الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

بمناسبة الذكرى الـــــ111 لرحيلها

كُتاب يحتفون بفارسة الصحراء إيزابيل إيبرهاردت
حلّت يوم الأربعاء الماضي 21 أكتوبر، الذكرى 111، لرحيل الكاتبة والرّحالة والفارسة والصحفية إيزابيل إيبرهاردت (17 فبراير1877 /21 أكتوبر 1904). وبهذه المناسبة، ارتأت مجلة الدوحة أن تحتفي بالكاتبة وبأدبها وآثارها وبذكرى رحيلها عربيا، وهذا من خلال كِتاب الشهر لعدد أكتوبر، حيث صدر عن منشورات المجلة، كتاب بعنوان "ياسمينة وقصص أخرى"، للكاتب والمترجم بوداود عميّر، ويتضمّن ترجمة لمجموعة من النصوص التي كتبتها إيزابيل إيبرهاردت، منها: "ياسمينة"، "الرائد"، "لمتورني"، "أزهار اللوز"، "منافسة"، "مجرم".
الكاتبة والرحّالة من أصول روسية، ولدت في جنيف السويسرية، وانتقلت مغامرة تجوب الصحراء الجزائرية، من شرقها إلى غربها، بزيّ رجل عربي وعلى متن فرس، سخّرت قلمها ووهبت حياتها للدفاع عن قضايا السكان الجزائريين وهمومهم خلال الحقبة الاستعمارية، من خلال العديد من القصص والمقالات التي نشرتها في الصحافة الجزائرية والفرنسية آنذاك، مما جعلها تعتنق الدين الإسلامي وتتزوّج من رجل مسلم يدعى سليمان أهني، وتسجّل نصوصها بأسماء مستعارة عربية أحيانا مثل "سي محمود". وقد توفيت إيزابيل إيبرهارد في 21 أكتوبر 1904، إثر فيضان وادي "العين الصفراء"، في الجنوب الغربي الجزائري، ولا زال قبرها قائمًا هناك إلى الآن في مقبرة المسلمين، تحت اسم "سي محمود" الذي كانت توقـّع به بعض نصوصها.
"كراس الثقافة"، في ملفه لهذا العدد، يحتفي بالكاتبة والرّحالة، التي كثيرا ما كانت تقول: "الكتابة مواساتي والصحراء سعادتي". ويستحضرها مع أكثر الكُتاب الذين اشتغلوا على آثارها، وسيرتها وأدبها، ترجمةً ونقدا ومقاربات. وهذا من خلال هذه الشهادات الوارفة بالتقدير لسيرة وآثار فارسة الصحراء.
استطلاع/ نوّارة لحــــرش

بوداود عميّر/ كاتب و مترجم
وفاة أمها غيّرت مجرى حياتها و فترة إقامتها  في عنابة كانت بمثابة المنعطف الحاسم
في شهر ماي من سنة 1897م، قَدِمت إيزابيل إيبرهارد إلى الجزائر، وعمرها لا يتجاوز العشرين سنة، بسبب أن شقيقها أوغيستين كان متواجدا في الجزائر، ورضوخا من جهة أخرى لتوصيات الأطباء بخصوص أمها المريضة، التي يستلزم وضعها الصحي السيّء، التواجد في أماكن بعيدة عن برودة الجو، كما هو الشأن في أوروبا.
توجّهت رأسا إلى عنابة "بونة آنذاك"، أين كانت تقطن رفقة أمّها في حي أوروبي، قبل أن تغادره فجأة وتلتحق بالحي العربي. من المرجّح أن يعود هذا الانتقال من حيّ أوروبي إلى حيّ عربي، لموقفها من المعمّرين، وسلوك الأوروبيين المتعارض مع أفكارها ومبادئها، تقول الكاتبة الفرنسية إيدموند شارل رو: "وبعد أن اتخذ الأوروبيون سلوكًا عدوانيا اتجاههما، انتقلت مع أمها للإقامة في شارع روريغو... وقد أرادت بذلك أن تضع مسافة بينهما وبين الوسط الأوروبي". كانت مرفقة مع أمها ناتالي ديمردير، التي كانت ترغب في لقاء ابنها "أوغستين". حسب العديد من دارسي سيرة حياتها، اعتنقت إيزابيل هي وأمها الدين الإسلامي في مدينة "عنابة"، وهناك أيضا تبنّت الاسم العربي المستعار "محمود"، وهو الاسم نفسه المنقوش على شاهد قبرها، والذي لا يزال قائما إلى الآن في مقبرة المسلمين بمدينة "العين الصفراء".
ولعلّ فترة إقامتها بمدينة "عنابة"، كانت بمثابة المنعطف الحاسم في مسيرة حياتها، فهي المدينة التي شهدت وفاة أمها "ناتالي دي ميردير"، في نوفمبر 1897، وعمرها لا يتجاوز 59 عاما، بعد وقت قصير من إقامتهما هناك، تاركة ابنتها وحيدة. وهكذا دفنت أمها في مقبرة المسلمين بعنابة تحت اسم "فاطمة المنوبية". من المؤكد أن واقعة وفاة أمها أثرت تأثيرا عميقا في حياتها، وهزّت كيانها، فقد فقدت ملاذها الوحيد ومؤنس وحشتها، وهو ما تثبته بعض المراسلات التي كانت تبعثها إلى صديقها الحميم المدعو "علي عبد الوهاب" في تونس، تقول في مقتطف من إحداها: "ساعدني أخي، أنا في حاجة إليك... أرغب في الالتحاق بك وبالوسط المسلم... أشعر بوحشية الفراغ المهول الذي تسبّبه وفاة أمي في حياتي..". وتضيف: "لن أقول لكَ شيئا عن حزني، ستفهمني لا شك في ذلك دون أن أتكلم، ها هي حياتي الإفريقية هذا الحلم القصير لستة أشهر، قد أفلس وتبخّر، الآن سوف أدع نفسي على سجيّتها تحملني إلى الهاوية، ما ينقذني سوى "الصبر" الإسلامي، الذي كان لديّ الوقت لأكتشفه، وإلاّ سيكون الانتحار أو الجنون السريع...".
ترسّخت صورة أمها وأيضا مقبرة المسلمين بمدينة "عنابة"، في ذاكرتها، طيلة فترة حياتها كإنسانة وككاتبة، تجلى ذلك بوضوح في بعض الكآبة التي لم تكن تفارقها، في رحلاتها، في مراسلاتها وفي نصوصها، حتى أنها كانت تتمنى لو ماتت في هذه المقبرة الهادئة، قرب أمها: "أتمنى عندما ألقى حتفي، ويشاء القدر نهايتي، أن أدفن في أرض الإسلام هذه، في هذا المنظر الرائع حيث التلال، والأودية المخضرّة، وبين هذه القبب والأضرحة البيضاء، والتي تنفصل بينها في فروق شاحبة على أشجار التين الخضراء، تحت زنبقية حيث تسرع هاربة حيّات صغيرة". وهكذا تميّزت إقامتها بعنابة، حسب إيدموند شارل رو "بإحداث تغييرين أساسين في حياتها، ففي عنابة ترسخ شغف إيزابيل بنمط الحياة الشرقي، وقد تجاوز لديها بهاء العالم الديني للمسلمين، من ذوق فطري للون ولجمالية الموقع، إلى اقتناع شديد بالإعجاب، حيث بلغت الحدود القصوى لرغباتها من خلال تبنّيها للبساطة الإفريقية: "البساطة في المسكن، في المأكل، وفي الملبس، وفي الأخير في بونة/ عنابة حاليا لبّت إيزابيل نداء الإسلام، واعتنقت الدين الإسلامي".
لم تنس أبدا الاستقبال الحار الذي حُظيت به من طرف السكان المسلمين لمدينة عنابة، حيث تصف تلك الأجواء في رسالة كتبتها لصديقها "علي عبد الوهاب": "سأقول لكَ فقط أن المسلمين استقبلوني بحفاوة وبأذرع مفتوحة، ولم أتعرف على أي فرنسي ولا فرنسية... ما أثار تقززي حقا هو هذا السلوك المشين للأوروبيين تجاه العرب، هذا الشعب الذي أحبّه، وإنشاء الله سيكون شعبي لي أنا...".
وكان للقائها مع التونسي "علي عبد الوهاب" الأثر الحاسم في مسار حياتها، فقد نسجت علاقة صداقة قويّة معه، حيث كانت تتحدث معه بحرية عن تعلقها بالدين الإسلامي، وقد لعب بعد ذلك دورا هاما في إعجابها بالإسلام وشغفها بالجزائر، والتي كانت تطلق عليها في بعض نصوصها: "دار الإسلام". ولعلّ المراسلات العديدة التي كانت تبعثها له، كانت حسب إيدموند شارل رو "بمثابة النصوص الوحيدة التي تسمح بتتبع مسار إيزابيل، قبل أن تختار الدين الإسلامي، والهروب إلى الصحراء... لم تذهب إلى الصحراء لجمع الثروة، أو لغرض ما، ولكن لتنتهي فكرة أن تكون ذاتها، ذهبت دون مهمة ولا هدف، ولكن كمغامرة مسكينة قريبة من بطل "بلزاك"، والذي بعد رحلة شاقة، ومعاناة شديدة، توصّل من خلالها إلى أنه في الصحراء يوجد كل شيء ولا يوجد شيء، يوجد فيها الله دون بشر".
عندما كانت تشعر بحالة تأزّم، كانت تجد ملاذها عند "علي عبد الوهاب"، حضنها الوحيد آنذاك، حيث التشجيع والمواساة، استوطنها الحزن عقب وفاة أمها، كما لم تفد عودتها إلى سويسرا سوى في تأزيم وضعيتها، وقد عبّرت في مراسلتها له عن تلك الكآبة: "يزداد حزني من يوم لآخر، بدأت أشعر بالفراغ المهول في حياتي، بعد وفاة أمي، تفيدني الآن أخبارك، حتى لا أشعر وحيدة على هذه الأرض، أنت الوحيد الذي يفهمني أفضل حتى من أخي أوغيستين...".

محمد حسن مرين/ كاتب و باحث أكاديمي
نصوصها تُشكل ذخيرة سردية
وجدت "إيزابيل إبرهاردت" (1877/1904) في السرد أسلوبها في نقل الواقع إلى اللغة حيث يمكن أن يدوم وتتناقله الأجيال، ما يتجاوز به إكراهات السياق الطبيعي للوقائع، ويخدم إمكانية فصل الخطاب السردي عن الخطاب الواقعي للأحداث "يعني فصل اللغة عن دورها في الساحة التاريخية، إذ المطلوب هو رسم تحوّلات الواقع التاريخي، والاجتماعي عبر ممارسة تلك التحولات في مادة اللسان"/ جوليا كرستيفا. فينشأ معمار النص السردي عبر تجربة ذاتية، ولو في سياق عام، وتُشكل نصوصها ذخيرة سردية في تكوين منظورها من جهة، ومواجهة الإشكالات في فهم الواقع الذي كان، فنقلت لنا الواقع بواسطة نصها السردي الواقعي والإنساني والجمالي.
إنّ أهميّة النصوص الأدبيّة تكتسبها من الناحيّة الجماليّة من جهة، ومن ناحيّة استنطاق منظورها لمعرفة بنية وعي الكاتبة، فميراث إيزابيل النصّي، من تلك المراسلات، واليوميات، والسرديات، مدخلا لاكتشاف هذه الشخصيّة عن قرب، للإجابة عن كل تلك الأسئلة حول شخصيتها ومواقفها في ذلك السياق التاريخي الذي كان يشهد مرحلة من مراحل الاحتلال، ومرحلة مقاومة من المقاومات الشعبية، وهي مقاومة الشيخ بوعمامة (1867/1881)، وقدومها إلى العين الصفراء بعد فترة إقامتها في مدينة الوادي، تصادف مع وجود جرحى معركة المنقار، الذين زارتهم بوصفها مراسلة لنقل أحداث الجنوب الوهراني، وبعيدا عن مجرّد دفاع عاطفي منبهر بالشخصيّة المثيرة للإعجاب، فإن أهميّة النص عندنا هو شهادته، باعتباره وثيقتنا الوحيدة والعادلة، ليُحدّثنا عنها بكل إنصاف، وعن تلك المرحلة.
وننوّه بترجمة من تناول كتاباتها لأنّه قدّمها لقراء العربيّة، من أمثال الكاتب والمترجم "بوداود عميّر" والمترجم "عبد القادر ميهي" والدكتور "حسن دواس" وغيرهم، لمجموعة من كتاباتها. وقد صدرت مؤخرا مجموعة قصصيّة من ترجمة الكاتب "بوداود عميّر" في كتاب ملحق بمجلّة الدوحة لشهر أكتوبر، موسومة بعنوان إحدى قصصها "ياسمينة" وفي طبعة أنيقة ورشيقة، تتضمن مجموعة من قصصها الجميلة، منها: "الرائد"، "أزهار اللوز"، "المنافسة"، "مجرم" وغيرها، والتي تتناول مجموعة من التيمات المثيرة، منها: أولا: معاناة الفلاحين وظاهرة مصادرة الأراضي من النظام العسكري الفرنسي، هذه الظاهرة التي توسّعت مع قوانين الأهالي (الأنديجينا) منذ 1871، التي وصفتها الكاتبة في مجموعة من القصص، وصفا دقيقا، يُعبّر عن موقف متعاطف مع الفلاحين، كما في قصّة "فلاح"، أو قصّة "مجرم"، حيث كان الفلاحون يُجبرون على ترك أراضيهم مقابل فرنكات، ليتحوّلوا إلى خمّاسين عند المستوطنين وهم المالكين الجدد.
ثانيا: النظام العسكري الفرنسي التعسّفي، التي نقلت سلوكيات جنوده وضبّاطه وقسوة إدارته، وتعامله غير الإنساني مع السكان، كما في قصّة "الرائد"، حيث تصف سلوكيات هذا النظام القمعيّة، من خلال قصّة شاب مجنّد يُدعى جاك.
ثالثا: العلاقة المستحيلة بين العسكري الفرنسي والمرأة الجزائريّة، كما في قصّة "ياسمينة"، وقد قاربت هذه التيمة في قصص أخرى، وكأنّها رمزيّة تُحيلنا إلى استحالة الهيمنة على المجتمع.
رابعا: مظاهر اجتماعيّة مختلفة عن حياة البدو والحياة الاجتماعيّة الجزائريّة، من خلال قوافل الترحال والسفر، والأسواق، والعائلات والقبائل والزوايا...
خامسا: حياة النساء في تلك الظروف الاجتماعيّة المعقدة والقاسيّة، مع وصفها الدقيق للمرأة، من ملامح وجهها مرورا بحليّها وملابسها وتفكيرها.
سادسا: الفضاء الصحراوي وجمالياته المكانيّة والحياتيّة، فكانت تعتبر الصحراء مكان سعادتها، فتقول أنّ الكتابة مواساتها والصحراء سعادتها.
سابعا: آثار الحرب على حياة المجتمع والعائلات، في مجموعة من القصص والكتابات.
كل هذه الثيمات نجدها في مجموعتها المترجمة "ياسمينة وقصص أخرى" بنكهة الترجمة المحترفة، التي تمنح النص العربي للقصّة متعة إضافيّة، على لذّة النص الأصليّة، في كل تلك القصص والكتابات والمراسلات واليوميات التي غلب عليها الطابع السردي، والتي جُمعت في مؤلفين هامّين، هما: "ملاحظات الطريق" و"في الظلال الدافئة للإسلام" وفي مؤلفات أخرى.

عبد القادر ضيف الله/ كاتب و روائي
علاقة عشق مع المدينة حد الموت
من بين أكثر الشخصيات التي أثير حولها جدل كبير ولا يزال، حتى بعد مرور أكثر من قرن على رحيلها، هي شخصية الكاتبة والصحفية المسلمة إيزابيل ابرهاردت الملقبة بسي محمود، التي ارتبط اسمها بمدينة العين الصفراء، وبواديها الذي غيّبها سنة 1904، وهي لا تتجاوز من العمر 27 سنة. حينما قَدِمت إلى مدينة العين الصفراء كمراسلة حرب، بعد مرورها على العديد من مدن ومناطق الوطن خاصة الجنوبية منها، كمدينة وادي سوف التي اتبعت فيها الطريقة القادرية، الشيء الذي جعلها مثالا جميلا، لاقتران فريد بين الصوفية الشرقية والفضول الغربي، المتلهف لاكتشاف روحانية الشرق، خاصة وأن حياة شخصية إيزابيل المتعددة الثقافات والمشارب، بدءً من مولدها في17 أفريل 1877 بمدينة جنيف السويسرية بفيلا فندت بحي الكهوف، الذي لا يزال يسمى باسمها، إلى اليوم، وهو الاسم العائلي لوالدة أمها نتالي ديماريدر، إلى مسألة الاختلاف في تحديد نسب والدها المجهول الهوية، والذي يرجّح مؤرخو سيرتها أنه القس الروسي تروفيمسكي، الذي كان وصيا عليها ومعلمها، والذي أثر في بناء شخصيتها المتمردة، التي جعلتها تعشق الحرية وتنادي بها أينما حلت وارتحلت، خاصة بعد أن أحست أن العالم الغربي قد أصبح يضيق بأنفاسها المتلهفة لحقيقة أخرى، تقف وراء كل تلك الماديات التي غرق فيها العالم الغربي، لهذا بدت لكل متتبعي سيرتها، امرأة  غريبة وغامضة، وهي المرأة والفارسة الرحالة التي تزيت بزي الرجل، وسافرت قاطعة الأمصار والصحاري وحيدة على جوادها، وفي رأسها الصغير هاجس المعرفة والبحث عن الحقيقة.
ترى أي حقيقة تلك التي حملتها فتاة شابة لم تكن يومها تتجاوز ربع العمر؟
هل هي حقيقة الوجود؟ أم حقيقة الذات المتصدعة التي حملتها براءة شابة مثقفة ثقافة تحرر، جعلتها تتساءل عن السر وراء سعادة الإنسان في هذه الأرض؟
في الجزائر وتحديدا في الجنوب، بداية من وادي سوف وصولا إلى المنتهى بمدينة العين الصفراء التي جاءتها لأول مرة في مهمة صحفية، بعدما اشتغلت في جريدة "الأخبار" التي كان يرأسها "فيكتور باريكوند" بالجزائر العاصمة تتلخص كل حكاية هذه المرأة العاشقة حد الموت.
يومها وتحديدا في صيف 1903م كانت قد عادت في مدينة العين الصفراء، إلى واجهة الأحداث معارك المقاوم الشيخ بوعمامة، الذي قضت ضرباته الخاطفة مضجع المعسكرات الفرنسية، التي كانت قد استقرت في بعض المناطق الصحراوية، والتي وصلها التوسع الفرنسي، وكانت معركة المنقار الضربة الموجعة التي شنت فيها المقاومة هجوما على قافلة عسكرية كلف الجيش الفرنسي حوالي 36 قتيلا و47 جريحا، وهو الحدث الذي تداولته الصفحات الأولى للجرائد بالجزائر وفرنسا مخلّفا استياءً عميقا لدى الرأي العام الفرنسي. في هذه الأثناء عيّن مدير جريدة "الأخبار" إيزابيل ايبرهاردت كمراسلة صحفية لتغطية أحداث الجنوب الغربي لتصبح بذلك أول امرأة مراسلة للحرب في العالم كما قالت عنها الكاتبة الفرنسية "إدموند شارل رو"، وقد كتبت إيزابيل تقول عن الاضطرابات في الجنوب، واصفة المدينة: "تبدو العين الصفراء مستيقظة... ثمة فرق عسكرية عديدة، كثيرة الصخب، بين غدو ورواح وترقب، أحيانا قلق، حركة شاذة تملأ أزقة الرمل، وفي المطاعم والمقاهي الحافلة بالضجيج، تصطدم المتناقضات اللامتوقعة... العالمان المتجاوران، العالم الأوروبي والعالم العربي يلتقيان، يمتزجان دون أن يذوبا إطلاقا. إلى جانب هذا التنافر الذي لا يزول، جاء اللفيف الأجنبي ليضيف أيضا إشارات أخرى بعيدة، ورغم كل هذا الصخب وكل هؤلاء الناس، في ظل هذا الترقب وفي هذه الساعة المريبة، بدت العين الصفراء جميلة".
في هذا الجمال الذي صنعته متناقضات الحرب مع الطبيعة التقت إيزابيل بالجنرال ليوتي، صاحب نظرية السلم (Pacification) بدل الحرب، والذي انتدبته الحكومة الفرنسية خصيصا ليخمد ثورة بوعمامة التي  أطالت الحرب كثيرا، وكلفت فرنسا غاليا، لم تكتف إيزابيل بمتابعة تلك الأحداث، بل راحت تكتب قصصا ويوميات عن علاقتها بالأهالي وعن وضعهم البائس، مما جعلها تقيم بالمدينة، وتدخل في علاقات حميمة مع الأهالي، حتى أصبحت نساء المدينة تناديها باسم سي محمودة.
ترحل إيزابيل للعاصمة ثم تعود مرة أخرى إلى مدينة العين الصفراء فيعود الحنين إليها بعد أن أحست  بالكآبة وهي تستعيد قساوة الجزائر العاصمة وقساوة أصحاب البزات الأوربية، حيث تقول في كتابها "في ظلال الإسلام الدافئة": "كل هموم وضيق الأشهر الأخيرة التي عانيتها في مدينة الجزائر المضجرة والمقلقة وكل ما هو مظلم في نفسي بقي هناك... كان عليّ أن أحتقر أشياء وأشخاصا. أنا أكره الاحتقار بل أفهم وأعذر كل شيء".
بهذا القلب الإنساني عادت إيزابيل للمرة الثانية في لقاء بدا وكأنه اللقاء الأخير لعاشق لم يكن يدري أنه سيكون في مواجهة قدره الأخير، مع هذا العشق الذي لم يكن سوى عشقا لطبيعة ولفطرة الإنسان الأولى، قبل أن تبدله الحضارة أو تقسو عليه باسم التحضّر الذي زيّن به الحكم الفرنسي وجهه الاستعماري، لهذا كانت إيزابيل عاشقة للمحبة وعاشقة  للهدوء ولفطرة الإنسان الجزائري، الذي حافظ على لونه الترابي الذي امتزج مع الشقاء، لهذا كانت إيزابيل إبرهاردت حينما تصوّر هذا الشقاء في كتاباتها، كانت تنتبه  لأحاسيسها لحظة الفرح والسعادة، حتى أنها راحت تحذر صديقها قائلة: "أقول لصديقي، احذر، حينما نكون سعداء فإننا لا نفهم شيئا عن عذابات الآخرين".
تلك العذابات التي كانت ترصدها في رحلتها الطويلة، والتي لم تكن لتتوقف لولا المرض الذي أعادها من "القنادسة" إلى مدينة "العين الصفراء" مرة أخرى، وكأنها كانت تمنع عن نفسها السعادة في مقابل سعادة الذين أحبتهم، والذين كانت ستغادرهم نحو فيافي الصحراء حيث سحر الطبيعة وسحر النقاء والسكينة، حتى وإن كان يشعرها كل ذلك بأنها على حافة الوجود.
ترصد إيزابيل قدرها قبل أن تسافر إلى "القنادسة" مصوّرة في لوحة رسام واقعي جنازة أحد الأهالي في مقبرة "سيدي بوجمعة". هل أدركت إيزابيل أنها كانت تصوّر مشهد رحيلها الحقيقي لتتجاوز تلك الحافة، وترحل حيث لا شيء سوى ظلمة القبر وهي تقول على لسان مرافقها الذي راح يدندن بموال حزين في بداية صيف 1904: "هكذا مت وفارقت روحي جسدي... بكى الناس من أجلي دموع اليوم الأخير... حملني أربعة رجال على أكتافهم... وهم يؤكدون إيمانهم بالله الأحد... ذهبوا بي إلى المقبرة...".
ثم تضيف: "يا من تقف على قبري... لا تستغرب مصيري... مر وقت كنت مثلك... سيأتي يوم تكون فيه مثلي".
هكذا رحلت إيزابيل حتى قبل أن تأخذ الطريق باتجاه "القنادسة" أن تودّع مدينة العين الصفراء، التي بطمأنينة النفس وهي تقف في كل مرة على منظر جميل سواء للطبيعة البكر أو للأهالي الذين كانوا يتجمعون في المقهى الوحيد، وفي عيونهم فرح رغم أوشام البؤس، ترحل إيزابيل في رحلة بحث عن السعادة التي كانت تراها في بساطة الناس وفي سكون الأمكنة وفي جمال المناظر التي سحرتها في الطريق، ولأن السعادة كانت ترافق المستحيل وتقف دائما في الطريق المعاكس الذي تشكله هذه الرّحالة المتمردة بعيدا عن بهرجة تلك الماديات التي أفقدت الإنسان الغربي كل ما هو روحي، لتحوّله لشيء يتحرك باتجاه طمس كل ما هو إنساني وطبيعي، في جوهر الكائنات بعد أن وصلت لقناعة تشبه قناعة من يصل إلى نهاية العمر، رغم تعلقها بالأمل فهي تنهار أمام ما كانت تصوّره في كتاباتها وتأملاتها عن وضع حياة الناس، ففي كل تلك التفاصيل التي رصدتها تعبيرا عن صرختها في وجه أنانية الإنسان وفي وجه الحياة أيضا، تقول: "وصلت لهذه الخلاصة، علينا أن لا نبحث عن السعادة، تصادفنا على الطريق، ولكنها تسير دائما في الاتجاه المعاكس، تعرّفت عليها في كثير من الأحيان".
هكذا هي السعادة مع إيزابيل ابرهاردت كما هي مع كل إنسان يتوق إليها، وإلى التخلص من ربق العذاب الوجودي الذي وصل إليه الإنسان الغربي، لهذا يأتي القدر كما لو أنه طوق نجاة، ليس لأنه سرق الحياة من قلب فارسة عشقت الرحيل، مثلما عشقت الحياة، ولكنه الطوق الذي منح إيزابيل ما تمنته طوال حياتها، وهو أن ترحل صوب الذين أحبّتهم وغادروها، كل من أمها، أخيها، ووالدها الذي لم تعرفه يوما، ومعلمها الذي أحبته، لهذا كان الرحيل الأبدي لفارس آن له أن يترجل عن فرسه، على تراب مدينة أرادت هي الأخرى أن تضم جسده في عناق أبدي، لتركب إيزابيل قطار الحياة الأخرى، فكان فيضان "وادي مدينة العين الصفراء" في 21 أكتوبر 1904، هو آخر شيء أبصرته عيونها الزرقاء، لتدفن بعدها بإذن من الجنرال ليوتي في مقبرة المسلمين "سيدي بوجمعة"، التي استشرفتها يوم كتبت موتها، وهي تبصر جنازة رجل من الأهالي، كان يحمله الرجال على أكتافهم ليدفن في هذه المقبرة، التي تقع على أطراف الوادي وبمحاذاة البساتين، ليكتبَ يومها على رخامة قبرها بالبند العريض: "هنا يرقد جسد الكاتبة والصحفية إيزابيل ابرهاردت المدعوة سي محمود، زوجة السيد سليمان أهني والتي توفت إثر فيضان واد العين الصفراء عن عمر يناهز 27 سنة".

خليفة  بن عمارة/ مؤرخ و روائي
كاتبـــة حساســـة تميزت عن المستشرقين و فرضت نظرة مخالفة
بتاريخ 01 ماي 1904م، أعلنت جريدة "لاديبيش الجيريان" الفرنسية، أن إيزابيل إيبرهاردت عادت إلى الجنوب الغربي الجزائري: "كانت تحاول جاهدة الدخول إلى "تافيلالت" هذه المنطقة الغنية، والمغلقة إلى وقتنا هذا على الأوروبيين". باريكوند مدير جريدة الأخبار التي كانت مراسلة صحفية لها، يوضح الأمر أكثر: "في شهر ماي غادرت الجزائر العاصمة للمرة الأخيرة بعد تردد طويل، أعلنت لجميع أصدقائها وهي تبتسم، أنهم سوف لن يشاهدوها بعد ذلك، لن يشاهدوها ربما أبدا. ذهبت مرة أخرى إلى الجنوب الوهراني وفي نيتها التوجه إلى أبعد مكان يمكنها الذهاب إليه، إلى غاية "تافيلالت" إن تيسّر ذلك. فقد تركت لنا وهي تغادرنا أوراقها ومراسلاتها وقالت لنا مازحة: "إن حدث لي أي مكروه، تدبروا كل هذا، واستخدموه في تأبيني".
في بداية شهر ماي 1904، تواجدت إيزابيل بمدينة "العين الصفراء" في الجنوب الغربي الجزائري: "غادرت العين الصفراء -كتبت قائلة– العام الماضي مع الهبوب الأولى للشتاء، كانت ترتعد من البرد، ومن الرياح الكبرى الحادة التي كانت تكنسها، تثني العري الهزيل للأشجار، رأيتها اليوم مختلفة تماما، استعادت نفسها خلف الأشعة الشاحبة للصيف: باتت أكثر صحراء، أكثر غفوة بقصرها على سفح الكثيب الذهبي وبقببها المقدسة، وبساتينها الخضراء، إنها حقا العاصمة الصغرى للمنطقة الوهرانية الصحراوية، متفرّدة في واديها الرملي بين الشساعة الرتيبة للهضاب العليا، وحرّ الجنوب".
استأجرت منزلا متواضعا في القصر القديم لمدينة "العين الصفراء"، في الأعالي، بالقرب من قبة "سيدي بوتخيل" الولي الصالح للمدينة، وهكذا وظفت جارا شابا لشراء حاجياتها ونظافة المنزل، مكثت حوالي عشرين يوما، الوقت الكافي لاستكمال الإجراءات الضرورية لسفرها إلى الجنوب: انتظرت إيزابيل رخصة الذهاب إلى بلدة "القنادسة"، وهو قصر صغير، بُنيَ حوالي زاوية "الزيانية" على بعد 25 كلم غرب بشار، أمضت وقتها وهي تتجوّل في القصر ونواحيه، وما بعد الوادي في المدينة المنخفضة بمبانيها المشيدة على عجل، كأي مدينة أوروبية تنمو بسرعة: ببلدية، مدرسة، كنيسة ومحطة قطار.
كان يبدو أنها ارتاحت إلى أبعد الحدود في قصر "سيدي بوتخيل" بالعين الصفراء، أين عثرت على المناخ الجنوبي الذي كانت تحبّه كثيرا. كانت تتجوّل داخل الأزقة الضيقة والملتوية، بعضها مغطاة بالسعف المتشابك، كانت تسأل بلا كلفة السكان، وهم يمرون ممتطين دوابهم، المحمّلة بالسماد، لتطمئنّ على صحتهم وعن المنتوجات التي يزرعونها في بساتينهم، كانت تعاين باهتمام نمط عيش سكان القصور، وهم منهمكون في أداء مهامهم.
كانت تمضي ساعات طويلة بين الأماكن المشجرة وعلى سفوح الرمال قرب القصر تحلم وتكتب: "بين شجر الصفصاف بجذوعها البيضاء، والدروب الطويلة مواكبة التموّجات الأولى للكثيب، مع الروائح العطرة المنبعثة من ماء النبات، والصمغ، كدت أعتقد أنني ضائعة في غابة... كم أعشق الاخضرار الوفير، والجذوع الحية الملتوية بجلد فيل... في تلك الحديقة التي فاجأها الجفاف، أمضيت ساعات طويلة، مستلقية على ظهري، منتشية الجمود تحت المداعبة الفاترة للنسيم، أحدّق في الأغصان التي تكاد تهتز".
عموما راقتها "العين الصفراء" كما تبيّن هذه الكلمات: "والآن وأنا أسكن في هذا المنزل الصغير المؤقت، بدأت أحبها، بدليل أنني لن أتركها أبدا لمجرد عودة بائسة نحو التل المبتذل، وهذا يكفي لأن أراها بعيون أخرى... كل المشاكل، القلق الثقيل للأشهر الأخيرة في الجزائر العاصمة المضجرة، كل ما كان يشكل كآبتي وحزني بقي هناك".
وأخيرا حصلت إيزابيل على الترخيص بالذهاب إلى قصر "القنادسة"، كان مطلوبا منها قطع مسافة ثلاثمائة كيلومتر تقريبا، نصفها تقطعه راكبة القطار، وفي "بني ونيف" تحصلت على دابة، والتقت بمخزني، والذي كان بمثابة دليل إلى غاية "بشار"، قبل ذهابها كشفت عن توصية من مقدم الطريقة "الزيانية" الذي كان يسكن في القصر، فقد كتب المقدم رسالة يدعو فيها إلى استقبال  "سي محمود ولد علي، شاب تونسي متعلم يسافر من زاوية إلى زاوية للدراسة".
وهكذا عاشت إيزابيل فترة خصبة بالقنادسة، فقد كتبت بها النصوص الأكثر عمقا بين أعمالها، والتي تدل بلا ريب عن نضج كبير من المؤلفة، ولكن في شهر أوت بدأت نوبات مرض حمى المستنقعات تشلّ من حركتها شيئا فشيئا في "مرسيليا"، وفي "تنس"، نوبات تعود وتتضاعف. في بداية سبتمبر رضخت إيزابيل للأمر الواقع: لا يمكنها مقاومة المرض، يجب عليها أن تعود إلى "العين الصفراء" للعلاج.
غابت "القنادسة" عن الأنظار وهكذا –كتبت إيزابيل تقول–: "دفعت بحنق شديد فرسي الأبيض إلى ركض جنوني، فيما ريح الصحراء تنزف عيوني المبتلة".
بالعين الصفراء استأجرت إيزابيل منزلا صغيرا في وسط المدينة بغرفة صغيرة بسلم ذي أدراج غير متساوية، تقع قريبا من الكنيسة، وسط أوروبيين كثيري الصخب، يذكرونها بذكريات أليمة عاشتها في "عنابة" و"تنس". أمضت باقي شهر سبتمبر معظم الوقت ملزمة الفراش وقد داهمتها حمى شديدة.
في الفترات النادرة التي كانت تشعر أنها أفضل حالا، كانت تتجوّل، تتوجّه إلى مكتب البريد وتمضي ساعات طويلة في مقاهي المسلمين، في مرّة من المرات انتقلت إلى أقصى شرق المدينة، في سهرة أمضتها في أحد المنازل، ألهمها لكتابة نصها المعنون: "أفراح سوداء" وهو آخر نص كتبته تقول في مقطع منه: "وسط الردوم وتحت الضوء الشحيح المنبعث من السقف، ثمة مجموعة نساء تتمايلن. هناك امرأتان مسنتان تجلسان القرفصاء تحت الظل، تضربان بالطبل، وتغنيان بلغتهن العسيرة على الفهم، أغنية في غاية الرتابة... الڤصبة كانت تبكي، تبكي إلى ما لا نهاية، في جو من الحزن المؤثر".
في أول أكتوبر1904م انهارت قوّة إيزابيل، انتصرت عليها الحمى الخبيثة التي أصابتها بشط الجنوب الشرقي قبل أربع سنوات، لم تعد لديها القدرة على الوقوف. نُقلت إلى المستشفى حيث أجريت لها معالجة صدامية. مكثت دون حراك لأيام عديدة، في لحظات الاستراحة، كانت تجد الشجاعة في توضيح بعض كتاباتها في الجنوب الوهراني. في15 أكتوبر كتبت لإحدى صديقاتها تبلغها أنها لا تزال باقية في المستشفى، ولكنها أخذت تستفيق وأنها تتجوّل بمهل في الساحة.
في صبيحة يوم 21 أكتوبر 1904 أقامت المرأة الشابة وزوجها سليمان الذي أتى لزيارتها في منزلها الصغير في وسط المدينة، عندما غمر الوادي "العين الصفراء"، انهار المنزل ، تمكن سليمان من الخروج، لم يعثروا على جثة إيزابيل إيبرهارد  إلا في 25 أكتوبر.
كان لإيزابيل إيبرهارد مصير غير عادي، كانت مؤلفة غزيرة الإنتاج لو أخذنا بعين الاعتبار مدة حياتها (27 سنة) وظروف عملها (التنقلات الدائمة، نقص وسائل الراحة) سنجد أنها كتبت كثيرا (أكثر من 110 مقالا خاصا بالصحافة فقط، في المجموع أكثر من 2000 ورقة).
هذه الكاتبة الحساسة والتي تميزت بشكل واسع عن المستشرقين، تمكنت من فرض نظرة مخالفة، واستطاعت بأصالة حقيقية استرجاع روح الجزائريين البسطاء أثناء الفترة الاستعمارية.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com