الثلاثاء 3 ديسمبر 2024 الموافق لـ 1 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

الروائي والشاعر الفلسطيني إبراهيم نصر الله للنصر

«الملهاة الفلسطينية» مشروع يقول إنّنا لم نزل على قيد الحياة مثل أي شعب آخر

يتولى الروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله، كتابة فلسطين بشرا وأثرا في بانوراما ضخمة، تستعيد الذات الفلسطينية وتحفظها في لوحٍ غير قابلٍ للنّهب. لكأنّه أدرك من البداية أن الأمم، هي في نهاية المطاف، رواية تُروى فقدم سرديّته  التي اختار الملهاة عنوانا لها، في سخرية مريرة، ولأنّ الملهاة، كما يقول، باستطاعتها، أن تستوعب المأساة داخلها وتظل الحياة مستمرة. مؤكداً بهذا الصدد، أنّ مشروع «الملهاة الفلسطينية» برمته سعيٌ لكي يقول إنّنا لم نزل على قيد الحياة، مثل أي شعب آخر في هذه الأرض، ورغم كلّ ما يحيط بنا. وأنّ بقاءنا حتّى الآن هو الحقيقة واليقين. كما اِعتبر مشروع «الشرفات» الّذي ضمّ خمس روايات لكلّ منها اِستقلالها التام عن الروايات الأخرى، بمشروع التمرد على كلّ شيء كتبه قبلها، مُعتبراً إياه خروجًا على كلّ الأشكال التقليدية الحداثية وما بعد الحداثية، دون أن يعني ذلك الاِنقطاع التام عن جوهر مشروعه الروائي.
لأنّه -حسب قوله- حاول أن يقدم في كلّ رواية شيئًا مُختلفًا.

حـوار: نـوّارة لـحـرش

و يعتبر إبراهيم نصر الله، من الكُتّاب القلائل الذين اِشتغلوا على القضية الفلسطينية بهذا الشكل الملحمي، حيثُ أنجز عددًا من الروايات التي تتناول فلسطين والقضية، من «براري الحُمّى» روايته الأولى، التي تم اِختيارها قبل أربع سنوات كواحدة من أهم خمس روايات تُرجمت للدنماركية، إلى تجربة «الملهاة الفلسطينية»، وهي أوّل مشروع سردي ضخم يحكي عن التاريخ الفلسطيني من أيام الحكم العثماني إلى غاية اليوم. ويتأمل القضية الفلسطينية على مدى 250 عاما ويشتغل عليها أدبياً، ضم ثمانية روايات. إلى جانب مشروعه الآخر «الشرفات» الموازي لمشروع «الملهاة الفلسطينية»، وهو أيضاً ملحمة روائية تاريخية.
اُختيرت روايته «براري الحُمّى» من قبل صحيفة الغارديان البريطانية كواحدة من أهم عشر روايات كتبها عرب أو أجانب عن العالم العربي. نصر الله إلى جانب الكتابة، هو رسام ومصور، وقد أقام أربعة معارض فردية في التصوير.
نتطلّع إلى أن نبقى في جوهر الحياة لا خارجها
مشروعك الضخم المعروف باِسم «الملهاة الفلسطينية». يعتبر من المشاريع الروائية الملحمية اللافتة والمهمة في المشهد السردي العربي. كيف جاءت فكرة كتابة روايات الملهاة الفلسطينية؟ وما الّذي يمكن أن تقوله في هذا التصنيف (روايات الملهاة)؟ أيضاً أليست الملهاة هي أبجدية متأصلة من أبجدية المأساة؟
rإبراهيم نصر الله: كنتُ أفكر حين شرعتُ عام 1985 بالإعداد والعمل، أنّني سأكتب رواية فلسطينية ضخمة، عن روح الفترة من عام 1917 حتّى عام النكبة، ولم يكن في ذهني أن أنجز مشروعاً روائيًا مُكونًا من عِدة روايات، لكن أفضل ما يحدث في الكتابة أنّ الأمور لا تسير حسبما نُخطط لها، وهكذا بدأ مشروع الملهاة بالتبلور، فصدر منه خمس روايات قبل أن أكتب الرواية التي كان من المُفترض أن تكون الرواية الأولى. وفي ظني أنّ هذا المشروع كان بحاجة لهذه الرواية بالذات، لأنّها الأساس والعمود الفقري للمشروع كله، ولكن بدل أن أبدأ من عام 1917 بدأتُ من نهايات القرن التاسع عشر وهذا أتاح لي بذلك أن أُطل على روح الشعب الفلسطيني منذ ذلك الزمان وأتأملها أكثر فأكثر.
اخترتُ فكرة الملهاة لأنّ المأساة محكومة بنهايتها المروّعة
اِخترتُ فكرة الملهاة لأنّ المأساة محكومة بنهايتها المروعة، ولذا أحسستُ أنّ كلمة الملهاة هي الأدق هنا، وحين رجعت إلى ظلالها القاموسية تبين لي أنّها الاِختيار الأدق. فهنا في هذه الروايات، نموت ونحيا، ونعشق ونُهجَر، ونضحك ونبكي، بمعنى أنّنا نعيش، ونتطلع إلى أن نبقى في جوهر الحياة لا خارجها. المأساة هي خروج من كلّ شيء، أمّا هنا فالأمر مختلف. إذ باِستطاعة الملهاة أن تستوعب المأساة داخلها وتظل الحياة مستمرة.
هل يعني هذا أننا في الملهاة نعيش ونبقى على قيد كلّ المُمكنات، لكن بالموازاة في المأساة لا نعيش ونبقى خارج كلّ المُمكنات؟
-  أظن أننا في المأساة ننتهي، وفي الملهاة نتوالد، وهذا هو الفرق الكبير. في المأساة، كاِصطلاح هناك الصراع بين أُناس عظام يشبهون الآلهة أو أنصاف آلهة، ولذا لا يكون هناك سوى الموت في النهاية، أي أنّ المأساة محكومة بالحائط الّذي يسد الطريق، أمّا الملهاة فهي صراع البشر، والغلبة لا تكون لمن تقف الآلهة القديمة معهم، بل لمن يستطيعون القبض على مصيرهم كما يقبضون على الجمرة، والرواية بشكلٍ عام ولدت لتلبي نداءات وأشواق البشر لا رغبات الآلهة.
بقاؤنا حتّى الآن هو الحقيقة واليقين
هل الملهاة دوماً تفضي إلى مأساة يقينية أو حقيقيّة، أم تبقى ملهاة وكفى؟
- لا شيء يفضي إلى اليقين، لكن سعينا البشري هو محاولتنا المُستمرة ألا ننتهي، أو ألا ننهزم إلى الأبد، المشروع برمته سعيٌ لكي أقول إنّنا لم نزل على قيد الحياة، مثل أي شعب آخر في هذه الأرض، ورغم كلّ ما يحيط بنا. بقاؤنا إذن حتّى الآن هو الحقيقة واليقين.
مشروعك الروائي (الشرفات). هل هو ربيب مشروع الملهاة؟ خاصةً وأنّهُ صدر في موازاة مشروع «الملهاة الفلسطينية» التاريخي الملحمي؟
- مشروع (الشرفات) هو مشروعٌ مُغاير تماماً لمشروع «الملهاة الفلسطينية»، وكنتُ أفكر بكتابته بعد رواية (زمن الخيول البيضاء)، لكن الرواية الأولى (شرفة الهذيان) لم تنتظر، وهكذا ولدت، كان مشروع الشرفات حسبما خططتُ له هو خروجي على كلّ الأشكال التقليدية الحداثية وما بعد الحداثية، وقد أحدثت الرواية صدى كبيراً، يُشبه ما فعلته «براري الحمى». وإذا ما كان هنالك وصفٌ لمشروع «الشرفات» الّذي ضم  خمس روايات لكلّ منها اِستقلالها التام عن الروايات الأخرى، فهو التمرد على كلّ شيء كتبته قبلها، هو سخرية من فن الرواية بتقديم رواية مختلفة تمامًا، دون أن يعني ذلك الاِنقطاع التام عن جوهر مشروعي الروائي. لأنّني حاولتُ أن أُقدم في كلّ رواية شيئًا مُختلفًا، وما حدث مثلاً في (زمن الخيول البيضاء) لم يكن قد حدث قبلها على صعيد الشكل الروائي.
بالمناسبة، «براري الحُمّى» صنفها النقد العربي كرواية حديثة وصنفها النقد الغربي كرواية ما بعد حداثية. ما رأيك في هذا التصنيف؟
- أنتِ تعرفين، آخر ما يفكر فيه الكاتب هو تصنيف روايته، بالنسبة لي كنتُ كتبتُ الرواية كما أفهم الرواية، واخترتُ الشكل المُناسب لتلك الحالة التي تتحدث عنها الرواية، أمّا بعد ذلك فيغدو النص جزءا من ذاكرة النقد والقارئ، أو لا يصبح. ما يهمني في «براري الحُمّى» قدرتها على أن تعيش، فبعد سنوات من كتابتها لم تزل تشغل النقاد في العالم العربي وفي اللغات التي تترجم إليها. بمعنى أنّها رواية أختُبِرَت بالزمن، ولم تزل حية وفاعلة. وهذا هو المهم بالنسبة لأي كاتب. فأسوأ ما يحدث أن يموت النص بعد مولده مباشرة.
ماذا تقترح من خلال رواياتك للحياة وللنّاس وللمستقبل، وهل يمكن أن تكون الروايات/أو للروايات اِقتراحات؟
- الروايات والشِّعر لا يمكن أن تكون خطة عمل، إنّها رؤاي الخاصة التي آمل أن يلتقي معها وفيها أكبر عدد مُمكن من البشر، ثمّ من العبث اِختصار كلّ ما كتبته في جملة تدَّعي أنّها مفيدة. كلّ الجُمل المفيدة فارغة إذا ما كانت منقطعة عن تحقّقها في البشر، فالشرف لا يعني شيئًا إلاّ حين نكون شرفاء، وكذلك الشجاعة والحبّ، ما الّذي يمكن أن يعنيه معنى كلمة (حبّ) فعلاً، لشخص لم يحب أبداً. وكذلك الروايات والقصائد التي نكتب، لا تكون روايات وقصائد إلاّ لمن يعيشها، وحين يعيشها سيشتق أشياء أكثر اِتساعاً، ربّما، من الروايات نفسها.
وهل عشتَ حقًا حياتك وبعض تفاصيلها في (زمن الخيول البيضاء) كما يجب أو كما كنت تحب وتحلم؟
- أن تحضِّر لعمل مدة 22 عاماً، يعني أن تُصبح جزءاً من عالمه تمامًا، يعني أنّك تتعامل مع البشر كما لو أنّك تعيش معهم، والمكان، كما لو أنّك تعيش فيه، وهذا ما حدث، يعني أنّ باِستطاعتي القول إنّني عشتُ ستين عاماً أخرى، هي زمن الرواية الفعلي، ويمكن أن أُضيفها إلى عمري دون تردّد. ولذا يُمكنني الآن أن أكتب عن تلك الفترة من جديد دون شهادات ودون مراجع كما حدث في هذه الرواية، يمكنني أن أكتب الآن بسهولة عن الحياة في «يافا» أو «حيفا» كما يمكنني الكتابة عن قُرى فلسطينية أخرى تمّ محوها، وأظن أني سأعود لتلك الأجواء في رواية حبّ، رغم أنّ (زمن الخيول البيضاء) قصة حبّ أيضا، ولكن في إطار الصراع الكبير على فلسطين في ذلك الزمان.

حين تندغم في تلك الحياة تكتب ضمن منطق ذلك الزمان. بل هناك في الرواية مستويان مختلفان، فالقسم الّذي يدور في ظلال الحكم التركي غير القسمين الآخرين، إيقاعًا ومذاقًا. لكنّي ذهبتُ إلى هناك لأعرف أيضاً كيف ضاعت فلسطين، ولأعيش ذلك. كنتُ أعرف، ويعرف الجميع أنّ فلسطين ضاعت، لكني حين كنتُ أكتب كنتُ أحس بأنها ستضيع، وهذا أمر مرعب. أن تعرف بموت البطل مثلاً منذ البداية، لكنك كلما اقتربت من النهاية أصابك الفزع لأنّ كلّ الشروط التي حوله تقول إنه سيموت. هكذا كتبت الرواية. كما لو أنني لستُ الراوي العليم!
لا توجد كتابة خارج الحياة
من الطبيعي أن يتحوّل أي اِتجاه إلى كلاسيكية جديدة وهذا أمر جيد ولكن السيئ أن يتحوّل إلى تقليدية
قلتَ في وقتٍ سابق: «الحداثة تحوّلت إلى تقليدية جديدة» لماذا برأيك تحوّلت إلى هذا، أو لماذا آلت إلى هكذا مسار؟
- من الطبيعي أن يتحوّل أي اِتجاه إلى كلاسيكية جديدة، حين يستقر، وهذا أمر جيد، ولكن السيئ أن يتحول إلى تقليدية، أي إلى ثبات، وهذا ما يحدث في المراوحة الفارغة لآلاف النصوص التي تملأ الصحف كلّ يوم، التي تدّعي الحداثة شكلاً وهي مُفرغة من كلّ شيء، من المشروع الإنساني والفني في آن. أظن أنّ النقد ساهم في تفاقم هذه الظاهرة كثيراً، بسبب تعاميه عن أفضل الحالات التي تنتج وتبنيه لكثير من حالات الخواء التي لا يتوقف تدفقها. بمعنى أننا نفتقد المعايير، وحين تُفتَقد المعايير لا تكون إلاّ الفوضى.
النقد يقف أحيانا خارج وخلف التجديد الفعلي
هل يعني هذا أنّ النقد العربي في غالبه يكرس التقليدية ويمجدها عن وعي أو عن غير وعي؟ وهل للمبدع هنا من دورٍ يقوم به؟ ألا يمكنه أن يُنبه للأمر أو يُشير إليه؟
- بالتأكيد هناك نقدٌ كبير ناصر الجديد ووقف معه، من يستطيع أن ينسى شجاعة ناقد كبير مثل الدكتور إحسان عباس الّذي وقف مع حركة التجديد وناصرها في بداياتها حين كتب عن عبد الوهاب البياتي والشِّعر الحديث وبعد ذلك عن السياب. كما أنّ هناك نقاد لا يقلون عنه شجاعة اليوم، ولكنهم قلة في اعتقادي وليسوا تياراً.
ولكن ما أعنيه أنّ النقد يقف أحيانًا خارج وخلف التجديد الفعلي، إذ يحتفي بما استقر ويكتفي بهذا. ما زال هنالك نقاد يتحدثون عن اِختلاط الأزمنة وتيار الوعي والسرد غير الأفقي باِعتباره فتحًا مُبيناً لهذا الكاتب أو ذاك، ولكن هذه الأمور موجودة منذ أكثر من مئة عام، أي أنّها أصبحت كلاسيكية لفرط ما استقرت.
أمّا عن دور المبدع فهو ذو شقين: الأوّل هو قدرته على اِقتراح كتابة مُغايرة فعلاً تُضيف لهذه الكلاسيكية الجديدة، وهذا الدور إبداعي وتنظيري في آن، لأنّ النص المُختلف حين يوجد يكون اقتراحاً نظرياً أيضا، أو يحمل هذا الاِقتراح في ذاته، أمّا الشق الثاني فهو في الكتابة حول ذلك من خلال الكُتُب أو الشهادات أو المقابلات الصحفية، وما إلى ذلك.
تُرجمت أعمالك إلى الكثير من اللغات. هناك من يرى بأنّ بعض النصوص لا تجد لها صدى أو مناخًا جيداً في لغتها الأم لكن حين تُترجم تجد صدى أوسع ومناخاً أكثـر؟
-  بشكلٍ عام لم يزل الاِنتشار محدوداً، عربياً وعالمياً، لا توجد رواية عربية يمكن أن توزع حين تُترجم، مثل رواية لهاروكي موركامي الياباني أو خالد الحسيني الأفغاني الّذي يكتب مباشرةً بالإنجليزية.
ماذا تقول في الأخير؟
-  أشكرك على هذه الأسئلة التي فتحت أبوابا جديدة لي، نحو داخلي، ومساحات أخرى للتأمل. هو حوار متعوب على أسئلته وأجوبته وقد كنت مرتاحا له وفيه.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com