السبت 6 جويلية 2024 الموافق لـ 29 ذو الحجة 1445
Accueil Top Pub

المواطنــة بيـن الفعـل والقيمـة

تظل المُواطنة كفعل وقيمة وممارسة، فكرة ملتبسة تشغلُ المواطن والمجتمع بكل أطيافه وحساسياته، وهي الفكرة التي لها أكثر من خطاب وأكثر من مفهوم وأكثر من سياق، لكنها تصبُ في ذات المعنى وفي ذات الاِتجاه، وتتقاطع حولها وبشأنها الكثير من الآراء والمفاهيم والتصورات. ومع هذا تتكرر الكثير من الأسئلة بمناسبة وبغير مناسبة، عن مفهوم المُواطنة في مُمارساتها الاِجتماعية والإنسانية ومُعايشتها وتحدياتها، وعن قيمتها كفكر يتبلور من خلال مجموع التجارب التي تُطور وعي أفراد المجتمع، وعن مدى دور التنشئة في التأسيس لفكرة المواطنة. وعن سياقاتها في الحياة الاِجتماعية والسياسية والإنسانية. وعن ما إذا كانت قيم المُواطنة مخرجات سياسة أم مسألة تنشئة اِجتماعية؟

أعدت الملف: نـوّارة لحــرش

وهل المواطنة كما يقول الدكتور عبد الباقي بن مير: "ليست مجرّد ميزة أو مصطلح تظهر في الدساتير والنصوص واللوائح التنظيمية للدول، دون أن تتجسد ميدانياً وفي الممارسات العملية". وهل هي أيضا كما يقول الدكتور دحماني: "مُمارسة اِجتماعية وإنسانية شاملة ومتكاملة، وفق منظومة قانونية تستند للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومنسجمة مع التطلعات المجتمعية التواقة للرفاهية والسعادة الإنسانية، والعيش بسلام في كنف النظام الديمقراطي التعدّدي"؟.
حول هذا الشأن، "المُواطنة بين الفِعل والقيمة"، كان هذا الملف في عدد اليوم من "كراس الثقافة" مع مجموعة من الأساتذة والباحثين الأكاديميين (من مختلف الجامعات الجزائرية)، الذين تحدثوا عن هذه المسألة، وتناولوها من جوانب مختلفة، في محاولة لتسليط الضوء عليها وتشريح بعض شؤونها ومفاهيمها من وجهة نظر أكاديمية. وفي محاولة أيضا للإضاءة على هذا المصطلح، الّذي كثيراً ما يتم شرحه أو الحديث عنه بالكثير من المغالطات والاِلتباسات.

* الأستاذة والباحثة صورية منفوخ
المواطنة تستدعي وعي المواطنين وولائهم لسلطة القانون
تقول الدكتورة صورية منفوخ، باحثة وأستاذة متخصصة في التاريخ: "تشترط المُواطنة مجموعة من المبادئ التي ترهن وجودها، ومن بينها نجد أوّلاً المساواة والعدالة والتي تعني أن يكون جميع أفراد الشعب متساوون أمام القانون، ويتمتعون بنفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات في ظل تكافؤ الفرص، مِمّا يُتيح للجميع حرية الاِبتكار والإبداع والتطوّر، وبهذا تُعبد الطريق أمام الأكفاء لتقلد مناصب عُليا لتسيير الشأن العام في دولهم".
مشيرةً في ذات النقطة، إلى أنّ هناك مبدأ الولاء للدولة ويُعتبر أهم ركيزة تقوم عليها المواطنة، لأنّ كلّ مكونات المجتمع في ظل النظام الديمقراطي الحر تنصهر أمام سلطة الدولة التي يحملون جنسيتها مهما اِختلفت أعراقهم أو معتقداتهم.
وتواصل قائلة: "واِنطلاقًا من فكرة الولاء سنُبيّن العلاقة بين مُمارسة حق المواطنة وسيطرة النظام القبلي في دول العالم الثالث، حيثُ أنّه كلّما كان الولاء للنظام القبلي السائد في المجتمع كلّما اِستحال على أفراد المجتمعات مُمارسة حق المواطنة، فهم يفضلون التحكيم القبلي (ما يُعرف مثلاً بالجماعة) على حكم القانون في يومنا هذا، فعندما يكون الولاء لمؤسسات الدولة المدنية لا لنظام المجتمع القبلي يستطيع الأفراد أخذ حقوقهم ومُمارسة واجباتهم بكلّ سلاسة، وعلى العكس من ذلك فإلغاء سلطة الدولة يُكرس التخلف والرداءة في جميع المجالات بلا شك وتؤدي إلى قيام الصراعات حول المال والسلطة والمناصب.
في مقابل ذلك -تُضيف المُتحدثة- نجد المجتمعات المُتمدنة تنصهر في جميع مكونات المجتمع المختلفة رغم تعقيدها ورغم تنوعها، في ظل الولاء للدولة ومؤسساتها المدنية فوعي المواطنين بمسؤولياتهم تجاه وطنهم وولائهم لسلطة القانون يجعلهم أكثر اِنخراطاً في الشأن العام. فالقبيلة -كما تُوضح- لطالما اُستغلت من طرف القِوى الخارجية للتفريق بين أبناء البلد الواحد خدمةً لمصالحها، التي تطلب الحفاظ على الوضع القائم، لتكريس تبعية هذه الدول وذلك بإثارة النعرات القبلية والجهوية. وهُنا تُؤكد المتحدثة، أنّه لا يمكن أن تتجاوز شعوب دول العالم الثالث هذه الوضعية، إلاّ من خلال تجديد عقد اِجتماعي بين الحاكم والمحكوم، من خلاله يكون ولاء الأفراد لهذه السلطة وفي المقابل تضمن لهم الحقوق الأساسية المُتمثلة في العدل والمساواة والأمن، من هنا يتبلور فِكر المواطنة بمجموع التجارب التي تُطوِر وعي أفراد المجتمع الواحد، في ظل سلطة دولة القانون.ومن خلال ذلك التطوّر -حسب رأيها- يتحمل كلّ من المواطنين والمؤسسات المدنية المسؤولية كاملة لخدمة بلدانهم والمُساهمة في بنائها وتطورها، وبالتالي تحقيق الرفاه للجميع. فمشاريع التنمية تفشل فشلاً ذريعًا في الدول المُتخلفة بسبب عدم وجود وعي مجتمعي، يستطيع من خلاله أفراد المجتمع أن يُمارسوا وظيفة مواطن على أكمل وجه.

* الباحث والأستاذ عبد الباقي بن مير
بفضل المواطنة يتحوّل المواطن إلى دور الفاعل والمؤثر
يعتقد الأستاذ عبد الباقي بن مير، أنّ الاِهتمام بدراسة التركيبة الاِجتماعية للمجتمع الجزائري المُعاصر يعود إلى ما بعد اِستقلال البلاد، إلاّ أنّ تناول مكونات هذه البنية في علاقتها بالفِعل الديمقراطي برز جلياً منذ أحداث الخامس من أكتوبر 1988، تلك الأحداث التي تجسدت في ثورة شعبية عارمة.
مُضيفاً: "خلال سنة 2017 والثلاثي الأوّل لسنة 2018 شهدت عِدة قطاعات حركات اِجتماعية مُتكررة، على غرار قطاعات: التربية، الصحة، التعليم العالي، وحتى بعض القطاعات الحساسة لم تسلم من حركات اِحتجاجية، مطالبة ببعض الحقوق والمكاسب، البعض رأى في تزايد وتيرة الاِحتجاجات خللاً اِجتماعياً، ومساساً وتهديداً بأمن واستقرار البلاد من خلال إشاعة الفوضى. عكس من يعتقد بأنّها حالة صحيّة، ويقظة اِجتماعية تُميز علاقة الأفراد والدول، وجزءً من العملية السياسية وصورة من صور ممارسة الفرد للمواطنة".
هذه الأخيرة التي تُعبر عن علاقة الفرد والدولة، والتي تتضمن -حسب المتحدث- الخضوع للقوانين دون تمييز، ومشاركة الأفراد في تسيير شؤون بلدانهم في إطار ما تكفله تلك القوانين، وحتى المشاركة في الحُكم بما يُشعِر الأفراد بالاِنتماء للوطن.
والفرد خلال تلك العلاقة -كما يضيف المتحدث- يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه اِنتماؤه إلى الوطن، بحيث يلتزم الأوّل بالولاء والثاني بالحماية. فالمواطنة بذلك الشكل ليست مجرّد ميزة أو مصطلح تظهر في الدساتير والنصوص واللوائح التنظيمية للدول، دون أن تتجسد ميدانياً وفي الممارسات العملية.
إذ لابدّ -حسب رأيه- أن تنعكس في المساعدة على صياغة وصنع القرار، والمساهمة في اِقتراح بدائل وحلول لبعض المشكلات المجتمعية تماشياً ومتطلبات الديمقراطية التشاركية. ففي الدول المُتقدمة والمجتمعات الديمقراطية يتحوّل المواطن إلى دور الفاعل والمُؤثر في القرارات ورسم السياسات العامة، بالضغوط المُمارسة من خلال ممارسته لمواطنته، بدل كونه مُتلقي وقابل لتنفيذ أي قرار كان.
وفي هذا المعطى، أضاف موضحاً: "وبمّا أنّ الحركات الاِجتماعية تهدف إلى وضع الجهات الإدارية والحكومية في الصورة، من خلال نقل المعلومات بشأن القضايا والمشكلات للجهات الإدارية والحكومية، فإنّ الأمر يعدُ صحياً".
واختتمَ بقوله: "ومن منطلق أنّ حرية التعبير، والمشاركة في الأحزاب السياسية والجمعيات. من أهم الحريات التي تكفلها القوانين في الجزائر، وبما أنّ المواطنة تُشيرُ إلى الحقوق التي تكفلها الدولة لمن يحمل جنسيتها، وتُتيحُ تفاعل الأفراد مع محيطهم الاِجتماعي ومع السلطة كذلك. فإنّه يمكن القول بأنّ الحركات الاِجتماعية تمثلُ حالة صحية لاِنتماء الأفراد بالأوطان".

* الكاتب وأستاذ العلوم السياسية نبيل دحماني
قيمة رفيعة في حياة الأفراد وبها يتحدّد تطور الدول
يرى الدكتور نبيل دحماني أنّ المُواطنة تُمثل قيمة جليلة ودرجة رفيعة في حياة الأفراد والمجتمعات والدول الديمقراطية والليبرالية الراسخة، فبها يتحدّد تطور دولة ما في مجال الحقوق والتنمية ومُمارسة شؤون الحُكم.
وأضاف قائلاً: "ورغم قِدم المفهوم وتجذره تاريخيًا منذ فجر التاريخ غير أنّ لممارساتها (المواطنة) تباينات كثيرة من حيث إلحاقها بمتغيرات الجنسية أو الاِنتماء أو العِرق أو الجندر، فقد ألحقت في الحضارة اليونانية القديمة بالرجال الأحرار والجنود والتُجار دون غيرهم من النساء والعبيد والأجانب، رغم الإدعاء بديمقراطية الحياة الأثينية تحديداً، وانحصرت في الحضارة الرومانية عند حدود مدينة روما عاصمة الإمبراطورية مُجسدة في عِرق دون غيره من سكان روما الأصليين، غير أنّها في الحضارة العربية الإسلامية عرفت توسعًا حيثُ شملت كلّ سُكان الإمبراطورية العربيّة الإسلاميّة في ظل الحكم الثيوقراطي".
وهنا أردفَ مُوضحاً: "في وقتنا الحاضر تُقاس مدى فعالية الحُكم ونجاحه، بمدى تجسد فكرة المُواطنة في المُمارسة اليومية والروتينية للحياة العامة في المجتمعات الغربية وغير الغربية، من خلال علاقة الفرد بالدولة ومؤسساتها، وفق ما تحدّده دساتير وقوانين الدول، من حقوق وواجبات يلتزم الأفراد والجماعات بها داخل الدولة الواحدة، وهي ضمنياً تدل على درجة الحرية مع ما يُصاحبها من اِلتزامات مادية أو معنوية أو رمزية".
وحتى تتحقّق هذه المُواطنة -حسب رأيه- جدير بالقانون أن يُؤكد على معاملة الأفراد من طرف مؤسسات الدولة على قدر من المساواة والعدالة والإنصاف، بصرف النظر عن الاِنتماءات الثانوية طبقية كانت أو ثقافية أو عرقية أو حتى جندرية (النوع الاِجتماعي). بالشكل الّذي يصونُ كرامة الفرد واحترامه وتبجيله وتحريره من الحاجة والفاقة والقهر والاِستغلال.
مع ضمان -يُضيف المتحدث- حرية الفعل والفكر والمشاركة في الحياة العامة بمجرّد اِكتسابه جنسية البلد المقيم فيه، من خلال حقه في التصويت والاِنتخاب والترشح لتولي المناصب العُليا، جنباً إلى جنب مع باقي الحقوق الأساسية كالحق في الحياة والعمل والسكن والتعليم والصحة والغذاء والأمن...الخ".
من هنا، يقول الدكتور دحماني، تبرز لنا المواطنة من حيثُ كونها مُمارسة اِجتماعية وإنسانية شاملة ومتكاملة، وفق منظومة قانونية تستند للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومنسجمة مع التطلعات المجتمعية التواقة للرفاهية والسعادة الإنسانية، والعيش بسلام في كنف النظام الديمقراطي التعدّدي الليبرالي المدني.
غيرَ أنّ تعزيز هذه المنظومة (منظومة المواطنة) -حسب رأيه- لا يتأكد إلاّ بتوافر مجموعة من الشروط الجوهرية للحياة الكريمة والسعيدة للفرد في علاقته بدولته من جهة، وفي علاقته بتطلعات المجتمع الّذي ينتمي إليه.
حيثُ تُشيرُ -حسب ما أورد- الكثير من الدراسات الاِجتماعية والسياسية المُعاصرة إلى أنّ المواطنة الحقة في مجتمعٍ ما لا تتحقّق دون عوامل ثلاثة أساسية هي: الدولة المدنية ذات النظام الديمقراطي: في ظل هذا النظام تنحل القيم التقليدية التي تسود المجتمع وتحل محلها القيم الجديدة الموضوعية والرشيدة، البعيدة عن اللاهوت والخرافة والشعوذة، والبعيدة عن الحكم التقليدي الوراثي والحكم التسلطي . فالدولة الديمقراطية المدنية -يضيف- هي دولة المؤسسات تقوم على القانون الوضعي الّذي لا يستند إلى أي تميز كان.
ويستطرد في هذا السياق قائلاً: "أيضاً المشاركة في اِنتقاء السياسات واتخاذ القرارات والحق في التمثيل داخل البناء المؤسساتي المُشرعن دستورياً وأخلاقياً وشعبياً، من خلال منح الفرد الحرية التّامة في اِختيار من يمثله، أو في الترشح، أو في التعبير عن أرائه وأفكاره ومعتقداته" . أيضا -كما يؤكد- الاِحتكام للقانون الّذي هو فوق الجميع، من خلال العدالة والإنصاف والمساواة في الحظوظ والفُرص، والاِلتزام باِحترام القواعد القانونية المُنظمة للعلاقات بين الأفراد وبين الأفراد والدولة، من خلال قضاء مستقل وفاعل.
فالقانون -يُضيف المُتحدث- هو الضمانة الأساسية في اِحترام حقوق الإنسان وقيم المُواطنة من خلال صون الحريات العامة والخاصة، والحقوق المدنية والسياسية والاِجتماعية والاِقتصادية والثّقافية وحتى البيئية المرتبطة بالغذاء المناسب والمياه والهواء النقي، ناهيك عن حماية الفئات الهشّة داخل المجتمع كالنساء والأطفال والمسنين، يُضاف إلى ذلك صيانة الصحة الإنجابية والسلامة الجسدية والنفسية.
وفق هذه المعايير الثلاثة تتحدّد -حسب رأيه- مدى فعالية المُواطنة كممارسة يوميّة روتينيّة، وحالات مفردة تدفع بالأفراد إلى الاِلتفاف حول الوطن للدفاع عنه، أو للتجند من أجل اِزدهاره ورخائه ومنع الشر عنه، أو تدفع بالدول إلى تحريك أساطيلها وقواتها التدميرية لحماية مواطنيها داخل أراضيها أو خارجها. وهو ما يبرز -حسب ما خلص إلى قوله- خطورة هذا المفهوم وتعقده في وقتنا الحاضر إذ لم يعد الشغل الشاغل لفقهاء القانون الدستوري وعُلماء الاِجتماع والسياسة فقط ولكنّه أصبح من موضوعات الساعة لدى المؤسسات المحلية والدولية والعالمية، كلّ جهة تتناوله من الزاويّة التي تشتغل فيها.

* الأستاذ والباحث سمير قط
الديمقراطية شرطٌ ضروريٌ لضمان ممارسة المواطنة
يؤكد الأستاذ والأكاديمي الدكتور سمير قط أن: "المواطنة بمعناها العام كرابطة تحكم المواطن بدولته ليس على أساس العصبية، ولا يتم التفريق بين المواطنين على أساس الدين أو العِرق أو الطائفة أو الجنس، وإنّما على أساس الجنسية بدايةً وعلى اِعتبار الحقوق والواجبات تجاه الوطن، بالتالي، فالديمقراطية شرطٌ ضروريٌ لضمان مُمارسة المواطنة".
وفي ذات السياق واصل قائلاً: "المُواطنة تضمن للأفراد المُشاركة الكاملة في الشأن العام للدولة التي ينتمون إليها، وفق هذه الرابطة القانونية القائمة على أداء الواجبات واكتساب الحقوق. وهي لا تعني القفز على الواقع الموضوعي أي لتباين التركيبة الثّقافيّة والاِجتماعية والسياسية للدول العربية، أي أنّها لا تُمارس تزييفًا للواقع، بل تتعامل مع هذا الواقع المُتعدّد وتعمل على فتح المجال أمام الحريات. فالأمن والاِستقرار والتحديث والإصلاح مرهون بوجود مُواطنة متساوية مُصانة بنظام وقانون يحول دون المساس بها".
ثم أردف: "مبدأ المواطنة في الدول العربية يجب أن يحظى بالأولوية على سائر الحقوق السياسيّة، كونها بمثابة الاِسمنت المُسلح الّذي يضمن إمكانات النضال السياسي السلمي لاِنتزاع الحقوق الاِقتصادية والاِجتماعية والبيئية... وإدارة التناقضات والاِختلافات بشكل ديمقراطي، فهذا المبدأ (المواطنة) يُشرعن العمل الجماعي المدني الحزبي والجمعياتي والنقابي وتوظيف الإعلام المستقل".
إذن، و-حسب رأي ذات المُتحدث- لا يُمكن تكريس قيم المُواطنة إلاّ في كنف الديمقراطية. ففي نظام ديمقراطي يُمكننا الحديث عن ترقية ثقافة مواطنية في الدول العربية والتي تشترط اِعتبارين أساسيين وهما، أوّلاً: المشاركة السياسية ويكون ذلك في العملية الديمقراطية، والتي تمنح المواطنين الفرصة في المشاركة وفي التعبير عن إرادتهم والمساواة في الاِنتخاب، وأن يتوفر للمواطن الحق في المعلومة بشكل يسمح له بالاِنخراط في عمليات اِتخاذ القرارات المُتعلقة بالشأن العام. وثانيًا، المساواة بين المواطنين، وهو شرطٌ أساسي لتحقيق مشاركة فعّالة.
واختتم قائلاً: "من الضروري تحقيق المساواة التّامة بين المواطنين، فكما أسلفنا أنّ المواطنة بصفتها رابطة قانونية وسياسية وأخلاقية تحتم أن يكون الاِنتماء على أساس الجنسية والحقوق والواجبات وليس لاِعتبارات أخرى ذاتية".

* الباحث محمّد المهدي شنين
قيم المواطنة ليست مخرجات سياسة حكومية بل مسألة تنشئة
يقول الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور محمّد المهدي شنين، إن: "المُواطنة علاقة تعاقدية ذات اِتجاهات عِدة، تستلزم (حقوقا) وتفرض (واجبات) تجاه الوطن أو الدولة أو المجتمع، تقوم المواطنة على فكرة الاِنتماء، وهي حالة شعورية تجعل الفرد المواطن يستشعر أنّه جزء من المنظومة التي ينتمي إليها، وأنّ حقوقه مكفولة، وواجباته ضرورة لاِستمرار هذا الكيان التعاقدي".
مُضيفاً: "إنّ فكرة الاِنتماء هي جوهر الفِعل المواطني، والّذي ينعكس على سلوك الأفراد في تفاعلاتهم مع المجتمع ومع الدولة، في المُقابل فإنّ غياب المواطنة كسياسة وإستراتيجية للدولة والحكومات تكسر روح الاِنتماء للأفراد، وتفرز ما يُسمى بـ(الإنسان اللا منتمي) لا يستشعر قدسية الأوطان، بفعل ممارسات الإقصاء والتمييز المختلفة فكريًا وطائفيًا وجهويًا وعرقيًا، وحتى اِقتصاديًا بفعل اِحتكار الثروة وتعميق التمايزات في المستوى المعيشي".
مُؤكداً في هذا الصدد أنّ اِهتزاز قيمة المواطنة كفكرة وكمُمارسة، تعمل على فك اِرتباط الفرد بالدولة، وارتداده للاِنتماءات الفرعية، والاِحتماء بها باِعتبارها أيضا حالة شعورية، وربّما تُقدم له اِمتيازات أكبر مقابل اِلتزاماته تجاهها، حيث أنّ الاِنكفاء للهويات الجزئية مُؤشرٌ بالغ الأهمية على ضعف روابط المواطنة، وعجزها عن صهر المكونات السيسيولوجية في بوتقة الوطن، وجعل الاِنتماء الأساسي للدولة.
ذات المُتحدث، أضاف قائلاً: "اِعتبار المواطنة مُمارسة ونشاطاً في فضاءات الدول، فرض إعادة التفكير في مسألة الوطن، وطرح مفهوم المواطنة المكتسبة بالتجنيس أو الهجرة أو اللجوء، وهي رغم أنّها رابطة قانونية، إلاّ أنّها قدمت اِمتيازات لأفرادها، فقدوها في أوطانهم الأصلية، فالمواطنة المكتسبة هي نتاج لنظام ينبني على فكرة التشاركية في السلطة والثروة، من خلال سياسات عملية، عوض السرديات الخطابية التي يكذبها الواقع".
وفي المُقابل يرى، أنّ قيم المُواطنة ليست مخرجات سياسة حكومية فقط، بل تمتدّ لتكون مسألة تنشئة اِجتماعية، اِنطلاقاً من الأسرة والمدرسة والمجامع، بِمَا يغرسه من أفكار عن الآخر الشريك في الوطن، وبما يزرعه من قيم تعايش، واِلتزام بالواجبات تجاه الوطن والمكونات المجتمعية.
مُوضحاً أنّ مسألة التنشئة هي التي تُؤسس لفكرة المواطنة، اِستناداً لمشروع دولة الجميع، الّذي يُفترض أن تنتهجه الحكومات من خلال النصوص القانونية والمُمارسات الفعلية، في المقابل فإنّ فشل المواطنية سيدفع نحو ثنائيات حادة، تكون عبئاً على الوحدة الوطنية، مثل الثنائيات الطائفية والعرقية والجهوية والطبقية والمناطقية..إلخ أي الذات الهوياتية مُقابل الآخر.
هذه الثنائيات -كما خلص في الأخير- إذا اِحتدت وتغذت من حالة الاِنكفاء الهوياتي، ستُعمِق الاِنقسامات العمودية، وتُفعِل الشقاقات المجتمعية، وتشيع الحقد الجهوي والطبقي، بفعل مُمارسات التمييز، وبناءً عليه فالمواطنة ضمانة للأمن وللوحدة الوطنية، تُؤسس لحقوق المواطنين، بدلاً من المكرمات في نظام الرعايا، وتعتمد على الحق التعاقدي، المُستند لروح الشراكة بدل سطوة الاِحتكار.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com