إسماعيل يبرير
سأنام عندك فالفضاءُ غمامة:
والقلبُ أرهفُ من حَصى
ومركّزٌ فيه التعذّبُ ليس يَعقلُ؛
ليس يهدأ نبضهُ الموجوعُ
والطُّرقُ التواءات تمجّدها الخرائط
والمتاهة نشوةٌ
لا أبجديّة للصّغير ليقرأ اللّوحات
أو يلهوَ العصرَ الكئيبَ
ولا مجالَ ليطبعَ الخُطوات أعلى الرّمز
يحْتارُ الطّريقَ إليك
يحتارُ المجيءُ إليكِ
لا لون يناسبُ هذه القدمَ الصّغيرةَ غير طينٍ
يُشعلُ الفّصلُ الخريفُ حرائق الطّينِ التي في قلبهِ...
هي حاجةُ،
واليائسون يغيّرون طرائق الموت القريب
ليضمنوا لقبَ الشّهيد فيخلدوا
واليائسون يفتّشون عن الهدوء
لينظموا الحِكمَ التي تنسيهمُ الألم القديم فينشدوا
وأنا أتيتك متعبا –لا يائسا وجد الهدوء أو اهتدى-
والرُّوحُ مثل الرَّملِ مذْ كانتْ جزئيات تشظٍّ
قد كتبتك ريبة ممّا مضى
وحفظتُ أحرفكِ الخبيئة في السّماء
غمامةٌ تتوسّعُ الآن اقتحاما للرّؤى
وأنا أبرّرُ رغبةً بالعمرِ
إنّ العمرَ داليةٌ عَصَرتُ ظلالها
فتقطّرت...
** ** **
وأريدُ أن تلقي رموزكِ
كي أحرّر نصي الفجريّ
أقطفَ موعدا لأحاجج الشّكّ المكدّس
في الطّريقِ
قرأت في غيبٍ أعيشُ وفي الحضور
كأنّ أسفار الطّفولة والصّبا
درسٌ لنخبر وهمنا
لم نمش قطّ على طريق تكنُز الأسرارَ
لم نقض الرّبيع نداعبُ الخوف المقيم
كأنّ أوراق الهوى شفافة
كالسّحر يقرأه الجميع
ويفهمُ المعنيّ،
تفهمُه التعاويذُ الدّفينةُ
أو كأنّ الكلّ كابوس ليسكننا ويفهمنا البقاء
** ** **
أرى الكشوفَ
وددتُ لوْ تنتاب وعييَ رجفة لأعودَ
ويحيَ ما أرى؟
كلُّ الرَّجاء مقامُهَا
كافٍ إذا تُلقي جناحًا من جناحيها عليَّ أكونُ مجذوبًا
وقد اخترقت العالم المحجوب عنا صرت ألفظ قولها:
(أعياكَ أنَّكَ لمْ ترَ اللَّونَ الذي يشفيكَ
أنَّكَ لا تريدُ من الحقيقة غيرَ ما يدنو مِنَ القمحيِّ فالرمليّ
فالحجريّ
يا رجلا يجيء ببطء من يَهَبُ انتظاريَ خَيْبَةً
فيلفّ روحيَ بالقصيدة
ها كَبُرْتَ أيا نديَّ الحاجبينِ وصرتَ تَسعُلُ؛
جفَّ شِعرُكَ
وانتهى
الماءُ في كفَّيكَ هلْ رمَّلْتهَا؟
إذْ ما ترمَّلَتِ القريحةُ فاسقهَا
واشرب زلالاً ثمَّ نحكي كيفَ جئنا مرَّة
ثمَّ انشطرنا كوكبين مِن الكيان وننتهي يومًا معا
كيفَ التقيتُ القافياتِ دَلَلْنني
للسِّرِّ فيكَ
فكنتَ أشهَى مَنْ يَحِلُّ مُرَمَّلا
جسدي يُطيقُكَ بالجِّراحِ وَبالحرائقِ يا نبيًّا بيننا)
** ** **
وغمامة مسكونة بالرّعبِ تنظرُ حولها
مشدوهةً منّا
يداكِ كمهرَتَين ستصهلان على يديّ
وربّما بِهما يُطاقُ القطْرُ
ينزلُ عارفا وجعَ الحنينِ
فهزَّةٌ تنتابني
الماءُ بَعْضٌ مِن تجليكِ الحزينِ
وفضَّةُ بَعْضُ التَّجلي أسعفيني
وتناغُمَا قُولي بأنّي شاعرُ
للماء يا سرّ ارتوائيَ
كيفما وجّهت وجهي لا أرى
أرضا ولست أرى سمائيَ
خضّري الزّمن المغفّل واعبقي
للماء يا أنثى البرودة والنَّدى
للماء يا امرأة ملكته يوم أحرقه التَّأمل،
والتَّكلّم والتّمهّلُ والتعجّلُ والتجمّدُ والتدفّقُ
فيكِ سرًّا قد نذرتُ الحرف في تقديسك اغتسلتْ
رؤايا من غبار الشّكّ
يا أنثى من الماء الدّفقْ
.................
نص من ديوانه الجديد «أسلّي غربتي بدفء الرّخام» الذي صدر هذا الأسبوع عن دار العين للنشر بمصر.