عاد محور المدينة كامتداد لشعرية المكان ليفرض نفسه من جديد كمضمون أساسي لأغلب المحاضرات المقدمة ضمن فعاليات اليوم الثاني من تظاهرة الشعر النسوي في طبعتها الثامنة.
موضوع المدينة في الشعر الذي اعتبره المتدخلون خطوة جديدة بالساحة الأدبية التي غلب عليها فيما مضى التركيز على الفضاء و المكان الثوري، بعيدا عن الحيّز الاجتماعي الذي برز بشكل كبير في الكثير من المؤلفات و الإصدارات الحديثة و بشكل خاص في الشعر النسوي الذي كشف عن ارتباط المرأة بالمكان و استغلالها له للتعبير عما يختلج بداخلها، حيث اختارت الدكتورة آمنة بلعلى من جامعة تيزي وزو، تيمة تغييب المؤشرات الجغرافية للمكان من منطلق تمثيل الوجود بعيدا عن الموجودات، مستدلة بأمثلة انتقتها من دواوين عدد من الشاعرات الجزائريات منها "للجحيم إله آخر" لحسناء بروش و "المواربة و الختل"للشاعرة و الأكاديمية وسيلة بوسيس و غيرهن، فيما اختارت الدكتورة خيرة حمر العين من جامعة وهران، التركيز على تجليات الخراب من خلال توظيف المدينة في الشعر النسوي مستندة إلى أمثلة انتقتها من قصائد لشاعرات عربيات منهن الكويتية سعاد الصباح، جامعة من بين ثنايا نصوصهن بعض ما تحمله العبارات التي تبدو في مظهرها أن لها علاقة بالمكان و المدينة، من دلالات على الخراب و البؤس و الصدامية و الكآبة ..و غيرها من الحالات التي قالت بأن اللجوء إلى التعبير عنها بالفضاء ليس عبثيا.
و تجلت تجربة المدينة حسب ما جاء في مداخلتها بشكل أساس من خلال جدلية الريف، والمدينة، و عجز الشاعر القادم من الريف عن التكيف نفسياً، و اجتماعياً مع عالم المدينة، فكانت غربته فيه تجسيداً للتباين القائم بين عالم الريف، وعالم المدينة على مستوى العلاقات الاجتماعية، والقيم، والفضاء الجغرافي للمكان، إضافة إلى إيقاع الحياة، وحركة الزمن.
و من جهته فضل الأستاذ الدكتور عبد الله عشي من جامعة باتنة إحصاء بعض الشواهد الشعرية و البدائل المستعملة من قبل الشعراء للإشارة للمكان معلّقا بأن "الفضاء في القصيدة يتجاوز المساحة الهندسية المعروفة و الحيّز الجغرافي"، كما قدم عدة أمثلة انتقاها من شعر عثمان لوصيف و كذا زينب لعوج و غيرهما من الشعراء الذين تعدى المكان في أشعارهم الحيّز الجغرافي أو التوبوغرافي و يتحوّل إلى زمان و تاريخ و حضارة و صراعات.
هذا و تخلل اليوم الثاني من التظاهرة قراءات شعرية وقعتها في الفترة الصباحية كل من الشاعرة نصيرة طلبة القادمة من فرنسا و التي اختارت مقتطفات من "رسالة حب لبغداد"جاء فيها "البعض يولد ليعيش و يولد البعض الآخر ليعاني..و و البعض ينقذ الأرواح، و البعض الآخر يدمرها.."، فيما انتقت الشاعرة الوهرانية صليحة لعراجي قصيدة باللغة الفرنسية أيضا بعنوان"المدينة الساحرة" متغنية بسحر مدينة الجسور المعلّقة، أما الشاعرة ناصرية بغدادي العرجة القادمة من نيويورك فقرأت مقتطفات قصيدتها الجديدة "هن"و "أنا ها هي..هاؤه و نونهن". كما وقعت الشاعرات حنين عمر و عفاف فنوح و جميلة طلباوي و زهرة بوسكين مشاركتهن في مهرجان الشعر النسوي بقصائد جديدة و أخرى قديمة تلبية لأذواق زميلاتهن.
مريم/ب