أطلقت موقعا لعبد الحميد بن هدوقة بعد أن صار البعض يخلط بين صورته وصورة محمد ديب!
حلت الأربعاء الماضي، الذكرى ـــ19، لرحيل الأديب والكاتب عبد الحميد بن هدوقة (09 جانفي 1925/ 21 أكتوبر 1996). وبهذه المناسبة، يتحدث نجله الصحفي والمترجم أنيس بن هدوقة، في هذا الحوار المفتوح عن ذكرى صاحب «ريح الجنوب» وعن حياته الأدبية والنضالية، كما يتحدث عن ملتقى «ابن هدوقة للرواية» الذي توقف منذ 5 سنوات، وتساءل عن الأسباب الحقيقية وراء توقفه، وهل هي محاولة لتغييب والده عن المشهد الثقافي من قِبل أطراف مجهولة، أم لأسباب بيروقراطية بحتة؟.
نجل الرّاحل، تحدث أيضا عن صورة ومدى حضور أدب صاحب رواية «الجازية والدراويش» في البرامج والكُتب التربوية المدرسية الجزائرية، وقال بهذا الخصوص أن أغلب الشباب الجزائري يجهل مؤسس الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية. والمدرسة الجزائرية فشلت فشلا ذريعًا في تقديم صورة الأدب الجزائري في مناهجها وبرامجها، وبالتالي فشلت في تلقين أبناء الجزائر أعلام وطنهم.
كما صرّح أيضا في هذا الحوار أنه بصدد جمع وترتيب وتصنيف كل ما له علاقة بوالده الأديب، وهذا بهدف تأليف كتاب عن سيرته وآثاره الأدبية والنضالية، وإثراء موقعه الإلكتروني. كما انتقد عملية نشر وإعادة نشر أعماله، المقتصرة على رواياته فقط، حيث قال: «للأسف، لم تُعد عملية طبع ونشر قصصه». ودعا إلى الاهتمام بنشر كل أعماله بما فيها قصصه ومسرحياته وليس رواياته فقط.
كما أشاد في حواره، بالمبادرة التكريمية الرمزية التي قامت بها مؤسسة بريد الجزائر، وهذا بإصدارها لطابع بريدي يحمل صورة الأديب بن هدوقة، وهي الالتفاتة التي أسعدت كثيرا عائلة الأديب. كما تطرق لموضوعات أخرى مختلفة ومتعددة ذات صلة بسيرة وأدب وذكرى الرّاحل، نكتشفها في نص هذا الحوار.
حاورته/ نوّارة لحــــرش
لنبدأ من الطابع البريدي الذي يحمل صورة الأديب «عبد الحميد بن هدوقة» والذي أصدرته مؤسسة بريد الجزائر تحت شعار «رجال الثقافة». كيف تلقيتم هذه الالتفاتة التي جاءت لتخلد ذكرى الكاتب وتجعلها رمزا في قائمة الرموز التاريخية والثورية والتراثية التي تحملها الطوابع البريدية المخلدة لتاريخ ورموز الوطن؟
أنيس بن هدوقة: نحن عائلة عبد الحميد بن هدوقة سعداء جدا بصدور طابع بريدي يجسد شخصية الوالد رحمه الله، فهي التفاته طيبة تُشكر عليها إدارة بريد الجزائر. وفي هذا الخصوص أخص بالذكر كل من مديرة الطوابعية السيدة سهام بوعزارة والسيد إفتسان اللذين لم يدخرا أي جهد في سبيل إصدار هذا الطابع، وأجدد لهما شكري لجهودهما، كما لا أنسى الفنان والرسام قمر الدين كريم الذي رسم الطابع البريدي. لقد كان ذلك الفريق على قدر عال من الاحترافية والكفاءة في إنجاز عملهم وكانوا جد متفهمين، ولم يتوانوا أبدا في الاستجابة إلى التعديلات التي رغبتُ فيها. وعلى كل تلك الجهود التي يقومون بها للحفاظ على ذاكرة رموز الوطن، أقول لهم إني ممتن جدا لهم ولكل عمال مؤسسة بريد الجزائر وشاكرا على كل شيء.
الكاتب الذي كرمته مؤسسة بريد الجزائر بطابع بريدي يحمل صورته، كرمته قبلها مدينة برج بوعريريج بملتقاها السنوي للرواية والذي يحمل اسمه. هل ترى أن المدينة أنصفت الكاتب وذكراه وأثاره الأدبية من خلال هذا الملتقى الذي توقف منذ سنوات، والذي كان يتناول في ورشاته الأدبية رواياته وقصصه بالدراسة والتحليل والمقاربة النقدية؟، أم أن الملتقى لم يخرج عن إطار بعض الملتقيات ذات الطابع الاحتفالي؟
أنيس بن هدوقة: لقد كان ملتقى عبد الحميد بن هدوقة الذي تنظمه مديرية الثقافة لولاية برج بوعريرج من أنجح الملتقيات وطنيا، حيث بفضل الإطارات والموظفين بالولاية وبفضل اللجنة العلمية وجهودها وبفضل كل من ساهم في تنظيم الملتقى أصبح هذا الأخير موعدا سنويا يلتقي فيه كبار النقاد والأدباء الجزائريين والعرب ليناقشوا ليس فقط أعمال والدي وإنما الأدب والثقافة الجزائرية. كما تطور إلى أن أصبح ملتقى دوليا بأتم معنى الكلمة حيث يؤمّه الباحثون من مختلف الدول العربية والأوروبية لإثراء النقاش والتحليل. وكان كلما حلّ الخريف انتظره كل من يهتم بالثقافة الجزائرية وكان عرسا ثقافيا يفتخر به كل أبناء منطقة برج بوعريرج. غير أنه وللأسف الشديد توقف منذ أكثر من 5 سنوات فجأة، ولا أدري لماذا توقف. كل ما أعرفه أنه منذ مجيء مدير الثقافة السابق، وليس الحالي، تم تنظيم دورة واحدة فقط وتوقف. ولأسباب أجهلها تم وضع حد لجهود أولئك الإطارات والموظفين على مستوى مديرية الثقافة لولاية برج بوعريرج من أجل الحفاظ على ذاكرة أحد أبناء منطقتهم وولايتهم. أنا جد متأسف لتوقف الملتقى لأسباب بيروقراطية بحتة. أحيانا يأتي بعض المسؤولين لا علاقة لهم لا من بعيد ولا من قريب بالثقافة يهدمون كل ما تم إنجازه لسنوات متعاقبة ويحدون من عزيمة واجتهاد الكثير ممن يسعون جاهدين للحفاظ على ذاكرة الأمة ورموز الوطن.
المدرسة الجزائرية فشلت فشلا ذريعا في تلقين أبناء الجزائر أعلام وطنهم
وماذا عن الجائزة التي تحمل اسم الأديب، هل ترى أنها ترقى لمكانته وقيمته، أم هي جائزة ضحلة مقارنة بجوائز عربية تحمل أسماء كُتاب وأدباء رحلوا؟
أنيس بن هدوقة: أنا كما قلتُ لكِ، لو تُرك الملتقى يتطور ويكبر ستتطور الجائزة في إثره، إنها علاقة عضوية بين الملتقى وبين الجائزة، لكن تم توقيف كل شيء وكل ما أعلمه بعدما كان موعدا سنويا أصبح اليوم موقفا لاعتبارات أجهلها منذ خمس سنوات. أهي محاولة لتغييب والدي عن المشهد الثقافي من قِبل أطراف مجهولة؟ هو سؤال أطرحه ويطرحه الجميع خصوصا أبناء ولاية برج بوعريرج؟ هل هناك سبب مقنع وراء توقيف الملتقى؟ أنا شخصيا لا أدري، كل ما أعلمه أن جل المهتمين بالشأن الثقافي الجزائري وأغلب المواطنين خصوصا أبناء المنطقة يرغبون في أن يُعاد تفعيل فعاليات ملتقى عبد الحميد بن هدوقة ويحافظ على ديمومته ويتم تطويره.
تم إنشاء موقع للكاتب، تحت اسم: «موقع الروائي الجزائري عبد الحميد بن هدوقة»، يضم سيرته وأعماله وحواراته وصوره؟ ما هو الدافع الأكبر الذي جعلك تنشئ هذا الموقع في هذا الوقت تحديدا؟. ثم ألا ترى أنك تأخرت في هذا؟
أنيس بن هدوقة: في الحقيقة تم إطلاق الموقع منذ سنتين تقريبا، لقد سارعت في إنشاء موقع إلكتروني حول شخصية الوالد عبد الحميد بن هدوقة، بعدما اكتشفت أن البعض يخلط بين صورة والدي وصورة محمد ديب. لأن الكثير يعتمد على الانترنيت كمرجع له في أبحاثه، فقررت أن أطلق موقعا على الانترنيت. وركزت فيه على توفير صور الوالد وبعض الدراسات النقدية وفيديوهات. لقد لاحظت أن أغلب الشخصيات المتوفاة قبل عشر أو 15 سنة عندما لم يكن الانترنيت متوفرا بعد، مغيبة تماما في الشبكة العنكبونية، فلا تجد صورة لهم ولا فيديو ولا مضمون إلاّ نادرا. ولذلك فإن اليوم لا يمكن أبدا تجاهل الانترنيت وخصوصا في مجال الفيديو والصورة. ومن هو غائب في الانترنيت فإنه سيتم تناسيه مع مرور الوقت أو يتم الخلط في هويته مثلا توضع له صورة ليست صورته. لذلك يتعين علينا كجزائريين إثراء محتوى الشبكة العنكبوتية ووضع المقالات والصور وفق وجهة نظرنا نحن وما يخدم مصالحنا وإلاّ ستجد دائما من يضعها مكاننا وبذلك تُزوّر الحقائق ومع مرور الوقت يُصبح ذلك التزوير حقيقة خصوصا في الانترنيت. كما يجب على الدولة الجزائرية أن تضع إستراتيجية لإثراء المضمون الجزائري في شبكة الانترنيت وتسبق الآخرين في وضعه مكانها. كما يجب تكليف أناس يعون وعيا حقيقيا برهانات الانترنيت.
لماذا كنت مترددا في إطلاق موقع الأديب بن هدوقة على الشبكة العنكبوتية؟
أنيس بن هدوقة: لم أكن مترددا ولكن كان عليّ اكتساب مهارة تقنية وهي ليست بالأمر السهل والحمد لله يمكنني اليوم أن أصمم مواقع دون لجوء إلى مساعدة أي شخص آخر.
برأيك ألم يحن الوقت بعد لإنشاء مؤسسة عبد الحميد بن هدوقة؟
أنيس بن هدوقة: إذا كان إنشاؤها من أجل إنجاز دراسات وأبحاث عن حياته وعن أعماله أو من أجل إنجاز أفلام وثائقية أو من أجل اقتباس أعماله إلى المسرح والسينما أو من أجل إعادة تسليط الضوء على ما هو خفي عنه حتى الآن أو من أجل إنشاء متحف حول عبد الحميد بن هدوقة ومن أجل تشجيع نشر أعماله وتنظيم ملتقيات وندوات فكرية حول أعماله، فمرحبا. وإن كان إنشاؤها من أجل أن تصبح هيكلا فارغا لا روح فيه فلسنا بحاجة إلى المؤسسة.
كيف تستعيد حياة الأديب/ الوالد، مثلا ماذا عن نضاله قبل الاستقلال وبعده؟
أنيس بن هدوقة: كانت أولى خطواته واتصالاته بالنضال السياسي في قسنطينة عندما كان طالبا بمعهد الكتانية، وبعد التحاقه بحركة انتصار الحريات الديمقراطية، التي خلفت حزب الشعب، انتسب إلى جامع الزيتونة وكان رئيس رفقة الرئيس الراحل علي كافي، لجمعية الطلاب الجزائريين بالزيتونة. في سنة 1952، ألقيّ عليه القبض في مظاهرات جانفي في تونس وزُج به في سجن المحمدية إلاّ أنه تمكن من الفرار والعودة إلى الجزائر. في 1955، هرب من قبضة الشرطة الاستعمارية التي كانت تطارده وتوجه نحو فرنسا. هناك نال دبلوم الإخراج الإذاعي وكتب عدة تمثيليات مسرحية إذاعية. في 1958، تعمل جبهة التحرير الوطني على تهريبه إلى تونس حيث اشتغل في الإذاعة التونسية قبل أن تكلفه الحكومة المؤقتة بإخراج صوت الجزائر لمدة معينة. ثم طلبت منه بعد ذلك إنجاز دراسة حول الجزائر نشرها تحت عنوان «الجزائر بين الأمس واليوم».
ما هي المشاريع التي تسعى كنجل للأديب الراحل إلى تحقيقها أو الإشتغال عليها مستقبلا؟
أنيس بن هدوقة: أنا في الواقع أجمع وأرتب وأصنف كل ما له علاقة بالوالد رحمه الله بهدف تأليف كتاب عن سيرة الوالد، وإثراء الموقع الإلكتروني.
كيف ترى حضور أدب بن هدوقة في البرامج والكُتب التربوية في الجزائر؟
أنيس بن هدوقة: عندما كنت صغيرا كلما ذكرتُ اسمي لأي شخص كلما سألني عن علاقتي بعبد الحميد بن هدوقة، اليوم للأسف نادرا ما أتلقى ذلك السؤال خصوصا لدى الشباب، فهناك حتى بعض الحاصلين على شهادات عليا في الجامعة الجزائرية وفي العلوم الإنسانية لا يعرفون عبد الحميد بن هدوقة. وهذا أمر مؤسف للغاية وغير طبيعي تماما. وهنا خلل في تكوين هؤلاء الشباب الذين لا يعرفون أدباء أمتهم. كان اسم عبد الحميد بن هدوقة مدرجا في البرامج التربوية في تونس في الثمانينات والتسعينيات وأغلب الشباب التونسي يعرف عبد الحميد بن هدوقة، لكن أغلب الشباب الجزائري يجهل مؤسس الرواية الجزائرية باللغة العربية. وبالتالي فإن المدرسة الجزائرية فشلت فشلا ذريعا في تلقين أبناء الجزائر أعلام وطنهم. والأمر هنا لا يخص عبد الحميد بن هدوقة وحده لكن للأسف أغلب الشباب لا يعرفون رشيد ميموني مثلا، أغلبهم لا يعرفون مالك حداد، أو يذكرون اسم واحد لروايته ومن يعرفوهم اليوم سينسونهم في المستقبل.
أسباب بيروقراطية وراء توقف ملتقى بن هدوقة بالبرح
هل ما أُنجز حتى الآن من رسائل الدكتوراه مثلا، والدراسات النقدية وإعادة طبع أعماله وترجمتها، أوفت الرجل حقه، أم يحتاج بن هدوقة إلى انتباه أكبر وإلى اشتغال أكثف على سيرته وأعماله وآثاره؟
أنيس بن هدوقة: لست أدري إن كانت أوفت حقه أم لا ولست مختصا في النقد الأدبي، غير أنني متأكد أن المجال يبقى دائما مفتوحا وأن هناك جوانب عديدة دائما يجب أن تُبحث. فمثلا والدي كتب أكثر من 200 مسرحية إذاعية، وبالنسبة لنشر أعماله، فهو مقتصر على رواياته فقط ولم تُعد عملية طبع ونشر قصصه. كما أن لديّ 8 مجلدات تجمع مسرحياته الإذاعية لم أجد إلى اليوم من ينشرها، لقد قمت بتقديم نسخة إلى حقوق المؤلف، لكن أخشى أن تضيع مع مرور الوقت وتختفي.
تعددت واختلفت مسارات الرّاحل، من النضالي إلى السياسي، إلى الأدبي والإعلامي، وغيرها من مسارات شكلت حياته النضالية والسياسية والأدبية. هل يمكن أن تتحدث عن هذه التجارب التي تَدرجَ فيها وعليها صاحب «ريح الجنوب»؟
أنيس بن هدوقة: لقد دافع والدي دائما عن حرية التعبير وتحرُر المرأة وتقُدم المجتمع ودعا دائما إلى التخلص من عبئ الجهل والتخلف والتقاليد الرجعية. التوجه نحو التقدم والالتحاق بالركب الحضاري هذا هو الخط الذي حافظ عليه في جميع أعماله الأدبية. إن هذا التوجه لم يأت صدفة وإنما جاء كنتاج لتجربة شخصية غنية كما ذكرتِ امتزج فيه السياسي والإعلامي والأديب. غير أنه في اعتقادي وحسبما قرأته هنا وهناك فإن دراسته في المعهد العالي للتمثيل العربي بتونس عندما كان طالبا في جامعة الزيتونة فتحت له آفاق جديدة ومنحته رؤية متفتحة للعالم كما أن تواجده في فرنسا واشتغاله في معمل تحويل البلاستيك وتواجده بين المهاجرين الجزائريين في فرنسا مكنه من اكتساب نظرة جديدة للنضال تختلف عن النضال التقليدي.
كيف كانت علاقاته في الوسط الأدبي؟
أنيس بن هدوقة: لقد كانت علاقة احترام وتقدير تربطه بكل المثقفين الجزائريين سواء كانوا يكتبون باللغة العربية أو يكتبون باللغة الفرنسية، كما كانت تربطه علاقة صداقة بـأغلب الفنانين الجزائريين.
وماذا عن حضور أدبه في السينما: «ريح الجنوب» مثلا، كيف تقرأ الفيلم من الناحية الفنية، وهل حافظ على قيمة النص الأدبي، يعني هل زخم النص ظل طازجا حتى وهو يتحول إلى شخصيات وأحداث وحالات نابضة في السينما؟
أنيس بن هدوقة: أنا أجيب عن هذا السؤال بما أجاب به والدي وهو: «من قرأ الرواية عليه بمشاهدة الفيلم ومن شاهد الفيلم عليه بقراءة الرواية». بين الفيلم والرواية الاختلاف الأكبر هو في النهاية، حيث في الرواية جعل والدي «نفيسة» بطلة «ريح الجنوب» تفشل في الهروب، في حين جعلها المخرج سليم رياض تنجح في الهروب. وبرأي والدي فإن الهروب ليس هو الحل لمواجهة الأزمات، ورأيي الشخصي أن الفشل في الهروب أعلى قيمة أدبيًا من النجاح في الهروب.