الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

بِمَ يُفكّر الجيلُ الجديد من الكتّاب؟

يؤكد كتّابٌ من الجيل الجديد، أنّ الكتابة بالنسبة لهم نمط حياة، تجعل العالم أرحب وتمكنّهم من ترك بصمة والتعبير عن الذّات ومنح الكلمة لشُخوصِ الهامش التي لا يُسمع لها صوتٌ في الواقع. و يتفق الكتّاب الذّين حاورتهم النصر في هذا العدد من "كراس الثقافة" على أنّ سوق النّشر في الجزائر لا يُراعي القيمة والجودة، بل يستهدف الربح دون سواه، إلى درجة أنّ بعض دور النشر تحوّلت إلى دكاكين، كما يقول أحد المستجوبين. وقد حاول "كراس الثقافة" في هذا العدد فتح نافذة على ما يشغل كتّاب الجيل الجديد ( وفيهم من يرفض فكرة المجايلة ويعتبر الأدب أدبًا وكفى)، وستظل هذه النافذة مفتوحة لهؤلاء الكتّاب وغيرهم، لتسليط الضوء على إبداعاتهم والاستماع إلى أصواتهم.

أعد الملف: فايز إسلام قيدوم

الكاتب عبد الباسط باني
السّرد هندسة والكاتبُ ليس مربيًّا
يذكر الروائي عبد الباسط باني، أنّه اختار كتابة الرواية لكونها الجنس الذي وجد فيه مساحة أوسع من الشّعر والقصّة للتّعبير وطرح الأفكار وكذا نسج شبكة كبيرة من الشّخصيات التي يعالج من خلالها قضايا إنسانية واجتماعية متنوّعة، حيث توفّر الرواية هذه الميزة عكس الأجناس الأدبيّة الأخرى.
ويقول المتحدّث إنّ الأدب بالنسبة له هو طريقته للتعبير عن وجوده الروحي والفكري، حتى يقول إنّه يرى وهكذا يرى، وكم يفتخر برؤيته للأشياء بهذه الطريقة، بحيث يريد، باني، أن يترك أسلوبا فنيا خاصا به، بصمة تختلف عن كل ما كتب قبله ومن سيكتب بعده، بناء جديد من الأسس إلى الأسقف على حدّ تعبيره، ويضيف المتحدّث أنّه ينتظر أن يستمتع بعد كل نص يكتبه، وبمتعة تحريك الأفكار لدى القارئ ومتعة بناء الكلمات والجمل وحبك القصص ونحت شخصيات من ورق توشم في ذاكرة التاريخ.
ويشغل الروائي دائما باعتباره كاتب المهمّشين الذين يختبئون في الظل، المسكوت عنه، والقضايا التي يعجز عن نقلها الصحفي والمؤرّخ والكاميرا، ينشغل بكتابة شيء مختلف قدر المستطاع ويتركه ليتحدى الزمن، كما يحاول، باني، تطوير تقنيات سردية جديدة من خلال تخصصه كمهندس معماري، والهندسة المعمارية بناء مثلها مثل السرد، ومن هذا المنطلق يحاول الرّبط والاستعارة من هذا إلى ذاك وتشكيل نسيج لغوي جديد.
ويرى المتحدّث أنّ التّجريب أمر مهم في الأدب، فكل ذات بشريّة وعقل يختلف عن الآخر في تحليله وتفكيكه للمفاهيم والأفكار وأدوات الإبداع، فهناك نوع يسهُل على شخص بحكم نشأته ومحيطه فقط على سبيل المثال الشّعر الذي يناسب البيئة الصحراوية والرواية التي تناسب المدينة، أمّا عن التّقليد في البدايات فلا يوجد على حدّ تعبير المتحدّث كاتب يسلم منه مهما بلغ قلمه، حتى ولو كان بالشّيء القليل، فالفن حسبه يطابع بعضه بعضا وهذا يؤثّر في الآخر حتى من دون وعي، كما أنّ أسلوب الكاتب يُعجن من كثرة القراءات التي تنسى بمرور الوقت، لكن ترابط نسيجها اللّغوي والفكري يبقى عالقا في الدرك الأعمق من أسلوب الكاتب، وعنه شخصيا يقول إنّه يحاول الخروج عمّا ذكره وكسر هذه القاعدة.
وأوضح عبد الباسط أنّه يميل في رواياته دائما إلى الجانب الفلسفي والاجتماعي، إذ يحاول تسليط الضّوء على المهمّشين ومن لا صوت لهم، يعيرهم على حدّ تعبيره حنجرته ليصرخوا ويهدوه الصدى ليترجمه إلى نص، وعن الرسائل التي يسعى إلى توصيلها من خلال أعماله، يقول إنّ هذه ليست غايته من الكتابة، إذ يعتبر كاتبا روائيا وليس مربّيا، بالرّغم من ذلك يرى أنّه لا يوجد نص يخلو من حكمة أو فكرة ما، على القارئ إيجادها فهو من هذا المدلول كاتب آخر للنّص، وينبغي عليه تفكيكه وكشف ما بين السطور، فيما يرى أنّ أسلوب الكاتب يرتبط بالنّص وفكرته، فالكاتب مثل الحرباء على حدّ قول "ماركيز" يتلوّن مع كل نص، حسب المتحدّث.
ويقول إنّه لا يحبّذ مصطلحات كتّاب شباب ومؤلفون كهول أو شيوخ وما إلى ذلك، فالأدب حسبه واحد لا يهم جنس الفن بقدر ما يهمّ العمل الفني والنّص الأدبي الذي يعتبر هو الفيصل، وفي ظلّ الكثير من الأسماء التي تظهر من الكتّاب الجدد، على المؤلّف الذي يريد أن يترك بصمته أن يتميّز من خلال نصوصه وجودتها وكيفية طرح الأفكار، أمّا من ناحية النّشر فيرى المتحدّث أنّ هناك مطابع ودكاكين أوراق وليس دور نشر.

محمد الصدّيق منيخ
الأدب حياة ثانية
يقول الكاتب، محمد الصديق منيخ، إنّ رحلته مع الكتابة انطلقت عند بلوغه سن 16، عبر القصة القصيرة، حيث يرى المتحدّث أنّ الكتابة لا تتعلّق بالاختيار والرّغبة بل بالقدرة، فلكل جنس أدبي حسبه مجموعة من الأدوات التي ينبغي أن يمتلكها الرّاغب في تجربة جنس أدبي معيّن، وهكذا هو الأمر بالنسبة له مع القصّة القصيرة.
ويرى صاحب المجموعة القصصية "عبثيات" إنّه تمّ تجاوز منذ مدّة طويلة مرحلة الأدب من أجل المتعة، فاليوم لا تتم القراءة من أجل المتعة فقط، بل ينظر للأدب كعالم قائم بذاته أي أنه أشبه ببناء حياة ثانية يخلقها القارئ والكاتب، ويضيف أنّ ما ينتظر من الأدب اليوم هو أن يكون ناقدا ومشككا وموجها، فالأدب كما يوضح المتحدّث مشكّك أي أنّ من مهامه اليوم أن يشكّك أو يجعل القارئ يشكّك في ما هو سائد من مفاهيم، بحكم العيش في عصر تسوده الفوضى والشتات والضياع وكذا المفاهيم المغلوطة والتيارات المتعددة والمتشابكة، إذ يقول إنّه شخصيا يرى الأدب منقذا إذ أنقذه من الفراغ النفسي.
ويلفت المتحدّث أنّ قضيّته الأولى والأخيرة هي الإنسان والأدب هو المنفذ الذي يحاول أن يطل منه على هذا الإنسان ليتعرّف عليه أكثر، ولو أنّه يذكر فيقول في الحقيقة إنّه مازال في مرحلة الاكتشاف وما يشغله حاليا هو تقديم تجربة قرائية جديدة وفريدة من خلال عمل إبداعي مقنع بالنسبة له ويرضي الذائقة الأدبية، ويعترف المتحدّث باستمتاعه عند قراءة أعمال مالك حداد ورشيد بوجدرة، باعتبارهما مثالان للكاتب الذي يكتب ما يريد هو لا ما يريده القارئ متجاهلا بذلك الذوق العام، وهو ما يتماشى مع نظرته إذ لا يحبّذ النّمطيّة السّائدة لدى العديد من الكتاب الجزائريين بشكل عام. ويقول محمد الصديق، إنّه كما لا بدّ من قراءة مختلف الأجناس الأدبيّة على الكاتب كذلك أن يجرّب قلمه في عدّة فنون حتى يجد المسار اللائق وينظر، منيخ، إلى جزئية التّقليد في بدايات الكتابة والتأليف أنّها لا إرادية، ذلك أنّ غالبية الكتاب في هذه الحالة يميلون دون إدراك لاقتفاء آثار كاتب ما قد أثّر فيه ربّما، خاصة إذا كان للكاتب خلفية مقروئية متواضعة، غير أنّه لن يصل إلى ذروة الإبداع بحسب المتحدّث إلّا بابتكار أسلوبه الأدبي الخاص الذي يتبلور بمرور الوقت حسب نشاط الأديب.
وذكر محمد الصديق منيخ، أنّه يملك عملا واحدا نُشر له بالجزائر، عبارة عن مجموعة قصصية بعنوان "عبثيّات"، تحصّل من خلاله على جائزة عمار بلحسن للإبداع القصصي سنة 2022، ويضيف أنّ له عملا آخر بالإمكان اعتباره جاهزا للنّشر، لكن بالنّسبة له الأمر لا يتعلّق بصعوبات النّشر وإنّما بمدى اقتناعه بالعمل الأدبي، موضّحا أنّ الكاتب الجزائري دائما ما يتحدّث عن صعوبات النّشر، لكن ينبغي النّظر لهذه النقطة من زاويتين، كما يقول، إذ صحيح أنّ دور النّشر خاملة من ناحية التّوزيع والتّرويج ومتابعة الأعمال وحتى التّعامل مع الكتّاب، كما أنّ هناك دور نشر لا تهتم سوى للرّبح المادي رغم أنّه ليس مجرّد نشاط تجاري، ومن ناحية أخرى يجب الإشارة إلى العلاقة الثلاثية بين دار النّشر، الكتب والقارئ، فإذا كان القارئ يطلب نوعا أو مستوى معيّنا من الأدب فدور النّشر ستزيد من إنتاجيته بغضّ النّظر عن رداءته، فتتحوّل الأولوية من فتح الباب أمام الكاتب المبدع إلى ذلك الذي يتماشى مستواه مع مستوى الطلب الرديء.
وأوضح المتحدّث أنّ استغلال المنصّات الرّقمية للنّشاط الأدبي واقع لا مفرّ منه، فالمنصات الإلكترونية تستخدم في كل شيء تقريبا ومن غير المعقول عدم استعمالها في النّشاط الأدبي، إذ يرى أنّ العامل الأدبي الرّقمي منقذ للكاتب والقارئ على حد سواء، بالنّظر إلى تحدّيات النّشر وكذا صعوبة الاحتكاك بالقرّاء والنقّاد في بعض المناطق التي تشهد غيابا للنّشاطات الثقافية والأدبيّة وأيضا صعوبات اقتناء الكتاب الورقي، غير أنّه يجب الإشارة إلى أنّ سهولة استخدام هذه المنصّات واختلاط الأذواق الأدبيّة ومفاهيم الإبداع أدى إلى خلق ما سمّاه بالوهم الأدبي، أي أنّ هناك فئة كبيرة تتوهّم أنّ ما تقوم به هو نشاط أدبي لكن حقيقته ليست كذلك.
وعن تقدير الكتاب الشباب يقول المتحدّث إنّ الموضوع يحتاج إلى استفاضة ويشمل مختلف مكوّنات الساحة الأدبيّة من القارئ، الكاتب، النّاقد، دور النّشر والجوائز والمسابقات ومسؤوليها، والتّقدير اليوم لا يقترن بالجودة والإبداع، في ظل وجود مفهومين من المفاهيم الخاطئة هما صراع الأجيال وأزمة النّمطية، إذ لا تمتلك فئة كبيرة حسبه من ما أسماهم كتّاب الجيل الأسبق الثقة الكافية في أنّ هناك جيلا جديدا الذي لا يحتاج فقط إلى انتقاد وتهميش بل إلى توجيه ودعم ونقد من أجل تحقيق التوازن بين كتّاب الأمس واليوم، فيما يرجع كثير من كتاب الجيل الحالي ذلك إلى العقبات التي يضعها أمامهم كتاب الأمس.

نشوى خوذيري
لا أريد شيئا من الأدب
تقول الكاتبة، نشوى خوذيري، ذات 16 ربيعا إنّ حبّها للأدب يأتي من كونه رحلة شاقة في البحث عن المعنى، وهو متعة لا محدودة في الرّكض خلف الاتّساق، كما أنّه طريقة مغرية في تقديم المعنى والغوص في التفاصيل، كذلك تحبّه لأنّه وسيلة للخلود والبقاء حسبها، وليس مصدر رزق أو استثمار، وتلك هي المتعة بحدّ ذاتها، أن تمارس الأدب بلا مصلحة.
وتضيف صاحبة روايتي "في انتظار الحرية" و"أموات يتنفسون" أنّ ما يشغلها هو القارئ الذي يندر ويصعب وجوده في ظل المطّلعين حسبها، بحيث تفكّر بالقارئ كثيرا وفي متعته ممّا تكتب والمعرفة التي تقدّمها له، في ظل وجود القارئ الألمعي وقراءات البريستيج، إذ ترى أنّ الكتب تحتاج إلى قراءات حقيقية تشرّح النّص، تقرأ ما خلف السطور وتمدّه بالملاحظات التي تشحذ الأدوات.
وتلفت ابنة ولاية مستغانم إلى أنّ ممارستها للأدب ليست من أجل تغيير الواقع كما يزعم الجميع، وتقول إنّها لا تعالج القضايا وإنّما تطرحها وتثير الجدل، وتضيف أنّها لا تريد من الأدب شيئا غير البقاء، لأنّه يساعدها على فهم الوجود بمنظور أعمق، فهي تمارس الأدب لتبقى وتخلد بعد الموت.
وترى المتحدّثة أنّ الفن تأثير وتأثر، فالتقليد والسير وراء خطى أعمال شهيرة شيء طبيعي تماما في البدايات، غير أنّه سرعان ما يراود الكاتب الوعي ويدرك بأنّه لا ينتج أفكارا بل يجرّب، ولا يشكّل أسلوبا بل يقلّد، وأنّه اتّكالي وليس منتجًا، وهكذا يتم الانتقال من السذاجة إلى الحسّية، في النهاية تبقى مقاربات وليست حقائق.
وتعتبر، نشوى خوذيري، مسألة النشر قمار وربح مادي بالدرجة الأولى وطبع لمن هبّ ودب، دون اهتمام بالجودة، فهي ترى أنّ العملية تحتاج إلى التوزيع والتسويق وكذا إلى ناشرين يعملون بضمير، غير أنّ هذا لا ينفي حسبها وجود دور نشر وصفتها بالحقيقية أصحابها يخدمون الأدب.
وبخصوص تقدير الكتاب تقول المتحدّثة إن كان الكاتب حقيقيا فهناك الجوائز والمسابقات وكذا الجلسات الأسبوعية وبالتالي يوجد تقدير، غير أنّ المشكلة حسبها أنّ التقدير يكون لحظيا، يموت في لحظته ويومه ويُنسى الكاتب ولا يبقى له شيء، لذلك فالأمر يحتاج إلى المرافقة أكثر من الالتفات العابر.

لميس عيساوي
أكتبُ الرواية وأنا أفكر في السينما
تذكر الكاتبة، لميس عيساوي، ابنة مدينة شلغوم العيد بولاية ميلة أنّها اقتحمت مجال الأدب نشرا منذ سنة 2021، من خلال المشاركة في تأليف الكتب الجامعة منها الإلكترونية والورقية، بينما تعود بوادر اهتمامها بالأدب إلى سنوات صغرها، باعتبارها من هواة المطالعة تقول منذ أن تعلّمت القراءة.
وتقول المتحدّثة إنّ جنسي القصة والرّواية يستهويانها، فميلها لهذين الجنسين يعود بالأساس لحبّ قراءتها لهذين الفنّين كما أنّها نُصحت كثيرًا بكتابة القصص لكونها تتقن وتبدع فيها، وتعمل الكاتبة على إعطاء وصف لحالات شخصياتها، بحكم أنّها خريجة جامعية من قسم علم النّفس تخصّص عمل وتنظيم من جامعة قسنطينة 2 عبد الحميد مهري، فخلفيتها الأكاديمية توضّح المتحدّثة أنّها تظهر في أعمالها، فاطّلاعها على علم النّفس يجعلها تملك الخبرة في تحليل الشّخصيات، وبالتالي سهولة وصف الحالات النّفسية لشخصيات الرّواية.
وذكرت المتحدّثة أنّ الكاتب يجب أن يستوضح المجال الذي يمكن أن يُبدع فيه ويسمح باستخراج كل إمكانياته وإبرازها، وتنصح، لميس عيساوي، بالقراءة الكثيرة التي تساعد في تحسين الأسلوب بشكل كبير وأيضا تحسين اللّغويّات، فمع كل كتاب يقرأ يزيد الكاتب في رصيد خبرته.
وتلفت صاحبة 28 سنة أنّها ترغب وبشدّة في أن تغدو رواياتها أعمالا سينمائية، إذ تقول إنّها في الحقيقة كتبت روايتها "ما وراء الشمس" ليتخيّلها القارئ فيلما أجنبيا، كذلك الشأن بالنسبة لروايتها القادمة التي تحضّر لها بحيث يراها القارئ مسلسلا عربيا، وتقول المتحدّثة إنّها تحب دوما أن تكتب ما يلمس قلوب قرائها، من خلال مخاطبة عاطفة المنكسرة قلوبهم الذين يعانون من الخذلان والخيبة وضحايا الحب العابر على حدّ قولها، إذ تكتب حسبها حروفا نابعة من القلب وتمني النفس في أن تستمر على هذا الطريق، إذ ترى أنّ معظم كتاب اليوم يشغلهم تحقيق أعلى المبيعات، فالأهم بالنسبة لها أن ينال العمل إعجاب القراء.
وترى فيما يخصّ مسألة النّشر في الجزائر أنّها مكلفة نوعا ما، وتختلف كل دار نشر عن أخرى، لذلك تعتقد المتحدّثة أنّ المسألة المادية هي ما يصعب الأمر على الكتّاب صغار السّن، بحكم عدم امتلاكهم دخلا ماديا يساعدهم على النّشر فيكتفون بالنّشر الإلكتروني باعتباره مجّانيا، وأضافت أنّ الفيصل هو إبداع الكاتب، فبحكم تعاملها مع جهات مختلفة داخل الجزائر وخارجها على غرار مصريين وسوريين يقيمون في تركيا لاحظت أنّ عملية الاحتكام من حيث المرافقة والنّشر تتوقّف على العمل الإبداعي.
وأردفت المتحدّثة أنّ عملية تسويق المؤلف لأعماله مهمة جدا في إطار السعي للحصول على التقدير والتميّز، إذ ينبغي القيام بهذا الإجراء قدر الإمكان مع المحاولة بقدر الاستطاعة الإشهار للعمل الأدبي في كل أنحاء الوطن، حتى يعتري القراء الفضول لقراءة الرواية، كما ترجع سبب عدم نيل التقدير الكافي بالنّسبة للكتّاب الجدد نظير ما يقدّمونه من أعمال إلى قلّة مشاركتهم بالمعارض والخروج بأعمالهم للعامة، ولو أنّ هذه العملية صعبة بالنّسبة للكاتبات كما تراها المتحدّثة، فلو وُجدت على سبيل المثال فرصة لتسويق الكتاب ضمن معرض في مدينة بعيدة قد لا تسمح الظروف بتنقّل الكاتبة والمشاركة، على عكس الذكور الذين يملكون الحرية.

أمواج دواس
الأدب نمط حياة ودرب طويل للسير دون شروط
تعتبر الكاتبة والفنانة التشكيلية، أمواج دواس، الأدب نمط حياة ودربا طويلا يختاره الأديب ليسير فيه دون حاجة مشروطة، فقد تكون الجوائز والتكريمات دفعة قوية للكاتب للاستمرار في العطاء حسبها، لكنّها ليست غاية أو هدفا بقدر ما هي تحصيل حاصل للجهد والإيمان الحقيقي بدور الأدب في الرقي بالأمم وتقويم مسارها وإعلاء مكانتها. وتقول الفائزة بجائزة علي معاشي للرواية هذا العام، إنّها لا تنتظر من اهتمامها بالأدب وبالشأن الأدبي مالا ولا جاها وإنّما تكتمل غايتها من الكتابة مثلما عبّرت حين ترى أنّ كلماتها قد ساهمت بشكل أو بآخر في تحسين الذائقة الأدبية والتأثير على القارئ، كما أردفت المتحدّثة أنّه في الحقيقة هي ترى أنّ الأدب من ينتظر منها ككاتبة لتكريس قلمها وكلماتها وتقديم إضافة نوعية للخروج بالأدب من الرداءة التي صارت تستفحل يوما بعد يوم بجوهره.
وتلفت صاحبة رواية "ثيرالوزيا" إلى أنّ الكاتب هو كغيره من بني البشر يتأثّر ببيئته ويتعامل مع محيطه بشكل يومي، المختلف في الأمر هو امتلاكه للأداة التي تمكّنه من ترجمة مواقفه وأحاسيسه وأفكاره بطريقة مستساغة وجمالية، كما تمكّنه من مشاركة تجربته مع القارئ واستخلاصها كتجربة إنسانية مشتركة، وبالتالي فهي تحاول تسليط الضوء على قضايا الأمة كالقضية الفلسطينية التي تعتبر أنّه من واجب كل كاتب أن يتطرّق إليها بكتابة ولو سطر ليقول كلمته في حق ما يحدث، وتضيف أمواج أنّ ما يشغلها كذلك ككاتبة هو حال البلد والمجتمع وما فيه من مشاكل وتحديات وفئات مختلفة تحاول التعامل معها بشيء من الذكاء والمراوغة حتى تجعل من الواقع مادة أولية تبني عليها كتاباتها الأدبية.
وبحسب الروائية فإنّ الأدب الذي يستمد من الواقع لا يعني نقله بحذافيره فهو متاح للجميع ولا يهم القارئ أن يقلب الصفحات ليلا ليجد كلمات تصف ما رأته عيناه صباحا أو تعيد ما سمعت أذناه، بل أن يجد عالما موازيا يطرح ذلك الواقع بطريقة مختلفة ترقى إلى مصاف الإبداع وتحترم جماليات الكتابة الأدبية، والبناء الفني المحكم للعمل هو معيار الجودة الأدبية، كما تفكر، أمواج، في كتاباتها بآمال الشباب وأحلام الأطفال وذكريات الشيوخ، بحيث تكتب عن كل ما يلامس الإنسان ويحرّك فيه شيئا يجعله ربّما يفكّر في أن يكون شخصا أفضل.
وباعتبار الكاتبة خريجة قسم اللغة والأدب العربي بجامعة سكيكدة تخصص نقد حديث ومعاصر، فهي ترى أنّ الدراسة الأكاديمية للأدب تجعل من الكاتب واعيا ومختلفا في منظوره للنّص عن الكاتب العصامي، كذلك تظلّ الكتابة الإبداعية دائما في خط متواز مع النّقد الأدبي فهي تكتسب قوّتها منه وهو يكتسب وجوده منها، فالكاتب حسبها المدرك لماهية الكتابة والقراءة وكيفية التعامل مع النصوص الأدبية بعدّة طرق ومناهج نقدية والمجيد كذلك للتحليل السيميائي والنفسي والثقافي يدرك كينونة النصوص ودواخلها ومستعد لإنتاج نصوص رفيعة تنافس وتتوّج، وهي من هذا المنظور تحاول في كل مرة أن تكتب وفق دراية بالموضوع أو الجنس الأدبي.
وتقول المتحدّثة إنّ الكاتب الجيّد هو ذلك المبدع والإبداع هو الجدّة والخلق وتجاوز ما هو موجود فعلا وهكذا يكون مقاربا لمفهوم التجريب، يقوم أساسا على تقويض الأشكال القديمة لبناء أخرى جديدة، إذ لا يمكن حسب المتحدّثة إطلاق صفة الإبداع على كاتب يقلّد أسلوب آخر أو يسير على خطة سابقيه، ومن جهة أخرى الكتابة لا تنطلق من فراغ ولا يمكن لكاتب أن يتملّص كلية من أساليب كتاب سابقين ولا من تلك النماذج الكبرى التي ترسم عالم الكتابة وتحدّد أركانه، فلا يمكن الفصل بين التجريب والتقليد والكتابة هي تأرجح بينهما.
وترى أنّ الأصح على الكاتب الشاب أن يقلّد غيره ليجد ذاته فالتقليد خطوة أساسية لبناء الشخصية الأدبية، لكن يجب أن تظل خطوة خفية وألا تظهر للعلن، وعلى الكاتب أن يعيش تجارب مختلفة حتى يجد ذاته، ليدرك قدراته وميولاته ومناطق راحته، وحصر الكاتب لنفسه في جنس معيّن يكسبه تمكنا وقوة في ذلك الفن لكن يمنعه من إبراز ملكته الأدبية في الأجناس الأخرى، لذلك تميل إلى استمرار الكاتب في عدّة أجناس أدبية، فالإبداع غير محدود.
وبخصوص مسألة النّشر تقول، أمواج دواس، إنّ التفصيل في الموضوع يتعداها نظرا لعدم تعاملها بشكل مباشر مع دور نشر، لكن بصفة عامة على الكاتب الشاب إجادة الاختيار، فكثير من دور النّشر تجارية وهمّها الرّبح المادي على حساب ما تقدّمه للساحة الأدبية الجزائرية، وبالتالي لا وجود لمشاكل من الناحية العلمية أو قبول العمل الأدبي، وإنّما الصعوبات في الجانب المادي من حيث الحقوق وما إلى ذلك، مع ذلك توجد دور نشر تدقّق الأعمال وتنتقي ما يناسب الذائقة والمجتمع وما يقدّم إضافة إلى الساحة الأدبية. وترى المتحدّثة أنّ الإحساس بعدم نيل التقدير الكافي لا يقتصر على الكتاب الجدد وإنّما قد يواجه أي كاتب، لكنّ العمل الجيّد سيفرض نفسه عاجلا أم آجلا، وترى، أمواج، أنّ الكاتب الشاب في الجزائر يلقى ما لا بأس به من التّشجيع والتقدير في بداياته خاصة مع افتتاح المكتبات الرئيسية في معظم الولايات، بحيث تشتغل على جلب هؤلاء الكتاب وتقديمهم للقراء والمثقفين من خلال النشاطات المختلفة على غرار منصة كاتب وحصص البيع بالتوقيع ومنتدى الكتاب، غير أنّ التقدير الذي يفتقده الكاتب الجزائري عامة كان هو تقدير القارئ الجزائري، نظرا لغياب ثقافة القراءة وثقافة المكتبة والكتاب في الجزائر وهو الأمر الذي يجب العمل عليه بجد لنشر الوعي بأهمية الكتاب.

رشدي مازيغ
الأدبُ وطن
يقول الكاتب، رشدي مازيغ، إنّ الأدب يستهويه لأنه عبارة عن نافذة يُرى من خلالها العالم الروحي والمادي منذ فجر التاريخ إلى غاية اليوم، ولأن الأدب عبارة عن وطن يسكن فيه الإنسان ويهدم كل سجن قد يراوده من خلال فعل القراءة، فالأدب يمثّل له الحياة الأخرى خاصة من فعل المقروئية، على حدّ قول لويس خورخي بورخيس: "حياة واحدة لا تكفي من أجل قراءة ما نحب"، وهو ما يراه في الأدب، الحياة بجل صورها الواقعية، وهو بالإضافة إلى ما سبق يريد من الأدب أن تصل رسائله وكل أجوائه لمختلف الناس، بالأخص من لم يكتشف هذا العالم الكبير على حدّ تعبيره، ومن يكتشفه وحده من يستطيع وصفه يضيف المتحدّث.
وككاتب فإنّ تفكيره ينشغل بنشر ثقافة المقروئية في أوساط المجتمع حتى يتمكّن من القراءة، فهي ليست مجرّد هواية وإنّما تعتبر ضرورة يجب على الجميع اعتناقها اليوم وغدا، ويرى، رشدي، أنّ الأدب هم من ينتظر من الكتاب وكذا القراء، على اعتبار أنّهم من يقدّمون له الآن، إذ بحسب المتحدّث فالأدب أعطى الكثير منذ زمن طويل وهذا لا يخفى على الجميع.
ويعتبر، رشدي مازيغ، أنّ مسألة التقليد مهمة بالنسبة للكتاب الشباب، إذ يرى أنّ لا أحد يستطيع الكتابة دون تقليد كاتب يحبّه أو وسط فني يحب القراءة له مثل المجال التاريخي أو الاجتماعي، بينما مسألة التجديد فهي حسبه تحتاج إلى نضج لغوي وقرائي حتى يتمكّن الكاتب الشاب من مزاحمتها، أمّا بخصوص مجال النّشر فيذكر المتحدّث أنّها جزئية مهمة ومؤرقة إلى جانب ذلك، فمختلف دور النشر كما يعلم الجميع تنشر بالمال، وهو ما لا يحبّه المتحدّث على حدّ تعبيره، ورغم ذلك يقول إنّها تنشر دون احترافية، وهو ككاتب شاب لن يسعده أبدا يقول نشر كتبه بالمال، فإمّا أن يتم تبنيها أو عدم نشرها إطلاقا.
ويلفت الروائي الشاب، إلى أنّ لا وجود لثقافة قرائية كبيرة في الساحة المحلية حتى يتم تقدير الكاتب الشاب من أجلها، فالساحة الثقافية مرتبطة بعدّة أجيال قديمة أو غربية، وهذا سبب العزوف الكبير عن قراءة أعمال معظم الكتاب الشباب الذين لا يعرفهم أحد سوى من تمّت له الوساطة من قبل الوجوه الثقافية في البلد.

 

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com