السبت 5 أكتوبر 2024 الموافق لـ 1 ربيع الثاني 1446
Accueil Top Pub

عبر سياسة اجتماعية قائمة على الرعاية والدعم: كرامـــة الجزائـــري.. تعهّد نوفمبـري يتكـــرّس

تتسم الاحتفالات بالمناسبات الرسمية الجزائرية، بطابع اجتماعي اقتصادي، و تعرف سنويا تسليم آلاف الوحدات السكنية الاجتماعية، وتدشين مدارس و مصالح استشفائية و مد طرقات و وضع حجر الأساس لمشاريع طاقوية وتنموية على مستويات محلية، فقد شكل ضمان العيش الكريم لكل مواطن أهم تعهدات الاستقلال الوطني، ولذلك فإن اجتماعية الدولة الجزائرية، ظلت مبدأ راسخا منذ بيان أول نوفمبر 1954، وصولا إلى التعديل الدستوري 2020، فلم يخل أي نص تأسيسي للدولة من الطابع الاجتماعي، ولطالما استمدت السياسة الاجتماعية من إيديولوجية المجتمع واعتمدت على توجهات الدستور، حيث كرستها السياسات الحكومية المتعاقبة على مدار أكثر من ستين سنة من الاستقلال، مع العمل على تكييف المضامين مع معطيات الراهن، لبناء الإنسان الجزائري وتحقيق تنمية بشرية مستدامة وعدالة اجتماعية معززة.

نوفمبر 1954 .. جويلية 2024
احتلت الجزائر سنة2010، المرتبة التاسعة من بين 169 دولة، في مؤشر التنمية البشرية، كما كانت من بين الدول القليلة التي نجحت في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للألفية، فإلى جانب الهياكل والصيغ التي استحدثتها الدولة للعناية بجوانب السكن والتشغيل والضمان الاجتماعي والتضامن و الصحة والتعليم على مدار ستين سنة منذ الاستقلال، فقد عرفت بلادنا في غضون السنتين الأخيرتين فقط، إجراءات مهمة ونوعية لتحسين الإطار المعيشي للمواطن بداية بإقرار منحة البطالة و رفع الأجور وصب زيادات في معاشات المتقاعدين.
يأتي ذلك تعزيزا لمبدأ الحفاظ على كرامة الجزائري، الذي يعد أحد الثوابت الوطنية التي تشكل جزءا من هوية الجزائر المستقلة، خصوصا وأن ثمن الحرية كان غاليا جدا، وتطلب الوقوف أمام مستدمر الأمس تضحيات وقرنا وربع قرن من المعاناة، ليشكل الدفاع عن حق الجزائري في العيش الكريم، بندا رئيسيا في بيان أول نوفمبر، و عرفا اجتماعيا وسياسيا غير قابل للتفاوض كون جذوره تمتد إلى الظروف التاريخية التي تكونت فيها الدولة الجزائرية، وهو ما يجعل الطابع الاجتماعي لها أحد ركائز الثقافة السياسية في البلاد.
فنشأة الدولة الجزائرية مثلت رد فعل ثوري على السياسة الاستعمارية الفرنسية الرأسمالية التي هيمنت على الجزائر لأكثر من132سنة، سيطرت خلالها فئة قليلة من المعمرين و العمال على كل مقدرات البلاد، لذلك فإن تأسيس الدولة الجزائرية كان بمثابة رد فعل على الإقطاعية الرأسمالية عبر بناء دولة اجتماعية ديمقراطية تراعي مصالح جميع الفئات المجتمعية والعمل على تلبية مطالبها، وبخاصة الفئات المتوسطة و الهشة وهكذا تبنت النخب الحاكمة بعد الاستقلال، مبدأ الدولة الاجتماعية والعدالة الاجتماعية مع تسخير كل المواثيق السياسية المؤسسة للدولة الجزائرية ولمختلف المشاريع الاقتصادية والاجتماعية لتمثل قطيعة حقيقية مع الصورة التي ارتسمت في مخيلة الجزائريين إبان الاستعمار.
الإنفاق العمومي لتسريع وتيرة التنمية
وتتجلى أهمية هذا الالتزام النوفمبري المقدس، في مخططات السياسة العامة الجزائرية منذ الاستقلال وإلى غاية اليوم، مع استمرار الدولة الوطنية على نهجها وتكفلها بمسؤوليتها تجاه المواطن وعدم تخليها عن السياسة الاجتماعية في ظل كل التحولات و الظروف، بما في ذلك الأزمة الأمنية و الأزمات الاقتصادية المرتبطة بتراجع أسعار المحروقات، وصولا إلى جائحة كورونا وما سببته من غلق اقتصادي دفع دولا كبرى إلى اعتماد سياسات عامة تقشفية.
وقد ظهرت متانة التعهد الوطني بالدعم الاجتماعي، في ثبات الموازنات المالية العامة للدولة و استمرار ضمان ميزانية التحويلات الاجتماعية و الاعتمادات المعتبرة الموجهة لتحسين الإطار المعيشي للفرد، بداية بالسكن والصحة والتعليم والتضامن والأسرة و التشغيل، فضلا عن الإجراءات و التدابير التي تتخذها الدولة في كل مرة لحماية كرامة المواطن، على غرار استحداث منحة البطالة و زيادة الأجور، إلى جانب تحقيق التوازن ما بين الولايات وبعث الاقتصاد المحلي عن طريق تسجيل برامج تنموية تكميلية ضخمة لصالح بعض المناطق المتأخرة نسبيا عبر الوطن.
كما يتم العمل باستمرار على تحيين البرامج الموجهة للنهوض بكل المناطق عبر تخطيط اجتماعي اقتصادي سياسي يحدد الاحتياجات و يؤطر عمليات التدخل في مناطق تسمى اليوم بمناطق الظل، وتسلط عليها الدولة الضوء بشكل كبير نزولا عند تعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي أكد ضمن التزاماته 54 نيته في بناء اقتصاد قوي مع الحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة.
كما يأتي السهر على حماية القدرة الشرائية للمواطن، على رأس قائمة الالتزامات الحكومية من خلال دعم السلع والخدمات الأساسية و محاربة المضاربة وتلافي الندرة، ضمانا للاستقرار الاجتماعي ولكرامة الأفراد.
وبهذا الخصوص يقول الدكتور مصطفى جزار، باحث في مجال السياسات العامة بجامعة حسبية بن بوعلي بالشلف: « إن الجزائر تبنت مع بداية الألفية الجديدة خيارا اجتماعيا من خلال تكريس خيار اقتصادي يعتمد على الإنفاق العمومي كمحرك للاقتصاد، وذلك باتباع المخططات الخماسية لتحريك عجلة التنمية، كما اعتمدت الدولة سياسات لدعم أسعار بعض المواد الاستهلاكية، ومنها المحروقات، بالإضافة إلى إقرار تخفيضات في نسب الضرائب و تعويضات في نسب الفوائد وتمويل نسب الفوائد، وتمويل مختلف البرامج السكنية، وغير ذلك من صيغ الدعم المباشر وغير المباشر».
برامج سكن مليونية ومخططات لحماية كل الشرائح
ارتكزت السياسة الاجتماعية للدولة منذ تأسيسها على ثالوث السكن والصحة و التعليم، ومثل قطاع السكن محورا رئيسيا لعملية التشييد و البناء، إذ سعت الجزائر منذ استقلالها إلى توفير عدة صيغ تراعي اختلاف المميزات الاجتماعية للأسر الجزائرية وتحافظ على الطابع الاجتماعي للدولة، وقد شدد الرئيس عبد المجيد تبون مرارا على «أن صيغة السكن الاجتماعي باقية مادام هناك طلب على هذا النوع من السكنات»، حرصا منه على دعم الفئات الهشة، حيث أعلن مع بداية عهدته في 2019، عن برنامج لإنجاز مليون وحدة سكنية من مختلف الصيغ، 60 بالمائة منها مخصصة للسكن الريفي، حرصا منه على ضمان الحق في السكن وتحقيق التوازن بين مختلف مناطق الوطن.

كما تكفلت الدولة على الدوام بقاطني البناءات الفوضوية والهشة والعائلات المقيمة في العمارات المهددة بالانهيار أو في الأقبية أو الشقق الضيقة والأسطح.
وتشير تقديرات وزارة السكن والعمران والمدينة، إلى أن الجزائر تمكنت من إنجاز 1 مليون و 140 ألف وحدة سكنية في فترة التسعينيات، سعيا لتوفير سكنات لائقة تحفظ كرامة المواطن، إذ انطلقت الورشات مع بداية معركة التشييد حيث باشرت الدولة منذ سنة 1967، اعتماد مخططات ثلاثية ورباعية أسست لصيغة السكنات الاجتماعية.
ومع نهاية التسعينيات أطلق قطاع السكن صيغا سكنية مختلفة تم تمويلها من خزينة الدولة، منها السكن العمومي الإيجاري و السكن الترقوي التساهمي والبيع بالإيجار «عدل1 « مع تسجيل 55 ألف مكتتب، وبداية من سنة 2012، أطلق برنامج ثان من 575 ألف وحدة سكنية، وفي 2013، ظهرت صيغة الترقوي العمومي، التي تستهدف ذوي الدخل الميسور، ببرنامج قدر بـ 44 ألف وحدة سكنية، مع اعتماد الرقمنة في التسجيل.
كما تم سنة 2020 تسليم 200 ألف وحدة، ووزعت بعد سنة 320 ألف وحدة من مختلف الصيغ، وظهرت مؤخرا أيضا مدن جديدة وأقطاب حضرية مجهزة للحفاظ على التوازن الإقليمي على غرار المدينة الجديدة سدي عبد الله بالعاصمة، و علي منجلي بقسنطينة. 
مجانية الصحة والتعليم
ونجحت الجزائر بعد الاستقلال، في تبني وإرساء سياسة صحية فاعلة للتكفل الأمثل بالمواطنين، مكنتها من القضاء على عدة أمراض معدية وتقليص عدد الوفيات الناجمة عنها، وقد تحققت منذ تلك الفترة إنجازات كثيرة تشمل التغطية الصحية والهياكل والتجهيزات، مع الحرص على توفير وتكوين العنصر البشري وتعزيز برامج صحية سمحت بتسجيل نتائج مهمة في مجال القضاء على الأمراض المعدية وزيادة معدل حياة الفرد.
وقد أثبتت المنظومة الصحية الجزائرية نجاعتها خلال جائحة كوفيد 19، ففي وقت أقرت دول كبرى مثل بريطانيا و سويسرا بثقل الحمل، استطاعت مستشفيات الجزائر العمومية وكوادرها الصمود، بعدما كان الهاجس الأكبر بعد الاستقلال هو القضاء على الأمراض المعدية وتقليص نسب الوفيات لدى الأطفال والتقليل من عمليات تحويل المرضى إلى الخارج للتداوي.
حيث باشرت الدولة بعد جويلية 1962، العمل مباشرة على إنجاز مؤسسات تابعة لها لضمان تكفل أمثل بالمواطن من خلال توفير الهياكل و اليد العاملة المؤهلة، بإنشاء المعهد الوطني للصحة العمومية في 1964، ثم معهد باستور في1965 ووضع قانون الصحة 85-05 والشروع في بناء مؤسسات استشفائية جامعية وعيادات جوارية، وإقرار مجانية الصحة مع برمجة حملات تلقيح واسعة على مدار السنوات، و تدعيم الموارد البشرية والمادية واقتناء العتاد الطبي وإعادة تنظيم قطاع الصحة بإنشاء المؤسسات الجوارية بهدف تقريب الخدمات الصحية إلى المواطن.
وقد افتكت الجزائر، اعتراف منظمة الصحة العالمية، بقدرتها على القضاء كليا على مرض شلل الأطفال، كما تم القضاء على الكزاز عند الأم والطفل ، وعلى مرض المالاريا، وذلك بحسب ما صرح به مدير عام الوقاية وترقية الصحة الدكتور جمال فورار، لوكالة الأنباء الجزائرية في وقت سابق.وكان بناء المنظومة التعليمية مهما جدا لبناء الفرد، و أحد أبرز التزامات الدولة التي تعهدت منذ الاستقلال بمجانية التعليم على غرار الصحة.وكانت البداية بإنجاح أول دخول مدرسي بعد الاستقلال و العمل على التحاق مليون تلميذ بمقاعد الدراسة، بعدما كانت نسبة الأمية تناهز 85 بالمائة عشية الاستقلال، ليرتفع عدد المتمدرسين في الجزائر بعد ستين سنة إلى عشرة أضعاف و يبلغ ما يفوق 10 ملايين تلميذ، مقابل510 آلاف أستاذ في الأطوار التعليمية الثلاثة.
وللرفع من جودة التعليم، تبنت الجزائر جملة من البرامج الإصلاحية للقطاع على مر العقود، من خلال تكوين المدرسين وإعادة النظر في قانون الأستاذ ومراجعة المناهج، حيث تقوم استراتيجيات الحكومة حاليا على إصلاح البيداغوجيا و منظومة التقييم والتوجيه، وتحسين جودة التأطير و تحسين حوكمة المنظومة التربوية، وتحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية للمشتغلين في حقل التعليم، و تحسين ظروف المتمدرسين في مناطق الظل عبر ضمان الإطعام و النقل المدرسي، وهي نقاط جاءت في قائمة تعهدات والتزامات الرئيس 54.
الريف و مناطق الظل في صلب اهتمامات الدولة
في بداية السبعينيات من القرن الماضي، أقرت الدولة الوطنية مشروعا تنمويا يحمل تحديات جديدة للجزائر المستقلة، عرف بقرى الثورة الزراعية أو القرى النموذجية، وهي تجربة أريد من خلالها إحلال التنمية داخل عالم الريف، وخدمة الأرض خصوصا وأن الريف شكل أحد أهم الموضوعات التي شغلت الحكومات الجزائرية المتعاقبة منذ حكم الرئيسين هواري بومدين،، كون الاستثمار في الريف يعني استثمارا في الحياة اليومية لفئة من الجزائريين سبق أن ارتبطت يومياتها بالغبن والشقاء.
وإلى اليوم، لا تزال البرامج السياسية الحكومية تفرد مساحة مهمة للريف، إلى جانب المناطق الحدودية ومناطق الظل كذلك، وذلك بهدف تثبيت الأفراد في هذه المناطق وتنميتها وتحسين مستوى معيشة المواطن، وإلى جانب المخصصات المالية التنموية التي توجهها الدولة سنويا لذات المناطق بغية ضمان احتياجات الأفراد، فإن هناك برامج دعم تستحدث في كل مرة لتشجيع السكان على ممارسة أنشطة استثمارية متصلة بالأرض والإنسان. وقد ركز رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، منذ بداية عهدته الرئاسية على المواطن في الجزائر العميقة، وجعل ملف «جيوب الفقر» في صدارة أولويات الحكومة، كما قام بتعيين مستشار خاص لمتابعة المشاكل الموجودة على مستوى هذه المناطق، للقضاء على الفوارق التنموية والاختلالات الموجودة بين ولايات الشمال وولايات الهضاب العليا والجنوب وكذلك بين المناطق الحضرية والريفية والجبلية.وفي أكتوبر 2020، أعلن مستشار رئيس الجمهورية المكلف بمناطق الظل عن تخصيص 184 مليار دينار للتكفل باحتياجات 9 ملايين من قاطني 15044 منطقة ظل من خلال 38700 مشروع.
كما كشف، عن تخصيص المزيد من الدعم المالي لتجسيد عمليات تنموية بالمناطق المؤهلة لاستحداث النشاطات المرتبطة بالفلاحة وتربية الحيوانات، وحصر أهم حاجات وأولويات مناطق الظل بــ14 قطاعا، تتعلق أساسا بشبكات الطرق أو المسالك التي تربط القرى بشبكات النقل، الكهرباء والغاز، والصرف الصحي، إضافة إلى التغطية الصحية، وتوفير مياه الشرب، وتحسين ظروف الدراسة وأماكن الترفيه.
برامج تنموية تكميلية و مقاربة تشاركية جديدة للمواطن
وضمانا لتحقيق التنمية و تحسين ظروف العيش، فقد توجهت الدولة كذلك إلى استحداث ولايات منتدبة، وتسجيل برامج عادية وأخرى تكميلية للنهوض ببعض الولايات المتأخرة نسبيا في مجال التنمية، وقد تبنت الدولة كما صرح به المدير العام للجماعات المحلية بوزارة الداخلية و الجماعات المحلية و التهيئة العمرانية، يوسف رومان، لوسائل الإعلام، مخططات تنموية تخضع لمقاربة تشاركية جديدة للمواطن، حيث سيتم إشراك السكان في اختيار عمليات التنمية، خصوصا ما تعلق بالمشاريع الجوارية، عن طريق الاستماع للاقتراحات التي تقدمها لجان الأحياء، والجمعيات، وتخص المشاريع والبرامج جوانب التأهيل الهيكلي وترمي إلى إنعاش الاقتصاد المحلي و كذا خلق الثروة ومناصب الشغل.
ويرى أستاذ السياسات العامة بجامعة الشلف، مصطفى جزار، أن التزام الدولة بطابعها الاجتماعي، تجلى بوضوح مع الاستقرار الأمني و ارتفاع أسعار المحروقات، حيث تبنت الحكومات سياسة الإنفاق السخي، حيث أصبحت التحويلات الاجتماعية تشكل رقما مهما في الميزانية العامة، ففي مجال السكن مثلا بنيت مئات آلاف السكنات لصالح الفئات المتوسطة والفقيرة، كما تم فتح العديد من مناصب الشغل لفائدة الشباب خريجي الجامعات ومعاهد التكوين، بالموازاة مع إطلاق الحكومة لمجموعة من الآليات والبرامج مثل الوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب، ومنح قروض بدون فوائد أو بفوائد منخفضة. نور الهدى طابي

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر رضوان بوهيدل
الدولة تضع اليد العليا على القطاعات الكبرى لحماية المواطن
يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر رضوان بوهيدل، إن التسمية الرسمية للدولة الجزائرية، تتضمن إشارة مباشرة إلى طبيعتها بوصفها دولة ديمقراطية شعبية، بما يعني أن الشعب هو محور هذه الدولة موضحا، بأن الطابع الاجتماعي مكرس بشكل واضح وينعكس من خلال كل الشعارات المتبناة على مستوى مؤسساتها، ولذلك يشيع استخدام شعار « من الشعب وإلى الشعب» في مؤسسات وهيئات الجماعات المحلية على سبيل المثال، في إشارة إلى أن مقدرات هذا البلد تعود للشعب وهو المستفيد الأول منها، وفي ذلك تصريح واضح بصفة الدولة الاجتماعية.
و يضيف الدكتور بوهيدل، أن البداية كانت مع ولادة النظام الاشتراكي، أين ساهمت الدولة في الكثير من نواحي الحياة، على غرار بناء القرى وتقديم المساعدة والدعم للشعب الجزائري المنهك بفعل الحرب والذي عانى لعقود طويلة من ولايات الاستعمار فكان لزاما أن يستعيد كرامته ثرواته.
وذكر الباحث، أمثلة عن الثورة الزراعية التي منحت في إطارها الدولة أراض للاستصلاح و الاستغلال، مؤكدا أن الدولة كانت منذ البداية إلى جانب المواطن الجزائري، مشيرا إلى أن كل الحكومات المتعاقبة منذ حكم الرئيس الراحل هواري بومدين، إلى غاية المرحلة الحالية تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون، دأبت على المحافظة على مبدأ دعم المواطن وحماية كرامته من خلال إقرار سياسات عامة تضمن استقرار القدرة الشرائية وتوفير السكن اللائق، فضلا عن تكريس مجانية التعليم والرعاية الصحية.
وقال بوهيدل، إن الطابع الاجتماعي يعتبر من ثوابت الدولة، بدليل التزامها به رغم التحولات الدولية الحاصلة وانفتاح العالم على اقتصاد السوق، ورغم النداءات المتكررة بضرورة خصخصة الكثير من المشاريع، لكن الدولة الجزائرية لا تزال تحتفظ باليد العليا في إنجاز المشاريع الاقتصادية الكبرى سواء السكن أو في مجالات الطاقة أو التعليم أو غيرها، حتى تضمن نفس الوتيرة في دعم وحماية الدولة الاجتماعية.
نور الهدى طابي

* الباحث في علم الاجتماع بكراسك وهران يحيى بن يمينة
الإصلاحات الهيكلية منذ 2020 حسنت متوسط حياة الفرد
يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي بكراسك وهران، الأستاذ يحيى بن يمينة، إن التوجه الاجتماعي للدولة الوطنية الجزائرية يجد أساسه في بيان 1 نوفمبر 1954 و المبادئ التي قامت عليها ثورة التحرير الوطنية، فبعد عقود من الإقصاء و الحرمان الممنهج الذي مارسه النظام الاستعماري ضد الشعب الجزائري وسلبه حقه في الاستفادة من كافة أشكال الحياة الحديثة والكريمة، صممت الدولة الوطنية على القضاء على صور التمايز والهشاشة التي خلفها الاستعمار.
وأوضح أنه منذ السنوات الأولى التي أعقبت الاستقلال، كرست الدولة الوطنية عبر الدساتير و المواثيق المختلفة التعليم و الصحة والسكن كحقوق أساسية لكل مواطن، كما أن تكريس اللامركزية الإدارية كان من شأنه تخفيف الفروقات بين المناطق و تحقيق توزيع أكثر عدلا للثروة الوطنية.
و حتى في أحلك الظروف و الأزمات المالية، لم تتخل الدولة حسبه، عن دورها الاجتماعي، على خلاف الكثير من الدول المتضررة من الأزمات المالية، حيث استمرت في دعم التعليم و المواد ذات الاستهلاك الواسع و السكن العمومي بكل صيغه، و قطاع الصحة والفئات الهشة بفضل هذه السياسات.
ويضيف أن الجزائر تسجل اليوم نسبا متقدمة عالميا على مستوى نسبة تمدرس الأطفال و الطلبة في الجامعة، و حجم الاستفادة من الرعاية الصحية التي انعكست إيجابيا على متوسط حياة المواطنين. وقال، إن التحدي الذي يواجهه صمود و استمرارية الدولة الاجتماعية في الجزائر هو الاستغلال الأمثل و العقلاني للموارد المخصصة، علما أنه منذ سنة 2020، شرعت الدولة في إصلاحات هيكلية عميقة و ممنهجة للاقتصاد الوطني.
ولقد تمت إعادة تنظيم الاستيراد و ضبط السوق الوطنية، كما تم رفع الأجور عدة مرات لصالح الموظفين و العمال، و تدعيم أكبر لفئات اجتماعية مثل المتقاعدين و ذوي الهمم و الشباب من خلال إقرار منحة البطالة.
وحسب بن يمينة، فإن التوجه الحالي نحو رقمنة الإدارات والمعاملات الاقتصادية، من شأنه أن يعزز من تسيير المخصصات المالية الاجتماعية للمواطنين و إحصاء أفضل للفئات المعنية بالمساعدة الاجتماعية.
نور الهدى طابي

* البروفيسور قوي بوحنية أستاذ حكامة ومحلل سياسي
التعديل الدستوري الأخير رفع مؤشرات دولة الحق والقانون
يقول البروفيسور قوي بوحنية، عميد كلية الحقوق و العلوم السياسية، بجامعة قاصدي مرباح بورقلة، إن مفهوم الدولة الوطنية ذات الطابع الاجتماعي، هو مفهوم تكرس بفعل الميكانيزمات المعتمدة من طرف الدولة لضمان حماية الشرائح الضعيفة والمتوسطة وحماية حق المواطن المدني والسياسي، وهو ما أقره التعديل الدستوري الأخير الذي دعم الممارسات التدخلية الإيجابية التي تنتهجها الدولة لغرض حماية الاحتياجات اليومية للمواطنين وحقوقهم.
وأوضح، أن الدولة وفق المواد 61 و62، أكدت حرصها الكبير على حماية المستهلك وضمان حقوقه الاقتصادية وحقه في المياه وهي سابقة من نوعها، كما تضمن الرعاية الصحية الشاملة، كما أقر المشرع أحقية المواطن في الحصول على السكن لاسيما الفئات المحرومة.
وكرست الدولة ضمن مفهوم الديمقراطية التشاركية وحقوق المواطن كما أضاف، الحق في بيئة سليمة في إطار مؤشرات التنمية المستدامة حسب نص المادة 64 من التعديل الدستوري، ناهيك عن تكريس الحق في التربية و التعليم و الحق في العمل، وأحقية تقلد المهام والمناصب والوظائف بموجب المادة67، بمعنى أن الدولة توفر جميع الإمكانيات لضمان و رعاية كرامة المواطن، ما يشكل رافعة حقيقية لمؤشرات دولة العدل والقانون، التي تفعل دور المجتمع المدني قانونيا وتعمل على تهيئة البيئة المناسبة لذلك، كما تدعم القطاعين العام والخاص.
وتطرق الباحث من جانب آخر، إلى الآليات الجديدة التي تعتمدها الدولة لتحسن الواقع الاجتماعي والاقتصادي لفئة الشباب،على غرار قانون الاستثمار الجديد، والمرصد الوطني للمجتمع المدني والقوانين المرتبطة بالمؤسسات الناشئة، وقال إنها تعتبر حلقة حركية مهمة جدا تعززت باستحداث وزارة تعنى بالمؤسسات الناشئة والرقمنة، لمضاعفة السرعة قصد الوصول إلى أقصى درجة من الشفافية والأداء الإيجابي والجيد لمؤشرات الحوكمة والتنمية المستدامة، وهو ما تعكسه المبادرات الشبانية لتطوير المجال المقاولاتي، والذي تدخلت الدولة أيضا لترقيتها ودعمها وتوجيهها عبر ما يسمى بالحاضنات و مرافقة المشاريع.
واعتبر الباحث، الحرص على ضمان السكن اللائق للمواطن أهم دليل على تمسك الدولة بالتزاماتها، مستشهدا أيضا، بتدخل الرئيس عبد المجيد تبون، للنهوض بالتنمية في الولايات و بعث المشاريع العملاقة على غرار مشروع « عدل 3»، لضمان حياة أفضل لشريحة أوسع من المواطنين، والعمل للحد من الفقر في مناطق الظل الجاري السعي لتقليصها.
نور الهدى طابي

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com