التأسيس لاقتصاد ثقافي يتطلب مراجعة القوانين والتخلي عن المجانية
يرى باحثون في الآثار و التراث و مختصون في التسيير والقانون، بأن أي محاولة لرفع مردودية قطاع الثقافة والتأسيس لاقتصاد ثقافي حقيقي، تتطلب تحيينا للقوانين و منح ضمانات أكثر للمستثمرين في المجال، مشددين على حتمية التكفل بالمواقع الأثرية و استغلال المدن القديمة و دور الثقافة و المسارح و السينما بشكل أكثر فعالية، من خلال رسم مخططات تسيير علمية و عملية لضخ دماء جديدة في القطاع و إطلاق مشاريع أقطاب سياحية، و إقامة أسواق ناشطة للصناعات التقليدية، حيث يقترحون تكريس الاستغلال النفعي للهياكل والمقومات الثقافية و الاستثمار فيها بنجاعة أكبر، وفق منطق اقتصادي سيحول هذا القطاع، حسبهم، إلى مورد مالي هام من شأنه أن يطرح بدائل حقيقية للتخلص من التبعية المطلقة للمحروقات، وهو توجه يعتمد تحقيقه كما قالوا، على توسيع الخيارات و النظر بعين أوسع لما يمكن لقطاع الثقافة تقديمه بعيدا عن كونه مجالا جامدا يستهلك من ميزانية التسيير أكثر مما يقدمه، وذلك بسبب مجانية نشاطاته و ضعف استغلال ملحقاته اقتصاديا.
ملف / أسماء بوقرن
البداية بتطليق النظرة الدونية للثقافة
يعتبر القطاع الثقافي في الجزائر من القطاعات النائمة وغير المستغلة، وذلك بسبب طبيعة النظام الاقتصادي السائد والذي يعتمد بشكل شبه كلي على مجال المحروقات، ناهيك عن تصنيف الثقافة بمختلف أوجهها في الحياة العامة باعتبارها من المجالات التي لا تزال حبيسة نظرة دونية تربطها أكثر بالترفيه و تنأى بها عن الاقتصاد والسياسية وهو تصور خاطئ، كما يذهب إليه متابعون و مختصون في المجال، يؤكدون بأن الاقتصاد الثقافي يعد من بين الموارد المالية الهامة التي تعتمد عليها اقتصاديات عديد الدول في العالم، خصوصا ما تعلق بالسياحة الثقافية التي تمثلها صناعة الأفلام والسينما والمهرجانات و المسارح، وكذا السياحة الأثرية القائمة بالأساس على المواقع التاريخية و التوظيف الجيد للتراث المادي، وهي مقومات تتوفر عليها الجزائر بسخاء، على اعتبار أنها من أغنى المناطق في العالم أثريا و تملك زخما تاريخيا باذخا، لا يزال غير مستغل بالشكل المطلوب بسبب طبيعة بعض القوانين من جهة و تكريس الشعبوية في التعامل مع كل ما هو ثقافي من جهة ثانية.
وقد بينت تبعات الجائحة العالمية كما عبروا، الحاجة الفعلية إلى تنويع مصادر الثروة واستغلال كل مورد ممكن لدفع عجلة الاقتصاد المتباطئة، وعليه فإن الوقت قد حان حسبهم، لرسم خارطة طريق تسمح لنا بتحصيل عائدات مالية حقيقية من ثرواتنا الثقافية والأثرية، بما في ذلك المواقع والمدن القديمة، التي وجب حسبهم، تشجيع استغلالها في السياحة الداخلية والخارجية على حد سواء، لأن السائح الجزائري يعتبر حجر الأساس في دفع الاهتمام بهذه المواقع و التعريف بها، كما أنه المستهلك الأول والواجهة الأساسية لهذا النوع من السياحة و الذي سبق لوزيرة القطاع مليكة بن دودة، أن تحدثت عن بعثه، خلال زيارة قادتها إلى ولاية تمنراست مؤخرا.
يأتي أيضا الاستثمار في المرافق والهياكل الثقافية الحديثة، كتوجه ثان لا يقل أهمية عن استغلال الآثار و مواقعها سياحيا، وهي عملية تستوجب بالضرورة إعادة الاعتبار للعديد من المباني المهملة و المؤسسات المغلقة و الفضاءات غير المستغلة، ناهيك عن وضع إستراتيجية فعالة و مستعجلة لمصالحة المواطن مع الثقافة و مجالاتها و إعادة الجمهور إلى المسارح و دور السينما والمتاحف وغيرها من المؤسسات الأخرى، على أن تكون عودة قوية و مبنية على أسس متينة تلغي النظرة الدونية للفعل الثقافي و تقدمه كمنتج نوعي يستحق قيمة ما يدفع مقابل الحصول عليه، لأنها خطوة أولى نحو التخلي عن مجانية العروض و الرمزية في التعامل معها.
الاستثمار في الحرف لخلق أسواق محلية دائمة
يشار أيضا، إلى أن مسعى بناء اقتصاد ثقافي منتج، يتطلب استغلالا أمثل للتراث المادي و غير المادي، بما في ذلك الموروث الغنائي و الصناعات التقليدية اليدوية على اختلافها، لأن بعث هذه الأنشطة و إحياء أسواقها سيساهم في خلق مناصب الشغل و خلق حركية تجارية واقتصادية دائمة على المستوى المحلي و خارجا كذلك.
و يشدد حرفيون يشاركون في كل مرة في معارض وطنية ومحلية للصناعات التقليدية، بأن الاستثمار في هذا المجال يعد حجر أساس في تحريك الاقتصاد الثقافي، وهو ما ذهب إليه حرفيون قابلناهم مؤخرا في رواق عرض احتضنه مدينة قسنطينة، حيث تحدث المتدخلون عن ثراء المنتج التقلدي و تنوعه، بمن فيهم الحرفي حسين علال، المختص في صناعة النحاس والذي قال، بأن حرفته تعد كنزا وجب استغلاله عن طرق مضاعفة الدعم الرسمي و إنشاء مشاريع وطنية، لتطويرها و تحويلها منتجاتها إلى مورد يدر مداخيل حقيقة على ممارسيها، جازما بأنه بإمكاننا أن نجعل من الحرف شعبة اقتصادية جد نشطة في حال شجعنا الاستثمار فيها، فالنحاس القسنطيني مثلا، يتمتع حسبه، بجودة عالية و يتميز بلمسة فنية فريدة تترجم خصوصية المدينة ثقافيا وعليه فإنه يعد منتجا أصليا ذا قيمة.
محدثنا قال، بأنه يأمل أن يتفطن القائمون على قطاع الصناعات التقليدية، لمدى أهميتها في تطوير اقتصاد البلاد، وأن يجدوا حلولا سريعة لحالة الركود التي قضت على عديد الحرف و تهدد ما تبقى منها، في ظل تراجع الإقبال على ممارستها بسبب ظروف العمل ونقص المواد الأولية و ضعف التحفيز، واختلال ميزان التكلفة مقابل السعر و العرض مقابل الطلب.
أما هلال إدريس، خزفي من الجزائر العاصمة، فأوضح، بأن مناخ الاستثمار غير مناسب في بلادنا، بسبب غياب تنظيمات قانونية تضبط مجال الصناعات التقلدية و تشجع الناشطين فيه، مؤكدا بأنه سعى فعليا لإقامة مشروع خاص لكنه اصطدم بجملة من العراقيل البيروقراطية التي كبحت طموحاته، و أوقفتها عند حد الإنتاج اليدوي المحدود الموجه للمعارض، بوصفها الفضاءات الوحيدة التي يرخص للحرفيين عرض منتوجاتهم فيها وهو ما يقيد نشاطهم بشكل كبير، علما أنها فرص تجارية غير مغرية، نظرا لظروف الإقامة والعرض و غياب التأمين والحماية أحيانا.
* عريبي زيتوني مدير الثقافة لولاية قسنطينة
نسعى لرفع المردودية وتقليص تكاليف التسيير
قال مدير الثقافة لولاية قسنطينة، عريبي زيتوني، بأن التوجه الجديد للقطاع الثقافي يقوم على إستراتيجية فعالة من شأنها أن تعطي دفعا قويا للاقتصاد، و تقضي على سياسة الاعتماد المطلق على ميزانية الدولة في تسيير شؤون القطاع، الذي سيصبح مستقبلا موردا ماليا هاما.
و أوضح ذات المسؤول، بأن تطبيق هذه الإستراتيجية انطلق قبل سنتين، حيث تراجع الاستغلال المجاني للمؤسسات الثقافية، في إقامة الأنشطة و المعارض و التظاهرات، وذلك بعدما نظمت العملية بشكل أوضح بموجب مراسيم تنفيذية و نصوص قانونية أقرت إلزامية تأجير المرافق مقابل عائد مادي، كما تم تخفيض أعباء وتكاليف التظاهرات و المعارض عن طريق إلزام المشاركين فيها بالتكفل بمصاريف الإقامة و التنقل الخاصة بهم، ناهيك عن دفع إيجار أجنحة العرض في المؤسسات الثقافية خلال المعارض والفعاليات الحرفية، و أشار المتحدث، إلى أنه و باعتباره مشرفا على تسيير قطاع مهم في عاصمة الشرق الجزائري، فإنه يحرص على الحفاظ على الطابع الثقافي للأنشطة التي تقام في هذه الفضاءات لكي لا يطغى الجانب التجاري الربحي على حساب الموروث الثقافي.
محدثتنا أفاد، بأنه يسعى لإعادة بعث تظاهرات فنية و ثقافية ذات مردودية اقتصادية هامة، على غرار تظاهرة سهرات المدينة، التي ميزت مواسم رمضانية ماضية و ذلك بغية إعادة الحركية الثقافية للمدينة ليلا، حيث احتضنت مراكز الثقافة و المسرح الجهوي طيلة الشهر الماضي، سهرات فنية و كذا عروضا مسرحية مقابل عائدات مالية دعمت ميزانية القطاع من جهة و ساهمت في إحياء التراث الغنائي و تقاليد المنطقة من جهة أخرى، مؤكدا بأنه حرص على توفير جو فني مناسب للعائلات لأجل تعويد الجمهور على الحضور.
كما عادت تدعم القطاع حسبه، بمرافق ثقافية جديدة منها دار الإبداع التي تعد منارة للتكوين في مجالات ثقافية عدة و فضاء لاحتضان تظاهرات ثقافية، ستحقق هي الأخرى عائدات معتبرة، و تطرق في حديثه، لنشاط المتحف الذي أًصبح الدخول إليه كذلك مرهونا بالدفع وذلك بموجب نصوص قانونية، تهدف لتدعيم ميزانيته ورفع مداخيله.
و بخصوص مجانية العروض المسرحية،، أوضح عريبي زيتوني، بأننا اليوم في مواجهة حتمية إلغاء المجانية في مختلف المجالات المتعلقة بالثقافة وذلك سعيا لإقامة اقتصاد ثقافي فعلي، لكن هذا التوجه يحتاج لوقت كي يتحقق، خصوصا وأن هناك نوعا من العزوف عن المسرح و نحن كما قال، مطالبون بإعادة الجمهور إليه، ما يتطلب تقديم تحفيزات، لضمان فترة انتقالية سلسة تضمن تمسك المواطن بالخشبة، مشيرا إلى أن قطاعه لا يصبح منتجا إلا بتوفر شروط معينة، في مقدمتها ترسيخ بعض السلوكيات في الوسط المجتمعي و التي تضمن ديمومة الممارسة الثقافية لدى أفراده.
* الباحث في التراث و الآثار توفيق سلامي
لابد من مخطط علمي ثقافي لاستغلال التراث
و في حديثه للنصر، أبرز الباحث في التراث و الآثار توفيق سلامي، قيمة الموروث الثقافي القديم لبلادنا مشيرا إلى أن أوروبا بأكملها لا تتوفر سوى على مدينتين أثريتين هما «بومبي» و مدينة «أركيلانوم» اللتان دمرهما بركان فيزيبيوس، أما في بلادنا فعدد المدن القديمة لا يكاد يحصى بما في ذلك ما عرف كتيمقاد و جميلة و مداوروش و خميسة، وما لا يزال تحت الأرض كذلك. و يرجح حسبه، بأن يكون الكنز الأثري الثقافي غير المكتشف، أهم وأكبر قيمة مما وجد لغاية الآن، وهي معطيات تستوجب الوعي بها و السعي لاستغلالها اقتصاديا، من خلال ضبط مخططات علمية ثقافية دقيقة لتسييرها، و استغلالها استغلالا أمثل يبرز قيمتها و يشجع على استقطاب المهتمين بها عربيا ومن العالم، سواء في إطار علمي بحث أو من خلال الترويج السياحي، و هو ما سيساهم في تحقيق مداخيل بالعملة الصعبة وبالتالي النهوض بالاقتصاد الوطني مضيفا، بأنه يتعين على الجهات المعنية أن تعي قيمة الموروث الثقافي و أهميته في توفير بدائل عن المحروقات، فالجزائر تتوفر على موقع يعد ثاني أقدم المواقع في تاريخ البشرية، لكونه يعود إلى 2.3 مليون سنة، و هو موقع عين بوشريط الذي يأتي بعد أقدم موقع في العالم و هو في كوبيفورا في تنزانيا و يعود إلى 2.7 مليون سنة للحضارة الأوردوانية، و هي أقدم الحضارات البشرية التي تخص الإنسان الماهر، كما ذكر المتحدث كذلك، موقع تيغنيف، الذي وجدت فيه أقدم بقايا بشرية في شمال إفريقيا داعيا إلى الاستفادة من التجربة العالمية التي تؤكد بأن عائدات الاستثمار في المجال الثقافي تقدر بـ 8 بالمائة، مقابل 2 بالمائة من عائدات صناعة السيارات.
* رئيس قسم الآثار بجامعة قسنطينة الدكتور سفيان بودراع
دفع عجلة الاقتصاد يوجب التكفل بالمواقع الأثرية
من جهته دعا رئيس قسم الآثار بجامعة قسنطينة 2، الدكتور سفيان بودراع، إلى ضرورة التكفل بالمواقع الأثرية التي لها أهمية بالغة في الدفع بعجلة الاقتصاد الثقافي كما قال، خاصة و أن الجزائر تحتل المرتبة الثانية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، من ناحية ثرائها بالمواقع الأثرية، و التي يجب استغلالها أكثر و التكفل بها بشكل أفضل في حال أردنا استغلالها اقتصاديا، داعيا إلى تخصيص ميزانية معتبرة لترميمها و تهيئتها و توفير مرافق خدماتية تابعة لها، مع تهيئة الطرقات المؤدية إليها، مؤكدا بأن التكفل بهذه المواقع سيساهم بشكل فعال في جلب السياح و الترويج للتراث. و تحدث الدكتور بودراع، عن أهمية مسايرة ركب البلدان التي تتسابق لبعث اقتصادياتها من خلال الاستثمار في هذا المجال، عبر الترويج السياحي الإلكتروني، مستغلة تبعات الجائحة، قائلا، بأنه من الضروري انتهاج نفس الأسلوب محليا للتعريف بثرواتنا و تقديمها بصورة مغرية للأجانب، حيث ضرب مثالا بمدينة قسنطينة، التي لم تستغل سياحيا كما يجب وتركت للإهمال الذي طال بيوتها العتيقة، فيما فقدت بعض الأحياء خصوصيتها التاريخية بفعل عمليات الترميم غير المدروسة و التخريب المتعمد لأجل الترحيل وغير ذلك، كما حث الباحث، على ضرورة الحفاظ على الصورة الحقيقية للمواقع الأثرية واستغلال مقومات مدينة الصخر العتيق لتصبح قطبا سياحيا في الشرق الجزائري، داعيا إلى وضع مخطط استغلال سياحي للمدينة القديمة بعد إخلائها من ساكنيها ترميم مبانيها القديمة و محلاتها التجارية و بعث نشاط الصناعات و الحرف التقليدية، ناهيك عن تهيئة فنادقها، كي تصبح مدينة سياحية ناجحة، خاصة إذا تم ربط الشرق الجزائري بمحطات أثرية هامة تدخل في المسار السياحي، و ذلك بالتركيز على بعض المواقع الأثرية المصنفة عالميا كمدينة تيمقاد و جميلة، بحيث يجد السائح عند زيارته لقسنطينة، كل الظروف مواتية كما يتمكن من زيارة هذه المواقع و كذا التمتع بالمناظر الخلابة الطبيعية لجبال الأوراس، و المرور عبر مدينة سطيف و زيارة متحفها الذي يتمتع بسمعة عالمية.
و شدد المتحدث على ضرورة تشجيع أصحاب الصناعات و الحرف التقليدية، و بعث نشاطهم الذي يشهد نوعا من التراجع، بما في ذلك صناعة النحاس و الفخار و غيرها من الحرف التي تزخر بها ولايات الوطن، فتشجيع الحرفيين الذين يملكون بصمات خاصة سيمكن من الحفاظ على السمات المحلية التي تدفع أي زائر أو سائح لشراء تحفهم. و في ما تعلق بالفضاءات و المرافق الثقافية كالمسارح و دور السينما، أكد رئيس قسم الآثار، بأنه يجب وضع حد لمجانية العروض و الحرص على خلق التنوع، لأن كل حلقات القطاع متصلة ببعض كما قال، وهو ما يوجب العمل عليها جميعا للدفع بعجلة التنمية، مؤكدا، بأنه بإمكاننا تحقيق ذلك إن توفرت الإرادة السياسية، بدليل أن بلادنا كانت تستقبل خلال الثمانينيات من القرن الماضي آلاف السياح.
* المختصة في القانون فتيحة تلاوبريد
غياب ضمانات قانونية كرس العزوف عن الاستثمار الثقافي
توضح المختصة في العلوم القانونية بجامعة قسنطينة، فتيحة تلاوبريد، بأن هناك ثغرات قانونية تعيق تشجيع الاستثمار في القطاع الثقافي، وهي حقيقة وقفت عليها خلال إعدادها لرسالة دكتوراه بعنوان «حماية التراث في القانون الجزائري»، مشيرة إلى أن بعض الإشكاليات القانونية لا تزال تقف كحجر عثرة أمام المستثمرين و تمنعهم من إقامة مشاريع اقتصادية قطاعية، علما بأن المشكل الرئيسي يكمن في قانون 98/04 في العدد 44 من الجريدة الرسمية، و الذي لم يتطرق للاستثمار في هذا المجال. و أضافت المتحدثة، بأن الضبابية التي تكتنف النصوص القانونية، هي ما يضاعف الخوف من الاستثمار، خصوصا وأنه غالبا ما يصطدم أصحاب المشاريع الثقافية، بعراقيل إدارية و مشاكل قد تكبدهم خسائر فادحة، لهذا فإن الاستثمار في هذا القطاع بحاجة لترسانة قانونية تنظمه، فالمستثمر حسبها، بحاجة لضمانات قانونية تحفزه لإقامة مشاريع كبرى، مؤكدة بأن فرص الاستثمار تزيد كلما توفرت ضمانات أكثر، و تفعيل النصوص القانونية لكل نشاط من شأنه أن يعطي دفعة قوية للاقتصاد الثقافي، وتجدر الإشارة كما قالت، إلى أنه لا يوجد نص قانوني خاص بالاستثمار الثقافي، لهذا عادة ما يتم الاستناد في هذا المجال للنصوص القانونية التي تنظم الاستثمار العام، و تحديدا القانون 16/09 المتعلق بترقية الاستثمار، إذ تتناول مواده الاستثمار بصفة عامة و تمنح ضمانات للمستثمرين، كما تمنح حرية الاستثمار في أي قطاع، و هو مبدأ أقره الدستور، مضيفة بأن قانون 16/09 رغم شموليته، إلا أنه يمنح مجموعة من المزايا الإضافية للقطاعات الحيوية دون غيرها كالصناعة و الفلاحة و السياحة كذلك، لكنه يستثني بالمقابل قطاعات أخرى كالحرف و الصناعات التقليدية. أستاذة القانون ذكرت من جانب آخر، بمشكل غياب التنسيق القانوني في ما يتعلق بالاستثمار الثقافي، وقالت بأن فك اللبس يتطلب ترسانة قانونية لفهم العلاقة بين القطاعات المتداخلة وتنظيمها، فقطاع الثقافة له صلة بقطاعات التجارة و الجمارك و حتى الفلاحة مشددة في هذا السياق، على ضرورة التشريع لقوانين واضحة أو مراسيم تنفيذية صريحة توضع صلاحيات كل طرف، حيث تقترح المتحدثة، ضبط إستراتيجية عمل ميدانية لتشجيع السياحة، يعتمد فيها على دور الوكالات السياحية بشكل أكبر، وذلك من خلال توسيع نشاطاتها لتشمل برامج المسارح و قاعات السينما و غير ذلك وهو ما يضمن الربط بين قطاعي الثقافة والسياحة بصفة أنجع.
ضرورة تأطير الفضاء الافتراضي للمتاحف
من جانب آخر، تحدثت الأستاذة فتيحة تلاوبريد، عن ضرورة تحيين القوانين بما يواكب التطورات الحاصلة، فآخر قانون منظم لنشاطي الحرف التقليدية و المتاحف مثلا، كان قد صدر سنة 2010، و لم يتم تحيينه لحد الآن، بالرغم من التطور التكنولوجي الحاصل، وعلمنا بأن التوظيف القانوني الجيد للفضاء الافتراضي يمكن أن يساعد على تحقيق الربح وذلك من خلال فرض رسوم مالية على الزيارات الافتراضية للمتاحف، كما دعت المتحدثة، إلى التخلي عن مجانية النشاطات، بما في ذلك الحق في تصوير المتاحف و التحف الأثرية و غيرها، و اقترحت فرض تسعيرة على هذا النشاط سواء كان الغرض منه بحثيا أو سياحيا أو لمجرد النشر على مواقع التواصل، و كما قدمت مقترحا آخر، يتعلق بإجبارية تعليم النشاط المتحفي، و ذلك بإدراجه ضمن المقررات الدراسية، و الحرص على تسطير برنامج خاص مع المعلمين بالتنسيق مع مسيري المتاحف، لأجل ضبط رزنامة زيارات دورية للتلاميذ، مع فرض مبلغ رمزي على كل تلميذ، و هذا في حد ذاته استثمار جيد للمؤسسات الثقافية، كما أنه نشاط سينمي لدى التلميذ الحس المتحفي و التاريخي و يساهم في بيع الإصدارات المتحفية التذكارات، التي يمكن أن تعرض أمام زوار المتاحف بشكل دائم، وهكذا تحديدا سيتحول القطاع نحو سياسة اقتصادية أكثر مردودية، علما أن هذا التوجه لا يمكن أن يكتمل، دون إعادة النظر في استغلال الديوان الوطني لحماية الممتلكات الثقافية التي يفترض أن تعود مداخيله لميزانية الدولة.