اعتبر بعضهم اجتيازهم قبل سنوات لامتحان البكالوريا، مرحلة حاسمة في حياتهم فتحت لهم بوابة المستقبل على مصراعيها، لتجسيد أحلامهم و طموحاتهم، و اعتبر البعض الآخر افتكاك هذه الشهادة، أكبر تحد رفعوه في مسارهم التعليمي و الحياتي، للانطلاق نحو آفاق واعدة. في حين اعترف آخرون أنها كانت نجما بعيدا صعب المنال، بوزن «أكون أو لا أكون»، فشحذوا لها الهمم و كرسوا أقصى الجهود، لأنها سبيلهم لتغيير نمط معيشتهم الصعبة و تحسين ظروفهم.. فبالرغم من ضآلة نسب النجاح في «الباك» و شح المراجع و الإمكانيات قبل سنوات، و الدراسة بثانويات بعيدة و المراجعة تحت ضوء الشموع بالقرى النائية، رفعوا التحدي وبلغوا النجومية العلمية و الفكرية، في حين يستفيد أغلب تلاميذ الألفية الثالثة من مختلف التسهيلات و الظروف المواتية، انطلاقا من الفضاء الافتراضي، وصولا إلى دروس الدعم. النصر اتصلت بعينة من أصحاب التجارب الناجحة الذين فرضوا أنفسهم في مجال تخصصهم، و صنعوا لأنفسهم أسماء من ذهب و نجومية ساطعة، فاستحضروا ذكرياتهم و هم يعبرون جسر البكالوريا، مقدمين بعض التوجيهات للمقبلين على بكالوريا 2021.
الطبيب البيطري و المخترع
محمد دوميرابتكرت لنفسي طريقة لمواجهة الامتحان
قال للنصر الدكتور محمد دومير، طبيب بيطري مخترع فاز بلقب برنامج نجوم العلوم في 2017 عن اختراعه لجهاز تشخيص إصابات الهجن، و مسير شركة «ماي واي» للتعليم الإلكتروني بتبسة، و مرشح منظمة الأمم المتحدة لجائزة أفضل مستثمر في مجال المعرفة:
«كنت متفوقا في دراستي طيلة الأطوار التعليمية الثلاثة، و خصصت عطلة الصيف التي سبقت انتقالي إلى القسم النهائي، للعمل في ورشات الأشغال العمومية، مقابل 200 دج لليوم الواحد، لأجمع مصروف الجيب و أتمكن من اقتناء الأدوات المدرسية و المراجع، و أيضا ملابس جديدة للذهاب إلى الثانوية و اجتياز امتحان البكالوريا، و هذا ما قمت به فعلا في بداية السنة الدراسية.
بدأت أدرس بشكل عادي في الثانوية، و بعد انتهاء اليوم الدراسي، أسهر لوحدي إلى غاية الساعة 11ليلا لأراجع دروسي، و لم أكن أفضل مادة على الأخرى، أو أعتمد على المعامل في البكالوريا، كمعيار لأركز على المواد الأساسية، فقد كانت كافة المواد بالنسبة إلي أساسية دون استثناء.
رغم جهودي في المذاكرة، لاحظت أن نتائجي و نتائج زميلاتي و زملائي في القسم النهائي، شعبة العلوم التجريبية، تراجعت قليلا، مقارنة بالسنة الأولى و الثانية ثانوي، بعد أن كنا نتنافس على الحصول على أعلى المعدلات، ربما يعود ذلك للظروف أو الأساتذة.. لا أدري بالضبط.
هذا لا يعني أنني كنت ضعيفا أو كسولا، فقد كنت شبه متفوق بعد أن كنت متفوقا، و لم أحاول أن أكثف المراجعة أو السهر الطويل لتدارك الأمر، و واصلت التحضير للبكالوريا على نفس الوتيرة.
عندما حان موعد البكالوريا التجريبية «البيضاء»، لم نمتحن في مادة التربية البدنية، لأننا لم ندرسها أصلا، فقد كنا نقيم بقرية نائية في بلدية نقرين، بولاية تبسة، و لم تحسب في البكالوريا، رغم أن علامتها معتبرة في الامتحان.
في ليلة اجتياز «الباك» دفعة 2003 الذي أعتبره أول محطة في الحياة لإثبات الذات، حضرت لي أمي حقيبتي، و وضعت فيها الملابس الجديدة و الأنيقة التي اشتريتها خصيصا للمناسبة، من أجرة عملي في الورشات في عطلة الصيف، جربتها ، فشعرت بالضيق و الضغط، و كأنني نجم تحيط به الأنظار.
عندما استيقظت في الصباح الباكر، قررت أن أبتكر لنفسي طريقة لمواجهة الامتحان، تركت الحقيبة و المقلمة و الملابس الأنيقة، و لبست زيا رياضيا خفيفا، و وضعت قلما في جيبي، و توجهت إلى مركز الامتحان بثانوية بئر العاتر الجديدة، لأن بلدتنا لا يوجد بها مركز لامتحان البكالوريا.
هناك وجدت زملائي في قمة الأناقة، و اشتكى لي صديقي و مرافقي طيلة العام الدراسي من إحساسه بعدم الراحة و الضغط و هو يرتدي ملابس جديدة و ضيقة، لكنني كنت أشعر براحة نفسية و هدوء و ثقة، و اجتزت الامتحان بشكل عادي، كأي امتحان آخر.
و بعد انتظار كان الأطول بالنسبة إلي و لأسرتي، تم الإعلان عن النتائج ، و كنت ضمن الناجحين و حصلت على معدل 13 من 20 ، و بين كشف النقاط ، أنني حصلت على 13 من 20 في كل المواد التي امتحنت فيها في شعبة العلوم التجريبية، فتأكدت أنني يمكن أن أجد نفسي و أنجح في أي تخصص أختاره أو أوجه إليه. و وضعت ضمن اختياراتي الطب البشري و طب الأسنان و الطب البيطري، فتم توجيهي إلى التخصص الثالث، فحققت التميز و التفوق، أكاديميا و ميدانيا، و كذا في مجال الاختراع.
بحكم تجربتي، أقول للمقبلين على اجتياز بكالوريا 2021، لا تركزوا على المواد الأساسية، على حساب البقية التي قد تعتبرونها ثانوية، ادرسوا كل المواد و كأنها أساسية، بنفس الاجتهاد و التركيز و الشغف، لتكونوا طلبة ملمين بكل العلوم، تملكون أرضية صلبة للنجاح و التألق في الدراسات العليا و في حياتكم المهنية، فالمستقبل يفتح ذراعيه لمن لهم دراية بكل التخصصات و المواد و يملك ثقافة عامة و يحمل تجربة علمية متكاملة».
الكاتب و الأستاذ بجامعة قسنطينة 1 الدكتور يوسف وغليسي
تجربتي مع البكالوريا كانت مأساوية!
و قال للنصر الأستاذ الجامعي و الكاتب الدكتور يوسف وغليسي، صاحب الكثير من الدراسات و الكتب الأدبية و النقدية، المتوج بعديد الجوائز الوطنية و العربية، من بينها جائزة الشيخ زايد للكتاب في 2009 و جائزة مؤسسة عبد العزيز البابطين الثقافية بالكويت في الإبداع الشعري في النقد في 2020
« لشهادة البكالوريا إغراءٌ لا يُقاوم، و لها سحر خاص دون سائر الشهادات، لعلّ ذلك ما جعل الفنان العظيم رابح درياسة يخصُّها وحدها بأغنيته الأسطورية «جابوا البكالوريا جابوها»!
حتى الذين أُتيح لهم أن يدخلوا الجامعة، دون بكالوريا، وأن يُحصّلوا كل الشهادات الموالية، ظلّت البكالوريا عُقدتَهم الدفينة التي لم يشْفِهم منها حتى حصولهم على الدكتوراه (وما أدراك ما الدكتوراه!). ربما استمدّت سحرها ذاك، من كوْنها المعْبَر الحقيقي الوحيد لنا من عالمٍ إلى عالم آخر مختلف عن سابقه..
هي قمّةُ مرحلةٍ كنّا نتهيّأ خلالها سنواتٍ طوالاً في سبيل الوصول إلى تلك القمة (و لسان حالنا الشعبي يهتف : نقرى حتى نوصَل للباك!) ، وحين الوصول إلى القمة، نشْرع في النزول إلى عوالم أخرى..
لكن البكالوريا - التي كانت في جيلنا- مختلفةٌ تمامًا عنها في هذا الزمان الرديء الذي ابتذلَها واستباحَها و شوَّههَا وجعلها للجميع إلا من أبى!
كانت نسبة النجاح فيها قليلة جدا، فكنّا نسمع برسوب شعبة كاملة، في هذه الثانوية أو تلك!، وكانت معدّلات النجاح محدودة جدّا، هل تصدّقون أنني أوّل من يحرز بكالوريا آداب في ثانويتي، ثانوية تمالوس الجديدة بولاية سكيكدة، بتقدير "قريب من الجيد"، و بعد أربع دفعات دراسية كاملة ، كان أعلى تقدير فيها هو "مقبول" فقط؟!، و كان الغش في البكالوريا ضربا من المستحيل!.. وكان دخول الامتحان بعد إغلاق الباب مستحيلا تمامًا!..
وكان يا ما كان في قديم ذلك الزمان!..
لي مع البكالوريا قصة مأساوية لم يمحُها حتى حصولي على دكتوراه الدولة، منذ 16 عاما كاملا!
انتقلتُ إلى الثانوية بمعدل عالٍ جدّا، حرمني من دخول الشعبة الأدبية (حلم حياتي!)، و جعل الإدارة تجبرني على دخول شعبة الرياضيات!.. لم أكن أعلم أنّ النجاح في بكالوريا الرياضيات سيمكّنني من دخول معهد الآداب في الجامعة، استعملتُ كل الوسائل في سبيل تغيير الشعبة، لكن الجميع (إدارة وأساتذة) رفضوا رغبتي بدعوى أنني (صغير و مانعرفْش صلاحي!)، لأنّ الأدب لا يدخله في نظرهم إلا الأغبياء الذين ينتقلون بمعدلات ضعيفة جدا!
حين سُدّت الأبواب جميعا أمامي، رحتُ أقرّر مصيري بنفسي: فقد واصلت دراسة الرياضيات بصفة رسمية، و بالتوازي مع ذلك سجّلتُ نفسي في مركز تعميم التعليم للدراسة بالمراسلة في الشعبة الأدبية!، وحين بلغتُ السنة النهائية، تركتُ اجتياز البكالوريا النظامية (في الرياضيات)، و رحتُ أجتازها حرًّا في الأدب !.. كان حدثا فريدا من نوعه في تاريخ البكالوريا! لأوّل مرة يحدث أن يترك تلميذٌ امتحانا نظاميا، فيه مكاسب كثيرة أهمّها الإنقاذ، ليلتحق بالامتحان الحرّ الذي لا ينجح فيه إلا طويل العمر!
كنت أحضر دروسي بمفردي تحت ضوء الشموع ليلا، لأنني كنت أقطن بمنطقة ريفية لم تعرف الكهرباء، إلا بعد تخرجي من الجامعة. كنت و زملائي نكتفي بما ندرسه في الثانوية، و البقية نتولاها بأنفسنا، اعتمادا على بعض الكتب الخارجية مثل "استعد للبكالويا" و الحوليات.. لم نكن نسمع بشيء ذي صلة بما يسمى اليوم دروس الدعم أو الدروس الخصوصية.
لم أكن أفكر في الفشل تماما، كنتُ أفكّر فقط في ملاحظة "قريب من الجيد"، و بعد ظهور النتائج وجدتُني من الراسبين!
لم أصدّق الحكاية تماما حتى تسلّمتُ كشف نقاطي، فوجدتهم يمنحونني نقاطا في مواد لم أجتزها تمامًا (العلوم، الفيزياء) و حين تقدّمتُ بشكواي إلى مديرية التربية حوّلوني إلى كرةٍ يتقاذفها الجميع، و اكتشفتُ أنّهم عاقبوني ، بالتنسيق بين ثانويتي ومديرية التربية! على مغامرتي تلك.
بصعوبة كبيرة، وبعد تدخل مستميت من أناس طيّبين، سمحوا لي بإعادة السنة، في شعبتي المفضلة (الآداب)، حينها فقط تحصّلتُ على البكالوريا، وكنتُ على رأس دفعتي، شكرني المدير لأنّني أول من يحرز تقدير "قريب من الجيد" في التاريخ الأدبي لمؤسسته، و اعتذر مني، ولستُ متأكّدا من أنني قد سامحته!
كان ذلك منذ 32 سنة كاملة!»
رابح فيلالي كاتب و إعلامي مقيم بواشنطن
والدتــي بنت لــــي كوخــــا حتـــى أتمكّن من المراجعة واستدانت ثمن تذكرة الحافلة
«كل شيء في المكان كان يفتقد إلى الحد الأدنى من الأدوات التي يمكن أن تساعد طالب ثانوية بالتقدم لامتحان تحديد مصيره الدراسي و من وراء ذلك الحياتي.. هكذا كان المشهد يبدو من حولي في بيت الوالدين الكريمين، بقرية الصفصافة، بتمالوس ولاية سكيكدة.
سجلت بالإقامة الداخلية بثانوية تمالوس التي كنت أدرس بها طيلة السنوات الثلاث من الطور الثانوي، و كانت عودتي الى بيتنا القروي مرتبطة بإجازاتي الموسمية في الشتاء و الربيع والإجازة الصيفية الطويلة في نهاية الموسم.
في ذلك الجيل كان على الطلبة المتقدمين لامتحان البكالوريا المصيري، التوقف عن الدراسة خلال الشهر الذي يسبق موعد الامتحان، والتفرغ للتحضير في بيوتهم.
بيتنا حينذاك لم يكن أكثر من كوخ بسيط فيه تحدث حياتنا بالكامل، لذلك و بذكاء من أمي، لجأت إلى استحداث كوخ أصغر بالقرب من كوخنا الأصلي و جعلت منه غرفة خاصة بي، المشكلة لم تكن في استحداث هذه المساحة الخاصة على إعجاز ذلك، ففي وقت قياسي باعتماد أمي على حطب الغابات المجاورة و الطين المحلي، نجحت أمي في إحداث الجمال، حيث لا مكان للجمال، ليست كل ذلك هي المشكلات الوحيدة التي كان عليها أن تتعامل معها، خاصة و نحن لا نملك في بيتنا لا طاولة ولا مكتب لأدرس عليهما.
كانت حياتنا كلها تعتمد على أشياء في منتهى البساطة، أمي وهي الفلاحة لجأت إلى إحضار باب خشبي استغنى عنه أحد جيراننا و وضعت تحته صناديق بيع الخضروات وغلفته برداء أبيض، ليتحول المكان إلى مكتب لمراجعة دروسي وتحضير هذا الامتحان المصيري.
بدأنا رحلة الشهر الطويلة من هناك، و كنا محظوظين و نحن نرى ضوء القمر يتسلل إلينا من مدخل الكوخ الأصغر، لأنه لم يكن هناك باب نوصده وراءنا قضينا الشهر الكامل على هذا الوضع، لكنه كان شهرا عامرا بالمحبة والذكر الطيب في قلبي، حتى الآن، و أنا أستذكر صورة أمي بخمارها الأبيض، جالسة القرفصاء فوق سجادة صلاتها طيلة ساعات الليل الطويلة، فيما كنت أنشغل بمراجعة دروسي جميعها.
لا أنسى تلك الليلة المفجعة التي غفل كلانا في مسحة نوم طارئة. و امتدت نار القنديل الزيتي إلى رداء الطاولة و المكتب و أتت على أوراقي المتراكمة هناك، لكن رعايةً الله حفظتنا من كل مكروه.
مضى الشهر ونجحت أمي ليس فقط في خلق جو مثالي لتحضير امتحاني المصيري، لكن في تعليمي الكثير من فنون الحياة
و مواجهتها بالشجاعة و الصبر اللازمين.
ذهبت إلى الامتحان في اليوم الموالي في مدينة سكيكدة البعيدة عن قريتنا، واحتاجت أمي أن تستدين ثمن ركوبي الحافلة إلى هناك.
كنت الناجح الوحيد في امتحان البكالوريا بين زملاء الأقسام الأدبية في ثانوية تمالوس دفعة 1985.
يومها رأيت في عيون أمي فرحا لم أره في عيون أي انسان في هذه الحياة، حتى في عيون أولئك الذين نجحوا في رئاسة دول وحكومات، علمتني أمي يومها أن الحياة أنثى في كل صنيع، من أصابعها العامرة محبة و إخلاصا و إبداعا، حتى وإن كان لا شيء من حولها يشير إلى شيء من الحياة، فإنها بذكائها الفطري وعبقرية الأمومة فيها، صنعت مكانا جميلا وعلمتني إصرارا أسطوريا، لا يزال ينير لي دروب الحياة جميعها، في أي مكان من هذا العالم الكبير».
رصد إلهام طالب
العالم الجزائري البروفيسور بلقاسم حبة للنصر
تفوّقــي في الرياضيــــات ساعـــدني على النجاح و هذه نصائحي للطلبة
* عائلتي قرأت النتيجة على صفحات جريدة النصر
يستذكر عالِم الالكترونيات الدقيقة، البروفيسور بلقاسم حبة، فترة اجتيازه امتحان شهادة البكالوريا بالجزائر، فيتحدث لأول مرة عن ظروف الدراسة و أسرار تفوّقه في هذا الامتحان ليصبح اليوم أحد أهم الباحثين في مجاله بالولايات المتحدة الأمريكية. و في حديث خص به النصر، يوجه العالِم صاحب ما يزيد عن 1600 براءة اختراع، مجموعة من النصائح للتلاميذ المترشحين فيبرز أهمية التحضير الجيد طيلة السنة و يتطرق إلى تبعات التسرع
في الإجابة على الأسئلة إضافة إلى نقاط أخرى.
درس البروفيسور حبة مرحلتي الابتدائي والمتوسط بمنطقة المغير مسقط رأسه، و بعدها التحق بالطور الثانوي سنة 1973 أين درس في تقرت بثانوية الأمير عبد القادر التي كانت تسمى الثانوية المختلطة وتعتبر في ذلك الوقت الوحيدة أو الثانية في الجنوب كله، فالمغير، يضيف الباحث، كانت تتبع ما سمي آنذاك بولاية الواحات التي ضمت جميع مناطق الجنوب الشرقي من الأغواط إلى غاية تمنراست، وأمام مشاكل النقل وبعد المسافات كان عدد المتمدرسين بالثانوية قليلا، حيث كان حبة من بين 200 تلميذ داخلي بالمؤسسة، لأن المسافة بين مسكنه العائلي والثانوية تقارب 100 كيلومتر.
و قد اختار بلقاسم حبة دراسة شعبة الرياضيات والعلوم في الثانوية، فالرياضيات كانت المادة التي كان يحبها ويجيدها، يقول مبتسما، ثم يردف «أحببت كذلك الفيزياء وأيضا الشعر الذي أحفظه إلى حد الآن. أذكر أنني كنت متفوقا في الرياضيات منذ مرحلة الابتدائي وكنت أحصل دائما على المرتبة الأولى في هذه المادة”.
اجتزت الامتحان بمؤسسة تبعد عن منزلي بـ 100 كلم
و يخبرنا العالِم أن المراجع والكتب المستعملة في التحضير لامتحان البكالوريا، لم تكن متوفرة بالجنوب في ذلك الوقت، على عكس ما نراه اليوم، وكان يتم الاعتماد فقط على ما يقدمه الأستاذ في القسم. وقد تصادف امتحان شهادة البكالوريا وقتها، مع أول سنة يُعتمد فيها امتحان خاص بولايات الجنوب ليكون شهر ماي وليس في جوان، نتيجة درجات الحرارة المرتفعة، لذلك فقد أجري بعد حوالي 10 أيام فقط من اختبارات الفصل الدراسي ولم يكن هناك وقت كبير للتحضير.
و لأن بلقاسم حبة كان من التلاميذ الداخليين في المؤسسة، فقد كان يعرف فقط من هم من خارج تقرت، وأغلبهم من منطقة وادي سوف، فانتقل معهم إلى منازلهم وبدأ التحضير للامتحان، وعن هذه التجربة يقول محدثنا “درسنا دون توقف ولم تكن لدينا مكاتب ولا أنترنت. كنا نراجع مع بعضنا البعض بعد النهوض باكرا وتناول الإفطار، ولا نتوقف إلا عند الوجبات وقد استمررنا على هذه الوتيرة لمدة 8 أيام على ما أذكر”.
بعد هذا التحضير الجيد، كان الوقت قد اقترب لإجراء امتحان البكالوريا الذي نظم أواخر شهر ماي بمتوسطة في ولاية ورقلة تبعد عن المغير بحوالي 300 كيلومتر، لذلك فإن بلقاسم حبة وزملاءه سافروا إلى ورقلة قبل يوم من الامتحان تفاديا للتأخر بسبب مشاكل النقل.
“أوراق الإجابة تبلّلت من شدة التعرّق والحرارة”
و يخبرنا المخترع مبتسما، أن المشهد الذي يتذكره جيدا خلال أيام إجراء الامتحان، هو جلوسه بطاولة قرب نافذة كانت دون ستار، وبسبب درجة الحرارة الشديدة كان كامل جسمه يتصبب عرقا إلى درجة أن أوراق الإجابة تبللت، حتى أنه مرض بعد انتهاء الاختبار.
بعد اجتياز الامتحان، كان أول شيء فكر فيه الطالب الشاب، هو البحث عن فرص دراسة بديلة في حال لم ينجح، فسافر مباشرة إلى الجزائر العاصمة وبومرداس و اجتاز امتحانات القبول في معهد المحروقات والأشغال العمومية ومعاهد أخرى، و بعد الانتهاء عاد إلى المغير ليخبره أفراد عائلته أنه فاز بشهادة البكالوريا، وهو فوز يخبرنا البروفيسور أنه استقبله بفرح و كان متأكدا منه.
و علمت أسرة العالِم بخبر النجاح من الإذاعة التي كانت تبث وقتها أسماء الفائزين، كما نشر اسمه مع باقي الفائزين شهر جويلية على صفحات جريدة النصر التي ما تزال عائلة البروفيسور تحتفظ بنسخة منها، مثلما أكد، فحينها لم يفز سوى 20 بالمئة من المترشحين على المستوى الوطني، لكن في القسم الذي درس به نجح 14 من بين 16 تلميذا في البكالوريا.
"الأستاذ ملوح صنع فينا حب الرياضيات"
و يضيف المخترع الجزائري أنه لو سئل عن أكثر فترة كانت لها تأثير في حياته، لأجاب بأنها فترة الدراسة بثانوية الأمير عبد القادر وليس الدراسة في جامعة باب الزوار ولا حتى جامعة ستانفورد الأميركية، ففي هذه الفترة بدأت تتكون شخصيته إذ ما يزال إلى اليوم على تواصل مع الطلبة الذين درسوا معه في القسم عبر موقع «فيسبوك».
و عن هذه المرحلة المهمة في حياته يتحدث العالم “لأن عددنا كان قليلا في شعبة الرياضيات ولأننا كنا ندرس جيدا، درّسنا في القسم أحسن أساتذة الثانوية ومنهم أستاذ الرياضيات ملوح لخضر الذي تقاعد في ما بعد، حيث صنع فينا حب الرياضيات وكان يحفرنا كباقي الأساتذة الذين جعلونا نشعر بأننا قادرون على الذهاب بعيدا. أذكر كذلك المفتشين دوريش وبلحاج اللذين كان لهما دور كبير في تربيتنا”.
بلقاسم حبة لا يذكر المعدل الذي نجح به تحديدا، لكنه نجح بتفوق وسجل في تخصص الفيزياء الصلبة بجامعة العلوم و التكنولوجيا هواري بومدين بالجزائر العاصمة، وهو إنجاز يخبرنا أنه ما كان ليأتي لولا التحضير الجيد طيلة السنة.
“كنت أول شخص ينجح في البكالوريا بالعائلة»
و يكشف البروفيسور حبة أنه كان أول شخص على الإطلاق ينجح في امتحان شهادة البكالوريا في عائلته الكبيرة آنذاك، فأسرته كانت تمتهن زراعة التمور، حتى أن والده ترك له حرية الاختيار بين الدراسة أو العمل معه في شؤون الفلاحة. ويسترسل البروفيسور في الحديث عن والده حيث قال في حنين “لقد أوصاني والدي بشيئين قبل أن أسافر للدراسة، أولهما أن أحسن لأساتذتي حتى لو أخطأوا، فلا أسيئ لهم مهما حصل، وثانيا هي أن أتعرف على الطباخ بأي مكان أذهب إليه وهي نصيحة ما زلت أعمل بها لليوم (يضحك)».
و لم تكن الدراسة والتحضير للامتحان عائقا أمام الشاب بلقاسم حبة، في ممارسة حياته بصورة عادية، فقد كان يمارس الرياضة وخاصة كرة القدم التي أحبها، حتى أنه كان لاعبا في فريق المغير، حيث يضيف “أذكر أن الداخلية كانت تسمح لنا بالخروج مرة في الأسبوع ولمدة 5 ساعات، وقد كنت أستغل كل هذا الوقت في لعب كرة القدم وكل ما هو ألعاب رياضية».
“مثّلتُ الجنوب في أولمبياد الرياضيات”
و يعود بنا البروفيسور إلى الطرق التي انتهجها في التحضير للامتحان، حيث يقول «لأنني لم أكن جيدا في الحفظ، تركت الدروس التي تحتاج الحفظ للأيام الأخيرة قبل الامتحان، أما المواد الأساسية و هي الفيزياء و الرياضيات فكنت أحضر لها جيدا و أدرسها طيلة العام الدراسي. كنت أمضي كل وقتي في حل المشكلات والمعادلات حاملا ورقة و قلما وهو أمر أقوم به لحد الآن عندما لا أجد ما أفعل في البيت (يضحك)، حتى أنني مثلت الجنوب الجزائري في عامي الأخير بالثانوية في أولمبياد الرياضيات الذي نظم بالجزائر العاصمة وكانت تلك أول رحلة لي إلى الجزائر العاصمة”.
و ينصح البروفيسور التلاميذ المقبلين على اجتياز امتحان شهادة البكالوريا، بأن أحسن طريقة للتحضير هي أن يعملوا طيلة السنة و ألا يتركوا التحضير لآخر لحظة، ليردف “مراجعة الآخر لحظة قد لا تكون مفيدة إلا في المواد التي تتطلب الحفظ لكن المواد التي تحتاج إلى الفهم تتطلب تحضيرا جيدا طيلة العام، فما نتعلمه خلال السنة سيفيدنا أكثر مما نتعلمه في 4 أو 5 أيام قبل الامتحان”.
لهذا السبب يجب الابتعاد عن إجابات الدقائق الأخيرة
ويضيف العالم أن النقطة الأخرى التي تمثل مشكلة للمترشحين ومرّ عليها هو شخصيا، هي عدم تناول وجبة الفطور قبل الذهاب لاجتياز الامتحان، فأغلبهم لا يأكل جيدا بسبب التوتر، و هو ما يؤثر على وظائف الدماغ، كما يتطرق إلى ما يقوم به المترشحون الذين يتركون الدقائق الأخيرة قبل انتهاء مدة الامتحان لتدوين الإجابات وهو تصرف يؤكد البروفيسور حبة أنه غير سليم حيث يقول “خلال هذه الدقائق يرتكب المترشح كل الأخطاء، لذلك من الأحسن كتابة ما يعرفه وما هو متأكد منه فقط”.
و يوصي عالم الالكترونيات الجزائري، كل المقبلين على اجتياز امتحان شهادة البكالوريا بالبدء بالإجابة على الأسئلة التي يكون المترشح متأكدا من أنه يملك إجابتها الصحيحة، أما السؤال الذي يرى أن به مشكلة، يتركه للأخير بهدف عدم تضييع الوقت، ليختم مخاطبا المترشحين “لا تستغرقوا وقتا كبيرا في الأسئلة التي تعرفون إجاباتها، و اتركوا الوقت للأسئلة التي لا تعرفونها، هكذا تكونون قد ضمنتم تحصيل بعض النقاط. كذلك ضعوا الساعة أمامكم».
عالمة المناعة البروفيسور مريم مراد
اعتمدت على رؤوس الأقلام في المراجعة وهكذا تغلبت على التوتر
تُوجه عالمة المناعة و عضوة أكاديمية العلوم بالولايات المتحدة الأمريكية، البروفيسور مريم مراد، نصائح لممتحني شهادة البكالوريا، حيث تشدد على أهمية التغلب على القلق وتكشف عن الطريقة التي انتهجتها في المراجعة بعد عام من التحضير الجدّي.
درست مريم مراد في ثانوية المقراني بالجزائر العاصمة وحصلت على البكالوريا سنة 1985، حيث تقول في حديث للنصر "درست باجتهاد كبير طيلة الطور الثانوي وأخذت امتحان البكالوريا على محمل الجد. أتذكر أنني كتبت رؤوس أقلام و وضعتها في شكل قائمة، وقبل أيام قليلة من الامتحان كنت أقرأها بتركيز، كما ابتعدت عن كل الملهيات وتدربت على التحكم في نفسي، فيما كانت شقيقتي التي اجتازت معي الامتحان، عاطفية أكثر، حيث نجحنا معا وهي اليوم فيزيائية لامعة في فرنسا".
وتفصّل البروفيسور مراد أكثر في الطريقة التي اعتمدتها في التحضير لامتحان شهادة البكالوريا، حيث ذكرت أنه وبعد عام كامل من الدراسة باجتهاد، ركزت قبل 10 أيام من الاختيار على مراجعة رؤوس الأقلام التي كانت دوّنتها، وأقنعت نفسها بأنه حتى إن لم تنجح، فذلك "لن يكون نهاية العالم"، لأنه باستطاعتها القيام بأشياء أخرى كثيرة، وهو تفكير قالت مرّاد إنه ساعدها في التغلب على التوتر، خصوصا أنها تُدرك بأنها قدّمت أفضل ما لديها.
وتضيف محدثتنا "أقنعت نفسي بأنه لا يوجد سبب يجعلني لا أحصل على علامات جيدة في الامتحان. استيقظت في ذلك اليوم و أنا أفكر بأنه امتحان كالامتحانات الأخرى التي حضرت لها خلال السنة، أدركت أنه إذا لم أتوتر فإن كل شيء سيسير على ما يرام، فلا يوجد سبب لتكون الأسئلة أصعب من تلك التي درستها من قبل، كما أن الأمر يتعلق بامتحان وطني، ما يعني أن الجميع درسوا مضمونها".
وتنصح عالِمة المناعة ممتحني البكالوريا بأنه حتى لو كانت هناك الكثير من الأسئلة، فإنه يجب التركيز أولا على تلك التي يعرفها المتشرح ويبدأ منها، أما الأصعب فيتركها لاحقا وهو نفس ما قامت به، لتتابع "لا تتوتروا، فعادة يحصل الأشخاص على علامات أقل بسبب التوتر. مفتاح النجاح هو في السيطرة على العقل والتحكم في القلق الذي يتداخل مع القدرة على فهم الأسئلة. أتمنى حظا سعيدا للمقبلين على الامتحان وأتمنى أن يقتحموا مجال الأبحاث البيولوجية".
ياسمين بوالجدري