يعد السفر حاجة إنسانية عظيمة؛ ظل الأفراد والجماعات منذ القدم يمارسونه ترحالا في كل مكان؛ ولم يزده التطور الصناعي الكبير في وسائل النقل برا وبحرا وجوا إلا حضورا واتساعا وتكثيفا ومتعة، ولكل فرد أو جماعة مقصد من وراء سفره، سواء أكان مقصدا شرعيا كالعلم والعمل والسياحة والترويح والعبادة والعلاج والجهاد أو مقصدا غير شرعي كالسفر للسلب والمعصية وغيرها، لذلك نجد له حضورا طاغيا في تشريعات الإسلام باعتباره عاملا مهما في إعادة تكييف العبادات والمعاملات والعلاقات الاجتماعية، فشرع بجانبه رخصا رفع بموجبها حرجه وحول مشقته إلى يسر؛ لأن قاعدة الإسلام الكبرى: ()وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)) الحج: 78)، ((يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ( البقرة: 178). فالسَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ كما في الحديث.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
ومن ذلك: (1) قَصْـرُ الصَّـلاة :فيُشْرَعُ للمسافر قَصْر الصلاة الرباعية: الظهر والعصر والعشاء إلى ركعتين؛ لقول الله عز وجل )وَإِذَا ضَرَبْتُمْ في الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ( النساء:101). وأما الصبح والمغرب فلا تُقْصر فيهما الصلاة، وقصر الصلاة سنة ورخصة وهي أفضل من إتمامها؛ لمواظبة النبي "ص" على ذلك في جميع أسفاره يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((صَحِبْتُ رَسُولَ الله في السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ الله، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ الله، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ الله، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ الله، وَقَدْ قَالَ الله تعالى: )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ(). [رواه مسلم)وذلك إذا سافر المسلم مسافة أكثر من 84 كلم، ونوى الإقامة أربعة أيام أو أقل .
*(2) الجمع بين الصلاتين : يجوز للمسافر أن يجمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت الضروري فيصليهما معا: (الظهر مع العصر) و(المغرب مع العشاء) جمع تقديم أو جمع تأخير، لحديث معاذٍ رضي الله عنه قال : (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله " ص " عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ يَجْمَعُ الصَّلاَةَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمًا أَخَّرَ الصَّلاَةَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ فَصَلَّى المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا) [رواه مسلم).
(3) سقوط صلاة الجمعة عن المسافر :صلاة الجمعة ليست واجبة على المسافر ويصلي الظهر بدلاً منها؛ لأن النبي وأصحابه لم يُنقل عنهم أنهم صلوا الجمعة في أسفارهم ففي حجة الوداع كان يوم عرفة يوم جمعة ، وثبت في صحيح مسلم أن النبي " ص "خطب الناس يوم عرفة ثم بعد الخطبة أذَّن بلالٌ ثم أقام، قال جابر: فصلى الظهر ولم يقل: صلى الجمعة. فإن صلى الجمعة وهو مسافر فصلاته صحيحة وتجزئه عن الظهر .
(4) المسح على الخفين للمسافر :يشرع للمسافر أن يمسح على الخفين ثلاثة أيامٍ ولياليهن بدءاً من الحَدَثِ بعد لبسهما؛ لحديث علي رضي الله عنه في المسح على الخفين قال: (جَعَلَ رَسُولُ الله ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ) [رواه مسلم) بشرط ان يلبسهما على طهارة وهذا من التيسير على المسافر، فإن نزع الجورب وجب عليه الغسل حينئذ.
(5) الرخصة في الفطر من الصيام في السفر :فقد رخَّص الله عز وجل للمسافر في رمضان أن يُفطر ثم يقضي بعد انتهاء سفره فقال جل وعلا: )فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ( [البقرة: 184]). فإن صام ولا مشقة تلحقه بذلك فصومه صحيح ويجزيه ؛ لحديث أنس رضي الله عنه : (كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ وَلا المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ)[رواه البخاري ومسلم) . وأيضاً حديث عائشة رضي الله عنها ((أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ " ص " أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَقَالَ إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ). [رواه البخاري ومسلم) .
ولكي تتحقق مقاصد السفر يستحب للمسلم في سفره كثرة الدعاء وتقوى الله وتحري الحلال في الكسب والعيش، ورعاية حقوق الناس والإحسان إليهم، والتأمل في ملكوت الله تعالى وخلقه لاكتشاف آياته ومظاهر عظمته، والوقوف على طبائع البشر وأخلاقهم، واختلاف ألوانهم وألسنتهم، وربط أواصر التعارف معهم؛ ويحرص على مخالطة الأخيار؛ لأن السفر يسفر عن كل هذه الطباع؛ بل يسفر عن طبيعة النفس ذاتها وطبيعة معدنها، وصدق الشافعي حين قال: (الإمام الشافعي: «تَغَرَّبْ عَن الأَوْطَانِ في طَلَبِ الْعُلى...وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ: تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ، وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِد»
ع/خ
بعولــة القوامـة بيـن الحقيقــة و المنهجيـــة
تصديقًا لكل ما يقال عن القوامة قال تعالى: ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)) سورة النساء آية 34.
ولذلك أوجب العُلماء على الرجل حتى يصلح أن يكون زوجًا بعلاً القدرة على الإنفاق؛ وإلاّ فلا زواج، ولا بعولة له، وعليه أن يستعفف حتى يغنيه الله من فضله مصداق قوله تعالى: ((وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)) سورة النور آية 33.
إن قوامة الرجولة لا تقتصر على الإنفاق المادي فقط، وإنما تتعداه إلى الإنفاق المعنوي: كحسن التعامل مع الزوجة، وحبها، والرفق بها، والتودد إليها، واحترامها، وتقديرها، والثناء عليها، وتزكية أخلاقها، واللطف بها، والهمس بالكلمات الرقيقة في أذنيْها، والشعور بمشاعرها، والحس بأحاسيسها.... إلخ.
وتتناول قوامة الرجولة أيضاً مبدأ الاستقلالية بين الزوجين. فلا يُسمح للرجل البعل أن يعتدي على مال زوجته، أو مصدر دخلها المادّي، أو الإطلاع على رصيدها في البنوك، أو التصرّف بمالها، أو أن يصادر إرثها الشرعي. وتتناول الاستقلالية بين الزوجين عدم منعها من الخروج من البيت، أو العلم، أو التزيّن، أو التعبير عن غريزتها الجنسية بالغناء، والرقص، والإختلاط. وكل ذلك من خلال الإتفاق بين الزوجين، وضمن الضوابط الشرعيّة لسلوكياتها، وتصرفاتها. ويحسن بنا القول في هذا المقام: إنّ بعولة القوامة المعنوية، والاستقلاليةِ أكثر أهميةً بالنسبة للمرأة، وأكبر أثرًا في نفسيتها، وأشدّ حاجةً إليها من قوامة الإنفاق المادي على عكس ما يعتقده الكثير من الرجال.
إنّ معظم النساء اللواتي حكمنَ دولهنّ، أو شعوبهنّ قد تحققت لهنَّ قوامة الإنفاق المادي. ومع ذلك لم يستغنينَ عن القوامةِ المعنويةِ، والاستقلالية، وحصلنَ عليها من أزواجهِنَّ الذكور: كالحبّ، والودّ، والاحترام، واللطف... إلخ وإنْ كنَّ أعلى رتبةً من أزواجهنَّ الذكورِ دستوريًا. وكذلك فإنَّ النساء اللواتي يتحولنَّ إلى رجال عن طريق إجراء عمليات جراحيةٍ يستأصلنَ بها أعضاءهنَّ التناسليةِ الأنثويةِ لا يتحولنَّ إلى بعول. وتبقى غرائزهنَّ، وعواطفهنَّ، وجيناتهنَّ الأنثويةُ تحكمهنَّ. وبالتالي يبقين بحاجةٍ إلى القوامةِ البعوليةِ بأنواعها الثلاثةِ: المادية، والمعنويةِ، والاستقلاليةِ.
وكذلك الرجال الذين يتحولون إلى نساء باستئصال أعضائهم التناسليةِ الذكوريةِ لا يتحولون، ولا يصبحون نساءً، وتبقى غرائزهم ، وعواطفهم، وجيناتهم الذكوريةِ تحكمهم. وبالتالي يبقونَ بعولاً رجالا. فالغرائز، و الجينات، والعواطف بنوعيْها الذكورية، والأنثويةِ يستحيلُ إستئصالها . وبالتالي يبقى الرجالُ بُعولاً، وتبقى النساءُ زوجات بعول، وكما خلقهم الله لأول مرة. و كذلك بالنسبة للزواج المِثْلِي: فالرجلانِ الزوجانِ يبقيان بَعْلَيْن، وإن ادّعى أحدهما الأُنوثةَ كذِبًا، وزورًا. ونفس الشيء فالمرأتانِ الزوجتانِ تبقيان أُنثَتيْن، وإن ادّعَت إحداهما الرجولةَ الذكوريةَ تدليسًا، وَسَفَهًا بغير علم.
فتاوى
حكم من قال: والله إن فعلت كذا، فعيني من عينك حرام؟
إن هذا الحالف قد علق يمينه على شيء إذا حصل من المحلوف له ما حلف الحالف عليه، فإن الكفارة تلزمه فهو بمنزلة من قال: و الله إن فعلت كذا فلا أكلمك، و ليس له أن يهجره بعد الفعل المحلوف عليه فوق ثلاثة أيام، بل يجب عليه أن يكلمه ويكفر عن يمينه لقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، فليفعل الذي حلف عليه، وليكفر عن يمينه»(1)، وهذا الحالف مثله. والله أعلم.
لقد جرى في بعض البلدان عرف بالاستنابة في اليمين اللازمة فهل تكفي ؟
إن هذا العرف باطل شرعا وعقلا، أما شرعا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» . فقد قال صلى الله عليه وسلم للأشعت بن قيس: «شاهداك أو يمينه»، في قضيته مع اليهودي، قال: فقلت: إذن يحلف ولا يبالي، فقال صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين يقتطع بها حق امرئ مسلم وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان» وأنزل الله في شأنها: «إن الذين يشتـرون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئكـ لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب عظيم إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم» وعليه فاليمين على المنكر تتوجه عليه وحده ليدفع الشبهة بها عن نفسه وليس لغيره أن ينوب عنه فيها، اللهم إلا إذا حلف على صاحبه المنكر أنه صادق في إنكاره إن جرّب منه وصف الثقة. ومع هذا فلا تبرئه يمينه مما لزم بالحلف عليه، لقوله سبحانه: «بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره»
موقع وزارة الشؤون الدينية.