• جريدة
« المغرب الكولونيالية" :
ورد في جريدة « المغرب « لمؤسسها بيير فونطانا (Piérre Fontana) في عددها الصادر يوم الثلاثاء 15 أفريل 1903 الهدف من إقدامه على إصدار صحيفته Le Maghreb باللغة العربية قائلا:»...إنّ الغاية المقصودة من جريدة المغرب هي السعي في التأليف بين الأهالي من سكان هذا الوطن وبين الأمة الفرنسوية وذلك بإزالة كل خلاف وبيان ضرورة المعاملة بالجميل من جانبي الأمتين والبحث عن وسائل الاصلاحات اللاّزمة لترقى الأمة الإسلامية
وبعد ما فهم هذا الغرض مِنَّا كُتاب أفاضل من المسلمين ووقع لديهم الاستحسان لبُّوا دعاءنا مخلصين للعمل في هذه الوجهة الشريفة فلنكرر هنا ما قدمناه لهم من حمد مسعاهم ولنثني على حضراتهم بالشكر الزائد .
بيار فونطانا
مُعرِّبه مصطفى بن أحمد شرشالي
ثمّ يذكر فونطانا صاحب جريدة « المغرب « الكُتاب الذين لبّوا دعوته للمشاركة والمساهمة في تحرير جريدة « المغرب « باللغة العربية وكذلك ترجمة ما يُنشر فيها من الفرنسية إلى العربية ليطلع عليه أكبر عدد من القرّاء في الجزائر المُسْتَعْمَرَة قائلا :دونك أسماء السادة الذين عرضنا عليهم بيان الطريقة التي تسلكها جريدتنا فوافقوا عليها نهائيا ووثقنا بمشاركتهم لنا فيما نحن بصدده .
حضرة السادة: علي بن الحاج موسى الإمام بجامع سيدي عبد الرحمان .
عبد القادر المجاوي مدرس بمدرسة الجزائر .
السعيد بن أحمد بن زكري مدرس بمدرسة الجزائر .
عبد الحليم بن سماية مدرّس بمدرسة الجزائر .
عمر بن بريهمات مدرس بمدرسة الجزائر .
علي العمالي مدرس بمدرسة الجزائر.
محمد بن شنب مدرس بمدرسة الجزائر.
محمد بن مصطفى بن الخوجة المدرس بجامع سفير.
محمود بن مصطفى باشا المدرس بجامع سيدي رمضان.
خطيب عمر بن أحمد المدرس بالجامع الأعظم .
محمد ولد معمر صوالح المدرس بمدرسة بوزريعة التجهيزية.
مصطفى بن الحاج موسى عضو في النيابات المالية .
محمد بن صيام عضو في النيابات المذكورة.
علي بوضربة الطبيب بالجزائر.
الحبيب بن قطاط عضو من جمعية التجار بالجزائر.
مصطفى ولد عيسى الترجمان بإدارة الأملاك.
حمود شعلال موظف بإدارة العمالة ...
وبعد تقديم الجريدة وأهدافها وأسماء المتعاونين معه من الجزائريين ورد بعد افتتاحية الجريدة تغطية شاملة لزيارة رئيس فرنسا لمستعمرته الجزائر وكان رئيس فرنسا في ذلك الوقت هو:
Emile Loubet المولود في 31 ديسمبر 1838 بمدينة Darsane (Drone) وكان انتماؤه السياسي إلى اليسار الجمهوري وبعد تقلده لمناصب عدّة في دواليب الدولة الفرنسية انتخب رئيسا للجمهورية الفرنسية في 18 فيفيري 1899 كما ورد ذلك في صحيفة L’Etudiant algerien ( التي تصدر ثلاث مرات في الشهر ) عدد :6 يوم الإربعاء 15 أفريل 1903 وتذكر جريدة الطالب الجزائري أيضا أنّ رئيس بلدية الجزائر آنذاك هو M . Frédéric Altairac المولود بالجزائر عام 1852 .
• هدايا حضرة رئيس الجمهورية الفرنسوية :
تقول جريدة « المغرب «: عملا بالعادة المألوفة في باب التعطفات الخيرية من أن رئيس الدولة الفرنسوية يتقدم بهدايا إلى من نالوا الحظوة بزيارته إياهم من أعاظم قادة الوطن كي تكون تلك الهدايا علامات حسية على رضاه عمن أهديت إليهم .
من بين الهدايا تقول الجريدة :»أخذ حضرة رئيس الجمهورية الفرنسوية أشياء رفيعة القدر يمنحها إلى أعظم قادة رعاياه المسلمين منها: إبريق من فضة مذهبة عجيب الشكل على النمط المنسوب إلى لويس الرابع عشر يكرم به حضرة الرئيس بطل الجزائر في هذا العصر وأعظم رجالها السيد الكولونيل ابن داود الذي سعى بكل جدّ وحزم في توطيد أركان الأمن في اتجاه الوطن «
• عربي ... عربي ولو كان الكولونيل ابن داود؟
يعتبر البعض الكولونيل ابن داود الجزائري هو مجرّد أسطورة وخاصة لمّا علِق به ذلك المثل الشائع بين أوساط الجزائريين والقائل :» عربي .. عربي ولو كان الكولونيل ابن داود.؟» يعني الجزائري يبقي جزائريا حتّى ولو بلغ الرتبة العسكرية التي بلغها ابن داود ؟ أو هو مثل يسعى إلى نشر الوعي وسط أولئك الجزائريين من دعاة الاندماج أو الالحاق الذين يطمحون ليكونوا فرنسيين في يوم ما، فهو يُذَكرهم أن لا أمل يُرتجى من ذلك ، وقد يكون المثل يعني ما قاله الشيخ ابن باديس فيما بعد وهو : لا ينبغي للجزائر أن تكون فرنسا حتّى ولو أرادت ذلك ، وقد يعني أيضا أنّ الجزائري لو خرج من جلده ليصبح فرنسيا فلن يكون له ذلك ، وهي الحتمية التاريخية التي تجعل من هذا المثل السائر عِبرة وتذْكِرة لمن شاء أن يتذكر أو يعتبِر .
• من هو الكولونيل ابن داود ؟
الكولونيل ابن داود هو : محمد بن داود، المعروف باسم الكولونيل بن داود، فهو جزائري كان أول من تلقى دراسته العسكرية في المدرسة العسكرية التي أسسها نابوليون والمعروفة باسم «سان سير» و هو من أوائل العسكريين المسلمين الجزائريين في الجيش الفرنسي آنذاك ،قبل أن يتحصل على الجنسية الفرنسية ونحن نعلم من الوثائق الاستعمارية أنّ مثل هذه المدرسة العسكرية ليس مُتاحا لأيّ كان من الجزائريين أن يدخلها لكنّ الكولونيل ابن داود دخلها مُكافأة لخدمات والده لفرنسا فهو الذي كان يتمتّع بنيشان « باش آغا «لذا يُعتبر من « خَدَمِ فرنسا الأوفياء « كما يقول الفرنسيون :» Les Loyaux Serviteurs de la France
• حياة الكولونيل ابن داود :
ولد في 1837 في بورداش بضواحي وهران والده هو محمد بن داود، «لاغا الدوايير»، بدأ دراسته في المدرسة العربية بالجزائر العاصمة، ثم التحق بالمدرسة العسكرية سان سير، أين تخرج برتبة ضابط «ليوتنا» في 1858. حقق مسارا مثاليا في الجيش الفرنسي حتى تحصل على الجنسية الفرنسية عام 1877 ثم ترقى إلى رتبة عقيد «كولونيل» في الكتيبة الأولى «السبايس الجزائرية في 1889.
• سبب المقولة الشهيرة ؟
هي قصّة شعبية تُروى من طرف العامة وحتّى الخاصّة تقول : إنّه في إحدى الحفلات الراقصة التي كان يقيمها الفرنسيون أراد الكولونيل ابن داود أن يحضرها فلم يسمح له الفرنسيون بالدخول بدعوى أنه عربي ولا يسمح في مثل هذه الحفلات بالدخول للعرب فرجع الكولونيل على أعقابه غاضبا وحزّ في نفسه وهو الذي يتوشّح برتبة عسكرية رفيعة المقام ؟
وقد يكون ما حدث مع الكولونيل ابن داود هو الذي أوحى للكاتب الكولونيالي الفرنسي جول روا Jule Roy فيالعشرينيات من القرن الماضي أن يعيد صياغة هذه القصّة مع بطل روايته « خيول الشمس «Les Chevaux de Soleil» وهو الطفل الجزائري المنضبط مع المسار الفرنسي التقليدي المعروف يكون مهذبا ويتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي ويُتوّج بالشهادات الفرنسية ويؤدّي الخدمة العسكرية الفرنسية بامتياز ثم يقع في حبّ طفلة فرنسية فيتقدّم لخطبتها فترفضه عائلتها لكونه كما يُقال في الوسط الفرنسي العنصري هو « Bicou « حتّى ولو أدّى كلّ الواجبات الفرنسية بتفوّق وتميُّز ملحوظين ولعل هذه التسمية التّحقيرية هي التي أوحت للشاعر الجزائري السعيد الزّاهري أن يُخاطب فرنسا مُتهكما من قوانين «الإنديجنا « الجائرة قائلا :
أَلاَ إنّني " بيكو" ومن بلد " البيكو"
فإن شئتمو اقْتلوا وإن شئتمو ......؟
وقد حذفت الكلمة الأخيرة حتّى لا أخدش حياء القرّاء الأفاضل ...واللّبيب بالإشارة يفهم كما يُقال ...
ونقلت جريدة المغرب بالمناسبة عن الصحيفة الباريسية « الفتى الباريزي» قولها :» لقد صادفت هذه الذكر ى الثمينة محلها ومن أهديت إليه حرىٌّ بها وكيف لا والسيد الكولونيل ابن داود أعظم أبناء فرنسا شجاعة ؟» (صفحة 3 ).
حيث قلد رئيس فرنسا الكولونيل ابن داود نيشان الشهاب الأكحل من أعلى رتبة .
وبهذه المناسبة ألقى رئيس فرنسا خطابا جاء فيه :
سادتي كلما قرب فرنسوي من الشواطئ الجزائرية إلاّ وتراه غير قادر على دفع ما يعتريه من الفرح و الارتياح القلبي إذ وضع جنسنا بأرض إفريقيا التي صارت قطعة تابعة لأراضي فرنسا دلائل واضحة على قريحته وقوة حياته , قاوم الشدائد وذللها مع العلم أن النصر لا يتم نظامه إ لاّ بطول المُدّة .
كما أنّ البحر الواصل إلى شواطئ القطر الجزائري تتعالى أمواجه ثم تسكن مع كونه يجب استعماله للوصل لا للفصل...
• أعيان الجزائر يرحبون برئيس فرنسا :
من بين أعيان الجزائر الذين حضروا زيارة رئيس فرنسا رفقة الكولونيل ابن داود وقدموا التهاني إلى رئيس فرنسا بالمناسبة العلاّمة السيد محمد شيخ الطريقة الرحمانية والقادرية بزاوية الهامل والذي جاء في خطابه : ... إنّي أعرب لكم عمّا في ضميري من كمال الإخلاص وصدق الولاء وكذا بالنيابة عن سائر إخواننا المسلمين الجزائريين فإنّه يحقّ علينا أن نشترك في هذا الابتهاج والسرور ونهاية الفرح والحبور وأن نعُدَّ هذا الاحتفال السعيد من أعظم الأعياد ومن أوقات اليمن والإقبال والإسعاد كيف لا وقد تشرفت أوطاننا الجزائرية عين الأعيان الرفيع الشان، ذي الرتبة الشامخة والمكانة السامية الباذخة، ولي الإنعام ومقر التبجيل والاحترام سمو جناب رئيس الدولة الجمهورية الفخيمة أطال الله بقاءه وأدام عزّه وارتقاءه وكذا من بمعية جنابه السامي من السادة الحكام من أرباب السيوف والأقلام والجميع لهم بيض الأيادي والخدمة الصادقة في دولتنا الجمهورية الفرنسوية السعيدة ذات المزايا العديدة المآثر المجيدة التي أنامت رعاياها في ظل الأمان وأغدقت عليهم سجال العدل والإحسان، وكفت عليهم يد الظلم والعدوان، وأمّنت الطرقات وأجزلت أنواء الخيرات، ونشرت المعارف بين السكان، وأقرت العوائد والأديان ... لازالت مظهرة الجنود معززة الرايات والبنود ونسأل الله تعالى أن يجعل زيارة رئيسنا المفخم لأوطاننا من أسباب النجاح والإقبال، ووسيلة لكل مقصد خيري في الحال والاستقبال .»
هذه هي الخطبة التي جادت بها قريحة شيخ الطريقة الرحمانية والقادرية بزاوية الهامل بالجزائر في 15 أفريل 1903 .
وبهذه الحفاوة المهيبة حظي الكولونيل ابن داود الحقيقة وليس الأسطورة بالتشريف والتكريم من لدن رئيس فرنسا وأعتقد أنّ الحاسدين لمكانته هم من يقف وراء المثل الشائع والقائل « عربي ..عربي ولو الكولونيل ابن داود « مثل سائر يشبه المثل الذي قيل على أعقاب زيارة الوفد الجزائري فيما يُعرف بالمؤتمر الاسلامي عام 1936إلى فرنسا والذي انتظر منه الشعب الجزائري الفتح القريب لكن خيبة الأمل جعلت الشاعر الجزائري السعيد الزاهري وهو يستمع إلى لغط الجزائريين وهم يتساءلون : واش جابوا ...واش جابو ا ؟ ؟ بعد زيارة وفود المؤتمر الجزائري لباريس بما فيهم الشيخ عبد الحميد بن باديس ؟ فقال مثله السائر « جابوا راس الوِزّة « والفاهم يفهم ؟...