بقلم زهانغ زهونغوانغ/ ترجمة: جروة علاوة وهبي
لم يكن من السهل فعلا اللقاء «بأخي الكبير» حتى وإن كنا نسكن في نفس المدينة، وكانت لكلينا الرغبة في اللقاء. هذا الأخ الكبير، لاهو ابن أبي ولا هو ابن أمي باختصار ليس لنا أية رابطة دم، ولم يكن حتى ابن عم، ولم نكبر تحت نفس السقف، وكما قلت من قبل فإنه لم يسبق أن التقينا. وقد مرت الآن سنة على تعارفنا، ولكننا لم نفعل وقد مرت الآن سنة على تعارفنا، ولكننا لم نفعل سوى قراءة كلماتنا، دون أن نسمع صوتينا، وحتى أقوله بصيغة أخرى لقد رأينا كينونتنا دون أن نرى بعضنا مظهريا، إننا نلتقي تقريبا كل يوم، وخلال ذلك وفي كل مرة، تكون لنا رغبة في رؤية بعضنا.
آه نعم، إننا لا نلتقي سوى في عالم افتراضي عبر الانترنيت في موقع تحاور اسمه «قدر» فيه اعطيت لنفسي اسما جميلا «أميرة القمر» وذات يوم ظهر فجأة شاب جميل، استخدم كإسم له «الاخ الكبير لاميرة القمر» إن كنت أرغب في أن أكون «الاخت الكبرى» أو «العمة» أو «الجدة» كان علي أن أصحح الاسم واغيره الى «الأخت الكبرى للأخ الكبير لاميرة القمر» أو الى «جدة الأخ الكبير لاميرة القمر» باختصار كان من الصعب نطقه مثل سيارة تقوم بالمناورات دون توقف، وقريبا سأشعر برأسي يدور كنت أعرف أنه حتى لو غيرت اسمي الى «الأخت الا له الصغيرة» فإنه سوف يعطي لنفسه إسم «الأخ الكبير لأخت الاله الصغيرة» يقول أنه دخل الموقع للملاحظة لبضعة أيام فوجدني ليست سيئة وتوصل الى أنني قد أكون جميلة، بعدها فقط قرر أن يصبح «أخي الكبير» لم يطلب رأي، ولم تكن لي حيلة للتخلص منه، وليس لي أية معلومات عنه، عندها سألته «كم عمرك؟» -»انني أكبر منك» كان رده -»ليس أكيدا» كان ردي «قال «أنا أخوك الكبير فكيف أكون اصغر منك» وتركني فاغرة الفم.
انني متواجدة اذن مع أخ كبير. أخ كبير على خط الموقع. عندما نتحدث إن تأخرت في الرد عليه يعرف أنني فتحت نوافذ أخرى. فيبدأ في الاحتجاج «من الذي يزعج اختي الصغيرة؟» ... «لاتعرف الى أي حد تكرهك». ملاحظاته تضع كل الاصدقاء الذين اتحدث معهم عادة في حرج. فيقولون لي «اخوك الكبير هنا» ويفرون مثل الاطفال المتوحشين ويرغمونني على الرضوخ لاهوائه، ويستولي علي الغضب واتجاهله احيانا عمدا. عندها يهمس «أختي أي خطأ ارتكبت؟ فهما كانت اخطائي يجب أن تسامحيني فكما يقولون الاخت الصغيرة لا تحاسب أخاها الكبير» ما الذي جعلني اكون أخوك الكبير؟ كان فعلا محظوظا عندما فكر في هذا باستخدام «الأخ الكبير» و»الأخت الصغيرة» معا يجعلا ن قلبي يرفرف ويغمراني بموجة حرارة لذيذة، لم أعد قادرة على تجاهله، الأخ الكبير كان موظفا «كامل وقته» بمعنى أنه يعمل في مؤسسة، وعندما اسأله ما هي؟
يقول «ربيرنيك» ومعنى ذلك حرفيا «عنق الكاوتشوك» ولكنه في الحقيقة يعني «الفضولية» انه التفسير الذي امدني به، بعدها لم أجرؤ على سؤاله عن أي شيء، مثل سنه أو إن كان متزوجا. على الاعتراف بأنني معجبة بالاخ الكبير، لغته الأنجليزية جميلة، وكان قادرا حتى على الكتابة بهذه اللغة، ذات مرة سمح لي بتنشيط سهرة بالانجليزية في الوحدة التي أعمل بها، فطلبت منه أن يكتب لي كلمة الافتتاح فقبل، وفي أقل من ساعة أرسل لي الكلمة، كان أسلوبه بسيطا وجميلا، ولكنه كان قد ضمن كلمته عددا كبيرا من العبارات الأرغوية الساخرة. الأمر الذي كان له بلبلة عند الأجانب الحاضرين في القاعة.
وحتى اشكره قلت له بأنني أدعوه للغذاء، لكنه رفض «يكفي.. حتى وإن قلت أنك تدعوني للغذاء، اليس أنا من سيدفع؟» طبعا، باختصار لم يكن يرغب في المجيء، مرات أخرى كان يقول بأنه لا يستطيع التنقل، رغم أنه كان يؤكد لي أنه يفتقدني كثيرا وأنه يفكر في طيلة الوقت..
الأخ الكبير، يشبه فعلا اخ كبير، ودائما يطمأن على حالتي، يسألني إن قضيت يوما جميلا، أو هل يمكنه أن يعمل أي شيء من أجلي، وفي كل يوم عطلة. مثل رأس السنة مثلا أو مهرجان الربيع أو الاحتفال بمنتصف الخريف، لا يتأخر أبدا في أن يرسل لي بليلة قبل الموعد بطاقة جميلة، وهكذا عندما اشغل الكمبيوتر في نفس اليوم، يمكنني قراءة تمنياته لي بالسعادة التامة.
أسلوبه الأدبي الذي يكتب به بالمناسبة له خصوصية خاصة، ويجعل رأي فيه يتحسن من يوم إلى آخر بحيث أنه ذات يوم لما لم أجده في موقع «قدر» أحسست بانكسار، وعرفت أنني وقعت في حبه، حتى وإن كنت متأكدة أنه يعرف، حتى وإن لم اعبر له أبدا بوضوح عن ذلك، فعواطفه تجاهي لاشك تؤكد لي اننا كلما كنا نفترق في الموقع، كنا نردد بالتناوب «إلى اللقاء» - «ليلة سعيدة» - «باي» - «سياو» وهذا معناه في كل مرة «لا أريد أن اتركك». لكن الاخ الكبير نسي بغرابة عيد فلانتاين في هذا اليوم استيقظت باكرا. وأول شيء فعلته هو تشغيل الكومبيوتر متوقعة استقبال بطاقة منه، لكنني لم استقبل أي شيء طيلة اليوم، ورغم أنني أرسلت له بطاقتي اليوم الذي قبله، وعلى بطاقتي كان يوجد قلب وفيه الصقت صورة لي، وكنت متأكدة من أن عيناي العاشقتين سوف تجعلان قلبه يرفرف مائة في الساعة.
غاب دون مبرر لمدة يومين، وكنت مصممة على انتظاره في موقع «القدر» احيانا ابقى مرتقبة طيلة الليل، بعض اصدقاء الأنترنيت يريدون الحديث معي، لكنني في كل مرة أرفض بلباقة، عليهم أن يعرفوا انني في انتظار. لم يظهر إلا بعد عشرة أيام، توقف قلبي وسألته إلى أين ذهب كل هذه الفترة، تجنب السؤال لوقت طويل، لكنه انتهى أخيرا إلى القول بأنه لم يغب، وكنت امل فعلا أن يكون قد ذهب في رحلة عمل، لكنه كرر بأنه لم يذهب إلى أي مكان، فعلا لم يذهب، فأمطرته بكل المرارة والاحاسيس التي تراكمت خلال تلك الأيام، لو كنت قادرة على ضم الدموع إلى «الاخت الصغيرة، كنت اغرقت كومبيوتريه» قلت أنه لا قلب له، لابد أن نلتقي وجها لوجه في الغد.
لم يكن عنده اختيار، حتى لو كان جد مشغول حتى لو كان متأخرا، هددته إن كان ذلك لا يعجبه فلن اعيره اهتماما بعدها ابدا، في النهاية اقتنع باظهار الريشة البيضاء، إنه تعبير علمني أياه ومعناه «استسلام»،
رد بأن نلقي غدا مساء قبل أن نتقابل أمام مدخل مقهى، طلبت منه إعطائي صورة له، لكنه قال لي بأنه ليس ضروريا، و أنه سيعرفني و بأن صورتي تظهر له بمجرد غلق عينيه. المقهى موجود بالضبط أمام منزلي، إنه مكان مفضل عند العشاق الشباب، يلتقون فيه غالبا، كنت معجبة بواجهته ذات الأسلوب المهذب، و كنت قد قررت أن يكون أول موعد لي مع شاب في هذا المكان. ليس هناك سوى نصف ساعة تبعدني عن الموعد الذي اتفقنا عليه، لم أعد قادرة على الاستقرار في مكاني وضبت نفسي، و بدأت أقوم بالذهاب و الإياب داخل منزلي دون توقف، كنت مرتدية ثيابي و ماشطة شعري بنفس الأسلوب الذي في الصورة حتى يتمكن من التعرف علي دون مشقة، ذهبت إلى مدخل المقهى قبل الموعد بعشر دقائق، و كنت ابتسم لكل رجل يمر أمامي، و مع تقدم الوقت كنت أقول بأن «أخي الكبير» يتقدم هو كذلك نحوي، صامتة، كنت أتمنى أن يناديني بصوت عذب «أميرة القمر، أن يغمض عيناي بلطف و يجعلني أخمن من يكون، بأن يقدم لي وردة جميلة، أي نوع من الرجال هو؟ من يشبه؟ هل هو طويل أم قصير؟ بدين أم نحيف؟ كبير في السن أم شاب؟ كان غموضا بالنسبة لي تاركا مكانا أكثر للخيال و جاعلا إياه أكثر جاذبية و غواية، ماذا يهم نوع الرجل الذي هو؟ ماذا يهم مظهره؟ أكان طويلا أم قصيرا؟ بدينا أم نحيفا، كبيرا في السن أم شابا؟ لست مهتمة بذلك، و لا يحسب سوى العواطف التي يشعر بها نحوي، كان بالضبط مثل ما هو في هذه الأغنية «إنك تحيرني، و أفضل أن تعاملني ببرودة، و لا يهم في أي ركن بقلبك أتواجد، إنني أرغب فقط أن أعرف هل يمكنني العيش معك، و كم من الوقت». مرت دقيقة من الوقت و بعدها دقيقة و ثانية بعد ثانية، مر وقت الموعد منذ زمن طويل «و الأخ الكبير» في العادة كان شخصا منضبطا. كان كأنني أعرف بعد، أن هذا اليوم هو الذي سيكون علامة لانتهاء حكايتنا، بسرعة بدأت دموعي تتهاطل كالمطر، يائسة، كنت أريد أن أنادي كل رجل يمر قرب المقهى «أخي الكبير». أخيرا لم يظهر، أبدا، لكنني كنت متأكدة أنه جاء و أنه مر بالقرب مني و بأنه تأملني ببطء، و أنه ربما واجهني و همس «إنني حقا أحبك كثيرا أميرة القمر، ثم اختفى في صمت.
منذ هذا اليوم لم التق به أبدا في موقع «القدر» «الأخ الكبير لأميرة القمر» منذ هذا اليوم أصبحت أحب الاستناد إلى حافة النافذة لأشاهد مدخل المقهى منتظرة ظهور «الأخ الكبير» إنه حتى اليوم شيء مبهم بالنسبة لي.