لم يكن الأصدقاء الثلاثة نسيم، يونس ومحمد الأمين، يتوقعون تلقي دعوة تكريمية من رئيس الجمهورية، خلال الملتقى السنوي للمؤسسات الناشئة، المنتظم في الثالث أكتوبر المنصرم، بالمركز الدولي للمؤتمرات، عبد اللطيف رحال في الجزائر العاصمة، نظير مشاركتهم المشرفة في المسابقة الدولية «للروبوت» التي انتظمت شهر سبتمبر المنصرم «أونلاين» بكوريا الجنوبية.
روبورتاج :رمزي تيوري
وحصد الثلاثة المقيمون بسطيف، الجائزة الأولى الألماسية، عن مشروع «المزرعة الذكية»، التي اختيرت من بين عشرات المشاريع المقدمة من طرف 14 دولة رائدة ولها باع طويل في المجال «الروبوت» وعلوم التكنولوجيا، مؤسسين لجزائر جديدة بطريقتهم الخاصة، رهانها «الشباب والرقمنة»، في وقت أن كانت أقصى أمانيهم، في وضع أسمائهم ضمن قائمة المشاركين في هذا المجال، الذي يحصره بعض الجزائريين في العلماء والمفكرين «ذوي الشعر الأبيض»، لكنه استحوذ على تفكيرهم وشغل حواسهم منذ الصغر وبات يملأ أوقات فراغهم.
فالمشروع حظي بإعجاب لجنة التحكيم المشكّلة من مختصين كوريين، التي قررت منحه المرتبة الأولى بإمتياز، من بين العديد من المساهمات الأخرى، شاركت بها عشر فرق مكوّنة من ثلاثة مشاركين، من 14 دولة أخرى، على غرار البلد المستضيف، الهند، روسيا، ماليزيا، أندونيسيا، الفيتنام وغيرها.
فيما تقدم التلاميذ الثلاثة، ضمن الفئة العمرية (الأكابر) في اختصاص «ابتكارات الروبوت» وهم كل من عبد السميع يونس، أسفيران نسيم وعطوي محمد الأمين، البالغين من العمر 15 سنة، المنتسبين لمركز «نيو قايت روبوت»، المختص في تلقين أبجديات «الروبوت» بسطيف، وقد قاموا بإرسال مقطع «فيديو» للجهة المنظمة، تضمن تفاصيل المشروع المنجز جماعيا.
مزرعة ذكية ستختزل تدخل الإنسان في زر تشغيل
كانت «النصر» السبّاقة لزيارة مركز «نيو قايت روبوت»، بعد إعلان النتائج من طرف الجهة المنظمة بكوريا الجنوبية بأيام، حيث استقبلنا من طرف صاحبه رياض عزوز، مبرزا بأن الفائزين الثلاثة، قاموا بابتكار نظام جديد سيعتمد تدريجيا في المستقبل القريب، على مستوى المزارع النموذجية والتعاونيات الفلاحية، تمكن من الاستغناء على النظام التقليدي، ويختزل تدخل الإنسان في التحكم فيها عن بعد وتشغيل الأزرار وتوجيه «الروبوت» أو برمجته. كما تعتمد «المزرعة الذكية» على الرياح لإنتاج الطاقة الكهربائية، ووضعت فيها أجهزة حساسة لإشغال الإنارة من نوع «اللاد» المقتصدة للطاقة، خلال الفترة الليلية، وآليات وتجهيزات أخرى، تخصص لجني المحاصيل، السقي، الكشف عن الحرائق وإطفائها إلكترونيا، وآلات لتوزيع الطعام والمياه للحيوانات في مواقيت مضبوطة، كما تعتمد «المزرعة الذكية» أنظمة الاستشعار بواسطة الأشعة تحت البنفسجية، لفتح الأبواب، غلقا والقيام بكثير من الوظائف والمهام التي كانت تتم بطريقة يدوية.
أما عن المزارعين والفلاحين، فلا مكان لهم داخل «المزرعة الذكية»، وسيعوضهم «روبوت» مبرمج للقيام بمختلف العمليات التقليدية المعروفة، ويتلخص دور الإنسان في التوجيه عن بعد داخل غرفة المراقبة، بدون أن تطأ قدماه أرض المزرعة.
قبل مغادرتنا للمركز، سألنا صاحبه إن كان قد أطلع الوزارة المختصة بالمشاركة الدولية والتتويج، فكان رده بالإيجاب وقال إن ذلك تم عبر البريد الإلكتروني، بإرسال ملف كامل، يتضمن شروحات مفصّلة، معلقا بحسرة كبيرة، بأن انشغالات الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف باقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، ستمنعه دون شك من الإطلاع عليه، معلقا «سيوضع في أدراج المكتب كما جرت العادة».
لكن الأيام أثبتت عكس ذلك، حيث توالت الدعوات، من طرف وسائل الإعلام المختلفة، ثم الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلفة باقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، تلتها دعوة من رئاسة الجمهورية، لتفتح أبواب الشهرة والمجد وتسلط الضوء على مجال، أثبتت الدولة بأنها توليه أهمية كبيرة على غرار الاستثمار في النشء الصاعد.
كشوف إيجابية لفيروس «كوفيد 19» حرمت يونس من تكريم الرئيس
ولأن الأخبار السيئة تأتي أحيانا قبل الجيدة، فقد تغيب التلميذ يونس أصفيران، عن موعد التكريم في حضرة رئيس الجمهورية، بعد أن بيّنت الكشوف المخبرية، إصابته بالفيروس اللعين «كوفيد 19» والتزم بالبيت واكتفى بتشجيع رفيقيه وهما يحصدان ثمرة ابتكارهم الثلاثي، وقد عبرّ زميلاه في حديث معهما عن حسرتهما، لأنه تقاسم معهما مختلف المراحل، منذ تجسيد الابتكار لغاية التكريم الذي تغيّب عنه، عقب إجراء اختبار الكشف.
أما زيارتنا للمرة الثانية لمركز «نيوغايت روبوت» فلم تكن كسابقتها، لأن تكريم رئيس الجمهورية أكسبه شهرة كبيرة، فحركيّة الأولياء لتسجيل أبنائهم في مجال يعتبر «مجهولا وحديثا» لاحظناها كما لمسنا اهتمامهم بزرع «روح الابتكار» في نفوس أبنائهم، كما أن التلاميذ المشاركين في المسابقة، أدركوا بأن ابتكارهم لم يمر مرور الكرام، وأيقنوا بأن العمل وحده سيبلغهم للمراتب التي يرغبون في الوصول إليها.
التقينا هذه المرة بالتلميذين عبد السميع يونس ومحمد الأمين عطوي، بدون نسيم أصفيران الغائب لوجوده في الحجر الصحي، و لن تستغرق وقتا طويلا لتكتشف أنك بحضرة مشروع مبتكرين طموحين، فطريقة حديثهما الشغوفة بمجال يعشقانه يجعلك من أول وهلة تدرك بأن المادة «الخام» متوفرة وبحاجة فقط لمن يأخذ بيدها ويصقل مهاراتها.
عبد السميع يونس
لم نتوقع أن ابتكارنا سيحظى بالشهرة
صرّح التلميذ عبد السميع يونس، بأنه لم يتوقع يوما أن ابتكار «المزرعة الذكية» سيجد صدى كبيرا، يصل لغاية رئاسة الجمهورية، معبّرا عن فخره الكبير بالإنجاز المذكور بالقول «أضحت عائلتي فخورة بي» وبانجازنا مشيرا بأن «الدعوة في حد ذاتها، أرست تقاليد جديدة لتشجيعنا كمواهب شابة، وتحفزنا على مزيد من العطاء». أما عن طموحاته المستقبلية، فأشار بأنه سيجتهد أكثر من أجل الحصول على شهادة البكالوريا بامتياز، مع اختيار تخصص «الكتروتقني» في إحدى المدارس العليا، للتخصص أكثر وصقل مواهبه في المجال.
رياض عزوز (صاحب المركز)
متفائلون بالجزائر الجديدة المهتمة بالرقمنة ومهارات الشباب
أعرب رياض عزوز، صاحب مركز «نيوقايت روبوت» عن تفاؤله الكبير، لاهتمام الدولة بمجال «الروبوت» و»الرقمنة» بصفة عامة، مشيرا بأن التكريمات وتسليط الضوء على مهارات الشباب في نفس المجال، يجعلهم يبدعون و يتطلعون دائما للوصول إلى منصات التتويج والتكريم، مع بلوغ أقصى الطموحات الممكنة حسبه، وأضاف محدثنا بأن المركز سيستثمر أكثر في مختلف الفئات العمرية، مع تلقينهم أبجديات «الروبوت» الحديثة، المستنبطة من المقررات التعليمة القادمة من «كوريا الجنوبية» مع تشجيع تلقينها بلغة العلوم الإنجليزية من أجل «إنشاء جيل جديد، يتحكم في تكنولوجيات الإعلام والاتصال ويجاري نظرائه من البلدان المتطورة التي لها باع طويل في المجال» وأضاف بلغة ممزوجة بالفخر والتحدي قائلا « لمَ لا ننافسهم، فالمادة الخام موجودة والعقل الجزائري مبتكر بالفطرة».
غادرنا المركز، تاركين خلفنا طموحات وآمال أصحابه وتلاميذه، ضمن مجال خصب ستطرقه «الجزائر» وستزاحم البلدان العملاقة فيه دون شك، و أدركنا بأن التلاميذ الثلاثة ومعلمهم، طووا صفحة «المزرعة الذكية» وفتحوا صفحات ستكون مشرقة رافضين البوح لنا عن طبيعة «الابتكار» المقبل الذي سيشاركون به في مسابقة دولية ستنتظم الشهر المقبل بتركيا، كما جاء على لسان التلميذ محمد لمين «سنشارك ثلاثتنا ضمن تحد جديد، لكنه فردي هذه المرة وليس جماعيا وبالتالي سيتنافس كل منا لاحتلال المرتبة الأولى» وعقبّ صاحب المركز بأنه يراهن على احتلال ثلاثتهم المراتب الأولى فالتنافس الفردي «سيحسن من جودة الابتكار والرابح الأكبر المركز أولا والجزائر أولا وأخيرا.
محمد الأمين عطوي
اهتمام السلطات بتجسيد المشروع يشعرنا بالفخر
كشف التلميذ محمد الأمين عطوي، بأن عرض مشروع «المزرعة الذكية» على هامش الملتقى السنوي للمؤسسات الناشئة بالجزائر العاصمة، حظي بإعجاب المختصين في المجال، إضافة إلى السلطات والمؤسسات العاملة في المجال، مضيفا «لقد تلقينا وعدا من طرف والي ولاية سطيف، لدى استضافته وتكريمه لنا، بتقديم يد العون والتوسط لدى مزرعة نموذجية، تتواجد بولاية باتنة، من أجل تجسيد جانب من المشروع، ما جعلنا نشعر بأن الابتكار سيرى النور ويتحقق ببلادنا مما يشعرنا بالفخر».