الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

في رسالة دكتوراه بجامعة عنابة

التراث الشعري لخليل حاوي يخضع لمحك الأسلوبية و يكشف عن أسباب نهاية صاحبه التراجيدية
اتخذ الباحث عبد السلام بن مخلوف جغدير تراث الشاعر القومي خليل حاوي حقل بحث ودراسة لتطبيق منهج الأسلوبية في أحدث تمظهراتها من خلال رسالة دكتوراه موسومةٍ بـ: «شعر خليل حاوي دراسة أسلوبية».أخضع بموجبها دواوين الشاعر الخمس: «نهر الرماد» (1957)، «الناي والريح»: (1961) «بيادر الجوع»
( 1965)، «الرعد الجريح» ( 1979،)، «من جحيم الكوميديا» ( 1979) لمحك النقد والتحليل والقراءة
وجعل منها عينات اختبار لبحثه.
الباحث الذي قدم أطروحته مؤخرا بجامعة عنابة أمام اللجنة المشكلة من الأساتذة: عمر لحسن ورابح بوحوش ويوسف وغليسي وعلي ملاحي وبلقاسم بلعرج، ونال بها درجة مشرف جدا أهداها لروح جده بدا متأثرا بشاعر قومي قال عنه إنه شاعرٌ آمن كثيرا بمقوماتِ أمتِّه، ورأى أنه يمكنها أن تكون رائدةَ الأمم في مجالات شتّى، وخاصة أنها تمتلك أرضا مترامية الأطراف،وشبابا ثائرا لا تعُوزه الحماسةُ والإقدامُ، وعمقا تاريخيا وحضاريا تشهد عليه المدنُ الأثريةُ والمتاحفُ العالميةُ، وأفنى عمرَه مدافعا عن قضايا أمته – لغة وترابا وعرقا- ولكنّه انتهى نهايةً مأساويةً عندما وضع حدا لحياته، ذات يومٍ من سنة 1982م، حين رأى جنودَ الاحتلال الإسرائيلي يجوبون الضاحيةَ الجنوبيةَ لعاصمةِ لبنان بيروت.
وانطلاقا من الزخم الشعري للراحل، جاء اختيارُه لشعره ليكون حقلا يطبق فيه ما وصلت إليه الأسلوبيات –علما ومنهجا-، مستهدفا من وراء ذلك وصف النظام اللغوي للشاعر؛ وتدعيم دراسة الأدب بمنهج علمي يسهم في استنطاق النصوص، ويكشف مكنوناتها من الداخل.
وتجسيد الصور الشعرية والدلالات السيميائية عند حاوي، ومدى قدرته على التوفيق بين جدول التأليف والاختيار، وتحقيق عنصر الشعرية في لغته، وبالتالي تحقيق فرادة التجربة الإبداعية وأصالتها.
وعلى مدى خمسة فصول شرح الباحث واستبطن دواوين الشاعر عبر الجوانب الصوتية، والصرفية، والتركيبية، والتصويرية، والدلالية، والبحث في اللغة الشعرية واكتشاف ما في بنياتها الأسلوبية، وتحليلها من حيث مكوناتهُا الخطابيةُ وإبرازُ خصائصِها المميزة.


ليخلص بعد سنوات من التفاعل والبحث إلى نتائج كثيرة على مستوى المنهج والموضوع؛ منها أن تطور الإيقاع في شعر خليل جاء متجاوزا نمطية العروض الخليلي، كما أنه لم يلتزم بالنظام العمودي للقصيدة، وقد انفتح على آفاق واسعة في غمرة البحث عن القصيدة الحلم/ الأمة، فعدل عن المألوف على الرغم من التزامه بنمط التفعيلات الخليلية؛ بزحافاتها وعللها؛ ولكنه وظفها توظيفا دلاليا خاصا.
وبرزت ظاهرة التوازن في شعره، وطغت على باقي أنواع الترصيع كالمطرف والمتوازن، وهي من أشرف وأصعب أنواعه، فخليل شاعر مقتدر ترك أسهل الأساليب وامتطى أوعرها، فوُفِّق في ذلك توفيقا ظاهرا، تاركا ديوانا شعريا غاية في الصناعة والتفنن.
 وآمن الشاعر إيمانا يقينيا بأن التغيير نحو الأفضل لن يكون من خارج الماهية الشرقية ولن يسمح لنا غيرنا بالنهوض إلا إذا تسلحنا بأهم مقوماتنا الحضارية؛ وهي: القومية العربية، والوحدة، والثورة النابعة من ثقافتنا، وكفاءتنا، وقدراتنا الذاتية.
 كما أن الشاعر وظف أبنية الأفعال المعروفة في اللغة العربية بدلالاتها المختلفة، ولكنه لم يستعمل البناء «فاعل» للدلالة على التظاهر، ولا البناء «تفاعل» للدلالة على المشاركة على الرغم من أنها من أهم دلالات البناء «فاعل» وأكثرها استخداما في اللغة العربية، وهو أمر أخرج الأبنية الصرفية للشاعر من التوظيف العادي للغة إلى التوظيف البَنّاء وينمّ عن وعيه بدقائق تصريف اللغة بنيويا، ووظيفيا، ودلاليا. كما أنه يمتلك قدرة عجيبة على صهر الصور، والتناصات، والرموز والأساطير، فلا يكتفي بإيرادها؛ ولكنه وظفها توظيفا خاصا، وقد يحوّرها، فتضيع الحكاية الأصلية في تلافيف شعره، ومع ذلك يقوم بصنع صورة أخرى أو تناص مختلف برؤية خاصة، أو يخلق رمزا جديدا، أو يبعث أسطورةً شعرية جديدة تعبر عن حالاته النفسية، والشعورية بصدق حقيقي. وأفلح الشاعر في بعث الحياة في الرموز الطبيعية الميتة ك» النار، والحجر، والماء، ...»
وعلى المستوى الإيديولوجي أعاد الشاعر تشكيل الوجود وفق فلسفته الخاصة، فكان عنده العالم الموازي الذي تختفي فيه الفروقات، وتزرع في جماده الروح، ومع ذلك نجده ينتصر للموت في آخر دواوينه الشعرية «من جحيم الكوميديا». فقد عاش مفارقة عظيمة تشكلت مع بداية القصيدة الأولى «البحار والدرويش» وانفجرت في القصيدة الأخيرة «شجر الذر»، حيث آمن بإمكانية الانبعاث والنهوض من جديد، ولكنه أصيب بخيبة أمل كبيرة فاقت الحدود، وهو ما دعاه للانتصار للموت والاستهزاء من سخرية الأقدار، وقد تجسدت هذه الفكرة وأصبحت مذهبا في ديوانه الأخير «من جحيم الكوميديا» وعلى مسار عمره الإبداعي انقلبت الرؤية عند حاوي من رؤية حالمة متفائلة بالمستقبل في الديوان الأول والثاني   
   إلى سوداء حالكة لا حياة فيها بعد ذلك، إذ انقلبت إمكانية الوحدة والنهوض بعيدا عن الفروقات العرقية، والدينية، والجغرافية، إلى فرقة وتشتت؛ فبقدر الحلم كانت الخيبة لذلك كره الشاعر الحياة وما فيها من خير. الباحث ورغم ما وصل إليه من نتائج وسعة فصول بحثه عموديا وأفقيا إلا أنه أبى إلا أن يدعو الباحثين لمواصلة التنقيب في تراث خليل وسبر أغوار ذاته الفنية والإيديولوجية واستبطان هواجسه؛ لأنها بشكل أو بآخر تعد هواجس أمة تتطلع لأفق يحمل فجرا صادقا في دهاليز دجى الليالي الحالكة؛ لتكون دراسته مقدمة لما بعدها وليست خاتمة.
                             ع/خلفة

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com