تؤكد الكاتبة العراقية سارة الصراف أنها فضلت الإبداع الأدبي على العمل الإعلامي، حتى وإن لم تنكر دور الإعلام في خدمة الكتابة الأدبية، بتمكين الكاتب من الممارسة اليومية وتدريبه على التفكير الممنهج، فضلا عن وضعه في قلب أحداث قابلة للاستثمار الفني، صاحبة رواية "سمعت كل شيء" التي وصلت إلى القائمة الطويلة للبوكر كشفت بأنها بصدد العمل على ثلاثية، هي ثلاثية العراق، عراق الحروب التي فتحت عينيها عليها.
حاورتها / إيمان زياري
سارة الصراف،كاتبة،إعلامية،روائية وناشطة إعلامية عراقية، ربما يرغب القارئ الجزائري بالتعرف عليك أكثـر.فما الذي يمكنك قوله؟
أحب لقب روائية وأقدمه على الصفات الأخرى، ربما لأنه مرتبط بعالم واسع جدا يفتح الأبواب أمام عوالم وقصص وتجارب أوسع رغم أني بدأت مسيرتي كصحفية في قسم الأخبار بقناة العراق الفضائية سنة 1997 ومنها تعلمت وتأسست تجربتي الإعلامية التي اكتملت بالانتقال بالعمل كمحررة في تلفزيون CNBC ARABIA، ثم تدرجت خلال عقدين من الزمن حتى تسلمت منصب رئيسة التغطية الإخبارية لمدة سنتين، قبل أن أقرر التفرغ لعملي في مجال الكتابة.
نشأت في بيت علم وأدب خاصة وجدك العلامة العراقي الشهير أحمد سوسة، كيف ساهم ذلك في رسم سارة الصراف التي نعرفها اليوم؟
أنا مؤمنة أننا نكتسب عاداتنا وأطوارنا وأفكارنا من محيط الطفولة والبيئة التي احتضنتنا والأشخاص الذين كان لهم تأثير في حياتنا دون أن نشعر. هذا جميعه قد يطفو على السطح فجأة لتتغير الحياة أو تصحح مسارها لتستقر في الاتجاه الصحيح مدعومة بجذورنا التي كان لها فضل التأسيس.
وجود المكتبات في بيتي الجدين أحمد سوسة وأحمد حامد الصراف وانغماس الأهل في البحث والتأليف والكتابة، أثر في ربما حتى دون أن أدرك ذلك، ويبدو أني عدت إلى سرب العائلة بتأليف روايتي الأولى التي وضعتني على أول الطريق وكأنني أبدأ من جديد.
من الإعلام إلى الكتابة، كيف كانت الطريق؟
أعتقد أن الاثنين مرتبطين برباط القدرة على تطويع القلم وسلامة اللغة، لكنني أعتقد جازمة أن الكتابة الإبداعية هي فطرة وبذرة أولا لابد أن تتواجد في الإنسان قبل أن تنمى بالقراءة والتعلم، لهذا نرى كثيرا من الكتاب لغتهم سليمة وكتاباتهم وفيرة لكن تأثيرها بالقارئ ليس على نفس المستوى. بالنسبة لي كانت تلك البذرة موجودة منذ أن بدأت الانتقال من مرحلة الطفولة إلى الصبا، فبدأت بكتابة الخواطر والشعر الحر وكنت ألجأ إلى القلم لأحتمي به من الأحداث التي تمر في حياتي وتؤثر بي وتلك كانت البداية.
أما الإعلام، فهو تجربة حياتي التي استفدت منها في تقوية لغتي العربية والممارسة اليومية للكتابة، وربما ساعدتني أيضا على التفكير الممنهج وكيفية تنسيق الأحداث وبلورة الفكرة، والشخص الذي لا يخضع فكريا لأيدلوجيات معينة ولا يضعف أمام تأثيرات نفسية أو اجتماعية أو سياسية، يتعلم من الإعلام كيف تكون نظرته أوسع من الحدث نفسه ولا يترك قلمه ينغمس بكتابة حدث بقدر تحليله وتفسير أسبابه وأبعاده وهذا كله أيضا يفيد الكتابة الروائية.
"سمعت كل شيء" روايتك الأولى، ما الذي تحمله بين طياتها، وما الذي ترويه "عشتار" لتسافر بالقارئ إلى عوالم مختلفة؟
كتب الكثير من النقاد والكتاب والصحفيين عن "سمعت كل شيء"، لكن الوصف الأقرب لها من وجهة نظري ككاتبة هو "رحلة وعي"، لأن "عشتار" وهي شخصية رئيسية في الأحداث، وأيضا "الراوي العليم"، تلك الفتاة التي تتحدث عن أفكارها وتساؤلاتها خلال الانتقال من مرحلة الطفولة إلى الصبا، وتلك المرحلة العمرية التي نتعرض فيها جميعنا إلى صدمات قد ترسم مسار حيواتنا في الكبر.
القارئ يرافق "عشتار" على مدى ست سنوات، هو البعد الزمني للرواية فكأنما يشعر أنه هو "عشتار" والخلاصة أن جميعنا قد نكون "عشتار" في مرحلة معينة من حياتنا.
استغرقت مدة طويلة لإصدار روايتك الأولى. لماذا كل هذا الوقت ؟
14 عاما هو الزمن الذي استغرقته لكتابة الرواية، وربما السبب الأول هو أنني لم أكن متفرغة والكتابة الإبداعية تحتاج لطقس خاص لم يكن متاحا في السنوات الأولى من زمن كتابة الرواية، حيث كنت منشغلة بعملي الصحفي لساعات طوال وعائلتي وأطفالي، الذين كانوا يزاحمون وقت الكتابة وكانت الأولوية لهم بالتأكيد، أما السبب الثاني فهو أنني لم أكن أنوي أن تتحول تلك الصفحات التي كتبتها كي أخلق بيئة حبيبة لي فقدتها في سنوات الغربة إلى رواية، لكن صدقيني إن تلك الشخصيات التي يخلقها الكاتب هي التي تشجعه وتقوده إلى معايشتها والغوص في أطوارها النفسية وهي التي ترسم نهاياتها وهذا ما حدث.
أما العنوان فهو يمثل صلب الرواية، حيث كانت الراوية "عشتار" ترافق جدتها إلى بيوت المحلة أو الزقاق، فتستمع لأحاديث العجائز فتعرف الكثير قبل الأوان لتكبر ألف عام.
لماذا وقع اختيارك على الحرب كموضوع لروايتك؟
أنا أنتمي لجيل الحروب! تلك الحقبة التي مرت على تاريخ العراق وبدأت منذ أن كان عمري خمس سنوات في بداية الحرب العراقية الإيرانية، والتي امتدت لثماني سنوات، لحقتها أحداث أمنية وحروب واحتلال واضطرابات إلى يومنا هذا.
فتحت عيني على منظر الطائرات الحربية في سماء بغداد وأصوات الغارات ومواكب الشهداء واللافتات السوداء التي كانت تتوالد على جدران البيوت، لكنني لم أكتب عن الحرب بالرواية، بل كتبت عن تأثيرها على المجتمع العراقي من خلال عرض حياة الناس وشؤونهم وشجونهم.
ركزت أيضا على المرأة العراقية في هذا العمل من خلال شخصيات مختلفة. وكيف تنظرين إلى مكانة المرأة العراقية اليوم في ظل متغيرات داخلية وخارجية كثيرة؟
صحيح، لأن للمرأة في تلك الحقبة تحديدا لعبت الدور الرئيسي في يوميات المجتمع، فالنساء هن اللواتي تحملن مشقة تربية الأبناء في غياب الآباء وكان للمرأة في العراق خلال الثمانينات الحيز الأكبر اجتماعيا، فهي التي لعبت جميع الأدوار في الأسرة وخارج الأسرة وخدمت الوطن وقدمت التضحيات.
مكانة المرأة مقدرة في العراق، والعراق من أوائل دول المنطقة التي كانت المرأة تتمتع فيها بحرية يباركها ويحميها المجتمع والقانون وتتسع هذه الحرية في أزمان استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية وتنحسر بتوترها. المرأة العراقية هي ابنة الحضارة والمدنية، لكنها كما الرجل بالضبط، تتأثر بتأثر الوطن بالأحداث السيئة التي مرت عليه خلال العقود الأخيرة.
الكتابة هي العلاج الناجع
ما الذي تعنيه لك الكتابة؟
العلاج الناجع والذي يكاد يكون وحيدا من الوحدة والغربة والألم النفسي.
العراق بلاد الحضارة.هل أثرت الحرب على القراءة عند الفرد العراقي؟ وكيف يسعى أبناؤه للحفاظ على حضارة بلاد الرافدين في مواجهة متغيرات بالجملة؟
كيف لا والعراق بلد الحضارات التي توالدت على أرضه وملأتها فكرا وعلما ونورا، وعلمت العالم كل أنواع العلوم والآداب، هل تعتقدين أن شعبا عمره 7 آلاف سنة على الأقل يموت أو يتوقف عن القراءة؟ بل بالعكس من يقترب من شخصية الإنسان العراقي يتيقن أن هذا الشعب كطائر العنقاء، تتجدد حيواته ويتجدد معها عطاؤه وإنجازه.
العراق يشهد اليوم انتفاضة ثقافية على مختلف الأصعدة، وهي قد تكون ردا على سنوات الخوف والاضطرابات الأمنية التي عطلت عجلة التنمية للوطن وللشعب.
تنشطين اجتماعيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكثير من المواضيع التي تثيرينها تتعلق بالعراق وأنت ترافعين لأجله من بلد آخر.ما الدافع لذلك؟
أعتقد أن من واجبنا كعراقيين الوقوف مع بلدنا حتى يخرج من أزمته وليس الاكتفاء والتفرج من بعيد والانتظار حتى يتشافى، فكل الأوطان تتشافى بأبنائها وأول الطريق هو تعزيز الوعي بكل أشكاله، الوعي المجتمعي والوعي بالانتماء والمواطنة وهذا ما نحتاجه اليوم، وهو ما ينطبق أيضا على كل أوطاننا وليس فقط على العراق.
"سمعت كل شيء" وصلت للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية 2024. ما الذي يعني هذا بالنسبة لك؟
سعيدة بهذا الإنجاز وأعتبره اعترافا مهما بأهمية الرواية التي تقدم توثيقا حياديا لمرحلة مهمة ومفصلية من تاريخ العراق، وهي نظرة عن قرب على واقع المجتمع العراقي خلال سنوات الحرب.
ما الذي تضيفه الجوائز و التتويجات للكاتب العربي؟
تشجعه على إنتاج غزير ونوعية عالية من النص الأدبي.
الكتاب سيصمد في وجه التكنولوجيا
أي دور ومكانة للكاتب والكتاب في ظل تسارع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي؟
هذه أزمة عامة يعاني منها العالم كله، هجوم التكنولوجيا واجتياحها طال حياتنا بشكل مباشر وأخذ ينافس العائلة والإنجاز، ويسرق وقتنا ويؤثر كثيرا على عادات القراءة، لكن عالم الكتب أيضا يفرض نفسه بقوة خصوصا بالآونة الأخيرة من خلال ما ألاحظه من إقبال الشباب على معارض الكتاب والهجرة العكسية إلى عالم الكتاب ..دائما هناك أمل بالأفضل.
ماذا بعد "سمعت كل شيء"، هل من مشروع جديد لكاتبتنا؟
أنوي أن أبدأ بالجزء الثاني من "سمعت كل شيء" لأخطو نحو أن تصبح ثلاثية، فهناك الكثير مما يستحق الكتابة، و"عشتار" تلح علي لأفسح لها المجال مجددا لتروي..
هل سنرى تطور شخصيات الجزء الأول من الرواية في الجزئين المقبلين، أم ستظهر أخرى جديدة تغير مسار "سمعت كل شيء"؟
أكيد ستكون هناك شخصيات جديدة تدخل بحكم تقادم الزمن وأحداث جديدة، أنوي تناول حقبة التسعينيات، لأن هذه الفترة ما جرى فيها وكيفية تفاعل المجتمع مع الأحداث والتغيرات السياسية مهم للغاية، خاصة وأنها أثرت عليه كثيرا، ثم يمكن أن نلقي الضوء على زمن سنوات الـ2000.
إ ز