الدبلوماسيــــــة الجزائريـــــة تعــــود إلــى الواجهـــــــــة
أحدث رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، نقلة في مستوى الحركية الدبلوماسية منذ انتخابه، بعد أن عرفت الجزائر انكماشًا و ركودا في هذا المستوى طيلة عدة سنوات تراجع خلالها دور الجزائر إقليميا ودوليا، قبل أن تعود إلى مكانها الحقيقي كلاعب رئيسي عربيًا وإقليميًا، في محيط مثقل بالأزمات والتوترات.
يجمع المتتبعون داخل الوطن وخارجه، على نجاح رئيس الجمهورية، في إعادة الجزائر إلى الساحة الدولية كلاعب فاعل في التوازنات الجيوسياسية وبلد لا يمكن تجاوزه لحلحلة أزمات المنطقة، كما نوه سياسيون وقادة أحزاب سياسية بإنجازات الدبلوماسية الجزائرية تحت قيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، ومساهمتها بكل عزم في مسيرة بناء الجزائر الجديدة مستنيرة في ذلك بمبادئ ميثاقها التأسيسي وشهادة ميلادها بيان الفاتح نوفمبر-1954».
وخلال فترة قصيرة أظهرت الدبلوماسية الجزائرية عودة لافتة إلى مسرح الأحداث الإقليمية، بما يتماشى والرؤية الجديدة، التي أعلن عنها الرئيس عبد المجيد تبون، غداة انتخابه مباشرة، في ديسمبر 2019، وهي الرؤية التي تم إطلاقها بإنشاء وكالة التعاون الدولي، في فبراير 2020. وإعادة تعيين رمطان لعمامرة في منصب وزير الخارجية، الذي استكمل بتعيين 7 مبعوثين دبلوماسيين خاصين، يغطون أغلب المناطق الحيوية للجزائر.
وأنهى الرئيس تبون، سنوات من الانكفاء الدبلوماسي خلال الفترة الممتدة بين 2013 و2019، وانسحاب فاعل في الساحة الدولية، رغم الرصيد التاريخي، والدبلوماسي، والسياسي، والاقتصادي، لكن ومنذ الانتخابات الرئاسية في 2019 شرعت السلطات في العمل على استرجاع مكانتها من خلال الحضور في المحافل الدولية، وأبرزها مجموعة أوبك، بالإضافة إلى دورها في تهدئة الأوضاع في ليبيا والساحل والصحراء، وأيضًا جهدها في الاعتراض على عضوية إسرائيل كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، بالإضافة إلى الوساطة بين السودان، ومصر، وإثيوبيا».
وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد أعلن منذ الخطاب الأول بعد انتخابه سنة 2019 عن التزامه بتحقيق حلم الجزائريين في «بناء جمهورية جديدة قوية مهيبة الجانب مستقرة ومزدهرة»، ومن بين النقاط الأربع والخمسين التي التزم بها أن «يواصل الجيش الوطني الشعبي في إطار مهامه الدستورية الدفاع عن السيادة الوطنية، والسلامة الإقليمية»، ومن بين التعديلات التي أحدثت على الدستور إضافة مادة جاء فيها «يقرر إرسال وحدات من الجيش الوطني الشعبي إلى خارج الوطن بعد مصادقة البرلمان بأغلبية ثلثي أعضاء كل غرفة من غرفتي البرلمان».
وأكد رئيس الجمهورية, أن الدبلوماسية الجزائرية استرجعت مكانتها بعدما كانت في «الحضيض», مستدلا بتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة و الاتحاد الأوروبي والدول العظمى حول دور الجزائر في إرساء الأمن والاستقرار على مستوى القارة الإفريقية و المحيط المجاور لها. كما استقبلت الجزائر طيلة الأشهر الأخيرة عدة وفود أجنبية عربية وغربية، وقادة دول فاعلة اجمعوا على الدور الهام الذي تلعبه الجزائر في الأمن والسلم الدوليين، إلى جانب دورها في ضمان الأمن الطاقوي لعديد الدول الأوروبية في ظل الأزمة المستمرة منذ اندلاع الصراع الروسي الأوكراني.
أدوار متقـدمة بعد سنوات من التــراجع
وتزامنت عودة الجزائر إلى الساحة الدولية مع تبنيها نهجا جديدا في إدارة العلاقات، حيث كانت الجزائر تُمثّل مدرسة بارزة في الدبلوماسية الهادئة والأداء الصامت الناجع، لكن بدأت تدريجيا تنتقل وتأخذ توجهاً جديداً وغير معهود في إدارة علاقاتها الخارجية. حيث انتقل الأداء من الدبلوماسية الصامتة إلى دبلوماسية المواجهة، مع استخدام أوراق الضغط وتوظيفها في إدارة العلاقات.
وعكس هذا التوجه تصريحات الرئيس تبون، الذي قال فيه إن «من يهاجمنا سنهاجمه، الند للند مهما كنت، من يمسنا نمس به، مرحلة من يضربنا على الخد الأيمن نعطيه الخد الأيسر قد انتهت»، يفسر ذلك ويمثل عنواناً محدداً جديداً للدبلوماسية الجزائرية.
وتسعى الجزائر بعد سنوات الانكماش إلى لعب أدوار متقدمة عربيًا وأفريقيًا، فقد استهل الرئيس تبون مشوار إعادة الجزائر إلى قلب المعادلة الدبلوماسية، بمبادرة لحل الأزمة في ليبيا من خلال عقد لقاءات في 2020، وسعت الجزائر أيضًا في وساطة لحل الأزمة الخليجية، من المبادرات الأخرى التي أطلقتها الدبلوماسية الجزائرية بعد انتخاب تبون، مبادرة الوساطة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى في علاقة بأزمة سد النهضة.
وبرز حرص الجزائر على العودة كقوة مؤثرة إقليميا أيضًا من خلال المجهودات الدبلوماسية الكبيرة التي بذلتها من أجل إنجاح القمة العربية، وعملت على لم شمل البيت العربي ومن أجل وحدة الصف العربي وتعزيز العمل العربي المشترك، باعتباره ركيزة أساسية للحفاظ على الأمن القومي العربي والقيام بدور فاعل ومؤثر في كل القضايا العربية والإقليمية».
وقد أعادت مبادرة المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، التي قادها الرئيس تبون، لتعيد بالذاكرة إلى فترة تألق الدبلوماسية الجزائرية حينما احتضنت المجلس الوطني الفلسطيني لإنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية سنة 1987. ويؤكد المتتبعون أن الاجتماع الأخير للفصائل الفلسطينية وتوقيع وثيقة «إعلان الجزائر» يعتبر ورقة ستكون لها آثار إقليمية ودولية، كما كشفت الجزائر عن مواقفها لحلحلة أزمات المنطقة العربية، سواء تعلق الأمر بالشأن الليبي، وضرورة استبعاد التدخلات الأجنبية وفسح المجال أمام الشعب الليبي ليقول كلمته بكل حرية ويختار قيادته الشرعية، وأيضاً حول سوريا واليمن وغيرها من الملفات العربية التي لم تتجاهلها الجزائر وقدمت حلولاً ورؤية متوازنة وحيادية، متمسكة في ذلك بمبادئ سياستها الخارجية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ورفض التدخل الأجنبي في النزاعات الداخلية، كلها دلائل كافية على أن الأمر يتعلق بطموح قيادي مشروع.
كما أثبتت الجزائر عودتها القوية إلى عمقها الإقليمي من خلال نجاحها في قيادة معركة تجميد عضوية إسرائيل في الاتحاد الأفريقي، وتعتبر المبادرة التي أطلقها تبون، في بداية شهر يناير الماضي، للوساطة بين السلطات في جمهورية مالي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس» تأكيدًا على حرص الجزائر على تحسين موقعها الإقليمي.
وتؤكد كل المؤشرات بأن الجزائر قد تخطت مرحلة النشاط والحركة الدبلوماسية وتجاوزت فكر الوساطات والمشاركات إلى خط المواقف وصناعة الأوراق، لا سيما أنها تمكنت من قراءة الظروف الدولية أحسن قراءة واستغلالها لإعادة بعث دورها وإحياء طموحها القيادي. ع سمير