فوضى سوق العقار تضع عائلات تحت رحمة الكراء
سقط الإيجار من قائمة الخيارات وأصبح أمرا إجباريا يسلكه الراغبون في بناء أسرة في الجزائر، رغم ما يفرضه من تضحيات وقيود على حياة الفرد بسبب استهلاك شق واسع من ميزانية الموظف أو العامل البسيط ومتوسط الدخل على حد سواء، فخلال الحلم بامتلاك سكن وفي مرحلة الانتظار الطويلة يجد المستأجر نفسه قد استهلك عشرات الملايين التي يجمعها سنويا ليدفعها لصاحب البيت، الذي يفرض أسعارا مرتفعة دون ضوابط أو مرجعية مدروسة تحددها، في ظل تأخر إنجاز مشاريع الإسكان واستفادة أشخاص من الشقق الاجتماعية لإعادة كرائها وتأبيد مشكلة السكن.
إعـــداد: سامي حبّاطي
النصر تحدثت في هذا الملف، مع أرباب أسر لم يجدوا إلا الكراء وسيلة لضمان سكن، وتنقل معاناتهم المستمرة لجمع أموال كان يمكنهم الاستفادة منها لتحسين مستواهم المعيشي، كما تنقل رأي مختصين أكدا على أن تنظيم سوق إيجار السكنات بيد الدولة.
أكثر من مائة مليون تكلفة للكراء وحده
تحدثنا إلى مجموعة من أرباب الأسر المتزوجين منذ أقل من خمس سنوات، حول تكاليف الكراء التي يتكبدونها سنويا، حيث أخبرنا شاب في الثلاثينات من العمر أنه متزوج منذ سنة 2014، وقطن في السنوات الأولى في شقة اكتراها على مستوى حي للسكنات العمومية الإيجارية بعلي منجلي مقابل 18 ألف دينار للشهر. وأضاف محدثنا أنه لم يوقع عقد كراء مع صاحب الشقة الأولى، التي أمضى فيها ثلاث سنوات كلفته حوالي 65 مليون سنتيم، قبل أن ينتقل إلى شقة أخرى في حي قريب من مقر عمله مقابل مليوني سنتيم للشهر الواحد.
وأخبرنا رب الأسرة المكونة من زوجة وطفل، أنه سيدفع تكاليف الكراء السنوية شهر سبتمبر المقبل، موضحا أنها قد تجاوزت 120 مليون سنتيم في الوقت الحالي بالإضافة إلى تكاليف عقد الكراء الذي وقعه منذ السنة الأولى مع صاحب الشقة الجديدة، في حين أكد لنا أنه أودع ملفا للاستفادة من سكن في إطار صيغة «عدل» منذ عدة سنوات وما زال ينتظر إلى اليوم.
ونبّه محدثنا أن الشقّة التي يشغلها حاليا ليست ذات مساحة كبيرة، إلا أنه مضطر إلى الاكتفاء بها إلى غاية حصوله على سكن، لكنه عبر عن عدم ندمه على قرار الزواج دون الحصول على سكن، رغم أن الكراء يضعه في مواقف صعبة أحيانا، على غرار الصّائفة المنقضية التي اضطر فيها إلى الاقتراض لجمع القيمة السنوية، حيث أوضح لنا أن بعض أصدقائه فضلوا عدم الزواج إلى غاية جمع الأموال واقتناء سكن، لكن بعضهم أمضى عشرة أعوام يقتر على نفسه ليجمع ما يسمح له بشراء منزل، بحسب محدثنا، الذي أكد أن اثنين من أصدقائه استطاعوا شراء شقتين بحوالي 500 مليون للواحدة، لكن بعد أن بلغوا الأربعين وتزوجوا في سن متقدمة، كما أضاف محدثنا أن الشقتين ضيقتان جدا.
60 بالمائة من الراتب للكراء والنّقل
وأفاد شاب آخر في الثلاثينيات، متزوج منذ أزيد من 3 سنوات، أن تكلفة الكراء والتكاليف الحياتية الأخرى وعلى رأسها تكلفة النقل، تمتص أكثر من 60 بالمائة من راتبه المقدر بحوالي أربعة ملايين سنتيم ونصف، مشيرا إلى أنه اكترى شقة بالقطب العمراني ماسينيسا بعقد كراء مقابل 18 ألف دينار للشهر، في حين أوضح أن التكلفة قد وصلت إلى حوالي تسعين مليون سنتيم، في حين أوضح لنا أنه يعتبر أن مليوني سنتيم من راتبه الشهري ليست ملكا له، مشيرا إلى أنه يلجأ إلى جمع قيمة الكراء السنوية بوضع مليوني سنتيم مع عشرة من أصدقائه شهريا، ليحصل على مبلغ عشرين مليون سنتيم بعد عشرة أشهر، يخصصه للكراء فقط.
وأضاف نفس المصدر أنه اضطر إلى اقتراض مبلغ من المال العام الماضي لاستكمال قيمة الكراء، عندما واجهه ظرف خاص بذل فيه بعض الأموال. أما شاب آخر، والد لطفلين، فأخبرنا أنه يعيش وضعية مستقرة لكنها مهددة بالاضطراب التام في حال وقوع تغير بسيط في راتبه أو في حال تكبده أعباء إضافية، حيث أخبرنا أن والده فلاح وهو من يدفع له قيمة الكراء بعد كل موسم حصاد، مضيفا أنه لا يمكنه الدفع في حال عدم منحه هذه الأموال من طرف والده، حيث أكد أنه يدفع 16 ألف دينار شهريا، فيما يتقاضى أربعة ملايين سنتيم بينما لا يتعدى راتب زوجته 15 ألف دينار، وهي تعمل بواحد من عقود صيغ ما قبل التشغيل.
ويعاني بعض الشباب من عدم القدرة على كراء شقق بوسط مدينة قسنطينة، حيث أخبرنا شاب متزوج حديثا وليس له أولاد، أنه لم يعثر على عروض كراء بأقل من 16 ألف دينار للشهر الواحد، في حين وجد عروضا أخرى بـ18 ألف دينار ومليوني سنتيم، وبعضها
بعقود كراء كما يعرض الأخرى أشخاص دون عقود. وأضاف محدثنا أنه بحث عن عروض في المساكن التي رحل منها أصحابها لعله يظفر بشقة بسعر معقول، لكنه لم يجد، حيث قال إنها شُغلت كلها مباشرة بعد ترحيل سكانها السابقين.
واعتبر محدثونا أن الكراء يضع صاحبه في وضعية مادية صعبة، كما ذكروا لنا بعض الحالات التي يجد فيه المكتري نفسه مضطرا إلى الانتقال من مكان إلى آخر كل سنة، ما يؤثر سلبا عليه وعلى تمدرس أبنائه، مثلما أخبرنا به كهل، قضى 14 سنة من عمره في الكراء، منذ 1998 إلى 2012 تاريخ استلامه شقته ضمن صيغة «عدل»، حيث أضاف نفس المصدر أنه تنقل بين أكثر من 5 أحياء خلال هذه الفترة التي صار له فيها ثلاثة أبناء، مشيرا إلى أن هذا الأمر حرمه من اقتناء سيارة طيلة تلك الفترة ولولا توفر بعض عروض البيع بالاستدانة لما استطاع شراء واحدة.
كما تطرح مشكلة عدم الاستقرار ، حيث نجد عائلات خاصة المتزوجون حديثا في حالة تنقل دائم بحثا عن أسعار أقل، سيما وأن أصحاب الشقق عادة ما يرفعون السعر بعد العام الأول لعلمهم بحاجة مستغليها لتجديد العقد، كما أن هناك من يدفعون للمغادرة قبل انتهاء المدة المتفق عليها، بسبب عدم وجود عقد موثق، إضافة إلى رفض التجديد في حالات يكون المستأجر رهينة برامج سكنية غير معلومة الآجال، مثلما يحدث في برامج الترقوي المدعم، حيث اخبرنا أحمد وهو موظف، أنه ومنذ خمس سنوات غير مقر سكنه أربع مرات، وفي كل مرة يتكبد وأفراد عائلته عناء نقل الأثاث وإعادة ضبط ريتم الحياة وفق الموقع الجديد، ما يخلق حالة من اللااستقرار النفسي، ذلك أن مشروع الترقوي المدعم الذي سجل فيه لا يزال في أطواره الأولى بسبب تأخر الأشغال، رغم أنه التسليم كان مقررا قبل موعد زواجه .
وعزا بعض من تحدثنا إليهم سبب معاناتهم إلى التأخر في إنجاز المشاريع السكنية التي تبدأ بأجل لا يتجاوز السنتين وتنتهي بما يقارب العقدين من الزمن دون أن تستكمل أشغالها في بعض الحالات، فيما لم يعد التفكير في بناء أسرة ممكنا دون إدراج عنصر الكراء في الحسبان،
باعتباره الطريقة الوحيدة الممكنة لضمان سكن إلى غاية الاستفادة من شقة في إحدى الصيغ الاجتماعية، بحسب محدثينا.
تخوّفات من كراء السكنات الاجتماعية بسبب لجان الرقابة
وبحثنا في تجمعات السكنات الاجتماعية بقسنطينة عن عروض لكراء سكنات، حيث ذكر لنا بعض القاطنين في هذه الأحياء أن نسبة العروض قد تراجعت في الآونة الأخيرة بسبب رقابة اللجنة التابعة لديوان الترقية والتسيير العقاري، وأخبرنا مقيم بالسكنات الاجتماعية المعروفة بالضريح في «ماسينيسا» أن عروض الكراء غير متوفرة، مشيرا إلى أن لجنة «أوبيجيي» قد زارت الحي عدة مرات للتأكد من أن شاغلي السكنات هم المستفيدون الحقيقيون، مضيفا أن اللجنة زارت شقته العائلية أيضا، في حين تركت استدعاءات للأشخاص الذين لم يجدوهم داخل شققهم واشتبهوا في أنهم قاموا بتأجير السكنات أو بيعها.
أما في التوسعة الجنوبية من المدينة الجديدة علي منجلي، فقد أوضح لنا من تحدثنا إليهم من السكان أن لجنة «أوبيجيي» تزور الحي من حين لآخر، في حين قال أن عروض الكراء، الذي يتم دون عقود، قليلة جدا وتقتصر على أشخاص يتفقون بينهم، حيث نبه محدثونا إلى أن مقدار الثقة هي المعيار الأول للكراء في هذه السكنات حاليا، بعد أن شاع بين السكان أن ديوان الترقية والتسيير العقاري يمكن أن يحول الاستفادة من صاحب الشقة إلى المستأجر عند اكتشاف حالات كراء، ما جعل أصحاب الشقق يتخوفون من أن يقوم شخص بالكراء ثم يبلغ عن صاحب الشقة ليسلبه استفادته من سكن اجتماعي.
ورغم الرقابة، ما زالت عمليات تأجير السكنات الاجتماعية تتم في أحياء اجتماعية قديمة، على غرار الوحدة الجوارية 16 وغيرها من الوحدات، حيث تتراوح تسعيرة الكراء بين 12 و15 ألف دينار بحسب موقع الشقة من حيث قُربها من المرافق ووسائل النقل، مثلما أكّده لنا من تحدثنا إليهم، فيما يمكن العثور على عروض كراء في مواقع أحياء أنشئت بصيغ سكنية أخرى، على غرار الترقوي المدعم و"عدل"، لكنها مقابل أثمان أكبر، ومن بينها شقة معروضة للكراء بسعر 22 ألف دينار للشهر على مستوى ترقية عقارية، حيث يتوفر العرض على سياج إحاطة للسكن وبعض المزايا الأخرى، فضلا عن موقع الشقة القريب من الأماكن التي تتركز فيها النشاطات التجارية بعلي منجلي. من جهة أخرى، يمكن شراء سكنات اجتماعية بصيغة المفتاح، بحسب ما أكده لنا قاطنون فيها، تحدثوا عن قيام البعض من المستفيدين بالبيع.
تأخر المشاريع يوقع طالبي السكن في «فخ» الإيجار
ويعاني طالبو السكن من مشكلة أخرى عند كراء السكنات، حيث ذكر لنا العديد ممن ينتظرون استلام المشاريع السكنية التي استفادوا منها في صيغة السكن العمومي الإيجاري أو غيرها، أنهم يواجهون مشكلة مع أصحاب السكنات التي يؤجرونها، فكثير منهم لا يتمكنون من تحديد مدة زمنية معينة لكراء السكن، خصوصا مع كثرة الوعود واقتراب موعد التسليم.
وقد حدثنا طالب سكن اجتماعي من بلدية عين سمارة، أن الحي السكني الذي استفاد فيه يقع بالتوسعة الغربية للمدينة الجديدة علي منجلي وتشارف الأشغال فيه على الانتهاء، كما تلقوا وعودا بالدخول إلى سكناتهم خلال شهرين، لكن صاحب السكن يرفض الاتفاق معه على إيجار شهرين فقط، ويطالبه بدفع مسبّق سنة كاملة، حيث أوضح لنا أنه من غير المعقول أن يدفع عاما كاملا مقابل استغلال السكن لمدة شهرين فقط، ويذهب باقي المبلغ لفائدة المؤجر. والتقينا بأحد المحتجين أمام ديوان والي قسنطينة للمطالبة بالسكن الاجتماعي، حيث ذكر لنا نفس المشكلة، مشيرا إلى أنهم قاموا بدفع نصف مبلغ الاستفادة المُسبقة على مستوى ديوان الترقية والتسيير العقاري بالولاية، لكنهم لم يستلموا سكناتهم بعد، رغم اقتراب موعد الدخول الاجتماعي، مؤكدا أن السلطات وعدتهم أن سكناتهم ستوزع عليهم قريبا، ما جعله في حيرة من أمره، خصوصا وأن فترة الكراء تكاد تنقضي وعليه أن يجدد تأجير سكنه لمدة سنة كاملة، مثلما اعتاد أن يفعل مع صاحب المنزل. وأضاف محدثنا أن التأخر سيدفعه إلى الرضوخ للأمر الواقع وكراء سنة، ففي حال تم توزيع السكنات بعد شهر أوت سيكون من الصعب تغيير مكان دراسة أبنائه بعد انطلاق الموسم
المدرسي.
س.ح
* رئيس الفيدرالية الوطنية للوكالات العقارية يؤكد
اقترحنا على الدولة إنشاء حظائر للكراء مقابل مبالغ معقولة
أكد رئيس الفيدرالية الوطنية للوكالات العقارية، نور الدين مناصري، أن الفيدرالية تقدمت بمقترحين من أجل إنشاء حظائر سكنية عمومية للكراء مقابل مبالغ معقولة للطرفين، فيما اعتبر أن أسعار الكراء عرفت تراجعا طفيفا بقسنطينة بعد توزيع أعداد كبيرة من السكنات.
وذكر رئيس الفيدرالية في اتصال بالنصر، أن مقترح إنشاء حظائر عمومية للكراء تسيرها الدولة فكرة معقولة، بحيث يتراوح سعر الإيجار الشهري ما بين 9 و12 ألف دينار، ليكون في متناول المستأجر ويدر الدخل أيضا، كما أن السعر قريب من نصف الأجر الوطني الأدنى المضمون، فيما قال إن الفيدرالية قدمت مقترحا ثانيا ينص على إنشاء بورصة للسكن بحيث يدفع المستأجر الثلاثي الأول من قيمة الكراء، ويتكفل البنك بباقي المبلغ في شكل قرض، يقتطعه شهريا من راتب المستأجر. وأوضح محدثنا أن الطريقة الأولى تساعد على ضبط سوق كراء السكنات كما تخفف الأعباء على المستأجرين.
واعتبر محدثنا أن كثيرا من المعنيين بالإيجار يرفضون طريقة القروض لأنها تتضمن التصريح بمبلغ الإيجار الحقيقي ودفع الضريبة على ذلك، مشيرا إلى أن الكثيرين يصرّحون بمبالغ أقل لدفع أقل قدر ممكن من أموال الضريبة، فيما شدد على ضرورة تحديد التعاملات الخاصة بالكراء وحصرها في الوكالات العقارية المعتمدة لتجنب حالات التلاعب والتحايل، كما نبه إلى أن مكاتب الأعمال لا تملك الحق في الوساطة في صفقات الكراء، معتبرا أنه من المحبذ التعامل مع الوكالات المنضوية تحت لواء الفيدرالية الوطنية.
“أحد الأولياء يعمل من أجل الإيجار والآخر يقتني الطعام”
وعبر رئيس الفيدرالية عن تكاليف الكراء بالقول “إنك تشعر بعد أن تعد الأموال التي دفعتها مقابل الإيجار لسنوات وكأنك ألقيت بها في مهب الريح”، حيث نبه إلى أن الأولياء في الأسرة الجزائرية اليوم يقتسمون الأعباء بينهم، بحيث تجد الوالد يعمل من أجل ضمان ثمن الإيجار بينما يقتني الطرف الثاني الطعام وباقي الحاجيات المنزلية أو العكس، في حين ضرب لنا المثال بقسنطينة التي يمثلها في الفيدرالية، حيث ذكر لنا أن سعر الإيجار يوازي قيمة الأجر الوطني الأدنى المضمون، أو يتجاوزه قليلا، مشيرا إلى أن المعدل المعمول به في مختلف الأحياء التي يكثر عليها الطلب يتراوح بين 17 و19 ألف دينار شهريا.
ورغم تأكيد محدثنا على تسجيل تراجع طفيف في أسعار الكراء على مستوى ولاية قسنطينة في الآونة الأخيرة، بعد توزيع العديد من المشاريع السكنية على غرار “كناب إيمو”، ما رفع عروض الكراء، إلا أن الأسعار تبقى مرتفعة كثيرا مع ارتفاع الطلب على الكراء، الذي عزاه إلى التأخر الكبير في إنجاز مشاريع الإسكان، فمن غير المعقول أن يظل طالب سكن منتظرا لعشر أو 14 سنة دون أن يتقدم في حياته ويتزوج حتى وإن كان ذلك على حساب مزيد من الأموال التي يبذلها في سبيل الكراء، مثلما قال رئيس الفيدرالية.
وقال نفس المصدر، في رد على سؤالنا حول عدم قدرة الحظيرة السكنية الاجتماعية على التخفيف من حدة مشكلة الكراء، أن كثيرا من المستفيدين من سكنات اجتماعية يقومون بكراء شققهم الجديدة ليكتروا لأنفسهم بما يحصلونه منها شققا أخرى في أحيائهم القديمة، بسبب نقلهم إلى مناطق بعيدة عن المناطق الأصلية التي نشأوا فيها ونشأ فيها أبناؤهم، فضلا عن تمركز نشاطهم الاقتصادي فيها، في حين نبه إلى أن نفس المشاكل مسجلة عبر القطر الوطني.
وأضاف محدثنا أن رب الأسرة يجد نفسه في كثير من الأحيان مضطرا إلى اقتناء منزل بأقل الأثمان، بحسب ما تسمح به ظروفه، ويلجأ أحيانا إلى اقتناء شقة بصيغة المفتاح، رغم ما يكتنف ذلك من خطر أن ينكر عليه صاحب الشقة عملية البيع برمتها، حيث أكد مناصري أن عاملا ثقافيا يتحكم في الأمر، بحيث أنه في التقاليد الجزائرية من النادر أن ينكر عليك صاحب بيت أمرا مماثلا ويخرجك إلى الشارع، رغم تسجيل بعض الحالات في السنوات الأخيرة، ورغم أن نفس الشخص قد يُنكر عليك “بيعا بالكلمة” ويتراجع فيه لو تعلق الأمر بأشياء أخرى مثل السيارة أو غيرها.
س.ح
* المختص في علم الاجتماع نجيب بولماين
مشاكل الكراء دفعت بأزواج إلى الطلاق
ذكر الأستاذ المختص في علم الاجتماع، نجيب بولماين، أن صعوبات الإيجار التي يواجهها أرباب الأسر قد دفعت ببعض الأزواج إلى الطلاق، مشيرا إلى أن الدولة فشلت في وضع سياسات تضبط سوق الإيجار، ما جعل الأسعار مرتفعة جدا وانعكس الأمر بصورة سلبية على الوضع الاجتماعي للأفراد.
وأوضح بولماين أن أدنى سعر إيجار يقدر بمليون سنتيم ونصف، في حين يقدر الأجر الوطني الأدنى المضمون بـ18 ألف دينار، أي أن الفارق يمثل 3 آلاف دينار فقط، حيث أكد أن الفرد لا يمكنه أن يضمن باقي التكاليف الحياتية مقابل هذا الفائض الضئيل، معتبرا “أنه حتى لو كان الشخص يتلقى راتبا بأربعة ملايين سنتيم على سبيل المثال، فإن أعباء استغلال الطاقة والمياه وغيرها من التكاليف اليومية بالإضافة إلى كراء بحوالي مليوني سنتيم لن تترك له إلا بضعة آلاف من الدنانير ولن يكون في وسع الفرد أن يضمن هامشا إضافيا للتمتع بالحياة”. وأشار محدثنا أن هذه الوضعية الاقتصادية الصعبة دفعت بالعديد من أرباب الأسر إلى ممارسة نشاطات إضافية، وفي بعض الأحيان نشاطات غير قانونية للحصول على الأموال، في حين تصل الأمور في أسوأ أحوالها إلى الطلاق وتفكك الأسرة، بينما أكد محدثنا أن أكبر فئة تعاني من مشاكل الإيجار والترحال بين السكنات المستأجرة هم المتزوجون الجدد، بعد أن صار من المستحيل أن يتزوج فرد وهو يملك شقة خاصة به مع بداية حياته.
“التحايل للحصول على سكن صار من ثقافة المجتمع”
واعتبر نفس المصدر أن التحايل في سبيل الحصول على سكن قد صار من ثقافة المجتمع، مشيرا إلى أن نزوح السكان من الأرياف إلى المدن قد دفع إلى تفاقم الوضع بشكل كبير بسبب ارتفاع أعداد السكان مقارنة مع الحظيرة السكنية المتوفرة، وأصبح من العادي على مستوى القيم الاجتماعية السائدة أن يتحايل الفرد للحصول على سكن من خلال تغيير مقر إقامته من ولاية إلى أخرى، ما ينذر بانهيار الأخلاقيات، بحسبه، بينما أوضح أن التضييق على هامش أريحية المواطن الذي يضطر إلى كراء سكن ضيّق للعيش فيه قد جعل من المنزل مكانا غير لائق للراحة، لدرجة أن بعض الأزواج يجدون صعوبة في ممارسة حميميتهم المشروعة بسبب الإحراج الذي يمثله حضور الأبناء فيما يعيش كثيرون خارج البيت طيلة الوقت ولا يعودون إليه إلا للضرورة، مثلما قال.
وانتقد محدثنا الفوضى العمرانية المسجلة، مشيرا إلى أن الدولة فشلت في وضع سياسات إيجار مضبوطة وفي التحكم في أسعار كراء الشقق ما جعلها مرتفعة كثيرا مقارنة بمستوى دخل الفرد، أو حتى ببلدان أخرى لا يتجاوز فيها كراء شقة أو منزل ما يعادل 10 آلاف دينار جزائري شهريا. وأضاف نفس المصدر أن السلطات العمومية والدراسات الجامعية غالبا ما تهمل الجانب الاجتماعي عند التطرق إلى مشكلة الكراء، معتبرا أن “السكن من ضمير الإنسان” وأنه من غير الممكن الوصول إلى مجتمع منتج معرفيا وثقافيا دون توفير سكن جماعي وفردي لائق.
س.ح