الجمعة 29 نوفمبر 2024 الموافق لـ 27 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

هجمات الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام

20 أوت.. محـطـتـان في المسيــرة من أجــل الاستقــلال

تحل اليوم 20 أوت ذكرى مزدوجة ومحطة تاريخية هامة ليس فقط في مسار الثورة التحريرية المجيدة إنما أيضا بالنسبة لمستقبل الجزائر، ذكرى هجمات الشمال القسنطيني الخالدة سنة 1955، وانعقاد مؤتمر الصومام في 1956.
لقد شكلت هجمات الشمال القسنطيني في العشرين أوت من العام 1955 حدثا بارزا و عظيما في تاريخ الثورة المجيدة، بل كانت محددا جوهريا لمصير هذه الثورة بعد قرابة العشرة أشهر عن اندلاعها، وبعد الحصار المطبق الذي فرضته القوة الاستعمارية على منطقة الأوراس، وبعد القبض على قائدها الشهيد البطل مصطفى بن بوالعيد، وأيضا توقيف قائد المنطقة الرابعة رابح بيطاط.
ولم يكن من السهل على البطل الشهيد زيغود يوسف ورفاقه في قيادة المنطقة الثانية التاريخية اتخاذ مثل هذا القرار الخطير في ظل غياب أي تنسيق أو اتصال بين قيادة الثورة التي افترقت عشية الفاتح نوفمبر 1954.
ومن هنا يمكن إدراك حجم المسؤولية الكبيرة و"المغامرة" إن صح التعبير، التي تحملها زيغود ورفاقه قبل الإقدام على تنظيم هجمات واسعة  في المنطقة التاريخية الثانية وفي وضح النهار، وليس في جنح الليل كما هو الشأن بالنسبة للعمليات الأولى للفاتح نوفمبر.
إلا أن الوضع الذي آلت إليه الثورة التحريرية في أشهرها الأولى خاصة في منطقة الأوراس، حتم على زيغود تحمل ما لا يطاق من المسؤولية التاريخية من أجل إنقاذ هذه الثورة، كيف لا وهو أحد صناعها منذ البدايات الأولى وأحد كبار المناضلين من أجل القضية الوطنية.
لكن على الرغم مما سبق ذكره فإنه لا يمكن تصور أن زيغود اتخذ قرار شن هجمات واسعة دون تفكير وتخطيط استراتيجي لتحقيق أهداف استراتيجية، بل إن رؤية هذا البطل كانت بعيدة وثاقبة.
فعلاوة على الهدف الواضح  وهو فك الحصار المضروب على الأوراس وتخفيف الضغط الفرنسي عنه بعد محاولة فرنسية كبيرة لإخماد نار الثورة وفرض حالة الطوارئ، فإن هجمات الشمال القسنطيني كانت لها أهداف استراتيجية أخرى، أولها إقحام كافة فئات الشعب ومناطق الوطن في زخم الثورة و تأكيد شموليتها للوصول إلى نقطة اللاعودة في مواجهة الاستعمار الفرنسي.
 ثاني هذه الأهداف تدويل القضية الجزائرية من خلال عمليات عسكرية وهبة شعبية كبيرة تظهر للعالم أن هناك شعبا يبحث عن استقلاله ويريد التخلص من الاستعمار الفرنسي.
ثالثا وضع كل التيارات السياسية الوطنية التي كانت لحد تلك اللحظة مترددة بشأن الثورة أمام مسؤوليتها التاريخية من أجل اللحاق بكفاح الشعب الجزائري دون أي تردد، وعلى المستوى السياسي أيضا تكذيب تلك الادعاءات الفرنسية التي كانت تقول بأن الثورة تابعة لعواصم خارجية وإثبات أنها ثورة جزائرية شعبية بحتة.
وعلى الرغم من القمع والتقتيل الكبير الذي واجهت به القوات الاستعمارية الفرنسية تلك الهجمات إلا أنها حققت جميع أهدافها الإستراتيجية المادية والسياسية والإعلامية ، فقد عمت الثورة جميع مناطق الوطن وانخرط فيها جميع فئات الشعب وتياراته الفكرية و السياسية بعد ذلك، وشهدت القضية الجزائرية تدويلا لأول مرة في مؤتمر باندونغ، كما تم الاعتراف بعد ذلك بجبهة التحرير الوطني ممثلا وحيدا للشعب الجزائري.
وبما أن الأحداث التاريخية متسلسلة ومترابطة فإن هجمات الشمال القسنطيني كانت من بين العوامل التي دفعت إلى عقد مؤتمر الصومام في نفس التاريخ من السنة التي تلت الهجمات أي في 1956، إذ أن توسع رقعة الثورة و زيادة جدوتها بما تطلبته من لوجيستيك ودعم مالي ومادي بالسلاح وتنظيم الصفوف وتنظيم الشعب، هو الذي دفع بقادة في الثورة إلى التفكير في عقد مؤتمر وطني بعد سنتين من اندلاع الثورة لتقييم ما أنجز والتفكير في المستقبل.
وعلى هذا الأساس جاء مؤتمر الصومام الذي يعتبر هو الآخر محطة هامة في الثورة خاصة من الجانب التنظيمي، رغم ما قد يقال عنه من هذا الطرف أو ذاك، فهذا المؤتمر شكل أول لقاء لقادة الثورة- رغم عدم حضورهم كلهم- منذ الفاتح نوفمبر 1954، بل ويعتبر تنظيمه ودعوة قيادات لحضوره وتأمين مسارهم للوصول إلى مكان انعقاده و الحرص عليهم، يعتبر في حد ذاته تحديا بالنظر للوضع العام الذي كانت عليه الجزائر في ذلك الوقت، وحالة الطوارئ التي كانت مفروضة على البلاد برمتها.
لقد وضع مؤتمر الصومام تنظيما جديدا للثورة من حيث الرتب العسكرية و أعاد تنظيم فرق جيش التحرير الوطني وطرق عملها، ورسم سياسة إعلامية ودعائية للثورة وسياسة دبلوماسية وخارجية لها، و أنشأ هياكل  سياسية لها مثل لجنة التنسيق والتنفيذ التي عوضت بعد عامين بالحكومة المؤقتة، والمجلس الوطني للثورة الجزائرية. و بعيدا عن الخلافات والاختلافات السياسية حول هذا المؤتمر يبقى 20 أوت 1956 محطة تاريخية أخرى في مسار الثورة التحريرية.
واليوم وعلى الرغم مما كتب عن هجمات الشمال القسنطيني وانعقاد مؤتمر الصومام فإن هذين التاريخين مازالا بحاجة للكثير من الدراسات  والبحث على وجه الخصوص، لأنهما فعلا شكلا منعطفا هاما في تاريخ الثورة التحريرية وبالتالي منعطفا في تاريخ البلاد ومستقبلها.
ويجدر بنا اليوم في خضم حرب الذاكرة أن نولي اهتماما خاصا للأحداث الوطنية الكبرى ولصانعيها، وأن نقف على كل التفاصيل التي صنعت منهم أبطالا حقيقيين، ومن واجبنا إبراز بطولاتهم و عبقريتهم، والتوثيق لكل الأحداث التي كانوا فاعلين فيها.
في خضم حرب الذاكرة أيضا تعتبر هجومات الشمال القسنطيني أكبر إدانة لفرنسا الاستعمارية التي قتلت في ظرف أسبوع فقط الآلاف من أبناء مناطق الشمال القسنطيني، ولا تزال أدوات الجريمة شاهدة إلى اليوم كما هي الحال في سكيكدة التي تحتفظ في متحفها بالجرافة التي استعملتها القوات الفرنسية لدفن الآلاف من الضحايا.
ودون شك فإن التعمق في البحث التاريخي سيكشف عن جرائم وأدوات أخرى لما حدث في العشرين أوت من سنة 1955.
 إلياس -ب

 

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com