هل أربك الأدب الرقمي الأدب الكلاسيكي؟
تحول الأدب الرقمي بمواضيعه الشبابية الغامضة التي يفضلها كثير من مرتادي المنصات الإلكترونية على رأسها الواتباد إلى واقع فرض حرفه في الساحة الأدبية، بعد أن كان حبيس الفضاء الافتراضي وقد نافس مدعوما بالملايين من قرائه مؤلفين مشهورين على الصدارة التي انتزعها فور نشر سارة ريفنس لروايتها "الرهينة" والتي وصل عدد قرائها على منصة واتباد إلى تسعة ملايين قارئ للجزء الأول وثمانية ملايين للجزء الثاني، كما تجاوزت مبيعاتها 140 ألف نسخة، وهي سادس رواية مبيعا في فرنسا،لتتحول صاحبتها ذات 24 سنة إلى ظاهرة في عالم الأدب.
إيناس كبير
وبالرغم من الضجة العالمية التي أحدثها هذا النموذج الأدبي الجديد أو ما يطلق عليه بالكتابة الأدبية التفاعلية، إلا أنه مازال لم يحجز مكانته لدى متذوقي حرف الأدب الكلاسيكي، إذ يرون أن مواضيعه وأسلوبه تبقى محصورة في القارئ التفاعلي الذي ألبسته التكنولوجيا خصائصها خاصة فيما يتعلق بالهروب إلى النصوص القصيرة التي توفر له السرعة في إنهائها، بدل الاهتمام بالبناء النصي للرواية وبلاغتها.
* الأكاديمي و الناقد الأدبي محمد الأمين بحري
الرواية الرقمية مرحلة ما قبل النشر
وفي حديث للنصر مع الأكاديمي و الناقد الأدبي محمد الأمين بحري، حول المعايير التي يعتمدها هذا النوع الأدبي وليد التكنولوجيا الحديثة وبنيته النصية أوضح، أن الرواية الرقمية فيها تعدي على الأجناس الأدبية، وعدم احترام لخصوصيتها البنيوية والنظرية والمنهجية، كما وصفها بالكتابة التجريبية التي لا تربطها أي علاقة بفن الرواية، لا نظرية ولا بنية ولا مقومات، وللتوصل لذلك يقول أن أسهل طريقة هي أن نعرض تلك الكتابة على نظريات وبنيات وعناصر القصة والرواية وحتى المسرح، فلا نجدها تتطابق معها إطلاقاً، ذلك أن آليات الكتابة متنافية، وبناء النص يستحيل في غالب الأحيان، نظراً لمبنى النص التفاعلي ونوعية خطابه.
وواصل قائلا "إن الغالبية الساحقة من رواد هذا النوع من الكتابة غير مطلعين على نظريات الأجناس الأدبية وإلا لانتبهوا إلى مغالطات التسمية التي أدرجت تلك النصوص ضمن أجناس لا علاقة لها بها من أية جهة".ووفق ما أورده بحري فإنه لا يمكن اعتبار أدب المنصات الإلكترونية، وذلك المنشور على صفحات مواقع التواصل، بالأدب المكتمل، وإنما قد يكون حالة تجريبية هاوية ما قبل تأليفية، لأن النشر الإلكتروني يساعد كاتبه على مراجعة وتدقيق نصه بعد عرضه على الجمهور وتلقي تفاعلاتهم سلباً وإيجاباً، وواصل ما دام النشر إلكترونياً على المنصات، فهو قابل لكل تعديل وإعادة بناء.كما عرج للحديث عن الاختفاء المفاجئ للنصوص الرقمية من المنصات التي كانت منشورة عليها، إذ حذر طلبة الأدب من تناول هذه الروايات بالدراسة من خلال مذكرات تخرجهم، لأن الكثير من الطلبة وقعوا في فخ بعض الكُتاب الرقميين ونصوصهم الإلكترونية التي أنجزت حولها الكثير من المذكرات والرسائل الجامعية، قبل أن ينسحبوا فجأة هم ونصوصهم، ليعلموا فيما بعد أنهم أنجزوا مذكراتهم حرفياً على اللاشيء، أو بالأحرى على سراب مغالطة نص رقمي عمر لأيام معدودة ثم اختفى من الوجود، ولا ينتمي لأي جنس، سوى المنصة الرقمية التي نشرته مؤقتاً.
غياب النقد أحد إشكالات الكتابة الرقمية
وعن التناول النقدي للأدب الرقمي، شرح بحري أن الانزلاقات وفوضى النشر الرقمي التي تعرفها المنصات الإلكترونية صعب على النقاد الأدبيين تناول النصوص الإلكترونية بالتحليل والنقاش، خاصة في ظل غياب القواعد والنظريات والبنى التي يستند إليها النقد، وأكد أنه يستحيل تأصيل تحليل نقدي لعمل لا أصالة له لا في النظيرة ولا في البناء ولا في الأسلبة، وطرق الكتابة.
وبحسب ما ذكره فإن انتشار الكتابة الأدبية الإلكترونية من جهة وغياب الضوابط والتقنين والتنظير لها من جهة ثانية، جعل من الضروري إنصات النقاد والأكاديميين لهذا القلم الرقمي وعدم تركه مهملاً تتقاذفه الأهواء، وذلك بتأطير نصه وخطابه ورصد شتى أنواع بناءه وأساليبه، وخصه بنظريات ومنظومة مصطلحية ومنهجية، تميز بين فنونه وأنواعه وأشكال بنائه وفنيات كتابته وبلاغة أساليبه وجمالياته، ويرى الناقد الأدبي أن هذا التأطير والتنظير هو ما سيمكن لهذه الكتابة أن تنتقل من الهواية والخلط والعشوائية الحالية، إلى الاحتراف والأصالة، حين يتكامل جانبها المعرفي والتقني والنظري.
* الكاتبة و الروائية بشرى بوشارب
شهرة ساعدت فيها خصوصية الفضاء الإلكتروني
من جهتها صرحت بشرى بوشارب كاتبة وروائية، أن الجديد الذي حمله أدب المنصات الإلكترونية يكمن في سهولة وصوله للقارئ وسرعة انتشاره، خاصة وأنه موجه للشباب بدرجة أكبر، بالإضافة إلى ما يوفره لهم من أسلوب سهل يكتنفه الغموض في الطرح ومعالجة القصص والمواضيع التي يتناولها، وعلقت أن خروج الملايين من قراء هذا النوع الأدبي لدعم كاتبهم على أرض الواقع هو ما جعل من تجربة ريفنس استثنائية.
وأرجعت التهافت على القصص المنشورة على المنصات الإلكترونية إلى ظروف القراء التي تصعب عليهم أحيانا الحصول على الكتب الورقية، سواء من ناحية غلاء أسعارها أو عدم توفر النوع الذي يبحثون عنه، وواصلت صاحبة رواية حوريات على حافة الجنة، أن القارئ يضطر إلى انتظار المعارض أو التنقل إلى ولايات أخرى حتى يحصل على العناوين التي يريدها خاصة تلك التي تصنع ضجة ويكثر الحديث حولها، في حين أنه لا يحتاج سوى لاشتراك على الانترنت حتى يقرأ ما يحلو له من قصص أو روايات على المنصات الإلكترونية.
للأدب الكلاسيكي نخبته
وبخصوص منافسة الرواية الإلكترونية لنظيرتها الكلاسيكية وسرقة جمهورها منها فقد أفادت بوشارب أن للنموذج الروائي الكلاسيكي نخبته المميزة التي تتذوق من خلال حروفه رونقه وتسرح بخيالها في عالمه السحري من خلال ملامسة الأوراق والغوص داخل سطوره والعيش لحظة بلحظة مع شخصياته، وقالت يكفي أن يزور الشخص معارض الكتب الوطنية والدولية حتى يلمس بنفسه إقبال الشباب من ذوي الفكر الراقي على الرواية العادية، وبادلتها الرأي نفسه صبرينة بن هبري كاتبة وأدمين في صفحة انصحني بكتاب، والتي تهتم بمراجعة الكتب، مؤكدة على أن مكانة الرواية الكلاسيكية تبقى محفوظة، موضحة أن عدم الاحتكام للقواعد الكتابية الأدبية واللغوية فضلا عن الطريقة السردية شبه العشوائية، وغياب الحبكة غير القوية للأحداث في الرواية الإلكترونية يقلل من حظوظها في الحفاظ على مكانتها لدى القراء ويمنعها من اكتساب آخرين جدد.
وعن التوجه نحو منصة واتباد ومواقع التواصل الاجتماعي لمتابعة سلاسل القصص الطويلة، فذلك يعود حسب بن هبري إلى الافتقار إلى قاعدة قرائية كبيرة تستطيع أن تميز الأدب الحقيقي الذي يصنع من الفرد قارئا واسع الفكر والخيال، داعية مرتادي الشبكة العنكبوتية لقراءة الأدب الحقيقي، بدل التحول الكلي نحو قصص ينشرها هواة حسبها.
* آية لغريب طالبة جامعية تخصص أدب عربي
المنصات الإلكترونية داعم للمواهب الأدبية
وفي حديثنا مع آية لغريب، طالبة ماستر 2 تخصص أدب عربي، أخبرتنا أنها كانت تُمضي وقتها على منصة الواتباد قبل أن تفتح حسابا على فيسبوك، ما أتاح لها الإطلاع على بعض القصص المنشورة عليه، وحسب تجربتها على هذه المنصة ترى أن تدوين القصص على المنصات الإلكترونية يبقى المساحة التي يتنفس فيها الكاتب ويطرح من خلالها أفكاره ويعرض موهبته المخزونة كما اعتبرتها داعما له لأنها توصل إبداعاته للمتلقي، وبالرغم من الإشكالات التي تطرحها فمعارضة النشاط الأدبي عليها بشكل كلي يقضي على روح اكتشاف الإبداع لدى الفئة التي تستحق التقدير.
وواصلت قائلة، إن الأدب التفاعلي ينقصه النقد والتمحيص كونه يفتقر للضبط والتنظيم والنقد في غالب الأحيان فضلا على أنه لا يملك وزنا أدبيا، لهذا يجب على الأقلام التي تريد التميز في هذا المجال أن تطور من نفسها وتصقل قلمها حتى تستحق الشهرة، وتابعت، صحيح أن الكل على المنصات الإلكترونية يكتب ويبدع لكن القلة من يدوم إبداعه أو يذيع صيته.
النشر الرقمي فرصة ليتعرف الكاتب على قلمه
ويجذب النشر الرقمي الكثير من الكُتاب الصاعدين والأقلام الموهوبة لتفجير قريحتهم الأدبية سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو المنصات الخاصة بنشر القصص القصيرة، وهو ما أخبرتنا به صليحة ميلس كاتبة صاعدة التي كانت تنشر يوميات إلكترونية لشخصية رسمتها في مخيلتها وأطلقت عليها اسم "فايا"، ولشدة تعلقها بها حولت هذه النصوص إلى رواية ورقية تحمل عنوان "حكايات فايا"، وفي هذا السياق تقول أن النشر الرقمي لنصوصها منحها حرية أكبر للتعبير دون الخوف من النقد، كما اعتبرت تجربتها مرحلة لجس نبض أصدقائها ورواد مواقع التواصل الاجتماعي حول المواضيع التي عبرت عنها من خلال روايتها.
أما عن العلاقة التي تجمع الكاتب بالقارئ في الفضاء الافتراضي فقد وصفتها ميلس " أن المنصات الإلكترونية تشبه الجسر، والجميل في النشر الرقمي أنه يوفر للكاتب التواصل المباشر مع القارئ، يعني أنك سترى ردود الفعل على نصوصك سواء بالسلب والإيجاب".
كما نفت أن يكون انتشار الرواية الرقمية وزيادة الإقبال عليها صدفة، لأن القارئ يتوجه بمحض إرادته إليها وبرغبة منه في قراءة ما يدونه الكاتب حتى لو كان طويلا، وعقبت بأن التكنولوجيا لا تعترف بالفرضيات خاصة في ظل التهافت على استخدام مختلف منصاتها.
* نصر الدين جعبة مدير دار نشر
مجانية المنصات الإلكترونية تؤثر على دور النشر
يرى نصر الدين جعبة مدير دار نشر إبداع بوك أن تأثر سوق الكتب الورقية بتوفير المنصات الإلكترونية لأنواع مختلفة من القصص والروايات التي تجعل القارئ في غنى عن اقتناء كتاب ورقي، أن مجانية هذه المنصات ستؤثر لا محالة على سوق الكتاب على المدى المتوسط والطويل، خاصة أمام ارتفاع تكاليف طباعة الكتاب الورقي وبالتالي سعر بيعه نجد الكثير من القراء يلجأون إلى القراءة الإلكترونية لقلة تكلفتها أو مجانيتها.وأضاف قائلا، تحاول إبداع بوك للنشر والترجمة أن تُجاري هذا النوع من الأدب لكن بتحفظ، كون أن أدب المنصات الإلكترونية غائب عن أعين الرقابة، وقد يفتح الباب أمام المبتدئين والهواة أن يطلقوا على أنفسهم كتّابا، وعلى منتوجهم أدبا، بينما هو في الواقع لا يتعدى كونه محاولة أدبية، وأردف لا أحاول التقليل من شأن المواهب الشابة أو المبدعة، لكن عن تجربة الوسط الأدبي يتميز بصفة "الإقتداء" وهو ما يدفع الكثير إلى الدخول إلى عالم الكتابة بسبب "حماسة" وليس حبا في المجال بحد ذاته.
وواصل موضحا"ربما الكثير من المشاريع الأدبية التي انطلقت من هذه المنصات الإلكترونية، ستعرف لها موضع قدم في أرض الواقع، وهذا ما شهدناه مع سارة ريفنس، عندما تبنت دار نشر فرنسية أعمالها بغرض تحويلها إلى كتب ورقية متاحة للجمهور، وهو ما يدل على أهمية النشر الورقي للعمل الأدبي حسب الناشر جعبة، إذ أن أغلب الأشخاص الموهوبين والمبدعين ممن دخلوا عالم الكتابة يحلمون بأن يروا منتوجهم الأدبي بشكل ملموس، وهذا ما يجعلهم يسارعون في طباعته، ومن هذا المنطلق يرى أن من ينشر عمله إلكترونيا دون السعي لرؤيته في أرض الواقع على شكل كتاب ورقي يمكن الحكم عليه بأن عمله تجاري. أما عن مواجهة دور النشر لموجة التوجه نحو النشر الرقمي، طرح رؤيته الاستشرافية لمستقبل النشر في ظل التحول السريع نحو الرقمنة، إذ اعتبر أن ظهور منصة نشر إلكتروني عربية أصبح ضرورة يفرضها الوضع الحالي في ظل المنافسة التكنولوجية والدعم المقدم للمؤسسات الناشئة، فاللغة المشتركة والجمهور المستهدف الذي قد يصل إلى نصف مليار شخص، يشجعان على المبادرة في هكذا مشاريع.