هل تقتصر حركة المخابر في الجامعات الجزائرية، على دور يكاد يكون هو الغالب، وهو نشر وطبع المجلات العلمية المحكمة، ودوريات خاصة ببحوث الماستر والتخرج والدكتوراه في أكثرها، إضافةً إلى إقامة ندوات وملتقيات علمية؟ ولماذا لا نجد لها من أي جدوى تذكر خارج مجال الطبع والندوات. لماذا لا تحضر وتتواجد بفعالية في المجال الحيوي المُنتظر منها، وبشكلٍ أوضح لماذا لا تؤثر في/ وعلى الحياة الاِجتماعية والثقافية والاِقتصادية والسياسية. وكأنّ دورها محدّد ومسطر ومؤطر. وإذا كان الأمر كذلك، فما مدى نجاعة وفعّاليّة المؤسسات البحثية؟ وما هو الدور الحقيقي والفاعل لمخابر ومراكز ومؤسسات البحث العلمي على مستوى الجامعات، بعيداً عن ثنائية الطبع والملتقيات، وبالموازاة مع تزايد عدد مخابر البحث الملحوظ كلّ عام، فهل يرى أهل الاِختصاص من الدكاترة والباحثين أنّ هناك تطور وجودة وإجادة في نوعية ما تقوم به وما تقدمه للحياة البحثية والعلمية والإنسانية والثقافية وغيرها من مجالات الحياة والعِلم والعلوم؟ وهل واكبت وتيرة سياسات مخابر البحث المنتشرة في مختلف جامعات العالم، ووتيرة اِنتاجاتها المعرفيّة، أم ظلت أسيرة حيزها المحدود الّذي لا يذهب بعيداً في تطوير القطاع الخاص بالبحث العلمي والإنتاج المعرفي؟
إعداد: نـوّارة لـحـرش
محمد الأمين بحري:
لا جدوى لهذه المخابر في المجال الحيوي
يرى الناقد والأكاديمي الدكتور محمّد الأمين بحري، أنّه وعلى الرغم من الدعم المادي (ميزانية+تجهيز) لمخابر البحث في العلوم الإنسانية عبر الجامعات الجزائرية، والرصيد البشري من الطلبة والأساتذة الذين يتوجهون لهذا الميدان، فإنّ حركة هذه المخابر قد تجمدت بين طبع المجلات والدوريات المحلية، وإقامة ملتقيات وندوات تنتهي بتوزيع شهادات مشاركة، وبين تربصات ومنح للتنقل في مهمات علمية محلية ودولية. وخارج هذه الدوائر الثلاث، لا يمكن أن نجد لهذه المخابر من جدوى في المجال الحيوي المُنتظر منها، كأن يتفاعل إنتاجها ويُؤثر على الحياة الاِجتماعية والنفسية والثقافية والسياسية، والاِقتصادية والإستراتيجية، أو أن تقدم نموذجاً سائراً يترجم مساهمة مجتمع المعرفة في العلوم الإنسانية في النهوض بواقع المجتمع المدني وتفاعله مع فئاته في مجالات عِدة، أكانت أدباً أم تاريخاً أم اِجتماعاً أم نفساً أم سياسة.
الدكتور بحري اِستدرك قائلاً: «فعوض اِضطلاع هذه المخابر البحثية بدور النموذج السائر كشريك اِستراتيجي للمؤسسات الحيوية في مجتمعها، صارت إلى نموذج أكاديمي بائر ومعزول عن مجتمعه لا يكاد مردوده يعود بالنفع حتّى على القائمين بالبحث فيه، وذلك لعدة أسباب لعل أهمها: تكريس النظرة الدونية للعلوم الإنسانية وتقزيم جدواها وفاعليتها، وعدم الاِكتراث بِمَّا يمكن أن تقدمه من إنتاج لهذا المجتمع، وفقدان الثقة في إمكانية تفاعل أبحاث مخابرها مع واقع هذا المجتمع وإسهامها في حل مشكلاته». وهو –حسب ذات المتحدث- نموذج تمّ تسويقه عبر قنوات إعلامية وإيديولوجية إلى المجتمع الّذي فقد بدوره الثقة في إمكانية النهوض به بفعل مخابر ومؤسسات بحثية ذات طابع إنساني واجتماعي، مما جعل الحديث حول هذا الموضوع يتسم في مخيال العوام بنوع من السخرية والتهكم الناتجين عن تصور نموذجي بائر حول هذه المخابر البحثية. مما جعل منتوجها العلمي سلعة كاسدة في مجتمع لا يرى لها من جدوى خارج الحقل الأكاديمي. إضافةً إلى إهمال القطاعات الاِقتصادية للجوانب الإنسانية والاِجتماعية لمؤسساتها ومنتوجاتها وزبائنها. وبالتالي اِنعدام التفكير في الاِستثمارات البحثية الإنسانية والاِجتماعية وربط اِتفاقيات شراكة مع ما تنتجه هذه المخابر من أبحاث وتكونه من إطارات.
وفي الأخير، خلص إلى أنّ جرأة بحوث المخابر العلمية الإنسانية والاِجتماعية، وتطرقها بمناهج وصفية واستبيانات إحصائية ميدانية لمسائل حساسة في المجتمع، وتسليط الضوء على مشاكله الطبقية ومعوقاته التنموية، تقف كعائق فعلي نحو الاِعتراف بمنتوجها البحثي، واعتماد ما توصلت إليه نتائجها، التي تتعارض في كشفها عن الحقائق مع التيار الأيديولوجي السائد الّذي يعمد إلى إبعاد كلّ تغيير جذري، عبر تزييف الوقائع، وتجميل الأوضاع المزرية للمجتمع عبر مختلف الوسائل الإيديولوجية.
عبد الرزاق بلعقروز: دورها أضحى إداريا خالصا ولا يتعدى إصدار مجلات وإقامة ملتقيات
يقول الباحث المختص في فلسفة القيم، الدكتور عبد الرزاق بلعقروز: «مخابرنا في الجزائر تستمدُ قيمتها من عددها وليس من نوع إنتاجاتها. هي في اِزدياد وتكاثر، والسبب هو أنّ ما يهم هو الرّقم كي نحظى في تصنيفات المعرفة العلمية العالمية بمرتبة، لدينا كذا من المخابر وكذا من وحدات البحث، وزارة التعليم الجزائرية تُشجع على إنشاء المخابر وتوفر الشروط المالية والإدارية لإنجاح مسارها، لكن الغالب حتّى لا نقول الكل، لم يجد أصلاً أين يصرف ميزانيته، لا برنامج علمي قوي، ولا ملتقيات ذات أهداف واضحة، ولا مجلات نوعية في إنتاجاتها، ولا مشاريع تخدم التنمية والمجتمع، الخلل يكمن في ضعف التكوين المنهجي على مستوياته الثلاثة: التكوين في منهج التفكير، التكوين في المُمارسة البحثية، والتكوين في مستوى المُمارسة السلوكية والتكامل مع مؤسسات المجتمع». المُتحدث ذاته، أضاف في ذات المعطى: «أضحى دور المخابر عندنا إداريًا خالصًا، اِحتضان مشاريع الماستر، الدكتوراه، تخصيص مجلة لنشر البحوث التي في أغلبها من ممضوغات الرسالة العلمية التي بدورها تسكن في قرون خلت ومراجعها بائدة، وأيضًا من أجل التّرقية والمناقشة، وهذا الاِحتضان محمود لكنّه لا يصنع العقل العلمي المبدع».
صاحب «روح القيم وحرية المفاهيم»، يؤكد من جهةٍ أخرى، أنّ السياسة التي تنتهجها وزارة التعليم العالي من حيث فتح المخابر ووحدات البحث والمراكز العلمية واضحة ومقصدها محمود، لكن الخلل يكمن في أنّها من حيث توطينها في الجامعات لا نشاطات علمية إبداعية ولا مشاريع خادمة للمجتمع والتنمية، فالمخبر هو المحضن للإبداع لأنّ المفترض أن يكون التفكير فيه جماعيًا وتكامليًا بين العلوم، وتشكيل وتراكم خبرات معرفية.
مضيفاً أنّ المخابر البحثية في الجامعات الغربية: تنتج أفكاراً إستراتيجية مهمة تعتمد عليها الدُّول، في القضايا السياسية والاِقتصادية والأمنية وغيرها، وما تقدمه من توصيات لصُنّاع القرار وفق رؤى إستراتيجية مبصرة، ونُظم إدارية محكمة.
أمّا الدور الّذي من الأجدى أن تقوم به هذه المخابر في الجامعات الجزائرية فيمكن إجماله –حسب رأيه دائماً- في: «أوّلا: البناء المنهجي العلمي لقدرات الفكر في الجزائر، والاِحتفاظ بهذه القدرات وتقويتها، ورفع كفاءات الباحثين من خلال برامج التدريب وتبادل الخبرات. ثانيًا: الاِنفتاح على الفضاء الاِجتماعي العام، وتثقيف فئات المجتمع والترويج لأفكار وتوجهات المركز عن طريق وسائل النشر والتغطية. ثالثًا: إنتاج المعرفة التي لها صلة بالتنمية والتي تخدم الجهات التنموية في المجتمع وتقديم مقترحات نوعية وعملية وعالمية، والاِرتقاء إلى مستوى الكونية في المعرفة من حيث الإبداع والإنتاج وإتقان شعار (فكّر عالميًا ونفذ محليا)».
و اِختتم بقوله: «مخابرنا نجدها من حيث الديباجات المتعلقة بالأهداف ومحاور الاِهتمام ضخمة وبرّاقة، ومن حيث الواقع لا مقدرة علمية قوية لها، ولم تسجل إنجازات علمية أو أبدعت مفاهيم دخلت بها الواقع أو أسهمت بها في ترقية المعرفة العلمية النّوعية».
نبيل دحماني: اِزدهار المجتمع مرهون بمدى نجاعة وفعالية المؤسسات البحثية
يرى أستاذ العلوم السياسية، الدكتور نبيل دحماني، أنّ البحث العلمي يشكل في أي مجتمع من المجتمعات مسألة على غاية من الأهمية لما يُقدمه من خدمات جليلة لقطاعات واسعة لهذه المجتمعات أو تلك بفعالياتها المختلفة، من حيث بسط سُبل الرقي والاِزدهار الاِقتصادي والاِجتماعي والسياسي والإداري والثقافي والتكنولوجي، لذلك فقد أولت -حسب رأيه- العديد من الحكومات والدول عنايةً خاصة بهذا القطاع لما يُقدمه من ثمار تُساهم باِرتقاء الدخل القومي وخلق الثروة المعرفية والمادية وترشيد التنمية القومية وتهذيب السلوك البشري وتنميته.
في هذا السياق، -يضيف-: «تأتي التجربة الجزائرية وعلى غرار تجارب كثيرة تبحث لنفسها عن مكان بين الكبار رغم ما تعرفه من تذبذبات وانتكاسات لأسباب أو لأخرى منذ ميلاد الدولة الجزائرية سنة 1962. فقد عرفت المرحلة الخماسية 2008-2012 تطوراً مُلفتًا من حيث الهياكل والوسائل القانونية، بعد إدخال تعديلات على هذا القانون التوجيهي 98-11 بما يخدم الأستاذ الباحث، وتوفر الاِعتمادات المالية، مِمّا يجعل من الجزائر رائدة إقليميًا من حيث الاعتمادات والمنشآت المتوفرة، غير أنّ ما تحقّق شابته الكثير من النقائص بفعل محدودية عدد الباحثين ومحدودية التأطير، وأشياء أخرى لا تمت بصلة للبحث العلمي رغم توظيف أكثر من 1200 (باحث)».
من جهةٍ أخرى، -يرى ذات المتحدث-، أنّ السنوات الأخيرة، عرفت الاِتجاه لفتح مخابر ووحدات بحث على مستوى المؤسسات الاِقتصادية، كما تزايد عدد المخابر ووحدات البحث على مستوى الجامعات بشكلٍ مُلفت دون أن يتجلى ذلك في كثافة ما كان يمكن توقع إنتاجه من حيث تكثيف النشاطات العلمية والتكنولوجية والبحثية واستفادة المحيط الاِقتصادي والاِجتماعي منها في ظل غموض آليات التواصل بين الجامعات والسوق المُفترض اِقتناؤه لهذا المنتوج، وذلك ما يرهن مستقبل هذه المخابر والوحدات. ناهيك عن حالة البطالة الهيكلية لعددٍ غير يسير من الباحثين الشباب بفعل ممارسات إدارية وبحثية لأصحاب المشاريع».
وفي ذات الشأن، اِستدرك قائلاً: «قد يضطر بعض الباحثين لتغيير المؤسسة الجامعية بحثًا عن وحدة بحث أو مخبر يستجيب لتطلعاته وطموحاته، فيما يستغل عدد آخر من الباحثين هذه الوحدات من أجل الحصول على عوائد مالية أو القيام بسفريات وتنقلات قد لا تخدم أهداف البحث في حد ذاته، أو تُستغل الأبحاث المقامة في شكل مقالات من أجل الترقية من رتبة إلى أخرى أو مناقشة الدكتوراه. يُضاف إلى ذلك كله أنّ أغلب المشاريع البحثية وفق الأهداف المحدّدة تحصر الجهد البحثي في العلوم الأساسية، بمعنى العلوم التقنية والتطبيقية والتجريبية والتكنولوجية، فيما تُهمش العلوم الإنسانية والاِجتماعية على الرغم من أهمية هذا الفرع في خلق تقديم الحلول المناسبة لمشاكل التسيير العمومي، ومجابهة الآفات الاِجتماعية، وتهذيب السلوك الإنساني وترشيد الإنفاق».
لذلك تستدعي الحاجة -حسب الدكتور دحماني- ضرورة ترشيد عمليات الإنشاء والتسيير وتقييم أداء هذه الهياكل بالشكل الّذي يضمن فعاليتها ونجاعتها وانفتاحها على المحيط الاِقتصادي والاِجتماعي، ويُساهم في خلق القيمة والثروة المعرفية والتكنولوجية، من خلال إشراك الباحثين في اِنتقاء وتحديد الأهداف العلمية والسياسات المرتبطة بها، وتفعيل شفافية التسيير والتقليص من الإجراءات الإدارية المعرقلة للفعالية العلمية، مكافحة أشكال الاِحتكار، وإرساء أُسس المُساءلة لأصحاب المشاريع ضمانًا لجودة المنتوج العلمي وكفايته، إشراك القطاع الخاص وباقي مؤسسات المجتمع المدني، في ظل قيم الحكامة المعرفية التي تعد لبنة أساسية من لبنات بناء الصرح العلمي في الجزائر ومجتمع معلوماتي يطمح لأن يكون في مستوى المجتمعات المزدهرة. على اِعتبار إن اِزدهار المجتمع الجزائري والدولة الجزائرية مرهون بمدى نجاعة وفعّاليّة المؤسسات البحثية وقدرتها على توفير الإجابات المناسبة والحلول الناجعة لمختلف المشاكل الهيكلية والبشرية والتكنولوجية التي تواجهها الجزائر.
سامية بن عكوش: وُجِدت المخابر لتسهم في تأطير الطاقات البحثية وإنتاج المعرفة
تقول الكاتبة والباحثة، الدكتورة سامية بن عكوش: «وُجِدت المخابر لتسهم في تأطير الطاقات البحثية وإنتاج المعرفة (وليس فقط لنشر المجلات وإقامة الملتقيات). والقيام بهذه المهمّة يتطلّب سياسة وطنّية حول دور البحث العلميّ في الجامعة الجزائرية وحاجة المجتمع إليه. وأظنّ أنّ هكذا سياسة غائبة في وقتنا الحالي. ومع أنّ عدد المخابر مقبول، إلاّ أنّ وتيرة الإنتاج المعرفيّ وجودته تبقى دون المستوى. ما السّبب؟، أظنّ أنّ السّبب الرّئيسيّ هو سوء التخطيط والتسيير للمخابر، وأركّز على مخابر اللّغات بحكم اِنتمائي إلى قسم الأدب العربيّ. أمّا سوء التخطيط فيتعلق بضُعف التصورات عن المشاريع التي تتبناها المخابر (الاِعتباطية والعشوائية في اِختيار التخصّصات المخبرية والمحاباة في اِختيار الكفاءات البحثية التي تثريه وغياب الأهداف قصيرة وطويلة المدى فيما يخصّ المنشورات والملتقيات وغيرها من الأفعال البحثية المؤطرة)».
أمّا سوء التسيير فهو -حسب ذات المتحدثة- نتيجة حتمية لسوء التخطيط، فغالبًا ما تتأخر المنشورات المتعلّقة بأعمال الملتقيات، أو تتراكم المقالات دون نشرها. وقد يتأخر نشرها في أحيان كثيرة لأكثر من سنة. مِمَّا يُعطّل المصالح العلمية لبعض الباحثين، كطلبة الدكتوراه الذين يضطرون إلى الاِنتظار سنوات حتّى ينشر لهم المقال الّذي يحتاجونه لمناقشة الدكتوراه. ضِف إلى ذلك فإنّ بعض المخابر تشهد صراعات على الإدارة والتسيير.
بن عكوش، أكدت في الأخير، أنّ شهادة الدكتوراه لا تكفي لاِمتلاك حقّ فتح مخبر، بل على الوزارة دراسة ملفات الطلبات، قبل القبول أو الرفض. فما جدوى صرف أموال طائلة في أجسام إسمنتية وفي مشاريع ورقية، لا تتحقّق في أرض الواقع. وما جدوى صرف نفس المبالغ المالية على كلّ المخابر، بينما لا ينشط منها سوى عدد ضحل يعدّ على أصابع اليدّ. وكمثال عن المخابر النّشيطة في مجال الدّراسات الأدبية، يمكن ذكر «مخبر تحليل الخطاب بجامعة تيزي وزو» الذي تشرف عليه الدكتورة آمنة بلعلى، فهو من المخابر القليلة في الجزائر التي صمدت في وجه الرّداءة وله سمعة علمية طيّبة، حتى على المستوى العربيّ. والدليل على ذلك جودة المقالات التي تصدر في مجلة الخطاب التابعة للمخبر.
بلكبير بومدين:
لا أثر لها في دفع عجلة التنمية الاِقتصادية والاِجتماعية
يقول الكاتب والأكاديمي الدكتور بلكبير بومدين: «تنفق الدول المتقدمة ميزانيات ضخمة لدعم البحث العلمي وزيادة كفاءته وفعاليته من أجل تحقيق التنمية وتحسين مستوى حياة الأفراد داخل المجتمع، وفي هذا السياق تخصص السويد -مثلاً- ما نسبته (3.7 %) من الناتج الوطني، في حين نجد أنّ فنلندا تنفق (3.5 %) من ناتجها الوطني لتمويل البحث العلمي، أمّا الولايات المتحدة الأمريكية فهي تخصص نسبة (2.7 %)، وفي فرنسا يتم تخصيص (2.5 %). أمّا عندنا فالنسبة المخصصة لتمويل البحث العلمي ضعيفة وبعيدة عن المعدلات الدولية».
ويضيف ذات المتحدث: «في السنوات القليلة الماضية اِنتشرت الجامعات في كلّ الولايات الجزائرية تقريبًا وصاحب ذلك تزايد عدد المخابر البحثية التي أصبحت كالفطريات، خصوصًا وأنّها لم تساهم في تحسين مستوى ونوعية البحث العلمي بقدر ما رسخت لثقافة البحث عن الاِمتيازات وتقاسم المنافع والريع (تذاكر السفر، مستحقات مالية مقابل أبحاث بعيدة عن المعايير العالمية...الخ). هذا مع اِستثناء بعض النماذج الناجحة، لكنّها على قلتها أو بالأحرى ندرتها وعدم وجود المناخ الحاضن لها (صوتها غير مسموع) فهي فاقدة لأي تأثير حقيقي في دفع عجلة التنمية الاِقتصادية والاِجتماعية على وجه الخصوص».
صاحب «عصر اِقتصاد المعرفة»، يرى أنّ «الحديث عن جودة مخرجات المخابر العلمية مرتبط بالعديد من المدخلات، كمستوى ونوعية رأسمال الفكري والبحثي، وحجم النفقات على البحث والاِبتكار، والاِستثمارات المنجزة، وعدد وقيمة المنتجات العلمية التي يُساهم في تمويلها قطاع المؤسسات الاِقتصادية والقطاع العام، وكذلك اِتفاقات الشراكة بين المؤسسات البحثية على المستوى الداخلي أو الخارجي/الدولي، وعدد المنشورات والاِنجازات العلمية، وحماية الملكية الفكرية وعدد براءات الاِختراع، ومدى تحويل تلك الاِختراعات إلى منتجات صناعية».
ويواصل في ذات السياق: «أغلب مخابر البحث العلمي عندنا أصبحت مثل الدكاكين الخالية من البضائع والمهجورة، تسير بهياكل جامدة ومتصلبة عفا عليها الزَّمن، ويسيطر عليها منطق بيروقراطي يعطي الأولوية في إدارة البحث العلمي إلى التقارير الإدارية بدلاً من العلمية. إضافةً إلى فقدان مناخ التقدير والتحفيز مقابل الجهد المبذول، وعدم توفر الحد الأدنى من شروط العمل».
بلكبير يرى أنّ كلّ ما سبق ذكره، ساهم في اِستنزاف العقول والكفاءات الجزائرية، من خلال تزايد موجات هجرة العلماء والكوادر إلى الخارج. لما تقدمه تلك الدول المستوردة للكفاءات من عديد المزايا والاِمتيازات، التي تُسهل لهم الحياة والاِندماج وتحقيق الذات، اِبتداءً من إصدار القوانين والتشريعات التي تيسر اِستقدامهم، إلى وضعهم في المكان المناسب وتمكينهم من كافة الإمكانات المالية والمادية والتكنولوجية وحتّى البشرية، لكي يزيد أداؤهم وإبداعهم، ومساهمتهم في تنمية تلك البلدان. وقد أفادت دراسة صادرة عن إدارة السياسات السكانية والهجرة التابعة لجامعة الدول العربية بأنّ مجموع الكفاءات العلمية العربية في الخارج يتجاوز المليون و90 ألفا، مقابل ما قرابة 717 ألفا للصين وما يقارب مليون و50 ألفا للهند.
ن.ل