تلهج ألسنة المؤمنين كل عام وتتوق نفوسهم لأداء فريضة الحج إلى بيت الله تعالى الحرام وتلبية نداء إبراهيم الخليل الذي أمره الله تعالى بالأذان بالحج فور انتهائه من رفع قواعد البيت؛ فقال الله تعالى: ((وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)) (الحج)؛ وبتلبيتهم لذاك النداء وأدائهم لهذه الشريعة العظيمة من الإحرام إلى الوقوف بعرفة والرمي فالطواف يحققون مقاصد كثيرة دينيا نفسيا واجتماعيا، قل مثيلها في تاريخ وحاضر الأمم والحضارات المتعاقبة لو أحسن المسلمون استثمارها في واقعهم العالمي المعيش.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
فمن مقاصد الحج العظيمة دوام ذكر الله تعالى وتعظيم شعائره إعلانا بتوحيده واستسلاما له استسلاما مطلقا؛ وشكرا على نعمه التي لا تحصى قال تعالى: لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَ لِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ [الحج: 28]، ويقول سبحانه: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة: 203]، ويقول تعالى قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام: 162]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنما جُعِل الطَّوافُ بالبيت وبالصفا والمروة ورميُ الجمار؛ لإقامة ذكر الله تعالى وحده))؛ رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح ولعل ذاك التجرد من اللباس مظهر عملي للاستسلام المطلق للخالق المعبود بحق دون سواه واعتراف له بالعبودية والملك وحده سبحانه .ومنها: أن الحج مدرسة أخلاقية ففيها يتدرب المسلم ويتربى على ضبط النفس وتطهيرها مما علق بها من ذنوب في سالف الأيام حتى يرجع لأرضه وكأنه كيوم ولدته أمه، ومراقبة اللسان حتى لا يصدر عنه إلا الخير والعفة والمعروف والإحسان، دون كلام قبيح أو سفيه أو مراء أو جدل عقيم؛ قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197]، وفي كل شعيرة محددة زمانا ومكانا يتربى المسلم فيها على معاني الضيافة وآدابها، ومعاني احترام الأوقات والأزمنة والأمكنة، كما أن في خروجه بماله وبدنه في سبيل الله تعالى ملبيا أمره، رمز لتربية النفس على الكرم والجود والسخاء والإنفاق،.
ومن مقاصد الحج أيضا الحفاظ على رابطة الأخوة بين المؤمنين وتمتينه أكثر؛ لأن هذا الحج مؤتمر إسلامي عالمي يلتقي فيه المسلمون من كل أرجاء الأرض عربا وعجما، فيتوحدون في صعيد واحد قد تناسوا تلك الحواجز الجغرافية واللسانية والسياسية والقومية والمادية التي كانت تفرق بينهم وتحول دون تواصلهم واتصالهم، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10].
وهم بهذا اللقاء السنوي إنما يقدمون صورة مشرقة لأنفسهم والعلم عما ينبغي أن يكونوا عليه في قادم أيامهم حتى يكونوا في مستوى أمة الشهادة على الناس، أمة الوسطية. .ويؤكدون أن الخلافات التي تطبع علاقاتهم ليس مصدرها الدين بل لها عوامل وأسباب أخرى لا علاقة لها بالدين؛ لأن الدين في أصله يوحد الأمة ولا يفرقها، كما أن في تجردهم من كل محيط ومخيط وقدومهم في صعيد واحد رسالة للعالم أجمع بأن أمة الإسلام هي أمة السلام العالمي التي تبتغي العيش في كنف السلم والتعايش المشترك مع سائر الأمم والشعوب؛ علاوة على أنه تذكير لهم بمشهد يوم القيامة حين يبرزون في صعيد واحد مجردين من كل شيء إلا مما قدموا من عمل في الدنيا، ومشهد كهذا يباهي به الله تعالى ملائكته.
ع/خ
عندما يتوقف نمو سكان العالم.. سيكون الإسلام الدين الأكثر انتشارا
تقول مجلة أتلانتيك الأميركية نقلا عن وسائط إعلامية إنه عندما يتوقف النمو السكاني العالمي حوالي عام 2100 ستكون أفريقيا أكثر القارات سكانا وسيكون الإسلام أكثر الديانات انتشارا، كما سيكون هناك كثير من المسنين. ويوضح تقرير نشرته المجلة أن أفضل استشراف أو تخمين -استنادا إلى أحدث الأرقام الصادرة من الأمم المتحدة- يتوقع أن يتوقف النمو السكاني في العالم نهاية هذا القرن، وبحلول ذلك الوقت من المتوقع أن يبلغ عدد سكان العالم 11 مليارا (يبلغ 7.7 مليارات نسمة حاليا). وتتوقع بيانات الأمم المتحدة أن يرتفع عدد السكان الذين تتجاوز أعمارهم 80 عاما -خلال الفترة من 2020 إلى 2100- من 146 مليون نسمة حاليا إلى 881 مليونا، وأشار التقرير إلى أن عدد البشر شهد تراجعا عدة مرات في التاريخ بسبب الموت جراء الأمراض مثل الطاعون الذي قتل مئتي مليون شخص بأوروبا في القرن الرابع عشر الميلادي، لكنه سيشهد توقفا عن النمو نهاية هذا القرن، بسبب أن الناس سيكون لديهم عدد أقل من الأطفال جراء ازدياد الدخول المالية وتحسن مستويات التعليم، وبخاصة النساء في الدول الأقل ثراء، وهذا ما أثبتته تجارب البلدان التي سبق وأن توقف نمو عدد سكانها في أوروبا أولا ثم آسيا حاليا، وفقا لما يقوله علماء السكان.
الأضحية سنة في حق القادر عليها
تعد الأضحية سنة مؤكدة في حق المسلم القادر عليها دون غيره، على نفسه وعلى من يعول أو من يشركه في الأجر، وقد ثبتت مشروعيتها ببعض ظواهر دلالات نصوص الكتاب والسنة والإِجماع. فمن الكتاب قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }: [الكوثر: 2] أي: وانحر هديك أو أضحيتك, كما نقل عن الكثير من المفسرين. وأما السنة فقد وردت سنيتها بآحاديث كثيرة عملية وقولية؛ منها – حديث أنس بن مالك المتفق عليه، قال: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا». كما نقل الإجماع على ذلك الكثير من العلماء منهم؛ ابن المنذر، وقال ابن حجر: (ولا خلاف في كونها من شرائع الدين). وقد شرعت الأضحية في السنة الثانية من الهجرة، وأجمع المسلمون على مشروعيتها.
فضل العشر الأوائل من ذي الحجة
لقد دخلت أمس العشر الأوائل من شهر ذي الحجة وفيها فضائل كثيرة ذكرها القرآن الكريم والسنة النبوية، فقد أقسم الله تعالى بها فقال الله تعالى: ((وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)) قال المفسرون: (المراد بها عشر ذي الحجة . كما قاله ابن عباس ، وابن الزبير ، ومجاهد ، وغير واحد من السلف والخلف ). قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في فضل العمل في العشر الأوائل: ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذِه؟ قالوا: ولَا الجِهَادُ؟ قَالَ: ولَا الجِهَادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بشيءٍ“. وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ما من أيامٍ أعظمُ عندَ اللهِ ولا أحبَّ إليه العملُ فيهنَّ من هذهِ الأيامِ العشرِ فأكثروا فِيهنَّ من التهليلِ والتكبيرِ والتحميدِ“. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في فضل يوم النحر: إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ ثمَّ يومُ القُرِّ“.قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بركة يوم عرفة: ‘ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ؟“.
فتاوى
lهل يجوز شراء أضحية العيد بالتقسيط؟
إذا كان الراغب في اقتناء أضحية العيد يملك مرتبا شهريا أو مدخولاً ماليا يضمن به تسديد أقساط البيع فلا حرج حينئذ، بل هي مبادرة طيبة من المؤسسات التي تقوم بمثل هذا البيع تسهيلا على من يرغب في تطبيق السنة الإبراهيمية وهي سنة على القادر، وتسقط عن الفقير الذي لا يملك قوت عامه ،فمن لم يجد غير هذا الحل فإن السنة المؤكدة لا تتعين عليه.
lما هو المكان المفضل لذبح الأضحية، البيت أم خارج البيت؟ ومـا هي السنـة الصحيحة في ذلك؟
الأضحية قربة يتقرب بها العبد إلى ربّه عز وجل وشعيرة من شعائر الإسلام تذكّر المسلمين بحادثة استجابة سيدنا إبراهيم الخليل وابنه عليهما السلام لأمر الله تعالى، وتنبه النفوس المؤمنة إلى مبدأ التضحية في سبيل الله بأعز شيء لديها، قال النبي صل الله عليه وسلم :» سنّوا بها سنة أبيكم إبراهيم». وهي سنّة مشروعة في حق من لا يحتاج إلى ثمنها لأمر ضروري في عامه، تصح منه إن تحققت فيها شروط الأضحية دون تخصيص مكان معين لذبحها فالمضحي في سعة من أمره، قال الله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة/185).
موقع وزارة الشؤون الدينية
على المسلم أن يكون مع الحق حيثما كان
أخبر القرآن الكريم أن خلق الكون بما فيه من سموات وأرض ومخلوقات كان بالحق، وليس عبثا أو لهوا، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) الأنعام 73، وقال: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ)الروم:8، وقال: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) الأنبياء:16، وقال: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) الدخان:38و39 فالإنسان خُلق بالحق ومن أجل الحق، فيجب أن تكون حياته لأجل الحق، فحيثما كان الحق كان، والحق يشمل كل ما استحسنه الشرع أو العقل من أنواع الخير والنفع وحيثما كان الباطل ابتعد، والباطل يَعُمُّ كلَّ ما يُستقبح شرعا أو عقلا أو أدى إلى ضرر خاص أو عام: (ظلم، اعتداء، فساد، سرقة، خيانة، كذب، كفر، إشراك بالله، معصية...)
فـ «الحق» يقتضي أن تتسم حياتُه بالرسالية والجدية والبعد عن اللغو والعبثية واللامبالاة، وبالتالي تكون حياتُه متناغمة مع خلق السموات والأرض.