السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق لـ 21 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

لماذا يهرب الكتاب إلى فايسبوك

مواقع التواصل الاجتماعي لم تخدم صورة المثقف  و أنجبت دخلاء على الإبداع
تحولت مواقع التواصل الاجتماعي و بالأخص الفايسبوك، مؤخرا إلى حلبة للسجال و التراشق بالكلمات بين مثقفين جزائريين، باتوا يفضلون العالم الافتراضي لنشر كتاباتهم و الترويج لأفكارهم و التعبير عن مواقفهم، تجاه ما يقدمه غيرهم، بدلا من اللقاءات الأدبية و الفكرية الواقعية التي هجروها تدريجيا، فاتحين بذلك المجال أمام أشباه مثقفين و دخلاء على الإبداع، صنعوا لأنفسهم أسماء من العدم و نسبوا لكتاباتهم صفة الأدب، كما عبرت عنه أسماء أدبية و إعلامية و شعرية جزائرية، مؤكدة بأن مواقع التواصل شوهت صورة المثقف الجزائري و أصابتها بالعطب.
يرجع كثيرون السبب وراء هروب المثقف الجزائري نحو الفضاء الافتراضي، إلى غياب مساحات الحرية للتعبير، و توفر خاصية التفاعل المباشر مع القراء، و يرون أن لذلك  وجهان، الأول إيجابي، أما الثاني فهو سلبي، يبرز من خلال الانحراف في صورة المثقف، و سببه هو أن مجتمعنا بمختلف فئاته لم يبلغ بعد درجة النضج الكافية للتحكم في مواقع التواصل و التعامل مع أصدائها، و هو ما أنتج صراعات كثيرة طفت إلى السطح مؤخرا، و صنعت الحدث في الساحة الثقافية الجزائرية، كونها تداولت أسماء لطالما كانت صورتها براقة في أعين المتلقين، غير أن مستوى النقاش الذي دار بين هؤلاء المحسوبين على النخبة، كانت له انعكاسات سلبية على صورة المثقف التي اهتزت كثيرا، وهو ما تطلب تدخل أطراف عديدة لإحلال الصلح و رأب الصدع الذي مس أيقونة المثقف و كسر تلك القاعدة التي لطالما منحته هيبة و وقارا و قدمته للرأي العام على أنه مثالي.
و يعتبر آخرون بأن الصراع في العالم الافتراضي، هو نتاج لصراع واقعي بين جيلين من المثقفين، جيل ورقي يشعر بالتهديد بسبب تأثير الوسائط الحديثة على جمهور القراء عموما، و جيل حديث من مبدعين شعارهم « أنا في الفايسبوك إذن أنا موجود»، بعدما ظلوا لسنوات في الظل، بسبب سطوة «لوبي الثقافة» الذي ابتلع الوسط منذ سنوات و لا يزال يتحكم فيه إلى يومنا هذا، حسبهم.
نور الهدى طابي
الروائي أمين الزاوي
أوافق أمبيرتو إيكو عنـدما قال بأن مواقع التواصل أنجبــت كتابـا مجانين
«مواقع التواصل إيجابية من ناحية، لأنها تخلق نوعا من التفاعل الحقيقي بين المثقفين و العامة، لكن الشبكة الافتراضية لا تتقدم في غياب الفضاء الثقافي العام، وهو في الجزائر فضاء معطوب، لذلك فاستعمالها معطوب كذلك أنجب الكثير من الطفيليات التي باتت تشوه هذه الخدمة و تفرض فوضى و قلة احترام من خلال النشر تحت أسماء مستعارة وتناول أعمال كتاب و مثقفين بطريقة لا تخدم العلاقات الثقافية و السبب في ذلك، هو أننا لا زلنا نتبنى الثقافة الاستهلاكية في التعامل مع هذه الوسائط الاجتماعية، التي أوافق الفيلسوف و المفكر الايطالي أمبيرتو إيكو، عندما قال عنها بأنها خلقت نوعا من الكتاب المجانين من أصحاب الخواطر، الذين باتوا يتطاولون على من قضوا حياتهم في الكتابة و الأدب.فهذه المواقع عمقت مشكلة القراءة ، و أصبح معها المثقف يعتقد بأنه وصل إلى مراتب كبيرة ،حتى دون أن يقرأ، وهو خلل بات بارزا في شخصية بعض أشباه المثقفين و ليس الجميع طبعا، أنتج خواء في الحوار، ينعكس من خلال مستوى النقاش الذي أثر على هوية المثقف النخبوية و صورته الإيجابية، التي بدأت تتهلهل أمام التمييع في النقاش و اختلاط الحابل بالنابل، لدرجة تشوشت معها هذه الصورة لدى القارئ و خرجت من إطارها التاريخي، على اعتبار أن المثقف هو منبع القيم و منتج الأفكار و السلوكيات.
فضلا عن ذلك، فإن شبكات التواصل جوفت الحياة الثقافية من العلاقات المباشرة ، فبتنا نلاحظ نوعا من الهروب من الندوات الواقعية و الاكتفاء بمناقشة أفكارها على الشبكة، وهو نوع من الخلل في علاقة المثقف بمجتمعه، ناتج عن انسلاخ هذه العلاقة عن صفة الإنسانية وباتت تنقصها الروح، فالإعلان عن ندوة أدبية و ملتقى فكري مثلا، عبر مواقع التواصل يحصد آلاف الإعجابات و  التعاليق، لكن الندوة في حد ذاتها لا تحقق مشاركة تتعدى 30 فردا وهي واحدة من الأعطاب التي بات يعيشها المثقف».

الروائي الأزهر عطية
تهميش المثقف في الواقع دفعه للبحث عن الأهمية في العالم الافتراضي
«غالبية المثقفين الذين باتوا يلجأون إلى مواقع التواصل الاجتماعي يبحثون عن اهتمام فقدوه في الحياة الواقعية بسبب تهميشهم و تراجع مكانتهم وهو ما فرض فايسبوك و تويتر و غيرهما من الوسائط، كبديل  للتعبير عن الآراء و الذات، وهو ما ينتهي بهم أحيانا إلى الانسياق خلف موجة ردود الأفعال التي تؤدي إلى كشف بعض عيوبهم و الإساءة إلى صورتهم الحقيقية.ولعل الإقبال المستمر و الدؤوب على مواقع التواصل من قبل بعض المثقفين و ليس جميعهم، راجع إلى السرعة و التفاعلية التي  تمنحها عكس وسائل التواصل التقليدية أو الورقية، إن صح القول، و بالتالي فإنها توفر فرصة للمثقف للتعبير عن آرائه و انشغالاته و ممارسة دوره الاجتماعي و الشعور بالرضا عن أدائه، من خلال حجم التفاعل الذي تحصده منشوراته، وهو تحديدا التفاعل و الاهتمام اللذين فتحا الباب أمام الدخلاء  و المتطفلين على الإبداع  لخوض غمار الكتابة و الشعر و نشر كتاباتهم عبر صفحاتهم و نسب صفة الثقافة و الأدب لأنفسهم، مستندين في ذلك إلى عدد الأصدقاء و حجم التفاعل مع ما يكتبونه، حتى و إن كان لا يحتكم لمعايير الإبداع. و السبب وراء بروز هؤلاء المتثاقفين، هو أن غياب بعض كبار المثقفين عن الساحة الأدبية و الفكرية  و حتى عن مواقع التواصل أثر نوعا ما على الذوق العام.

الكاتب عبد الرزاق بوكبة
شح المشاريع الإبداعية أسس لمثل هذه الانزلاقات
«من حيث المبدأ، علينا ألا نهمل طبيعة فايسبوك، باعتباره فضاء افتراضي، له اشتراطات معينة، و بالتالي فإننا ملزمون في حالة تقييم حضور الناس في الفضاء الافتراضي، بمراعاة جرعة الحرية الممنوحة لهم، ونسبة حضور الذات في المنشورات، لكن هل يبرر هذا، الانزلاقات الخطيرة في النقاش بين المثقفين؟ إن المثقف ليس طيفا مختلفا عن أطيف المجتمع الأخرى، ومن حقه، وهو يحضر فايسبوكيا، أن يمارس حقه في جرعة الحرية و الذاتية تلك، لكن هل من الذوق، حتى لا نستعمل مصطلح الحق هنا، أن يكون سوقيا و بذيئا و منحطا و لئيما و بعيدا عن أصول التعامل؟ شخصيا لا أرى ذلك، و لطالما آمنت بأن هناك طرقا كثيرة تجعلنا نعبر عن أحاسيسنا و أفكارنا و مواقفنا وحتى عن أحقادنا، من غير أن نبتعد عن اللباقة و قاموس المثقف.قلت لصديق: هناك خصوصيات علينا أن نتعامل معها بنبل مهما كانت حاجتنا، ونحن نصارع لاستعمالها، لأنه  من غير المسموح لنا أخلاقيا إخراج دردشاتنا إلى العلن، وتقديمها سلاحا ضد أحد لأنها قيلت في سياق خاص جدا، وربما من منطلق حميمي أصلا. قلت له أيضا: لا أحد يمنعك من الدفاع عن نفسك ضد هجمة أو تهمة أو مظلمة معينة، لكن وفق الأطر القانونية والأخلاقية، لماذا لا تلجأ إلى المحكمة مثلا، إذا تم قذفك؟ عوض اللجوء إلى الفايسبوك؟ أنت تقول إنك مثقف و أنت أولى الناس باستعمال القانون والاستفادة من ثماره في نفس الوقت؟
إن تجربة الكبت والخوف التي عاشها المثقف الجزائري طيلة سنوات العنف والإرهاب وظهور الفايسبوك مباشرة بعد ذلك، بكل الحرية التي يتيحها، جعله يُستعمل من طرف البعض مساحة للتطهير لا للتفكير، ثم إن غياب المشاريع الإبداعية، سواء ذاتيا أو جماعيا، يؤسس لمثل هكذا انزلاقات، إذ لا يستطيع مثقف يملك مشروعا ورؤية واضحة أن ينزلق خارج ما تسمح به الأصول المختلفة. هل هي مرحلة تتطلب وقتا معينا ثم تنجلي لصالح مرحلة يصبح فيها الفيسبوك نافذة مفتوحة على نبض الحياة؟ أم أنها ثقافة متأصلة فينا، وسوف تتفاقم إلى ما هو أعفن و أكثر شيطنة؟ هنا يسيطر علي هذا السؤال: ماذا لو كان الفيسبوك متاحا زمن الإرهاب في الجزائر؟ كم جزائريا كان سيموت بسبب ذلك؟
هنا أيضا، علينا ألا نتعسف، فنعمّم الأمر على الحضور الفايسبوكي الجزائري كله، ذلك أن ما يحدث من تنابز في الفايسبوك لا يمثل إلا نسبة معينة قد تكون امتدادا لنسبة الحقد في المجتمع، ما عداها هناك ما يفرح فعلا ويشرف ويدعو إلى التفاؤل».

الشاعر سليمان جوادي
غياب الضوابط على الكتابة و الألقاب الإعلامية البراقة خلقت نخبة وهمية
 «مواقع التواصل الاجتماعي ورغم أهميتها التفاعلية، خلقت نخبة وهمية، فالجميع أصبح شاعرا و الكل بات كاتبا و روائيا، و السبب هو غياب ضوابط على الكتابة أو بتعبير أدق عدم وجود سلطة رقابة و تقييم، عكس الحياة الثقافية الواقعية التي تحتكم للنقد المتخصص عادة، كما أن السبب الرئيسي خلف الصراع السطحي الذي تلعب بطولته أسماء ثقافية فهو على ما أعتقد تلك الألقاب الإعلامية البراقة التي يروج لها «كفارس الإعلام و شاعر الجزائر» و غيرها، و كلها ألقاب على بساطتها تصنع هالة وهمية من العظمة و تمنح شعورا بالأهمية يصبح من الصعب معه تقبل أي نقد سلبي، ثم أن هنالك مسألة لا يجب إغفالها وهي ما بات يعرف ب «جيش الأصدقاء» الذي يعد محرضا رئيسيا على الدخول في الصراع والتعمق فيه و الانحدار لدرجة الإسفاف.
 مع ذلك تجدر الإشارة ،إلى أن السبب وراء تدني مستوى النقاش عبر الفايسبوك، هو وليد احتقان عوامل خارجية تضغط على المثقف الذي يجد في موقع التواصل الاجتماعي متنفسا له، شخصيا سبق لي أن تدخلت لحل لخلاف بين مثقفين جزائريين صديقين لي و لكنني وقعت ضحية ظنون خاطئة من الطرفين، إذ أعتقد كل واحد منهما بأنني متحيز إلى الآخر و السبب هو، كما سبق و ذكرت، جيش الأصدقاء الذي يلعب دور الهرمون المنشط للعداء.
فايسبوك وغيره من المواقع، وسيلة للتواصل، مثلها مثل أية وسيلة اتصال أخرى كالهاتف و الفاكس، التي يحتاجها المثقف والإنسان العادي للتواصل مع الآخرين. لكن هذه الحميمية التي أضحت تتواجد بين الإنسان، سواء العادي أو النّخبة، اتجاه هذه الوسيلة التكنولوجية الحديثة، لا يمكنها بأي حال من الأحوال من أن تكون بديلا عن الأدوات التي اعتاد المثقف والمبدع أن يتواصل بها مع جيله ، لا يمكن في الوقت الراهن، أن يكون الفايسبوك بديلا عن الجريدة والمجلة والكتاب..»، لأن العلاقة التي تربط المثقف مع هذه الأدوات، لا يمكن أن تندثر بوجود هذه الوسيلة المتطورة في الوقت الحالي. أما عن لجوء المثقفين بكثرة إلى هذه الوسيلة التكنولوجية في الفترة الأخيرة، فالسبب هو أنها وفرت فضاء للحرية و التفاعل المباشر مع القارئ.»

الشاعر عبد العالي مزغيش
الصراع العلني عبر مواقع التواصل أعطى انطباعـا خاطئا عن مستوى المثقف
«الصراع بين المثقفين على مواقع التواصل خطوة غير منطقية و لا مقبولة، يتوجب على كل محسوب على النخبة أن يتنازل حتى وإن تعرض لهجوم معين، لأن نشر الغسيل على فايسبوك و غيره من المواقع، أعطى انطباعا خاطئا عن المثقف و صورة مبتذلة عن مستواه أسقطته في الإسفاف و الابتذال.فالقراء المتتبعون للمثقف، باعتباره قدوة في مجتمع كمجتمعنا، يكتشفون جوانب غير مستحبة من شخصية من يفترض بهم أن يمثلوا زبدة المجتمع، ينتظر منهم معارك فكرية و أدبية ذات مستوى عال من شأنه إثراء الساحة الثقافية، لكن غياب قنوات الحوار حاد بالمثقف عن المسار المنوط به، و السبب هو عدم وجود مقاه و نواد ثقافية،و هجر المثقفين للحلقات الأدبية، أين كان يمارس المثقف عاداته في النقد و التحليل  لذلك انتهي به المطاف إلى نقل الصراع الفكري إلى مواقع التواصل  ما يخلق العداء و ينتج التراشق.
بالنسبة إلي فإن السجال بين سعد بوعقبة و حميدة العياشي مثلا، يعد من أجمل المعارك الراقية بين المثقفين و يقدم صورة حضارية عن الصراع الفكري البناء الذي يجب ألا يقع في فخ الفايسبوك الشعبوي، لأن صفة الثقافة و النخبوية مسؤولية تفرض على حاملها حتمية تنقيح و مراقبة كل ما ينشره قبل أن ينشره، و تجنب الميل نحو تصفية الحسابات و تعرية الآخرين».

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com