الصحافة مجرد مهنة أعتاش منها وانتظروا روايتي الأولى قريبا
لم يهدر الصحفي نجم الدين سيدي عثمان فرصة مهامه المهنية في افريقيا لتغطية مقابلات المنتخب الوطني وأندية جزائرية، كما يفعل بنو مهنته عادة، وعاد إلينا بكتاب رحلات ممتع يكشف فيه عن وجوه إفريقيا التي نجهلها ويصحح الأفكار المغلوطة التي نحملها عن جيراننا. النصر حاورته بمناسبة إصدار الكتاب الذي يحمل عنوان: رحلات جزائري في ربوع إفريقيا/ حكايات ومشاهدات من مالي إلى ليزوتو في 137 يوما.
حاوره: سليم بوفنداسة
- متى راودتك فكرة تدوين رحلاتك الافريقية في كتاب، و ما الذي حرّضك على ذلك؟
فكرة الكتابة تسكنني و تعيش معي، تسافر معي أيضا، ولا أذكر أنني توقفت منذ 15 سنة عن الكتابة أسبوعًا على الأقل، شيء من اليوميات الإفريقية كان يصدر في حينه في الصحيفة التي أشتغل بها، أما بقية التفاصيل فتوزعت بين حسابي على «فايسبوك» وبين مذكرتي كرؤوس أقلام وبين صور عدت إليها لاستذكار بعض التفاصيل التي غابت عني أثناء كتابة النص النهائي، المحرض الرئيس كان الوقت، عند العثور على سانحة تمثلت في إجراء عملية جراحية ألزمتني الرّاحة، رتبت كل شيء في مؤلف حرصت فيه أن تكون مادة محفزة على القراءة، تخرج عن سياق السرد الجاف للمعلومات، تتفادى البطء الذي يصيب القارئ بالملل، كان هناك تسارع، فتعمدت اقتحام البلدان الإفريقية من أول صفحة، فهذا ما يبحث عنه القارئ في النهاية، يريد أن يعرف البلد لا ثقافة الكاتب.
- يكشف لنا كتابك أننا لا نعرف إفريقيا، أو لا نعرف عنها إلا القليل. برأيك لماذا هذا البعد عن إفريقيا رغم أننا أكبر دولة فيها؟
لأننا نهتم بالبعد العربي، المتوسطي، وبدرجة أقل المغاربي ونهمل جذورنا الإفريقية، وكأنه لا صلة لنا بهذه القارة، هناك دول عربية غرست جذورًا لها في إفريقيا مثل لبنان و المغرب، بالنسبة لنا لم نعزز علاقاتنا الاقتصادية، حتى الهجرات الجزائرية إلى إفريقيا قليلة، باستثناء التواجد في غرب القارة وشيء في جنوبها فالجزائري يجد صعوبة في العيش في إفريقيا ولكن هذا لا يحدث مع التونسي مثلا أو المغربي، فضلا عن ثقافتنا المتوسطية العربية، التي جعلتنا نتناسى جذورنا الإفريقية، و نهملها و كأنه لا رابط لنا بإفريقيا.
الأفارقة متحضرون في الغالب ونظرتنا عنهم خاطئة
- بعض المواقف التي تسردها في الكتاب تؤكد أن «تعالي» سكان شمال إفريقيا على جيرانهم في الجنوب لا مبرّر له، لأن الإفريقي لا يقل إنسانية وتحضرا ويتفوق في الكثير من الأحيان على غيره، رغم قساوة وضعه؟
الإفريقي في المدن الكبيرة التي زرتها، وحتى في مدن أقل حجمًا من العواصم الاقتصادية و السياسية، متحضر في الغالب، سلوكه مستمد من الحضارة الغربية حيث لا تزال آثار الاحتلال ظاهرة في تصرفاته، يحترم قانون المرور، و يعيش في نظام، يدخل الملعب دون فوضى، ولا يتشاجر، كما يجيد الماليون مثلا لغة الحوار الهادئ، حصلت بعض المشكلات هنا و هناك لكنها لم تكن تحل إلا بالحوار، وهو ما يمحي الصورة المعلبة التي نحفظها عن الإفريقي، أنه هجمي، غير متحضر، سوقي، وإلى غير ذلك من الصور التي ألصقت بالأفارقة بشكل عجيب، يدفع كل من يزور القارة إلى تصحيح هذه النظرة القاصرة فورًا وذلك ما حصل معي في 2009 عندما زرت أول بلد في إفريقيا حيث تعرضت إلى صدمة ثقافة عكسية.
- يقول مختصون أن ريح إفريقيا قد هبّت مستدلين على ذلك بمعدلات النمو التي تحققها بعض البلدان، إضافة إلى كون القارة منطقة عذراء تتوفر على إمكانيات جذب الاستثمارات، هل تدعم مشاهداتك ومعايناتك هذا الطرح؟
إفريقيا ليست فقط المرض و المجاعة، هي أيضا جامعات السنغال المتطورة، و تحضر شعب رواندا الذي يخصص يوما من الأسبوع للمشاركة في حملات نظافة تطوعية، هي حياة آمنة في بنين حيث تشعر بطمأنينة شديدة وكذلك في دول الساحل الإفريقي، هي أيضا الثروات التي فوق وتحت أرض جنوب إفريقيا، بلد صغير مثل ليزوتو له مصانع نسيج كبيرة تنتج ملابس عالمية بعلامات شهيرة، ودولة مثل ناميبا التي لا نعرف عنها الكثير هي وجهة سياحية بامتياز لما تتوفر عليه من بنى تحتية دون أن نتحدث عن السيشل ومدغشقر و جزيرة لارينيون، إفريقيا تجاوزت انتاج الكاكاو و الصويا إلى التكيف مع مقتضيات الاقتصاد، موازاة مع انفتاحها على الآخر وسهولة الإجراءات الإدارية، حيث أخبرني صديق جزائري يملك مجموعة مطاعم بجنوب إفريقيا، أنه يحصل على الترخيص في أقل من نصف يوم.
- نقف في الرحلات على شهوة سردية واضحة، بمعنى أن «الصحفي» لم يكن وحده بل كان مسنودا بقاص وراويّة كامن؟
يقال قبل أن تكتب كتابا عليك أن تقرأ ألف كتاب، أنا قارئ نهم، و القارئ النهم يمكنه أن يكون كاتبًا حسنا على الأقل، كما أملك عينا لاقطة و حسا صحفيا و فضولا نهما فضلا عن خيال جامح، وهذه أسباب جعلت بعض الأصدقاء من أدباء وشعراء ينصحونني بالتوجه نحو الكتابة الأدبية، التي أجد فيها راحتي بخلاف الكتابة الإعلامية الجافة، وعلى هذا الأساس اشتغل على نص روائي منذ عام ونصف، آمل أن يأخذ حقه من الاهتمام في حقل أدبي محتكر، و مكرس لأسماء معنية، هذا النص سيكون تجربة مختلفة وجدت في ثنايا السرد و اللغة الحكائية ضالتي، متنقلا بين الأحداث و مكتشفًا لذة أرجو أن أقاسمها قريبًا مع القراء.
- لمن يقرأ نجم الدين من الكتاب، ولأي فن من الفنون يميل أكثـر؟
أقرأ لأمين معلوف، وأنيس منصور، و أمير تاج السّر، ونجيب محفوظ، ويعجبني كاتب تونسي يدعى نبيل قدّيش ومن تونس أيضا الإعلامي و الروائي الصافي سعيد، و من الجزائر أقرأ لـ الحبيب السايح و العملان اللذان كتبهما الصديق حاج أحمد الزيواني، أحب أن أقرأ عالميًا للأرغوياني غاليانو وكل ترجمات صالح علماني، كما بدأت مؤخرا باكتشاف روائع الكاتب المذهل ميلان كونديرا.
لا يجب وضع الصحافيين الرياضيين في نفس السلة
أحب الروايات التاريخية، العميقة ذات الأبعاد الإنسانية، أحب الأدب الساخر، و كل ما هو واقعي لأنني لا أجنح كثيرا للخيال و للغة الشاعرية المفرطة، أميل أيضا إلى أدب الرحلات، و كذلك البيوغرافيا و المذكرات.
-كثيرا ما استهوت كرة القدم كتابا ومفكرين، في الغرب تحديدا، وتحولت إلى موضوع اشتغال لديهم، يكفي أن نذكر جاك ديريدا و ميشال فوكو وحتى غارسيا ماركيز الذي حاور لاعبين في بداية حياته الصحفية، لكن «النخب» العربية لازالت تنظر بعين الريبة إلى الصحفي الرياضي، مثلا، وتصنفه مع الجماهير والغوغاء، إلى أي حد ترى هذه النظرة ظالمة، وكيف يمكن تغييرها؟
كثير من المراسلين الرياضيين لا يملكون التأهيل الكافي ولا الزاد اللغوي الذي يجعلهم يدافعون به عن أنفسهم تجاه التهم التي توجه إليهم عن ضعف الكفاءة و المستوى، و هي تهم يقذف بها – للأسف – كل صحفيي الرياضة بلا استثناء، وهي نظرة ظالمة إذا وضعنا الجميع في سلة واحدة، وأنا أجيب على هذا السؤال يقفز إلى ذهني عدد من الصحفيين الرياضيين بما يملكون من ثقافة وذكاء و اطلاع هؤلاء يبقون قلة، ولكنهم موجودون، خاصة في الصحافة المكتوبة التي تبقى مدرسة حقيقية، لهذا السبب أتفق ولا أتفق، فمن جهة لأن الكثير من الصحفيين الرياضيين غير مكونين حتى أن بعضهم يسيء للمهنة، بما يجعل من هذه التهمة ثابتة و ثانيا لأن هناك استثناءات تحفظ ماء الوجه وتخالف النظرة التي تقول أن الصحفي الرياضي أقل كفاءة من الصحفي الذي يعمل في قسم التحقيقات أو قسم الثقافة.
- الكثير من الكتاب في العالم يؤمنون بمقولة هيمنغواي:»الصحافة مفيدة للكاتب، شرط أن يتخلى عنها في الوقت المناسب»، كيف يتعايش فيك حب الصحافة وحب الأدب، وأيهما تعتقد أنه سينتصر في نهاية المطاف؟
الصحافة مهنة أعتاش منها، أستعمل أدواتها وطرائقها الخاصة و أساليبها، دون أن أسمح للغة الأدبية التي اكتسبتها أن تتسرب بين السطور فأفصل هذه عن تلك، بالمقابل أستعمل اللغة الأدبية في عملي الروائي القادم وربما في أعمال أخرى، لأن حب الأدب يسكنني، ولكن في النهاية لن يفوز أحد سيستمر التعايش هكذا بين المهنة و الهواية، فالأولى لا بديل عنها للعيش و الثانية لا عيش من دونها، فقط ما يٌؤسف له أن الأدب لا يمكن اعتباره في الوطن العربي مهنة، لا يمكن لمتعاطيه أن يتفرغ نهائيا للإبداع، لا بد له أن يكون رهينة المكتب و الدوام والمردود ليعيش، خاصة مع تراجع المقروئية في الوطن العربي وعلى وجه التحديد في الجزائر بما يجعل من يبيع 400 نسخة في الصالون الدولي للكتاب رقمًا قياسيًا.
قراءة في كتاب "رحلات جزائري في ربوع إفريقيا"
إفريقيا التي نجهلها.. إفريقيا التي ظلمناها
يحملنا نجم الدين سيدي عثمان إلى إفريقيا ليرينا ما رآه في رحلة مدهشة تبدأ من بلد عربي شهد يوم انقسامه و تنتهي في بلد عربي آخر وقد بدأ جمر «الثورة» فيه يشتعل تحت الرماد. وسوف نعرف عن الرحلة ما لا نعرف عن إفريقيا البعيدة عنا، ونصحّح نظرتنا إلى جيران كثيرا ما أخطأنا في تقدير ما هم عليه.
وفي الرحلة الطويلة يبرز «سارد» فنعرف بسرعة أن الصحفي الرياضي الذي ذهب لتغطية مقابلات في كرة القدم وإجراء حوارات مع اللاعبين، لم يكن كذلك فحسب، لأنه يملك القدرة على الانتباه إلى المكان و شاغليه وإلى سريان الحياة في قارة عذبتها الجغرافيا وعذبها التاريخ وهو يوكل أمرها إلى مستعمرين وورثتهم، وقبل ذلك وبعده يملك لغة تترجم ما ترصده عيناه وحواسه في عبوره متسلّحا بدهشة طفل وفضوله أثمرت في النهاية كتابا عن إفريقيا.
تبدأ القصة من السودان حيث سيقضي ليلته الأولى في مكان ما، ربما كان فندقا أو بيت ضيافة لكنه لن يعلم أبدا أين فيما يشبه واقعة روائية، وسيؤنب نفسه فيما بعد عن إلحاح على مستضيفيه حمله من بلد لا تسوى الأمور فيه دون إلحاح، وحسبه أنه تعلّم في شهر كيف سيكون الإنسان إنسانا ببساطة في تعامله مع الحياة بدون تجهّم ومع الآخرين دون حساب أو خلفيات، فيخلص إلى نتيجة مؤداها أن قيمة المكان تقاس بسعة صدور أصحابه وكرمهم واستعدادهم الدائم لمساعدة الآخر، وكذلك كان أهل السودان.
لم تنتقل نار ثورات «الربيع» إلى السودان رغم النداءات ورغم الحديث عن اشتعال مظاهرات كما كان يبلغه و قضى السودانيون ليلة الثورة في سمرهم العادي وتداعت أحلام السائق الذي كان يريدها لأجل أبنائه لأن شعبه قرأ بعين ذكية كتاب الثورات المفتوح الذي تمرح الشياطين بين سطوره، وكذلك كان مآل أفق انتظار الكاتب الذي توقع بدوره أن يشهد ثورة. لكنه سيشهد الانقسام: «زرت السودان بلدا وقد خرجت منه وقد صار بلدين»، وما آثار استغرابه أن كل من التقى بهم لم يعيروا هذا الحدث الاهتمام الذي كان ينتظره، لا لشيء سوى لأن القصة أصبحت مستهلكة قبل حدوثها، وسيدفع ذلك الكاتب إلى الارتماء في مجرى الحياة بهذا البلد، ولا بأس أن يزور الحارس المصري عصام الحضري في «منفاه» السوداني، حيث سيجري معه حوارا في شقته في أجواء ودية بعد كل ما حدث بين الجزائر ومصر في تصفيات مونديال ويتابع معه تطورات الوضع في مصر حيث كان الحارس الكبير مناصرا للرئيس مبارك الذي تنحى بعد ذلك تحت الضغط الشعبي، كما سيقف على المكان الذي أطلق منه عنتر يحيى قذفته القوية ويعاين العارضة التي حطمها حماس الجزائريين بعد المباراة.
في الرحلة الثانية يحملنا الكاتب إلى غينيا الاستوائية حيث سيقدم لنا رواية غرائبية عن شعب وعن ديكتاتور أصبح يملك كل شيء في بلد السواد الأعظم من ساكنته من المهاجرين غير الشرعيين، وكيف أصبح اسمه محرما هو الذي أعدم عمه في عملية استيلاء على الحكم بعد أن أعد العم لذلك بتدريبه ووضعه سيدا على الجيش. وحتى وإن كانت قصة الديكتاتور معروفة فإن الفيلم الذي ينقله لنا الكاتب من الواقع يعكس وضعية هذا البلد النفطي الذي لا زالت ترفرف في شوارعه أعلام الاحتلال الاسباني، والمغامرات التي صادفته بداية من توقيفه في سوق شعبي بسبب قيامه بالتصوير رغم إخفائه لهويته الشخصية وادعائه بأنه على موعد مع السفير قبل أن يطلب منه الرحيل مع تحذير من التصوير بدون ترخيص لأن ذلك يعني في القاموس المحلي «تهديد الأمن». وسيكون ذلك مصدر خوف خصوصا حين يُخبر بأن نصف الشعب يتجسس على النصف الآخر.
وستكون القصص التي تروى له عن السجن العبثي في هذا البلد مصدر كوابيس لاحقته إلى سماء العودة، غير أنه سيعود في رحلة ثانية إلى هذا البلد لتغطية كأس افريقيا 2015 حيث سيكون عليه السفر إلى بلدة الرئيس، مونغومو، الحانة الكبيرة التي لا يكف سكانها وشرطتها عن السكر، شرطة شعارها ادفع تسلم، كما ينقل لنا العادات الغذائية لشعب يستلذ لحم القردة والتماسيح والخنافس ولا يكلف نفسه عناء العمل ما دامت البواخر تحمل له بقية الغذاء. وسينتهي الكاتب بعد رحلتين إلى انطباع فحواه: لا ضرورة لأن تكون في هذا البلد إذا لم تكن مجبرا على أن تكون فيه.
وفي مالاوي التي عومل فيها أحسن من مادونا التي تبرّعت بملايين الدولارات لهذا البلد الفقير بعد أن تجنب طابور المطار الذي وقفت فيه ملكة البوب، سيكتشف أن تسعين بالمئة من السكان دون كهرباء و أن الفئران طبق مفضل حيث تؤكل مسلوقة أو مشوية، حيث يجني باعتها معدل 350 دولارا شهريا وهو مبلغ محترم في هذا البلد الفقير، الذي يسيطر الهنود المسلمون على اقتصاده وتجارته وينقل لنا الكاتب قصصا عن هذا البد من قصة الرئيسة جويس باندا التي باعت الطائرة الرئاسية لتكاليفها وعدم جدواها إلى الشاب وليام الذي اخترع طواحين هوائية منتجة للكهرباء أنارت حياة جزء من شعبه الطيب الودود الذي لا يبتسم أفراده لأن الضحك والابتسام ترف لا يقدرون عليه.
قد تكون جنوب إفريقيا بلدا معروفا في العالم بملحمته وقوته الاقتصادية، لكن نجم الدين سيدي عثمان ينقل لنا تفاصيل بحساسيته هو، حيث نكتشف بلدا أسهل ما يحدث فيه هو الموت، كما يروي قصص نجاح جزائرية في بلد العم مانديلا و يرصد الكاتب بدايات ثورة صامتة وغير مرئية أبطالها من السود الذين شرعوا في تصفية حساب غير معلن مع البيض.
وفي بوركينا فاسو التي زارها الكاتب مرتين سيكشف لنا عن طيبة شعب مسالم لا يعرف الحقد والخبث،، يستيقظ السكان باكرا «حتى لا يسبقهم أحد إلى الشقاء» ويدفعهم الفقر إلى الاشتغال في مناجم الذهب خصوصا الأطفال الذين يباشرون العمل في المناجم والحقول في سن مبكرة، كما يغتنم الفرصة لينقل لنا قصصا مؤثرة من مخيمات اللاجئين الماليين الذين دفعتهم الحرب إلى بوركينا.
في مملكة السماء ليزوتو أعلى بلد في العالم سيجرب ما لم يجربه في أدغال افريقيا، إذ لا حرارة ولا رطوبة ولا ذباب، والناس طيبون إلى درجة لا تصدق، حتى وإن كانوا يلبسون الأغطية والبطانيات، والطريف أنك تستطيع الحصول على جواز سفر مسجل ورسمي بـ1500أورو لأن جوازات سفر هذا البلد ستحملك إلى مختلف أنحاء العالم دون تأشيرة.
ولا يفوت الكاتب أن ينقلنا إلى مالي البلد الجار القريب منا البعيد عنا، حيث تسود الثقافة الافريقية ويمرح سحرة وينتشر الإسلام والعربية، حيث يتم الزواج بسهولة شراء حبة أناناس،وتبقى البساطة والطيبة وسعة الصدر ميزة الماليين.
في تانزانيا سنكتشف الهروين وشيطان البرد»كليمنجارو» لكننا سنكتشف النفوذ الإسرائيلي، الذي بلغ حد تقديم الأعلام الإسرائيلية كهدايا وعرضها للبيع على المارة في الشوارع. وفي البنين ستحملك الدراجات إلى حيث تشاء متشمّما رائحة البنزين النيجيري الذي يباع في كل مكان. وإذا رأيت الدمى في كل مكان فأعلم أنك أمام طقوس سحر تختلط بديانة الفودو السائدة في هذا البلد. كما بإمكانك أن تشتري سيارة جديدة بأبخس الأثمان لأن مبيضي الأموال ينشطون هنا ، وبإمكانك أن تلتقي جزائريين أرباب عمل ولبنانيين أغلبهم من أنصار حزب الله.
يوقف الكاتب رحلته الافريقية في بنغازي قبل الثورة، حيث سيرصد جذور العداء لمعمر القذافي الذي يبادل المدينة الشعور نفسه. وسوف يتحسر فيما بعد، كيف لم يكتشف أن البركان آت لا ريب فيه وهو يرى في مواقع التواصل الاجتماعي أشخاصا تعرف بهم وقد تحولوا إلى ثوار يرتدون البزات العسكرية ويحملون السلاح.
يقدم لنا نجم الدين سيدي عثمان ، في هذا الكتاب، إفريقيا التي لا نعرفها، إفريقيا التي لا نراها في نشرات الأخبار، ويمحو الأفكار المسبقة التي نحملها عن الأفارقة والتي هي وليدة نظرة متعالية لا مبرّر لها. وحتى وإن اعترف من البداية أن الأمر يتعلق بمشاهدات وحكايات، إلا أنه يستعين في عمله بتقارير وإحصائيات خدمت الغرض دون أن تمس بمتعة الكتاب، الذي سيبقى عملا فريدا عن قارتنا التي نجهلها، وتجربة تستحق الانتباه لأنها تقدم لنا صورة مكبرة وحقيقية عن قارتنا التي ظلمناها بجهلنا لما هي عليه.
قراءة: سليم بوفنداسة