بوَّابة لِلْعوالم الأدبيَّة الموازية
تَقْفِزَ رِوَايَةَ «رَهِينَة» Captive مِنْ اَلْمَوَاقِعِ إِلَى اَلْوَاقِعِ فَتَتَرَبَّعُ عَلَى عَرْشِ اَلْمَبِيعَاتِ فِي فَرَنْسَا. تَرْوِي قِصَّةَ حُبٍّ مُعَقَّدَةٍ تَهِيمُ فِيهَا اَلْبَطَلَةُ بِجَلَّادِهَا، كَاسِرَةً فِيهَا طَابُوهَاتْ، مُتَعَدِّيَةً خُطُوطا حَمْرَاء، مِمَّا أَحْدَث جَدَلاً وَاسِعًا بَيْنَ اَلْقُرَّاءِ وَالنُّقَّادِ، فِي اَلدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ.
نوال وعمارة - ناقدة ومترجمة
صَاحِبَةُ اَلرِّوَايَةِ سَارَّة رِيفْنَسْ ذَات 24 رَبِيعًا، أَوْ اَلْفَتَاة اَلْغَامِضَة كَمَا اِخْتَارَتْ أَنْ تُسَمِّيَ نَفْسَهَا، كَاتِبَةٌ جَزَائِرِيَّةٌ، وَفَرْد مِنْ أَفْرَادِ مُجْتَمَعِ اَلْوَاتْبَادْ. اِخْتَارَتْ اَلْإِبْدَاعَ بِلُغَةِ مُولْيِيرْ فِي عَالَمٍ اِفْتِرَاضِيٍّ وَبِلُغَةِ أَبْنَاء جِيلِهَا، كِتَابَةٌ تُخَاطِبُ ذَائِقَتَهَمْ وَيسْتَهْجنُهَا اَلْجِيلُ اَلَّذِي شَبَّ وَشَاب عَلَى رَوَائِع شِكْسبِيِرْ وَفِيكْتُورْ هِيجُو وَغَادَة اَلسمَانْ وَعَبْد اَلْحَمِيدِ بْنْ هدوقَة، وَيُدِينُهَا اَلْمُحَافِظُونَ عَلَى اَلْقِيَمِ اَلدِّينِيَّةِ، وَتَسْتَنْكِرهَا اَلْحَرَكَاتُ اَلنِّسْوِيَّةُ.
أَثَارَتْ رِوَايَة “رَهِينَة” ضَجَّة كَبِيرَة وَحَامَتْ اَلْأَغْلَبِيَّةُ حَوْلَ اَلسُّؤَالِ عَنْ مِيلَادِ جِنْسٍ أَدَبِيٍّ جَدِيدٍ، اِبْتَدَعَ مَعَايِيرَ جَدِيدَة، وَيَلْقَى رَوَاجًا كَبِيرًا فِي اَلْأَوْسَاطِ اَلشَّبَابِيَّةِ إِذْ يَحْظَى بَمَقَرُوئِيَّة مُنْقَطِعَة اَلنَّظِيرِ، مِمَّا يَكْشِفُ عَنْ وُجُودِ عَوَالِمَ أَدَبِيَّة مُوَازِيَة تَسْبَحُ فِي فَلَكِهَا اَلْأَجْيَالُ اَلْجَدِيدَةُ وَ تَسْتَعْصِي عَمَّنْ سِوَاهُمْ.
تَنْتَمِي اَلرِّوَايَةُ إِلَى جِنْسٍ أَدَبِيٍّ هَجِينٍ، لَا هُوَ أَدَبٌ قُوطِيٌّ وَلَا أَدَب مُظْلِم، تُمَثِّل اَلْأَجْوَاءُ اَلْمُظْلِمَةُ وَالْمُرْعِبَةُ وَالْمُعَقَّدَةُ نُقْطَةَ اِلْتِقَائِهِم، يَرْتَكِز عَلَى اَلْحُبِّ وَالْجِنْسِ وَالْعُنْفِ وَالْأَلَمِ، نِهَايَاته غَيْر مُتَوَقَّعَة، وَمَفْتُوحَة. هَذِهِ هِيَ خَصائص اَلرُّومَانْسِيَّة اَلسَّوْدَاوِيَّة (Dark Romance)، وَهَذَا مَا طَبَعَ رِوَايَةَ “رَهِينَة” مِنْ خِلَالِ أَحْدَاثِهَا وَشَخْصِيَّاتِهَا، فَكَانَ اَلْعُنْفُ لُغَةَ اَلْبَطَلِ “آشَرْ سْكُوت”، وَالْجِنْسُ تِجَارَةَ اَلْمُلاَّكِ وَمُتَنَفَّسِهِمْ، وَالْأَلَمُ رُوتِينُ حَيَاة اَلرهينَات، وَالْحُبُّ ضَرَبَ مَوْعِدًا لِلْبَطَلَةِ “إِيلَا كُولِينْسْ” بَعْد رِحْلَةِ عَذَابٍ نَفْسِيٍّ وَأَلَمٍ جَسَدِي.
تَذْهَب اَلْفَتَاةُ اَلْأُسْتُرَالِيَّةُ اَلْقَاصِرُ “إِيلَا” لِتَعِيشَ مَعَ خَالَتِهَا بِمَدِينَةِ فُلُورِيدَا، بَعْد وَفَاةِ وَالِدَتِهَا فِي حَادِثِ سَيَّارَة مُرِيعٍ وَهِيَ تُحَاوِلُ اَلْفِرَارَ مِنْ زَوْجِهَا. تُغَادِرَ “إِيلَا” جَحِيمَ زَوْجِ وَالِدَتِهَا لِتَلْسَعَهَا نِيرَانُ جَحِيم شَخْصِيَّاتٍ سِيكُوبَاثِيَّة، تُقَدِّسَ اَلْجِنْسَ وَالْمَال، وَلَا تَجِدُ حَرَجًا فِي مُمَارَسَةِ سَادِيَتِهَا اَلْعُدْوَانِيَّةِ اَلْمُتَفَجِّرَةِ وَالْإِجْرَامِيَّةِ أَحْيَانًا. تَغْرق خَالَة “إِيلَا” فِي اَلدُّيُونِ بَعْدَمَا يُضَيِّعُهَا اَلْإِدْمَانُ، فَتَرَى فِي “إِيلَا” طَوْقَ نَجَاة. تُقَايِض مُورِدَهَا بـ“إِيلَا” مُقَابِلِ اَلدُّيُونِ، وَيَبِيعها بِدَوْرِهِ لِصَدِيقِهِ اَلْمُدْمِن اَلسِّكِّيرَ “جُونْ”. يُوهِمُهَا “جُونْ” أَنَّهَا مُوَظَّفَةٌ لِغَايَةٍ نَبِيلَةٍ، بَيْدَ أَنَّهُ يُؤَجِّرُهَا لِشُيُوخٍ فِي أَرْذَلْ العُمْرِ، يُمَارِسُونَ عَلَيْهَا سَادِيتَمْ دُونَ رِضَاهَا وَيُذِيقُونَهَا جَمِيع فُنُونِ اَلْعَذَابِ إِثْرَ اَلْعَبَثِ بِجَسَدِهَا، ثُمَّ يَعُودُ “جُونْ” بِدَوْرِهِ لِيَغْتَصِبَ جَسَدَهَا اَلْمُنْهَك. هَذَا مَا تَرْوِيهُ “إِيلَا” لِرَهِينَةٍ أخرَى تُدْعَى “كِيَارَا” وَهِيَ تَحْتَ رَحْمَةِ مَالِكِهَا اَلْجَدِيدِ “آشَرْ”، فَقَدْ بَاعَهَا جُونْ بَعْدَمَا اِسْتَنْزَفَهَا بِالْكَامِلِ وَقَدْ بَلَغَتْ 22 سَنَةٍ مِنْ عُمْرِهَا. تَدَخلُ “إِيلَا” عَالمًا جَدِيدًا، ظَاهِرُهُ ثَرَاء فَاحِش وَحَيَاة بَذَخٍ تُزَيِّنُهَا نَشَاطَاتٌ خَيْرِيَّةٌ وَتِجَارِيَّةٌ، وَبَاطِنُهُ تِجَارَة اَلسِّلَاحِ وَالْمُخَدِّرَاتِ. هَا هِيَ فِي قَبْضَةِ عَائِلَةِ “سْكُوت” ذَاتِ اَلتَّارِيخِ اَلْأَسْوَدِ وَالدَّامِي اَلَّتِي يَخْشَاهَا اَلْجَمِيعُ. تُسَيّرُ اَلْعَائِلَةُ تِجَارَتَهَا عَنْ طَرِيقِ اَلرهينَات فَتوضَعْن فِي اَلْوَاجِهَةِ لِإِبْرَامِ اَلصَّفَقَاتِ وَتُسْتَعْمَلنَ فِي اَلْجَوْسَسَة لِمَصْلَحَةِ مُلَاكِهِنَّ. يَرْفُضَ “آشَرْ” اِتِّخَاذَ رَهِينَةٍ فَيَتَفَنَّن فِي تَعْذِيبِ “إِيلَا” إِلَى أَنْ يَنْتشي حُبٌّ غَامِضٌ بَيْنَهُمَا تَخْتَلِطُ فِيهِ مَشَاعِرُ اَلرَّغْبَةِ وَالْحُبِّ وَالْأَلَمِ.
اِتَّسَمَتْ لُغَةَ اَلرِّوَايَةِ بِالْبَسَاطَةِ اَلشَّدِيدَةِ، وَالْإِسْرَاف فِي تَوْظِيفِ اَلْعِبَارَاتِ اَلْعَامِّيَّةِ اَلْمَشْحُونَةِ بِالْمُفْرَدَاتِ اَلنَّابِيَةِ، اَلَّتِي تَتَمَاهَى مَعَ لُغَةِ شَبَابِ اَلضَّوَاحِي بِفَرَنْسَا. تُقْرَأَ اَلرِّوَايَةُ بِسُهُولَة لَكِنَّهَا تَحْوِي رَكَاكَةً لُغَوِيَّةً وَتكرَارًا وَحَشْوًا لَمْ يُثْرِي اَلْمَعْنى وَأَطَالَ اَلرِّوَايَةَ، فَتُعَبِّرُ عَنْ نَوْبَاتِ اَلْهَلَعِ المُتَكرّرة، عَلَى سَبِيلِ اَلْمِثَالِ لَا اَلْحَصر، بِنَفْسِ اَلْفِكْرَةِ، فَنَقْرَأُ: “كَادَ قَلْبِي يَخْرُجُ مِنْ صَدْرِي” فِي ص. 284، و”قَفَزَ قَلْبِي دَاخِلَ صَدْرِيٍّ” ص. 232، و”كَادَ قَلْبِي يَخْرُجُ مِنْ صَدْرِيٍّ” ص.232، و”بَدَأَ قَلْبِي يَضُخُّ بِسُرْعَةِ دَاخِلِ صَدْرِيٍّ” ص. 40، و”كَادَ قَلْبِي يَنْفَجِرُ دَاخِلَ صَدْرِيٍّ” ص. 349، رَغْمَ ثَرَاءِ اَللُّغَةِ اَلْفَرَنْسِيَّةِ بِالْعِبَارَاتِ اَلدَّالَّةِ عَلَى حَالَاتِ اَلْهَلَعِ وَالْخَوْفِ، وَتَكَرَّرَتْ صِفَةُ مُخْتَلٍّ أَوْ سيكُوبَاثِي 448 مَرَّةٍ فِي اَلرِّوَايَةِ، وَقَدْ تَتَكَرَّرُ فِي اَلصَّفْحَةِ اَلْوَاحِدَةِ أَرْبَع مَرَّاتٍ.
تَفْتَقِرَ اَلرِّوَايَةُ إِلَى وَصْفٍ دَقِيقٍ يَسْمَحُ بِتَكْوِينِ صُورَةٍ وَاضِحَةٍ عَنْ اَلشَّخْصِيَّاتِ وَتَحْدِيدِ اَلْبُعْدِ اَلزَّمَنِيِّ وَالْمَكَانِيِّ، فَتَتْرُكُ لَنَا اَلصَّفَحَاتُ اَلْأُولَى اِنْطِبَاعًا بِأَنَّ “إِيلَا” شَابَّةٌ لَا تَمْتَلِكُ اَلصِّفَات اَلْأُنْثَوِيَّة وَلَا اَلْكَارِيزْمَا اَلْمَطْلُوبَة لِوُلُوجِ عَالَمِ اَلرهينات، ثُمَّ نَسْتَغْرِبُ عِنْدُ اَلْوُصُولِ إِلَى مَشَاهِدِ اَلتَّحَرُّشِ وَالتَّهَافُتِ عَلَيْهَا فِي وَسَطٍ لَا يَخْلُو مِنْ اَلْفَاتِنَاتِ، لِتَأْتِيَ بَعْضُ اَلْعِبَارَاتِ اَلَّتِي تَصِفُ تَدْرِيجِيًّا بَعْضًا مِنْ مَلَامِحِهَا، وَكَذَا اَلْحَال بِالنِّسْبَةِ لِبَاقِي اَلشُّخُوصِ. يَفْتَحَ شُحُّ اَلْوَصْفِ اَلْبَابِ لِتَسَاؤُلَاتٍ عَدِيدَةٍ حَوْلَ تَنَاقُضَاتٍ صَارِخَةٍ، كَجَهْلِنَا لِمَا يَجُولُ فِي خَاطِرِ اَلشَّخْصِيَّاتِ، فَسَلْبِيَّةُ “إِيلَا” لَا تَفْسِيرَ لَهَا، مِمَّا يُظْهِرُ اِرْتِبَاكًا فِي اَلِانْتِقَالِ بَيْنَ اَلْأَحْدَاثِ وَالْوَقَائِعِ.
لَمْ تَقِفْ كُلُّ هَذِهِ اَلْهنَاتِ اَلْمُسَجَّلَةِ عَلَى اَلْمُسْتَوَى اَلْفَنِّيِّ لِلرِّوَايَةِ فِي طَرِيقِ نَجَاحِهَا، إِذْ لَا يَقِفُ نَجَاح اَلْكَاتِبَةِ اَلْمُبْهِرِ حَدّ اَلْأَرْقَامِ وَالْأَرْبَاحِ، فَقَدْ أَيْقَظَ كَثِيرِينَ مِنْ سُبَاتِهِمْ وَأَخْرَجَ آخَرِينَ مِنْ بَوْتَقَتهَمْ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ جِنْسِ هَذِهِ اَلظَّاهِرَةِ اَلْأَدَبِيَّةِ اَلْإِلِكْتِرُونِيَّةِ اَلَّتِي حَقَّقَتْ نِسْبَة قِرَاءَةٍ لَمْ يَبْلُغْهَا أَشْهُر اَلْكتّابِ.
لَعَلَّ اَلسِّرَّ اَلْوَحِيدَ وَرَاءَ نَجَاحِ “رَهِينَةٍ” هُوَ مَوَاقِعَ اَلتَّوَاصُلِ اَلِاجْتِمَاعِيِّ اَلَّتِي تُسَاعِدُ فِي اَلِانْتِشَارِ اَلسَّرِيعِ لِلنُّصُوصِ فِي ظَاهِرَةٍ يُمْكِنُ وَصْفُهَا بِالْعَدْوَى اَلْإِلِكْتِرُونِيَّةِ، إِذْ تَفْتَحُ اَلْمَجَالَ لِلنَّشْرِ دُونَ شَرْطٍ أَوْ قَيْدٍ، وَهُوَ مَا اِسْتَقْطَبَ اَلشَّبَاب فَخَلَقُوا عَبْرهَا عَالمًا أَدَبِيًّا بِمَعَايِيرَ وَخَصَائِصَ جَدِيدَةٍ. يَكْتُبُونَ دُونُ تَكَلَّف بِلُغَةٍ تَتَضَمَّنُ اَلْمُفْرَدَات وَالْعِبَارَات اَلْعَامِّيَّة، وَدُونُ اِعْتِبَارٍ لِفَنِّيَّاتِ اَلْكِتَابَةِ وَخَارِجِ اَلْأُطُرِ اَلَّتِي تُحَدِّدُهَا عَادَةً اَلْأَجْنَاس اَلْأَدَبِيَّة. وَرغْم اَلنَّقْدِ اَللَّاذِعِ اَلَّذِي لَاقَتْهُ اَلرِّوَايَةُ إِلَّا أَنَّهَا تحمِلَ جُمْلَةً مِنْ اَلْقِيَمِ اَلْإِنْسَانِيَّةِ كَالْإِخْلَاصِ وَالْوَفَاءِ وَالْعَطْفِ وَالرَّأْفَةِ، كَمَا تُجرّمُ الاغتصاب وتُدِينُ، فِي شُخُوصٍ عَدِيدَةٍ، بَشَاعَة مَا يُعَارِضُ هَذِهِ اَلْخِصَالِ مِنْ غَدْرٍ وَخِيَانَةٍ وَاسْتِغْلَالٍ، وَمَعَانٍ فَلْسَفِيَّةٌ عَمِيقَةٌ تَتَنَاوَلُ جَوْهَرَ اَلْإِنْسَانِ فِي إِطَارِ اَلْخَيْرِ وَالشَّرِّ مُحَاولَة جَمْع اَلتَّنَاقُضَاتِ.