المساجد العتيقة بقسنطينة تستعد لرفع الآذان من جديد
عادت الأشغال إلى عدد من ورشات ترميم المساجد العتيقة بقسنطينة، بعد تسليم تلك التي انتهت بها الأشغال، و من المنتظر أن يرفع الآذان في مآذن مساجد و زوايا أخرى بعد أشهر، و أن يفتح غيرها مطلع العام القادم، و ذلك بعد سنوات من الإهمال الذي تسببت فيه مشاكل، تعلقت أساسا بعدم ملاءمة الدراسات و ضعف مقاولات الانجاز، الأمر الذي عقد وضعية المباني الآيلة للانهيار، و بات يهدد هياكل المنازل المتواجدة ضمن محيط الأشغال و بالتالي سلامة ساكنيها، وهو تحديدا ما استدعى ضبط مخطط تدخل، لرفع التجميد عن خمسة مشاريع، بعدما تم فسخ عقود الصفقات غير المجدية مع المقاولات السبع التي عجزت عن الالتزام بشروط العمل.
حسب مدير الثقافة لولاية قسنطينة عريبي زيتوني، ، فإن مساجد باشتارزي وسيدي لخضر، تعرف تقدما كبيرا وسوف تكون جاهزة في آجالها المحددة، خصوصا إن استمرت وتيرة الأشغال على ذات النحو، بالمقابل ذكر المسؤول، بأن مشكل مكاتب الدراسات، يقف خلف عرقلة باقي المشاريع المبرمجة، وهو تحديدا ما استدعى إطلاق مناقصات لاختيار مكاتب و مقاولات جديدة، إذ تم في هذا الإطار، إتمام الدراسة الخاصة بمسجد ربعين شريف، فيما ينتظر اختيار مكاتب أخرى، لإنهاء دراسات مسجدي الكتاني و سيدي عفان، موضحا بأن اختيار المكاتب و المقاولات يطرح مشكلا حقيقيا بسبب تضارب المعطيات، خصوصا و أن مكاتب المؤسسات التي كانت قد باشرت العمل سنة2015، هي وحدها التي تملك المعطيات الجديدة، لوضعية المساجد والبنايات عموما، على اعتبار أن من بينها من أشرفت فعليا على بداية الأشغال الخاصة بالجدران والأرضيات.
رفع التجميد عن 590 مليون دينار
مدير الثقافة أكد في حديثه للنصر، بأن الغلاف المالي المخصص لإتمام الترميمات متوفر، و يقدر إجمالا بـ 590 مليون دينار، وتشمل بالعموم خمس عمليات كانت مجمدة، فالبرنامج الأولي أحصى عند انطلاقه 12 مسجدا، ظلت خمسة مساجد منها مفتوحة أمام المصلين، بينما أغلقت سبعة أخرى، و فتح اثنان منها بعد انتهاء الترميمات، وهما المسجد الكبير و حسان باي، وبقيت الخمسة الأخرى مغلقة، بسبب مشاكل مكاتب الدراسات والمقاولات، قبل أن يرفع عنها التجميد هذه السنة وتستأنف بها الأشغال.
* المهندسة مريم زياني
«باشتارزي» سيكون جاهزا بعد شهرين
من جانبها أكدت المهندسة مريم زياني، صاحبة مكتب الدراسات المسؤول عن إتمام دراسة مسجد عبد الرحمان بشتارزي ومتابعة أشغاله إلى جانب أشغال مسجد «الجامع لخضر»، بأن العمليات الأولى تمت ضمن إطار استعجالي، تماشيا مع التواريخ المحددة لتظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، لكن الواقع أثبت لاحقا، بأن هناك مؤسسات خاسرة أو مفلسة، أوكلت إليها بعض الأشغال، وهو ما تسبب في عرقلة المشاريع، واستدعى تعيين مكاتب و مقاولات جديدة، لتجنب تجميد مشروع الترميمات نهائيا، موضحة بأن الأشغال الخاصة بالجامع لخضر و باشتارزي على سبيل الحصر، قد استؤنفت بعد إتمام الإجراءات الإدارية، حيث بلغت مراحل جد متقدمة بالنسبة لبشتارزي، الذي يتوقع استلامه قبل آجاله المحددة، حيث ينتظر أن يفتح أبوابه في غضون شهرين على أقصى تقدير، ليكون متاحا للمصلين مع حلول شهر رمضان القادم، فيما يتوقع، حسبها، تسليم «الجامع لخضر» بعد حوالي20 شهرا، مشيرة إلى أن وضعية المسجد مقبولة عموما، وقد يكون جاهزا في حدود سنة ونصف من الآن.
ويعود تاريخ بناء «الجامع لخضر»، الذي يعتبر واحدا من المعالم الدينية ذات القيمة المعمارية بأعمدته الرخامية المنحنية، إلى سنة 1743 ، أثناء حكم الباي حسان بن حسين و هو المكان الذي كان العلامة عبد الحميد بن باديس يقدم فيه دروسا في التفسير.
و في المسجد أيضا، كان أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي أسسها الشيخ عبد الحميد بن باديس، يخططون للمشروع الكبير الذي يؤسس لمجتمع جزائري يقوم على مبادئ الدين و الإصلاح و الثقافة .
2015 تاريخ الآذان الأخير
يعود ملف المساجد القديمة بقسنطينة، إلى سنة 2015، حينما تقرر غلق 12 مسجدا، بغرض الترميم، تحضيرا لتظاهرة عاصمة الثقافة العربية، إذ تم آنذاك إدراج مساجد «الجامع لخضر» و ابن باديس و الزاوية التيجانية و حفصة و عثمان بن عفان وزاوية بشتارزي و الكتاني و غيرها، ضمن مخطط الاسترجاع الذي شمل عموما برمجة 19 عملية، جزئت إلى 75 عملية فرعية، و تم توزيعها على 23 مكتب دراسات، منها 9 مكاتب مختلطة جزائرية-أجنبية ( فرنسية و إسبانية و إيطالية و أوكرانية) و 14 مكتبا جزائريا.
بعد ذلك ، أدت الأزمة المالية التي عرفتها الجزائر، إلى إلغاء اعتماد مكاتب أجنبية لإتمام عمليات الترميم المذكورة و التي كانت ستكلف خزينة الدولة آنذاك 3.5 مليون أورو .
هذه التعقيدات و أخرى متعلقة عموما بعجز المقاولات المنجزة، تسببت مجتمعة، في توقف العمل و دخول مشروع الترميم في دوامة من المشاكل.
تأخر الترميمات يضاعف هشاشة النسيج الحضري القديم
بالرغم من تأكيدات المسؤولين عن متابعة الترميمات، إلا أن من يقف على واقع المباني القديمة للمساجد، يصدم لهول ما حل بها، خصوصا و أن عمليات الترميم توقفت لما يزيد عن أربع سنوات كاملة، تضاعفت خلالها درجة هشاشة النسيج العمراني العتيق المترابط، فالمنازل الملتصقة بمسجد وزاوية عبد الرحمان بشتارزي مثلا، تعرف انهيارات جزئية متكررة، تشل الجدران والأسقف، وقد تحدث سكانها للنصر، عن خطر الدعائم الحديدية التي ثبتت مع بداية الترميمات، مؤكدين بأنها تسببت في كثير من الشرارات الكهربائية خلال فصول الشتاء الماضية، كما تحولت الصفائح القصديرية التي تغطي الأسقف إلى خطر يهدد حياة السكان و المارة، بسبب عدم استقرارها، خصوصا عندما تهب الرياح.
فيما اشتكى آخرون من تعرية قبور الأولياء الصالحين المدفونين هناك، كما وصفوهم، و قال البعض بأن الترميمات حولت حياتهم إلى جحيم حقيقي.
و لا يختلف وضع الزاوية ومصلاها، عن وضعية مسجد ربعين الشريف الذي تآكل جزء هام من جداره الجانبي، فيما تمت تعرية سقفه بشكل شبه كلي، وقد لاحظت النصر خلال زيارتها للمكان، بأنه بات مأوى للمتشردين الذين ترك بعضهم حاجياتهم هناك، وهو أمر أكده بعض السكان الذين احتجوا على تأخر الأشغال و استمرار غلق المسجد، مؤكدين بأن وضعيته كانت أفضل بكثير، وأن الترميمات تسببت في تخريبه ، بعد أن توقفت في بدايتها، و الظاهر أن عمليات إزالة الجدران غير المستقرة، قد أثرت بمرور الوقت على باقي جدران ودعائم البناية، خصوصا مع توالي الفصول و العوامل لطبيعية.
هدى طابي