الأربعاء 15 جانفي 2025 الموافق لـ 15 رجب 1446
Accueil Top Pub

الباحث والمؤرخ حسني قيطوني للنصر: فرنسا تريد ذاكرة انتقائية وتعمل على الانتقام من الجزائر

* علينا كتابة تاريخنا وعدم الاعتماد على ما كتبه المستعمرون
صدر مؤخرا للمؤرخ حسني قيطوني، عن دار الشهاب، «كتاب بعنوان التاريخ، الذاكرة والاستعمار»، عالج فيه مفهوم الاستعمار كظاهرة شاملة أثرت في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية. ركز الكاتب في عمله الجديد، على الأشكال العنيفة التي اتسم بها الاستعمار، مثل التهجير القسري، التدمير الممنهج للهوية الوطنية، واستخدام التعذيب كأداة لترسيخ السيطرة الاستعمارية، ليقدم مرجعا لفهم العلاقة الجدلية بين التاريخ والذاكرة في سياق الاستعمار الفرنسي للجزائر.

لينة دلول

و يشير الكتاب الصادر في 215 صفحة، إلى أهمية الاعتراف بهذا الماضي لفهم جذور النزاعات الحالية بين الجزائر وفرنسا، مؤكدا أن تجاوز هذه القضايا لا يمكن أن يتحقق دون مواجهة شجاعة للحقيقة التاريخية، ويتناول الكاتب في عمله كما أوضح للنصر، كيف تمت صياغة الذاكرة الجماعية في الجزائر من خلال المقاومة ضد الاستعمار، مع تسليط الضوء على دور الثقافة واللغة في تعزيز الهوية الوطنية رغم محاولات الطمس. يبدأ الكتاب بسرد تاريخي مكثف لمراحل الاستعمار الفرنسي، موضحا كيف تطور العنف الاستعماري من عمليات الاحتلال المباشر إلى فرض السياسات الاقتصادية والثقافية التي سعت إلى تحويل الجزائر إلى مستعمرة فرنسية دائمة. كما يتم التعمق في سرد الأحداث الكبرى، مثل حوادث القمع الدموي ضد الثورات الشعبية، مع التركيز على أمثلة مثل الإبادة الجماعية في القرن التاسع عشر والمجازر التي وقعت خلال الثورة التحريرية.
يسلط قيطوني، الضوء على «الذاكرة الانتقائية»، مشيرا إلى أن فرنسا ركزت في خطابها الرسمي على الاعتراف بجوانب محددة من العنف الاستعماري مع إغفال الجوانب الأكثر بشاعة. كما ناقش كيف أنشأت الجزائر خطابا مضادا قائما على الاحتفاء بالمقاومة والهوية الوطنية، لكنه يشير إلى أن هذا الخطاب نفسه بحاجة إلى نقد داخلي لبناء ذاكرة أكثر شمولية.وأكد قيطوني للنصر، بأن الكتاب يشكل دعوة إلى الحوار التاريخي الحقيقي الذي لا يقتصر على اعترافات رمزية، بل يتطلب مقاربة متوازنة تسعى لفهم الجذور العميقة للعنف الاستعماري وتأثيراته المستمرة، مبرزا الحاجة إلى توثيق شامل لجميع جرائم الاستعمار كجزء أساسي من تحقيق المصالحة التاريخية.
معرفة تاريخ بلدنا أساس لفهم تعقيدات المجتمع وإحداث التغيير
وأكد المؤلف، أن معرفة تاريخ بلدنا تعني التعلم من الماضي لفهم تعقيدات المجتمع بشكل أفضل وإيجاد طرق لتغييره، وأوضح أن التاريخ بمثابة باب للمستقبل، متابعا بالقول: «لقد كان تاريخ بلدنا معقدا وعنيفا ومؤلما للغاية، ولا تزال صدماته حية في الذاكرة الجماعية، لكن تاريخ الاستعمار، الذي يعادل 132 عاما من حياة شعبنا، لم نكتبه نحن، بل كتبه المستعمرون».وأضاف المؤرخ، أن الفرنسيين هم من كتبوا أرشيف هذا التاريخ وأخباره ورواياته، «واليوم إذا أراد الطالب أن يبحث في أي موضوع يتعلق بالفترة الاستعمارية، في أي مجال من مجالات العلوم الإنسانية أو الاجتماعية، فعليه أن يراجع المكتبة الاستعمارية.» كما عبرموضحا، أن الجامعات الجزائرية حققت تقدما في كل المجالات، ولكن تم التركيز أساسا على الحركة الوطنية وحرب التحرير الوطني، مع إهمال الفترة الاستعمارية. ونتيجة لذلك، أوضح قيطوني، أنه ليس لدينا اليوم أي شيء تقريبا عن الفترة 1830-1870، ولا يوجد تسلسل زمني ولا سرد ولا تاريخ شامل للاستعمار. وأكد قائلا: «كيف يمكننا أن نفهم التحولات التي مر بها مجتمعنا وعواقب العدوان الاستعماري إذا لم نقم بتحليلنا الخاص لما حدث؟ لهذا السبب، كما أوضح، فقد عمل بشكل أساسي على هذه الفترة. وكتابه الأخير، مثل كتبه السابقة، مخصص للمسائل المتعلقة بأحداث الأيام الأولى للاستعمار».
هكذا هي العلاقة بين التاريخ والذاكرة في السياق الاستعماري الجزائري
وأوضح المتحدث، أنه في الوضع الاستعماري، يحافظ التاريخ، كسرد للماضي، على ذاكرة مهيمنة، هي ذاكرة المستعمرين. فالكتب والتعليم والاحتفالات التذكارية العامة وأسماء الشوارع كلها مكرسة لتمجيد الاستعمار.
كما أن المستعمرين، محرومون من وسائل كتابة تاريخهم ونشره، ويتم ذلك بشكل أساسي شفويا، فالمداحون والشعراء الشعبيون هم، بطريقة ما، مؤرخو تاريخ شعبهم ومخلدو ذكراه. ولهذا السبب ظل التقليد الشفوي حيا للغاية كوسيلة لنقل الذاكرة الجماعية. ومع ذلك، تخضع هذه الذاكرة لتأثيرات مختلفة، ولكنها قبل كل شيء ضحية لتأثيرات الزمن.
وأكد المؤرخ في حديثه عن كتابه، أنه ومنذ نهاية القرن التاسع عشر فصاعدا، شهدنا تطور الصحافة والجمعيات الإسلامية التي لعبت دورا كبيرا في إخراج الذاكرة من الشفاهية وإعطائها أدوات نقلها كتابة، وبالتالي تهيئة الظروف للجزائريين للشروع في كتابة تاريخهم الخاص.
تحديات واجهتني أثناء البحث والكتابة
وأضاف قيطوني، أن التحديات الرئيسية التي واجهته أثناء البحث وكتابة هذا الكتاب تتمثل في التاريخ الاستعماري نفسه، لأن الماضي ذهب ولم يعد له وجود، بل ترك آثارا مختلفة.
ولإعادة بناء ما حدث، علينا أن ننطلق من أسئلة واضحة بحسبه: كالسؤال عما نحاول اكتشافه عن أحداث الماضي؟ ولماذا نريد اكتشافها؟ مؤكدا أنه كان مهتما بمعرفة كيف كتب التاريخ الاستعماري وماذا يقول، أو بمعنى آخر: ما هو معناه؟ وذلك لأن المسألة، بحسبه، ليست مجرد اتهام المؤرخين الفرنسيين بالتحيز أو عدم الموضوعية، بل إثبات ذلك بالأدلة الداعمة.ومن أجل تقديم قضية مقنعة، اقتصر المؤرخ، كما أوضح، على موضوع معروف، ألا وهو المذابح التي ارتكبها الجيش الفرنسي بين 1844 و1845 في منطقة الظهرة، والمعروفة باسم «مذابح الظهرة». وقال إن التحدي الرئيسي الأول يتمثل في المصادر: في الأرشيف الفرنسي، وفي ما تركه الجزائريون كشهادات حول هذه الأحداث أو ما تبقى منها. لذلك كان عليه جمع كل ما قيل أو كتب عن المجازر منذ عام 1845 إلى يومنا هذا، في الصحافة الفرنسية والجزائرية والأدب والإعلام.أما التحدي الثاني الذي واجهه، فهو تحدي القراءة النقدية، فالمصادر مهما كان منبعها، هي وثائق كتبها بشر في ظروف ولأهداف ليست واضحة دائما. لذلك كان عليه أن يتجاوز الخطاب الظاهر للكشف عن الخطاب السري في كل وثيقة.أما التحدي الأخير الذي واجهه، فهو بناء الكتاب، فقد أراد كما قال، أن يجعل من كتابه عملا تعليميا، وفي الوقت نفسه تسليط الضوء على كيفية كتابة الفرنسيين لتاريخ ماضينا، كما أراد أن يعلم القراء كيف يكونون نقديين لما يقرؤونه عن الاستعمار والذاكرة.
الفرنسيون يسعون إلى الانتقام وجعل الجزائر تدفع ثمن الاستقلال
وتابع بالقول، إنه عندما ننظر إلى الحقائق بموضوعية، نرى أن النقاش الحالي حول الماضي الاستعماري ليس مصدره الجزائر، بل فرنسا بالدرجة الأولى، «وهم يريدون توريط الجزائر بأي ثمن» على حد تعبيره.
وأكد الكاتب، أن السؤال الكبير الذي لا يتفق عليه الفرنسيون فيما بينهم، والذي يثير الخلاف والجدل بينهم، هو: لماذا خسرت فرنسا الجزائر؟ وما هي العلاقة التي يجب أن تكون لفرنسا مع الجزائر المستقلة؟ مؤكدا أنه من خلال هذه الأسئلة، يسعى جزء من الفرنسيين - أي الحركيون والحنين إلى الاستعمار - إلى الانتقام من جزء آخر من فرنسا، وهو الجزء الذي كان يؤيد إنهاء الاستعمار، ومن جهة أخرى، يريد هذا الجزء أن يجعل الجزائر تدفع ثمن استقلالها.وأضاف المتحدث، أن هناك رغبة حقيقية لدى فرنسا في رؤية بلدنا يعود تحت نير الهيمنة الفرنسية، هذا الجزء يعزز الكراهية والاحتقار العنصري للجزائريين. وقال الكاتب، إن هذا النقاش الفرنسي لا يمكن أن ينجح إلا إذا كانت الجزائر معنية به، ولهذا السبب يتم اللجوء إلى الاستفزازات مرارا وتكرارا لإجبار الجزائر على الرد والتدخل، مؤكدا أن الجزائر ليست معنية بهذا النقاش حول فوائد الاستعمار.

معلقا:»بالنسبة لنا كجزائريين، حسمنا الأمر في 1954، عندما حملنا السلاح لوضع حد للهيمنة الفرنسية. لقد كان ردنا عمليا لإثبات أن الاستعمار كان جريمة مطلقة وإنكارا لحقنا في الاستقلال والسيادة».
الأحداث الاستعمارية أثرت على تشكيل الهوية الوطنية
وذكر المؤرخ، أن الاستعمار كان له تأثير عميق على الهوية الجزائرية، أولا من خلال التدمير، إذ دمر العنف والحرب تراثا عتيقا، بما في ذلك تراث مدننا وقرانا ومساجدنا، كما شتت السكان بتجريدهم من أراضيهم حتى لغتنا وديننا وتاريخنا وخيالنا وعاداتنا وتقاليدنا تعرضت جميعها للتدمير الممنهج.
في حين تم تقييم ثقافة المستعمر وقيمه ومنتجاته وأنماط حياته على أنها أسمى من ثقافة المستعمرين وقيمهم ومنتجاتهم، فاللغة العربية والدين الإسلامي والهوية الجزائرية عموما، صنفت عنصريا على أنها أدنى فالاستعمار، بحسب المؤرخ، هو عملية عنصرية تهدف إلى إنزال المستعمَر إلى مرتبة اللاكائن.هذا الأمر، له تأثير كبير على هوية المواطن الأصلي، لأن عليه أن يكافح ضد البيئة المعمارية والثقافية والفكرية الجديدة التي فرضها المستعمرون، إنه صراع غير متكافئ، لكنه صراع لا ينجح دائما في الحفاظ على الهوية الوطنية خارج النفوذ الاستعماري.
رأي الكاتب في الجهود التي تبذلها فرنسا في الاعتراف بماضيها
وأكد الكاتب، أن فرنسا تحاول الاعتراف بماضيها الاستعماري لأنها تسعى إلى تغيير الطريقة التي ينظر بها إلى هذا الماضي، فالاستعمار لم يكن مجرد عدوان عنيف ومدمر وفظيع على الجزائريين، بل كان أيضا إنكارا مطلقا لقيم الحضارة التي تدعي فرنسا الدفاع عنها، وكان فشلا لمشروع استمر عدة قرون. وأوضح المتحدث، أنه لا يمكننا أن ننسى أن فرنسا بخروجها من الجزائر خسرت أجمل مستعمراتها. وكانت النتيجة المباشرة لذلك هي خسارة كل مستعمراتها الكبرى الأخرى في إفريقيا.
فرنسا غير مستعدة لتعويض ضحايا أفعالها في الجزائر
وأكد المؤرخ، أن المصالحة تتطلب رؤية مشتركة للماضي، غير أن هذه الرؤية المشتركة مستحيلة في الوقت الراهن، لأن فرنسا غير مستعدة للقيام بنقد صادق و مسؤول لماضيها، والاعتراف علنا بالمعاناة الرهيبة التي ألحقتها بالجزائريين والشعوب المستعمرة عموما، كما أنها غير مستعدة لتعويض ضحايا أفعالها في الجزائر.وأضاف، أنه يجب ألا ننسى أن بعض هذه الأعمال لا تزال آثارها الضارة مستمرة في الحاضر، مثل قضية المفقودين أثناء الحرب، والألغام المزروعة على طول خطي موريس وشال، والتجارب النووية، ونهب الممتلكات الثقافية، وتسديد الديون التي تعاقد عليها نابليون، وسرقة كنوز الجزائر العاصمة وغيرها. مؤكدا، بأنه وعندما تتخذ فرنسا كل هذه الخطوات، أو على الأقل عندما تقبل اتخاذها بصدق، عندئذ يمكن بناء مصالحة حقيقية.
الأجيال الشابة لها دور كبير في الحفاظ على الذاكرة الوطنية
وأوضح قيطوني، أن الدور الذي يمكن أن تلعبه الأجيال الشابة في الحفاظ على الذاكرة الوطنية هو الانفتاح على العالم، والبحث عن المعرفة من تجارب الشعوب الأخرى، وخاصة المعرفة التي أنتجتها الشعوب التي تكافح الاستعمار.
متابعا بالقول: «أنا أفكر بشكل خاص في المعرفة التي أنتجها المنظرون في الهند وجنوب إفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها. فالجامعة الفرنسية أصبحت عقيمة وتبقى حبيسة معرفة قديمة قدم الاستعمار نفسه». مؤكدا أنه لم يعد لدينا ما نتعلمه من الفرنسيين، بل على العكس، علينا أن ندافع عن أنفسنا ضد ادعائهم بالهيمنة. ولسوء الحظ حسب المؤرخ، فإن تدريس تاريخ الفترة الاستعمارية، وكذلك الأبحاث ومخرجاتها، لا تزال أسيرة المكتبة والمصادر الفرنسية ولا شك أن هذه المعضلة هي من أهم التحديات التي تواجه الجامعة الجزائرية في مجال كتابة تاريخ الاستعمار.
هكذا أثرت خلفيتي وتجاربي على أرائي في قضايا الاستعمار والذاكرة
وأضاف المتحدث، أن خلفيته وتجاربه الشخصية أثرت كثيرا على آرائه في قضايا الاستعمار والذاكرة، لكونه ابن الشهيد عبد المالك قيطوني، بالإضافة إلى عدد من أفراد عائلته الذين قُتلوا على يد فرنسا لأنهم امتلكوا الشجاعة لحمل السلاح دفاعا عن كرامتهم. وأوضح، أن هذا الماضي من النضال والمعاناة هو أفضل مدرسة لاكتشاف طبيعة الاستعمار، لذلك، ذهب إلى هذه المدرسة الرفيعة، مدرسة النضال من أجل التحرر الوطني، كما واصل التعلم من خلال القراءة للمؤرخين والمفكرين من خارج الحقل الفرنسي. واختتم قائلا إن هذا النضال هو الذي جعلنا شعبا ذا سيادة. كما كشف في ختام الحديث أنه يعمل حاليا على كتاب حول المقاومة الشعبية للاستعمار.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com