أكد المؤرخ محمد القورصو بأن مؤتمر الصومام المنعقد سنة 56 كان له الفضل في توحيد صفوف الثورة التحريرية، وتحصينها ضد الإدارة الفرنسية، كما كان سببا في جمع القادة الثوريين والسياسيين حول هدف رئيسي وهو تحقيق الاستقلال، عبر توضيح طبيعة المهام السياسية والعسكرية.
يرى الأستاذ الجامعي والمختص في تاريخ الثورة التحريرية الأستاذ محمد القورصو بأن مؤتمر الصومام حقق ما لم يتجسد في السنة الأولى للثورة التحريرية، فقد كان مقررا جمع القيادة الثورية في سنة 55 لتقديم حصيلة بعد سنة من اندلاع الثورة، وتقييم الوضع والتخطيط للمستقبل، لكن لأسباب مختلفة يقول المتحدث، تأخر الموعد ليأتي مؤتمر الصومام سنة 56 الذي كان لقاء جامعا، وإن لم تحضره بعض الشخصيات لأسباب سياسية وتكتيكية.
ويؤكد المتدخل في تصريح «للنصر» بأن المؤتمر وضع حدا لما كان يهدد الثورة التي كانت تسير بقيادتين متنازعتين لكل واحدة منهما مفهومها الخاص للثورة، كما وضع حدا للزعامة الثنائية التي كان يمثلها في الخارج احمد بن بلة، وفي الداخل الزعامة المسلحة، فقد كان الجناح السياسي في الخارج يعطي الأولوية للترويج للثورة التحريرية وجمع الأسلحة، في حين كان يشدد الجناح العسكري على العمليات المسلحة.
ويؤكد الأستاذ قورصو بأن العمل لم يكن سهلا بالنسبة للجناح العسكري الثوري في الداخل الذي كانت تمثله قيادات النواحي العسكرية وهي الولايات حاليا، وكان على رأس هذا التنظيم اسم جديد لم يشارك في اندلاع الثورة المجيدة، هو عبان رمضان، ويرى المصدر بأن لهذه النقطة كانت إيجابيات وسلبيات.
فقد كان عبان رمضان سجين الإدارة الاستعمارية ودرس كثيرا الثورات المسلحة وتشبع بالتكتيك الثوري، مما سمح بتكوين نظرة جديدة ونقدية وموضوعية حول الثورة التحريرية، وشروط اندلاعها وكيفية تسييرها، إلى جانب كيفية وضع الخطط العسكرية والسياسية، وتسطير أهدافها.
ويعتقد المؤرخ محمد القورصو بأن عبان رمضان كانت له نظرة ديناميكية منبثقة من الميدان ظهرت جليا من خلال ترأسه الوفد الخارجي، وأنهم كمؤرخين لاحظوا فيما بعد بأن انتقادات كثيرة طالت منظمي مؤتمر الصومام، وأن هذا النقاش الحاد بين الطرفين المتنازعين، الجناحان السياسي والعسكري، هو الذي أعطى الأبعاد الحقيقية للمؤتمر.
ويقول المتحدث، بأن مؤتمر الصومام كان له الفضل في توحيد الصفوف واستدراك ما لم يتحقق في لقاء سنة 55، كما سمح بتحديد طبيعة المهام السياسية والعسكرية، فبعد أن كان المؤتمر مهددا، بسبب التصورات المتضاربة لكل قائد ناحية عسكرية حول الثورة، استطاع المؤتمر أن يضع حدا لها، من خلال توحيد الرؤية الثورية والسياسية المستقبلية.
كما حصن هذا المؤتمر الجامع الثورة ضد الإدارة الاستعمارية الفرنسية، بعد التفاف مختلف القوى السياسية الوطنية والثورية حول الثورة التحريرية، من بينها الجناح الإصلاحي الاندماجي الذي كان يمثله فرحات عباس، والجناح الوطني لحركة انتصار الحريات، وجمعية العلماء المسلمين وحزب الشعب.
وكان لهذه الوحدة الوطنية يضيف المتدخل، الفضل في تحصين الثورة من الداخل، وترجيح الكفة لصالح دعاة المؤتمر، وتوحيد الثورة وتعميمها، ومنح الدور الكبير للعمل السياسي، إذ لم تقتصر الثورة على شن العمليات المسلحة، بل شملت أيضا توعية الشعب الجزائري حول أهدافها، والترويج لها على المستوى العالمي عبر وسائل الإعلام، فضلا عن تنظيم حملة دعائية على مستوى الهيئات الأممية.
وواجهت فرنسا الاستعمارية بتجسيد أهداف مؤتمر الصومام الانهزام الثاني، وكان الانهزام الأول باندلاع الثورة مما فند ادعاءات فرنسا بأن الأمر كان مجرد عصيان وتمرد، بل كانت مطالب شرعية لتحقيق الحرية والعدالة وحق تقرير المصير، لتتوالى الانهزامات العسكرية والدبلوماسية بالدرجة الأولى، وصولا إلى تحقيق الاستقلال.
ويضيف الأستاذ محمد القورصو بأنه من حقهم الآن كمؤرخين أن تكون لهم نظرة فوقية وعميقة لمؤتمر الصومام وللخلافات التي وقعت آنذاك لفهم طبيعتها وأبعادها، وهي خلافات قديمة يقول المتدخل تعود إلى عهد مصالي الحاج، اخترقت الزمن الثوري وكانت مكتومة في البداية، قبيل توحيد الصفوف والتصور حول أبعاد الثورة وأهدافها.
ويؤكد المصدر بأن أهم ما في مؤتمر الصومام أنه أنقذ الثورة من الخلافات التي بدأت تطفو على السطح، ووجهها توجيها صحيحا، كما خطط لنقل الثورة إلى عقر دار المستعمر في باريس، مما دفع بالمجتمع الفرنسي إلى التجند ضد الحرب، وكان هذا مكسبا أساسيا من بين المكاسب المحققة من خلال مؤتمر الصومام المنعقد سنة 56 الذي يعد محطة تاريخية حاسمة في مسار تحقيق السيادة الوطنية.
لطيفة بلحاج