الأخطاء العمرانية واختلالات أنظمة الصرف وراء الفيضانات
أغرقت الأمطار المتهاطلة قبل أيام بقسنطينة، العديد من الشوارع والأحياء والطرقات في المياه، فأدخلت سكان الولاية في حالة استنفار لما تخلفه في كل مرة، من فيضانات وسيول جارفة أصبحت تشكل تهديدا على حياتهم، و هو خطر يؤكد خبراء أنه امتد إلى المنشآت القاعدية التي باتت مهددة، بسبب اعتماد أنظمة صرف لم تراع ارتفاع الكثافة السكانية، و كذلك التوسع العمراني العشوائي الذي جعل المياه لا تسلك مجراها الطبيعي .
رفقة الأستاذ الجامعي والمختص في المياه السطحية بمعهد تسيير التقنيات الحضرية بجامعة قسنطينة 3، الدكتور عز الدين غاشي، جابت النصر بعض النقاط السوداء والمناطق الأكثر عرضة للفيضانات مباشرة بعد الأمطار الأخيرة التي شهدتها الولاية، و ذلك لمعرفة الأسباب وطرق تقليص المخاطر والنتائج المترتبة عن تجمع كميات كبيرة من مياه الأمطار، و من النقاط التي زرناها، جسرا سيدي راشد وباب القنطرة وكذا أحياء باب القنطرة وبن تليس والصنوبر والتي تقع كلها في منحدرات ما جعلها معرضة بشكل أكبر للخطر مقارنة ببقية المناطق.
انزلاقات تهدد سلالم بحي بن تليس
بداية الجولة كانت من حي بن تليس، حيث عرف تجمع كمية معتبرة للمياه وسط الطريق ما أدى إلى شل حركة المرور، ومن خلال المعاينة التي قمنا بها رفقة المختص عز الدين غاشي، فقد لاحظنا أن المياه اتخذت السلالم الرابطة بين بن تليس و حي الشالي مسلكا لها، كما وجدنا آثار ارتفاع منسوب المياه على مستوى الجدار المحاذي للسلالم، من خلال بقاء بعض الأعشاب والأتربة والحجارة الصغيرة التي جرفتها الأمطار، فيما علقت أغصان وأعشاب بها أكياس وقارورات بلاستيكية على حافتها اليمنى.
وأكد المختص أن منسوب ارتفاع المياه وصل إلى حوالي متر، كما تعرضت سلالم أخرى تربط بين الحي وبقية الشوارع الواقعة أعلاه لتشققات أدت إلى انهيارها، فيما اتخذت السيول طريقا لها وسط إحدى الهضبات الواقعة في الحي والمقابلة لمحطة نقل المسافرين، بينما امتلأت الطريق بالحجارة والأتربة والحشائش التي جرفتها مياه الأمطار، حيث أكد الخبير بأنها لم تجد منافذ لتصريفها، إذ اكتشف بعد معاينته للبالوعات الواقعة بالحي أنها سدت بأغصان الأشجار والأحجار، مشددا على ضرورة تنظيفها في كل مرة من أجل تسهيل عملية تصريف المياه.
سيول قوية تقتلع البالوعات
ثاني نقطة زرناها رفقة المختص، هي حي الصنوبر، حيث كانت السيول قوية لدرجة أنها اقتلعت بعض البالوعات إضافة إلى إتلافها لعدد من السكنات، و قد كانت مظاهر الفيضانات بادية من خلال بعض البقايا المتمثلة في الطين بوسط الطريق، إضافة إلى الحجارة الصغيرة والقارورات والأكياس البلاستيكية وأغصان أشجار العالقة بمحاذاة جدران بعض البنايات، حيث قال الأستاذ إن سرعة السيول كانت كبيرة، و هو ما تظهره الآثار التي تركتها على المنحدر الترابي والذي اتخذته كمسلك قبل أن تتجمع وسط الطريق ومنه إلى وداي الرمال.
وبعدها تنقلنا إلى مجرى السيول باتجاه وادي الرمال، أكد الخبير أن قوة تلك الفيضانات جعلتها تجرف معها حجارة من الحجم الكبير وجذوع الأشجار، كما تسببت في إتلاف العشب المحيط بالوادي، وقال المتحدث أن التساقط الأخير للأمطار يؤكد خطورة الوضع، بعد وصول الحجارة والأتربة وأغصان الأشجار إلى داخل الوادي، و قد شاهدنا أن تلك المواد التي جرفتها السيول شكلت ما يشبه الحواجز بالمجرى، ما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه، وهو ما يهدد جسر مجاز الغنم الرابط بين حيي الصنوبر وباردو.
وأكد الخبير في المياه السطحية، أن وقوع بعض الأحياء في المنخفضات على غرار بن تليس و الصنوبر جعلهما عرضة للخطر، خاصة وأن مياه الأمطار المتساقطة تنزل من المناطق المرتفعة على غرار المنصورة، والسبب حسبه، يكمن في عدم إنجاز مجاري لتصريف المياه بالنقاط العلوية وكذا بالوعات من الحجم الكبير، لتحول دون غرق الأحياء الواقعة أسفلها، وأضاف المتحدث أنه وجب بناء حواجز حجرية بالجبال الصغيرة بالأحياء المنخفضة، وبالوعات تسهل من تصريف الكمية الصغيرة المتبقية.
قنوات صغيرة وُضعت في أماكن خاطئة
واصلنا طريقنا إلى منطقة أخرى تعرف تشكل برك مائية كبيرة، وهي بباب القنطرة وتحديدا في الجهة الشرقية من جسر سيدي راشد، حيث تتشكل كميات كبيرة من المياه قادمة من حي المنصورة وما جاوره، وتتجمع بوسط الطريق ثم تتدفق إلى أسفل جسر سيدي راشد، وهو ما تمت معاينته من طرف السيد غاشي، حيث اتبع آثار السيول من نقطة نزولها وصولا إلى الطريق الازدواجي المؤدي من باب القنطرة إلى حي البراشمة والجسر العملاق.
واتضح أن المياه لم تتجه نحو القنوات الصغيرة المنجزة بمحاذاة الجسر، وإنما سلكت مسارا آخرا عبر المنحدر الجبلي، وظهر ذلك من خلال الآثار التي خلفتها السيول القوية، بعد أن جرفت معها كما هائلا من الحجارة وأغصان الأشجار، وهنا أكد المختص أن تلك القنوات لم تلعب دورها في عملية تصريف المياه بسبب وضعها في أمكان خاطئة، إضافة إلى قطرها الصغير جدا الذي لن يستوعب ذلك الكم الهائل من الأمطار، وهو ما جعلها تتخذ مسلكا عبر المنحدرات الترابية.
أساسات جسري سيدي راشد وباب القنطرة في خطر
وكان المنحدر الواقع أسفل جسر سيدي راشد مليئا بالحجارة من الحجمين الكبير والصغير، إضافة إلى أغصان الأشجار والطين والقارورات المعدنية و البلاستيكية، كما كانت الآثار التشققات على الأرضية تدل على قوة السيول، و هو ما أكد الخبير أنه يشكل تهديدا صريحا لأساسات هذه المنشأة، مؤكدا أن المشرفين على وضع قنوات تصريف المياه لم يقوموا بعملهم وفق المعايير الصحيحة.
وقال المتحدث إن قوة تدفق السيول باتجاه أساسات الجسر، مرتبطة مباشرة بالمنشآت الجديدة المتمثلة في الطريق المزدوج القريب، حيث تجمعت المياه بعد التساقط الغزير للأمطار ولم تجد لها منفذا غير المنحدر باتجاه المنشأة، مضيفا أن تحول المنطقة العلوية للجسر من طبيعية إلى اصطناعية زاد من قوة السيول، خاصة وأن الأتربة وجذوع الأشجار تساهم كثيرا في الحد من سرعة الفيضانات. وأكد الدكتور أن المشرفين على إنجاز القنوات والبالوعات ارتكبوا أخطاء تسببت وستتسبب مستقبلا في كوارث، وهو ما يؤكد حسبه، أن تسيير المياه السطحية في الولاية لم يتم باحترافية كما لم يتم الاعتماد على دراسات علمية تساير التطور الحاصل في المنشآت الجديدة.
بعدها انتقلنا مباشرة إلى جسر باب القنطرة ولكن قبل الوصول، لفت الخبير انتباهنا إلى بقايا الفيضان على الطريق المقابل لمحطة القطار، حيث عاين المكان، من خلال انتشار الحجارة والأتربة وسطه، كما كان المنسوب مرتفعا وتأكد ذلك من خلال آثاره على جدران المحطة، وهنا أكد الأستاذ الجامعي أن الفيضانات جاءت من المرتفع وتحديدا من ثانوية خزندار، و عبر عن دهشته من وجود النفايات الصلبة بوسط المدينة وهو أمر نادر حدوثه، مفسرا ذلك بأن السيول كانت قوية جدا لدرجة أنها جرفت نفايات ثقيلة من أماكن بعيدة، معلقا بالقول إن النسيج العمراني الجديد يتسبب حاليا في تحطيم القديم.
وعلى بعد أمتار توجهنا لجسر باب القنطرة، و الذي لم يختلف حاله عن جسر سيدي راشد، حيث وبعد تتبع آثار السيلان على مستوى الطريق وحواف المنشأة وأساساتها، أكد الأستاذ أن منسوب المياه المتجمعة وسطها كان معتبرا، مؤكدا أن الأمطار تعد العدو رقم واحد للهياكل القاعدية، و في حالة مواصلة التهاون في ما يخص إعادة النظر في التهيئة العمرانية، فإن عدة منشآت تاريخية مهمة ستكون مهددة.
المختص في المياه السطحية الدكتور عز الدين غاشي: التوسعات العمرانية و حرق الأشجار أدّيا لكارثة بن شرقي
وتحدث عز الدين غاشي، عن بعض النقاط السوداء الأخرى في قسنطينة، متمثلة في حي بن الشرقي الذي شهد وفاة شخص إثر الفيضانات الأخيرة، وبقية المناطق المجاورة له الواقعة في منحدرات والمحاذية للحوض المائي وادي ملاح، حيث أكد أن الغابة الموجودة أعلى تلك النقاط كانت تلعب دورا كبيرا في منع سيلان المياه، من خلال المساهمة في امتصاص التربة لكميات كبيرة منها، ولكن السكان قاموا حسبه، بحرق مساحات منها بغية التوسع العمراني، وهو ما جعلها تفقد دورها كحاجز، لتتحول الأمطار إلى سيول سريعة تصب بقوة في المناطق المنخفضة والتي بها تجمعات سكانية.
وأضاف المختص أن الحل بالنسبة للأحياء المنخفضة على غرار بن الشرقي، هو إعادة النظر في التهيئة العمرانية بعد التوسع الفوضوي للسكنات، والذي تسبب في انسداد المجاري، كما دعا قاطني المنطقة إلى تكثيف عمليات التشجير للتخفيف من قوة السيول، مضيفا أن المنطقة الصناعية «بالما» على سبيل المثال، تقع فوق جزء من وادي الرمال وكان يجب أن تكون مساحات خضراء، حيث أن تساقط الأمطار بالوادي يساهم في ارتفاع منسوبه، و عوض تصريف المياه عبر البالوعات، فإنها تتدفق إلى المنطقة العمرانية، وهو السبب الحقيقي وراء حدوث فيضانات في هذه المنطقة.
«النسيج العمراني الفوضوي من أهم أسباب الفيضانات»
و قد قدم لنا الدكتور والأستاذ الجامعي المختص في المياه السطحية بمعهد تسيير التقنيات الحضرية، حوصلة شاملة بعد المعاينة الميدانية لمختلف النقاط السوداء بمدينة قسنطينة، حيث أكد أن أهم نتيجة توصل إليها، هي عدم لعب البالوعات وقنوات الصرف المياه لدورها في تصريف المياه المطرية، بسبب النسيج العمراني الفوضوي، وأضاف أن التغييرات على الحاصلة على مستوى العديد من المناطق التي تحولت من منطقة نصف طبيعية أو طبيعية، إلى منطقة اصطناعية متمثلة في الطرق والمنشآت، زادت من قوة السيول.
كما أضاف الخبير أن الحد من أخطار الفيضانات يتطلب نظرة شاملة حول وضعية المنشآت من خلال دراسة ميدانية، و ذلك على مستوى المرتفعات مثل زواغي والمنصورة والمنخفضات على غرار بن تليس وبن الشرقي، و كذلك تتبع مسار المياه، وهو ما سيمكن من معالجة هذه المشكلة، داعيا السلطات إلى إشراك الكفاءات والخبرات المتوفرة بالولاية من أجل المساعدة في إيجاد حلول ناجعة، و ذكر المختص أن طريقة تصريف المياه السطحية غير مدروسة بدقة على مستوى الولاية، موضحا أن الأمطار الرعدية والتي تتساقط بغزارة ولمدة لا تتجاوز الساعة، تعد الأخطر على الهياكل القاعدية والنسيج العمراني.
ح/ب
رئيس بلدية زيغود يوسف بقسنطينة شاوش كمال: دورنا يقتصر على التنظيف و المواطن أحــــــد أسبــــــــاب الفيضانات
يؤكد رئيس بلدية زيغود يوسف بولاية قسنطينة شاوش كمال يونس، أن الدور الوحيد المنوط بالبلديات في ما يتعلق بمنع وقوع الفيضانات و الحد من آثار السيول و الأمطار الغزيرة على الشوارع و المباني و كذا الممتلكات الخاصة و العمومية، يقتصر فقط على تنظيف البالوعات و المجاري المائية و تنقيتها من حين إلى آخر، تحسبا لتساقط الأمطار الموسمية خريفا، أو استعدادا لفصل الشتاء، مشيرا إلى أن بعض المواطنين يكونون سببا مباشرا في وقوع انسدادات تحول دون تصريف مياه الأمطار.
يضيف «مير» زيغود يوسف، أن البلدية لا يمكنها القيام بالكثير في هذا الخصوص، لأنها لا تملك إمكانيات كبيرة، غير أنها تتهيأ لحدوث العواصف و تساقط الأمطار الغزيرة، من خلال عمليات دورية لتنظيف البالوعات و الشعاب و حواف الوديان، و يقول السيد شاوش في هذا الصدد بأن المصالح التقنية و كذا المكلفين بالنظافة يصادفون العديد من العراقيل في عملهم، على غرار الانسداد الكلي للبالوعات سواء بفعل تراكم الأتربة و القمامة داخلها، أو لأسباب أخرى، تكون لها علاقة مباشرة بأفعال فردية تقوم بها فئة من المواطنين، دون أن يعلموا مدى خطورة ما يرتكبونه، مشيرا إلى أن بعض أصحاب المنازل أو التجار، يتعمدون سد البالوعات التي تقع بمحاذاة بيوتهم أو محلاتهم، و يبررون ذلك بأن روائح كريهة تصدر منها، لكن دون أن يراعوا الخطر الذي قد يكلفه هذا الفعل، على حد تأكيد محدثنا.
« أثاث و عجلات مطاطية داخل قنوات الصرف»
كما أشار شاوش إلى أن الأشياء التي يتم العثور عليها داخل البالوعات و خاصة المجاري المائية على حواف الطرقات، تبعث على التعجب، فبالإضافة إلى شتى أنواع القمامة المنزلية، يقول «المير» بأن عمال النظافة يجدون نفايات صلبة كالأثاث المنزلي و كذا العجلات المطاطية و القارورات، و حتى الأغنام و الحيوانات النافقة، التي يتخلص منها أصحابها بطرق عشوائية، و في هذا الشأن يؤكد المسؤول على أن عمليات التنظيف قد لا تكون كافية في مثل هذه الحالات، لأن القنوات تكون مسدودة تماما، و بالأخص عندما تأتي الأمطار على شكل عواصف و بشكل مفاجئ، و لذلك لجأت البلدية حسبه، إلى تسييج بعض حواف المجاري المائية و مداخل البالوعات الواقعة تحت الأرصفة، من أجل منع وقوع أغراض كبيرة داخلها. أما بخصوص العيوب التقنية المسجلة على مستوى بعض شبكات التصريف، فقال محدثنا بأن مصالحه تكتفي بالمعاينة و إبلاغ السلطات المختصة بشأنها، على غرار مديرية الري، و ذلك لأنها تتطلب أغلفة مالية كبيرة، لا تتوفر عليها البلدية، فعلى مستوى وادي السمندو مثلا، يقول محدثنا بأن مديرية الري هي من تتكفل حاليا بإنجاز مشروع لمنع فيضانه خلال التساقط الغزير للأمطار. ع.م
rالمندوب البلدي بالمدينة الجديدة علي منجلي فراح عزيز: المشكلة في انعــــــــدام الـــدراســــــات و تضــــــــاعف العمــــــــران
يرى مندوب المندوبية 3 بالمدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة، عزيز فراح، أن المهام المنوطة بالبلدية في ما يخص منع وقوع الفيضانات، و الحد من انعكاساتها السلبية على المحيط العمراني و كذا المواطنين و ممتلكاتهم، ترتكز أساسا على المعاينة الميدانية للشوارع و الأحياء و خاصة النقاط السوداء، التي تكون غالبا سببا في تشكل السيول، و بعد ذلك يأتي الدور الآخر، المتمثل في التنظيف و هو مهم جدا حسب محدثنا، و ذلك بالنظر إلى الكم الهائل من النفايات التي ترمى من قبل المواطنين بشكل عشوائي و تكون سببا في انسداد البالوعات و قنوات الصرف.
يؤكد السيد فراح أن من بين أهم ما تتم معاينته في الميدان، هو انسداد البالوعات بالأتربة و القمامة، أو ضيق قطر شبكات الصرف، و هي عيوب تقنية، يقول بأنها تعود لفترة الانجاز قبل نحو 20 سنة، خاصة على مستوى الوحدات الجوارية القديمة التي بنيت قبل سنوات طويلة، حيث لم يراع حينها أن هذه الأماكن سيزداد حجم العمران و تتضاعف الكثافة السكانية على مستواها، مؤكدا أن شبكات الصرف التي أنجزت قبل 15 أو 20 سنة، باتت اليوم ضيقة جدا، بالنسبة لمدينة في حجم علي منجلي، و هي من أسباب حدوث السيول و الفيضانات، حسب ما يضيف محدثنا.
«العديد من البالوعات وُضِعت
في أماكن غير مناسبة»
و من بين الأمور المسجلة أيضا، حسب مندوب علي منجلي 3، أن بعض شعاب الوديان تم البناء على مستواها، مما أدى إلى تغير مسار المياه، فتكون سببا رئيسيا في السيول الجارفة التي تحدث عند تهاطل الأمطار الغزيرة، و في سياق مشابه، أكد أن الكثير من البالوعات أنجزت في غير أماكنها الصحيحة، و بالتالي تكون من دون أدنى فائدة، لأن السيول تجري في أماكن، بينما تقع هي في أماكن بعيدة عنها، و هذا الأمر هو محل شكاوى عديدة من المواطنين، حسب ما يؤكده عزيز فراح، الذي أرجع ذلك إلى الانجاز دون الاستناد إلى دراسات، مضيفا أنه و بالرغم من أن إبلاغ المصالح المعنية يكون بعد المعاينة مباشرة، غير أن الاستجابة و الانطلاق في الأشغال، يتم بشكل بطيء.
و على سبيل المثال، يقول فراح إن لجنة ولائية مشكلة من عدة هيئات من بينها البلدية، قامت بمعاينة شاملة لجميع الوحدات الجوارية، و ذلك قبل عدة أشهر، ولاحظت نقصا فادحا في عدد البالوعات المتوفرة، حيث أعدت تقريرا يتضمن ضرورة إنجاز 1500 بالوعة جديدة في أماكن تم تحديدها بعناية، و تم تسليم التقرير للجهات الوصية، غير أن الأشغال انطلقت بشكل بطيء جدا، مؤكدا بأنها لم تتجاوز نسبة الـ 10 بالمئة.
و قد طالب محدثنا المواطنين بضرورة التحلي بروح المسؤولية و المواطنة، و عدم القيام بتصرفات غير حضارية من خلال الرمي العشوائي للقمامة و إغلاق البالوعات عن قصد أو غير قصد، حيث دعا إلى المساهمة في حملات التنظيف، معتبرا أن فئة من السكان هم أحد أسباب حدوث السيول و الفيضانات.
عبد الرزاق.م
رئيس بلدية سكيكدة محمد بوقروة للنصر : 70 مليارا صُرفت لحماية المدينة من الفيضانات منذ 2012
يؤكد رئيس بلدية سكيكدة محمد بوقروة، بأن القضاء على ظاهرة الفيضانات التي تلازم شوارع وأحياء المدينة عند تساقط الأمطار منذ سنوات طويلة، تتطلب أموالا باهظة تخصص لإنجاز مشاريع ناجعة وكفيلة للحد من المشكلة، واصفا الفيضانات التي شهدتها المدينة منذ أيام ، بالطوفان والكارثة الطبيعية التي قال إنها تحدث حتى في الدول المتقدمة و «يستحيل» على أية جهة أو مشروع السيطرة عليها والتحكم فيها، نتيجة لارتفاع نسبة التساقط التي بلغت 141 مليمترا ولثلاث ساعات متتالية، مؤكدا بأن نشرية الأرصاد الجوية «خالفت التوقعات» التي كانت في حدود 50 مليمترا، كما أنها وصلت مصالحه متأخرة عن بداية سقوط الأمطار بحوالي ساعتين من الزمن، حسب تعبيره.
حي مرج الديب نقطة سوداء و في حاجة إلى 4 محطات
رئيس البلدية وهو مهندس في نفس الوقت، أوضح في معرض تشريحه لمشكلة الفيضانات بالمدينة، أن المسألة أكبر بكثير مما قد يتصوره البعض انطلاقا من موقع الأحياء السكنية، فمثلا حي مرج الديب يقع في منخفض عن سطح الأرض يساعد على ركود مياه الأمطار وتشكل بحيرات، ما يجعله يغرق ويرتفع فيه منسوب المياه كلما تساقطت الأمطار وهي مشكلة تلازم هذا التجمع منذ إنشائه، مقللا في السياق نفسه من حجم الأضرار التي خلفتها هذه الفيضانات وقال بأنها خفيفة وعادية و تحدث، حسبه، في كل الولايات والمدن، فالأهم بالنسبة له هو عدم تسجيل ضحايا و وفيات.
ويرى محدثنا بأن الحل الوحيد الكفيل بالقضاء على الفيضانات في هذا الحي الذي يتربع على 32 هكتارا وبحكم معرفته الجيدة له، يتمثل في تخصص مديرية الموارد المائية ميزانية خاصة توجه لإنجاز 4 محطات كبرى تتوزع بين مدخل التجمع و وسطه و بمخرجه، على أن تزود كل محطة بأربع مضخات بسعة 500 متر مكعب لتصب المياه مباشرة في الوادي ومنها إلى البحر، مؤكدا بأن المحطة الوحيدة التي أنجزها ديوان التطهير بجانب الملحق البلدي، لا يمكنها أن تكفي بدليل استمرار الفيضانات كل عام.
لهذه الأسباب أغرقت السيول حي ساكر
أما بحي الاخوة ساكر، الذي كان الأكثر تضررا من بقية التجمعات السكنية، فأرجع «المير» الفيضانات العارمة التي سجلت به و تخطى فيها منسوب المياه 60 سنتيمترا، إلى عدم انتهاء المقاولة من مشروع حماية الحي من الفيضانات، حيث خصص له 28 مليار سنتيم، داعيا المواطنين الى عدم التسرع والحكم على المشروع قبل إتمامه.
و نبه رئيس البلدية إلى أن المقاول المكلف بالأشغال في هذا الحي، قام بغلق الشبكة أثناء وقوع الفيضانات دون أن يخطر البلدية، و ذلك تفاديا لعدم تسرب المياه إلى المحطات الجاري إنجازها هناك، مضيفا أنه وبمجرد قيام المقاولة بفتح الشبكة، امتصت القناة المياه الراكدة في ظرف ساعة من الزمن، وهذا دليل مثلما يقول، على نجاح المشروع في بدايته لا سيما في شبكة قنوات الصرف في باطن الأرض.
وضمن هذا السياق، أكد رئيس البلدية على كفاءة وخبرة مكتب الدراسات في مثل هذه الورشات، متوقعا نجاح المشروع خاصة وأن الحي يقع على مقربة من الوادي وهذا ما يسهل من عملية ضخ المياه الراكدة لتصب فيه مباشرة، وعند استلام المشروع سيتم القضاء على الفيضانات بصفة نهائية، فحتى وإن كانت نسبة التساقط كما في المرة الأخيرة، فإن الأضرار ستكون قليلة، حسب تأكيده، رافضا فكرة فسخ الصفقة مع المقاولة نتيجة للتأخر المسجل، معتبرا أنها تمتلك الكفاءة اللازمة وعتادا ضخما، ولا بد، حسبه، من مرافقتها في هذا المشروع لإتمامه في الآجال القريبة. وأشاد «المير» بنجاح المشاريع التي أنجزت في العهدة السابقة على مستوى حي 700 و500 مسكن، حيث تخلص السكان من مشكلة الفيضانات نهائيا بعد أن ظلوا لسنوات طويلة يعيشون تحت هاجس الرعب وكانت الحركة به مشلولة وتتم عبر الزوارق.
مقاولة قامت بتعبيد الطريق فوق بالوعات
وبخصوص الفيضانات التي شهدها حي الإخوة سعدي بمدخل المدينة، أكد محدثنا بأن سكان هذا الحي لم يسبق وأن شهدوها، مرجعا السبب هذه المرة إلى المقاول الذي قام بتعبيد الطرقات فوق البالوعات، مما أدى إلى ركود المياه وتسربها إلى منازل الطوابق الأرضية، مؤكدا أن ذلك حصل بصفة غير متعمدة، لأن المقاولة لم تكن تتوقع بالطقس وكانت في نيتها إعادة تنظيف البالوعات بعد الانتهاء من تعبيد الطرقات الحي.
وختم محدثنا ليؤكد بأن مشاريع حماية مدينة سكيكدة من الفيضانات، أنهكت ميزانية البلدية بعد أن خصصت لها أموالا تقارب 70 مليار سنتيم منذ 2012 و قد كان من المفروض، حسبه، أن تتكفل بها مديرية الموارد المائية، كما هو الحال بالنسبة للانزلاقات، لأن مصالحه تتكفل فقط بالمشاريع الصغيرة، على حد قوله.
كمال واسطة
رئيس اللجنة المستقلة للخبراء المعماري جمال شرفي في حوار للنصر: احتلال ضفاف الأودية و اعتماد أنظمة صرف أحادية سبّبا الفيضانات
يؤكد رئيس المجلس العربي الأعلى للمعمار و العمران و تطوير المدن، الدكتور جمال شرفي، أن إلغاء الأودية و احتلال ضفافها كان السبب الرئيسي في الفيضانات التي شهدتها عدة ولايات بالجزائر، كما يؤكد الرئيس السابق لهيئة المهندسين المعماريين أن اعتماد أنظمة صرف أحادية و ضعف عملية صيانتها زاد من هذه المخاطر، ما جعل مدنا بأكملها “مهدّدة بالانجراف”، بحسب نتائج تحقيق ميداني شامل أجرته اللجنة الوطنية المستقلة للخبراء، التي يرأسها، ليحمّل المسؤولية في ما يحصل للسلطات التي قال في حوار للنصر، إنها تعتمد مشاريع دون دراسات معمقة، متحدثا عن وقوع «تواطؤ» مع ما أسماه بمافيا العقار.
حاورته: ياسمين بوالجدري
شهدت العديد من الولايات الشرقية للوطن فيضانات نجمت عن أمطار رعدية يقول الخبراء إنها متوقعة و عادية في هذه الفترة من السنة، أين تكمن المشكلة برأيك؟
عقب الكوارث الطبيعية التي شهدتها الجزائر، تم تشكيل لجان وزارية من القطاعات المعنية، حيث انتقلت إلى المدن و أعدت حينها تقارير رفعت إلى رئيس الجمهورية المستقيل، و الذي أصدر حينها أمرا عاجلا بتنظيم جلسات وطنية للوقاية من أخطار الكوارث الكبرى، لكن للأسف نتائج هذه التقارير و الاتفاقيات الوطنية و الدولية رصت في الرفوف.
بعد ذلك كوّنا لجنة خبراء مستقلة ترأستها، حيث قمنا خلال الأشهر الماضية بالعديد من الجولات في 22 ولاية منها تبسة و قسنطينة و سيدي بلعباس و تمنراست و عنابة و أم البواقي و المسيلة و العاصمة، و غيرها من المدن التي شهدت فيضانات في سبتمبر الأسود العام الماضي، و قد وقفنا على أسبابها الحقيقية و ليس الأسباب الإدارية.
ما الذي تقصده بالأسباب الحقيقية و ليس الإدارية؟
الأسباب الحقيقية هي في الواقع أخطاء ارتكبها الولاة، فلقد حولوا الكثير من الوديان عن مجاريها انطلاقا من سفوح الجبال و استعملوا مسارها لغايات تجارية، و هو ما لاحظناه مثلا في تبسة و سطيف و قسنطينة و ميلة و باتنة، و ذلك دون إجراء دراسات معمقة، و معروف في قوانين الطبيعة أن الوادي لا يحول مجراه مهما طال الزمن.
كيف تم استغلال هذه الوديان لغايات تجارية؟
لقد تم البناء على ضفافها و حتى فوق مجرى الوادي نفسه، بعدما تم بيعها من طرف هيئات داست على كل قوانين التعمير و العمران بسبب سلطة الوالي الذي تغوّل، و هنا أعطيك مثالا عن تبسة التي كانت أول ولاية توفي فيها ضحية في فيضانات العام الماضي، و كلنا نذكر مشهد الطفل آدم الذي غرق في السيول. هذه الولاية تقسمها 3 وديان و قد وجدنا أنه تم تحويلها إلى طرق تجارية، حيث تم تعبيدها و أصبحت شوارع رئيسية على اعتبار أنها تتوسط المدينة و قيمتها العقارية كبيرة، فيما تم وضع سد ترابي بمجرى الوادي من سفح الجبل و هي فكرة غبية و كأننا نضع إشارة قف في وجه الفيضان!
لكن هناك من يلوم المواطن في مسألة البناء على ضفاف الوديان؟
نعم قد نلوم المواطن، لكن المواطن هو جزء فقط من المشكلة، فهناك سلطات ارتكبت خطأ جسيما جدا بمنح مشاريع على ضفاف الوديان لفائدة الخواص، و هي أخطاء قامت اللجان الإدارية التي أوكلت لها مهمة التحقيق في أسباب الفيضانات، بمداراتها، و هنا أخبرك بأمر غريب، في تبسة مثلا وجدنا أنه تم منح عقد تمليك لسكنات وسط مجرى الوادي، و قد استغلت الإدارة في ذلك قانون تسوية البنايات 15/08 رغم أن هذا القانون نفسه يمنع تسوية البنايات المنجزة فوق مساحات الارتفاق. لقد حدث تواطؤ بالتسوية في مناطق خطر.
ماذا عن حالة قسنطينة؟
في قسنطينة التي شهدت الخريف الماضي مقتل شخصين بسبب الفيضانات، وجدنا أن الجسر المنجز بمكان الفيضان بُني دون دراسة و لاحظنا أن وادي زياد الذي يشق جبل الوحش مرورا بحامة بوزيان، و يقطع الطريق الوطني المؤدي إلى سكيكدة و جيجل، تم البناء على ضفافه و وسطه، و عندما فاض الوادي لم يستطع التنفس فأخذ من الطرقات مسلكا له. هذا ما يحدث عندما نستولي على حق الوادي لأنه سيبحث عن مجرى آخر، و هو ما حدث مؤخرا في باتنة و سكيكدة عند تساقط الأمطار الموسمية. الغريب في الأمر أن ما من منطقة وقعت بها فيضانات العام الماضي، إلا و وجدنا فيها اعتداءات على الوديان و كأنها تنتقم لنفسها.
ما هي الأسباب الأخرى التي وقفت عليها اللجنة خارج مشكلة الأودية؟
أشغال التهيئة، فقد وجدنا بأن الولاة يعتمدون خلالها على دراسات سطحية، سواء تعلق الأمر بتهيئة المساحات العامة أو إنجاز الشبكات التحتية، و هنا أشير إلى أن هذه الشبكات توضع بطريقة كارثية باعتماد شبكة أحادية تضم قنوات تصريف مياه الأمطار و الصرف الصحي معا، كما أنها تكون ضيقة و تسد بسهولة بالمياه المحملة بالردوم، فتتخذ المياه السطحية من الطرقات مجرى لها، و لهذا السبب اقترحنا الفصل بين الشبكتين.
لكن السلطات تؤكد في كل مرة أنها أنفقت أموالا ضخمة من أجل الدراسات؟
أؤكد لك أن مشاريع الصرف تمت دون دراسات، و هذا ما اعترف به وزير ري سابق، فهمّ الولاة هو إنفاق الميزانيات كي لا يحاسبوا على عدم صرفها، حتى لو كان ما يقومون به خاطئا، حيث يتم ذلك تحت طابع الاستعجالية على حساب النوعية. في الجزائر العاصمة مثلا، لا تكمن المشكلة في عدم صيانة مجاري الصرف، لكن في التوسع العمراني الأفقي، دون الأخذ بعين الاعتبار تمدد الكميات الهائلة من البنايات، و نحن كخبراء نعلم أن التهيئة تقلل من امتصاص التربة للمياه الداخلية بسبب الاسفلت، و هذا ما حدث في المدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة مثلا، لكننا لم نتعظ من هذه الدروس.
هل لقيت نتائج تحقيقكم تجاوبا من السلطات؟
لقد سلمنا نتائج عمل اللجنة الوطنية المستقلة للخبراء المستقلين، لرئاسة الجمهورية، و قد تم الاتصال بنا آنذاك و وُعِدنا بتنظيم لقاء وطني لمراجعة القوانين المتعلقة بالمخاطر و حماية المدن من الفيضانات، و إعطاء المختصين دورهم و تحييد دور الإداري و بألاّ تكون القرارات ارتجالية مثل ما نراه، حيث يأمر الوالي أو الوزير، المسؤولين التنفيذيين، بتحويل مجرى الوادي يمينا أو يسارا، دون أن يلقيا اعتراضا، لأن جميعهم غير مختصين، لكن هذه الوعود لم تتحقق.
لقد طالبنا أيضا بمحاربة مافيا العقار التي تنشط على مستوى 1541 بلدية عبر الوطن و ما يحدث من سرقة باسم قانون تسوية البنايات الذي أصبح مطية للاعتداء على الأملاك العمومية و الوديان، مما جعل المدن الجزائرية لا تتنفس، و حتى التقارير التي كانت تعدها الإدارة، اقتصرت على حصر التعويضات المالية، في حين أن تقريرنا كان أشمل، لكن تم الحجر عليه بحجة عدم إرباك الناس.
لماذا كان تقريركم ليُربِك المواطنين؟
من ضمن التوصيات التي أدرجناها في التقرير، أن نقوم بهدم البنايات المنجزة على حواف الوديان على الأقل بمساحات الارتفاق، لإعادة المجاري إلى مسارها, أوصينا كذلك بإعادة دراسة فكرة حماية المدن من الفيضانات في السفوح و المناطق الداخلية.. لقد شاهدنا حدوث انخفاضات في التربة و انجراف بسبب استعمال مواد بناء و خرسانة رديئة، و حتى التساقطات المطرية لم تكن كارثية، و لا يجب علينا أن نحمل الأمطار الخطأ فالوصول إلى منسوب 40 أو 50 أو 60 سنتيمترا في نهاية الصيف أمر عادي، لكن غياب الصيانة و عدم اعتماد الدراسات العلمية فاقم من الوضع.
تعتمد العديد من دول الغرب على الأنفاق الأرضية لتصريف المياه، لكننا لا نجدها في الجزائر، و حتى المنجزة وقت الاستعمار توقف استغلالها. ما الذي تقترحه في هذا الخصوص؟
ما تم بناؤه خلال الاستعمار الفرنسي في الجزائر العاصمة و وهران و قسنطينة، بُني بنفس النظام الذي اعتمد في باريس، حيث كانت الشبكات مدروسة جدا و كان التصريف في العاصمة مثلا، يتم من أعالي المدينة إلى البحر عبر الأنفاق دون حدوث أية مشاكل، و بطريقة سلسة، حتى التخطيط لها أخذ بعين الاعتبار قرنين لاحقين من الزمن، لكن الإشكال الذي حدث و فاقم الكوارث هو غلق هذه الأنفاق خلال العشرية السوداء لأنها كانت تستعمل كممرات بين الأحياء من طرف الجماعات الإرهابية، و هو ما أدى إلى حدوث فيضانات باب الواد، حيث لم تجد المياه ممرا سفليا فاتخذت ممرات علوية و جرفت معها الأوحال و الردوم.
يلاحظ أن مشاكل صرف مياه الأمطار مسجلة حتى في المشاريع السكنية الجديدة. هل هي مسألة سوء تقدير أم غياب دراسات معمقة؟
في الحقيقة صُمّمت هذه المدن لتكون ذكية لكنها أغبى المدن، لقد أنجزت شبكاتها التحتية بطرق استعجالية، لذلك أتنبأ بأن تشهد كارثة مستقبلا، و لقد شاهدنا كيف انفجرت قنوات مياه الصرف الصحي في الشوارع و حتى داخل الشقق، لأنها أنجزت دون دراسة أصلا. قبل إنجاز أي مشروع يجب أن تعدّ دراسة موثقة و متأنية و مراقَبة، تأخذ بعين الاعتبار كل المتغيرات، لكننا لم نجد أي ملف اعتمد هذا الأسلوب في الجهات التي شملها تحقيقنا في أعقاب فيضانات الخريف الماضي.
عمليات إنشاء و تطوير المدن تمت بشكل عشوائي و سرطاني، و لقد كنت من أكبر المعارضين لقانون تسوية البنايات الذي فاقم خطر الفيضانات، و الدليل فشله بعد تمديده لفترتين منذ إقراره سنة 2008.
ما الذي تقصده بالقول إن مدننا أنشئت بطريقة سرطانية؟
سأوضح ذلك، المدينة الجزائرية لم تتمدد وفق معايير النمو الطبيعي بل بشكل سرطاني غلب عليه قرار المسؤول الإداري البعيد عن التخطيط التقني، و حتى مخططات التعمير و إن قلّت، فإنها لم تأخذ بعين الاعتبار و توضع في الأدراج، لتحل محلها قرارات الولاة الذين سمحوا بإنجاز مبان على أراض فلاحية و انزلاقية غير صالحة للبناء دون مراعاة القوانين أو إجراء دراسة للتربة. لقد هُمش الخبراء و غيّبوا ما جعل مدننا في خطر محدق، و إعادة تأهيل المدينة الجديدة لتكون قادرة على مجابهة الفيضانات، يتطلب دراسات معمقة و استشارة الخبراء الحقيقيين و المختصين.
لن تكون هناك فائدة إذا بقينا في سياسات الترقيع، نندّد و نحزن بسبب الكارثة ثم ننسى و تتكرر بعدها نفس الأخطار دون أن نستخلص منها الدروس، لأن الفيضانات المتكررة بحلول ترقيعية تزيد من درجة اهتراء المدن و المنشآت التحتية، فيتضاعف الخطر. أخشى أن يأتي وقت تنجرف فيه مدن بأكملها و تكون الكارثة كبرى.
هل هذا يعني أن المدينة الجزائرية غير قادرة على أن تصمد أمام خطر الفيضانات حتى على المدى القصير؟
طبعا، و هنا أشير إلى أن البرامج المليونية للسكنات اختيرت أرضياتها بطريقة عشوائية، و أؤكد أن كل سكنات عدل و السكنات الاجتماعية أنجزت دون رخص بناء و تجزئة، مع العلم أن هذه الرخص تتطلب إجراء دراسة تشمل الشبكات التحتية و تحدد خاصية التربة و طبيعتها الجيولوجية و تقنيات البناء و حتى الارتفاع المسموح به للبنايات التي ستنجز عليها و المساحات الخضراء، كما تحدد حق الملكية و مناطق الخطر التي يمنع البناء عليها. كل سكنات عدل عبر التراب الوطني مهددة اليوم بخطر الفيضانات و الانزلاقات و قد تم اختيار أوعية العديد منها بطريقة عشوائية على أراض فلاحية و انزلاقية، و الأمثلة اليوم كارثية مثل سكنات الرتبة و الخروب بقسنطينة التي أنجزت على أرضية طينية منتفخة ما يهدد سلامة المنشآت.
ما هي الحلول التي تقترحونها؟
الحلول المستقبلية ستكون مكلفة، لكن لا توجد لدينا اختيارات أخرى، و أول ما يجب القيام به، هو الحد من التمدد و هدم كل ما بني على مناطق الارتفاق و المحرمة في البناء المنصوصة قانونا، يجب أن تستعيد الوديان حقوقها الطبيعية، و إعادة تهيئة الوديان القديمة و ترك فضاءات للمدن لكي تتنفس، يجب أيضا ألا نبني فوق ما يستعاد بعد عمليات الهدم هذه، و اعتماد دراسات متأنية.
ي.ب