديها إطلاع على الأدب العربي عامة والأدب الجزائري خاصة؟
- في الحقيقة عندما كنت في بواكير الطفولة قرأت ألف ليلة وليلة باللغة الإنجليزية.. لقد شاهدت أيضًا كل فيلم من أفلام سندباد يُعرض لأول مرة على التلفزيون الأمريكي ، لذلك كنت دائمًا أشعر بالفضول الطاغي بشأن الثقافة العربية.. وعندما كبرت وصرت امرأة ، درست ابن رشد وابن سينا والرومي..وضمن هذا السياق أشير إلى أنني تحصلت على جائزة عن دراسة أنجزتها حول ديوان الشاعر فيديريكو غارسيا لوركا ، وهو كاتب متأثر جدا بالثقافة والكتابات العربية (القصائد والغزليات) في إسبانيا الأندلسية.. بالطبع ، ثمة مصدر للكثير من معرفتي بأعمال المرحوم المرشح الأكبر لجائزة نوبل وبوليتزر، الدكتور سام حمود ، وهو مرشدي أيضا.. أما فيما يتعلق بالأدب الجزائري ، فلا يوجد الكثير من الأعمال المترجمة إلى اللغة الإنجليزية.. وقد قرأت أعمال جعفر شطوان ونوفل بوزبوجة و مع توفر المزيد من العناوين باللغة الإنجليزية ، سأقرأها بالتأكيد.
أنت امرأة أمريكية مسلمة ، ألا تلاحظين أن الغرب لا يزال ينظر إلى المسلمين بازدراء وعنصرية ، رغم أن الحضارة الإسلامية أعطت الكثير للإنسانية؟
- نعم ، أنا فخورة بكوني امرأة أمريكية مسلمة..وفضولي حول الإسلام بدأ أثناء إقامتي في ناشفيل بولاية تينيسي، حيث اتصلت بمسجد هناك وأردت أن أطلع قدر الإمكان على العقيدة الإسلامية.. في ذلك الوقت ، لم أكن قد تعاملت مع أي مسلم ولم أقابل مسلمًا متدينًا، كان تفكيري منصبا- وهو ما يتعلق بسؤالك- على النظرة الغربية للإسلام.. ومنذ نشأة أمريكا ، تم شيطنة الثقافات الأخرى التي لا صلة لها بثقافة الإنسان الأبيض ، والتي بدأت أول مرة مع الأفارقة والأمريكيين الأصليين (الهنود الحمر).. ومن هنا فقد توارث الكثير من الأمريكيين الخوف من أي شخص ليس أبيض البشرة على مدى عدة أجيال متعاقبة ، وما زلنا نرى هذا قائما إلى غاية اليوم.
أما بخصوص النظرة إلى الإسلام في الغرب فهو موضوع يتضمن تعقيدات وتشابكات كثيرة ، علما بأن دواعي الاستعلاء والعنصرية منتشرة بقوة في عالمنا.. كما أن التعليم هو أحد مفاتيح فهم الآخر ، وفي الوقت الحالي ، يرغب العديد من السياسيين في حظر التعلم متعدد الثقافات.. ومن جهة أخرى كثير من الأمريكيين ليس لديهم أي فكرة حول مظهر المسلم أو ما يؤمن به أو جمال ثقافته.. من جديد ،أشير إلى أن التغيير يأتي مع التعليم ، ولهذا السبب أطلقت مجلة KNOT.
فلسطين قضية إنسانية قبل أن تكون قضية عربية.. كيف تنظر كريستن سكوت إلى هذا الظلم الفادح الذي يتعرض له الفلسطينيون، بتواطؤ المجتمع الدولي، وهل سبق لك أن كتبت حول هذا الموضوع؟
- فلسطين هي أزمة إنسانية بالدرجة الأولى ولدي قناعات راسخة بشأن الظلم الكبير الذي يتعرض له الفلسطينيون يوميًا.. أحيانًا يكون من المهين أن تسمع عن معاناة هذا الشعب الممضة و لا يتغير شيء.. صحيح العالم كله متواطئ فيما يخص هذه القضية.. لا يمكن للمرء أبدًا السماح للمعاناة بأن تصبح طريقة حياة مقبولة من خلال غض الطرف عما يجري في فلسطين ومناطق أخرى من العالم.. لقد كتبت عن ذلك ونشرته في وسائل إعلامية مثل الجزيرة.. كما أنني أيضا بصدد إنجاز رسالتي للدكتوراه حول هذا الموضوع.
وباء كورونا أخطر كارثة صحية سجلت على المستوى العالمي ، وفي ذروة هذا الوباء فقدنا الكثير من أقاربنا وأصدقائنا ومعارفنا ، كيف عاشت كريستن سكوت هذا الحدث المرعب؟
- لقد غير كوفيد19- حياتي بالتأكيد..و خلال بداية انتشار هذا الوباء ، كنت أقوم بالتدريس في جدة بالمملكة العربية السعودية. وكان زوجي وأبنائي متواجدين في تركيا ، وبما أنني لست بعد مواطنة تركية كاملة الحقوق ، لذلك لم يُسمح لي بالعودة إلى منزلي العائلي، وبعدما تم إغلاق المدرسة التي أدرس بها في المملكة العربية السعودية ، كنت أقوم بالتدريس عبر الإنترنت بمفردي لعدة أشهر قبل أن ترتب السفارة الأمريكية السفر إلى أمريكا للمواطنين الأمريكيين المقيمين بالسعودية.. كان الأمر مروعًا حقا.. ومع ذلك ، أنا ممتنة لأنني لم أفقد أحد أفراد عائلتي من جراء وباء كوفيد ، وأتعاطف مع أولئك الذين عانوا من فقدان أفراد من أسرهم على مستوى العالم.. أنا أعتبر نفسي محظوظة للغاية.
برأيك ما الذي يمكن للشاعر أن يقدمه للبشرية ، خاصة وأن المال أصبح إله العصر الأعظم ، ولم يعد فيه للكلمة ثقل عاطفي مؤثر كما كان عليه الحال من قبل؟
- تعرف لطالما قدم الشعراء للعالم المنطق الإنساني والتواصل الرحيم.. يشير الشعراء إلى العقلانية عندما تصبح البشرية متقلبة لا تستقر على رأي ؛ يتحدون عندما يرون الانقسام وتشظي الصفوف ويتحدثون بصوت عال وبشجاعة حيال القضايا الشائكة.. إنهم يفضحون أولئك الذين يريدون أن يظلوا ينشطون في الخفاء.. الشعراء هم منارة كل جيل ، مما يشكل خطورة على المتسلطين والطغاة. أفكر في جوزيف برودسكي البالغ من العمر 23 عامًا ، الذي قدم للمحاكمة في لينينغراد ، وأعدم القوميون غارسيا لوركا في إسبانيا الحبيبة ، وكان على نيرودا أن يختبئ بسبب ملاحظاته حول غابرييل غونزاليس فيديلا. لسوء الحظ ، لم يعد ينظر إلى الشعراء في الغرب كما كانوا من قبل.. ومع ذلك ، أصبح الشعر الإيقاعي الموسيقي شائعًا في أمريكا ، وخاصة بين الشباب الأمريكيين من أصل أفريقي. عندما قرأت الشاعرة أماندا غورمان قصيدة» The Hi- - We C- imb التل الذي نصعد إليه» -ألقتها في حفل تنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن- فإنها عرَّفت هذا النوع من الشعر إلى الغرب .
طيب ما الذي تقرأه كريستن سكوت هذه الأيام ، وأي كاتب أو مؤلف تنصح بقراءة كتبه؟
- أحاول دائمًا تخصيص وقت كاف للقراءة، ولو لعشر دقائق في كل مرة.. أنا أطالع الآن السير الذاتية المكتوبة حديثا.. لقد اشتريت مؤخرا فقط مذكرات فيولا ديفيس الحائزة على جائزة الأوسكار Finding Me. إنه عمل مكتوب بشكل جميل يؤرخ لصعود فتاة صغيرة من الفقر وسوء المعاملة إلى استعادة العافية والأمل والنجاح..كما أنني دائمًا ما أبقى على مقربة من نصوص نيرودا وغارسيا لوركا وفايز وقباني.
سؤال أخير لو تسمحين، هل هناك مشاريع كتب ستنشرها كريستن سكوت في المستقبل وماذا يعني اسم الجزائر لك؟
- نعم ، أمنيتي أن أنشر ديوانا شعريًا جديدًا قريبًا.. أنا أعمل في الوقت الراهن على نص نثري ، وهذا يعتبر بالنسبة لي تجربة أولى.. والفكرة خطرت لي تفاصيلها في المنام.. لدي أيضًا سيناريو أقوم بمراجعته ، وسأواصل كتابة مقالات صحفية حول قضايا قريبة من قلبي. بالنسبة لاسم الجزائر ، أعتقد أنها مجسدة في طالبة من أصول جزائرية وتعتبر واحدة من الطلبة المفضلين لدي، ممن درستهم في المملكة العربية السعودية.. لذا، إذا كانت الجزائر مثل «يارا» وهو اسمها ، فهي شابة متفائلة وذكية ولطيفة ومحترمة.. أنا لم أزر الجزائر بعد ، لكنها بالتأكيد مدرجة ضمن قائمة البلدان التي يمكنني اكتشافها! أشكرك على أسئلتك؛ لقد كان من دواعي سروري قضاء بعض الوقت مع قرائك.