يعد الاحتكار آفة اجتماعية واقتصادية ذمتها الشريعة الإسلامية وحذرت منها؛ لما تحمله من مخاطر ومساوئ وما يترتب عليها من آثار وخيمة؛ حيث تقوض دعائم الأخوة الدينية وقيم التكافل الاجتماعي، وتنمي في النفس صفات الجشع والأنانية والشره، بل إن مخاطرها قد تتعدى ذلك لإحداث فتن داخل المجتمع وتهديد لأفراده بالجوع و المرض نتيجة ندرة السلع الضرورية للحياة أو اختفائها؛ لذلك لا يجد المحتكر له مكانا بين المؤمنين لأن أساس الانتماء لمجتمع الإخوة الإيمانية المحافظة على حقوقها وإيثار المؤمنين على النفس وتجفيف منابع الشح و البخل و الأنانية وتكريس التضامن والتعاون.
فالاحتكار هو قيام التاجر أو أي شخص بشراء الطعام أو مواد أو أي شيء مما يحتاجه الناس وبخاصة في وقت الأزمات ثم لا يبيعه في حينه وإنما ينتظر أن يرتفع سعره فيخرجه للناس ويبيعه بسعر مرتفع. و يكون الاحتكار في كل شيء تشتد حاجة الناس إليه، دون تفريق بين القوت وغيره.
وجاء النهي عن الاحتكار في السنة النبوية؛ من ذلك ما وري عن سعيد بن المسيَّب عن معمر بن عبد الله العدوي أن النبي قال: (لا يحتكر إلا خاطئ) رواه مسلم، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسـول الله قال:» الجالب مرزوق والمحتكر ملعون». رواه ابن ماجه والدارمي، روي عن النبي أنه قال: «من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برىء من الله وبرىء الله منه». ومن آثار الصحابة: روى مالك في الموطأ عن عثمان أنه كان ينهى عن الاحتكار.
و يستفاد من هذه النصوص أن الاحتكار أمر مذموم يجب اجتنابه، والبعد عن ممارسته، لأنه يضرّ بالناس، والإضرار بالمستهلكين. فهو محرم شرعا، وصاحبه يستحق الإثم، ويستحق التعزير من قبل الحاكم أي الدولة.
وتحريمه جاء مما يترتب عنه من مآل غير مشروع: وهو إلحاق الضرر بالناس، واضطراب السوق، وخاصة في الأوقات التي تشتد فيها حاجة الناس إلى السلع والمواد ذات الاستهلاك الواسع، و في وقت الأزمات، كحالة الوباء التي تمر بالجزائر و العالم. و الدولة لها دور مهم و مباشر في محاربة المحتكرين وتتبعهم ومعاقبتهم عن طريق جبر المحتكرين بإخراج السلع المحتكرة و بيعها في السوق بسعرها الحقيقي، فقد نقل الباجي من المالكية في المنتقى قول ابن حبيب ما نصّه:» يخرج من يده إلى أهل السوق يشتركون فيه بالثمن، فإن لم يعلم ثمنه فيسعّره يوم احتكاره»، ويقول ابن القيم:» فإن المحتكر الذي يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام فيحبسه عنهم ويريد إغلاءه عليهم هو ظالم لعموم الناس، ولهذا كان لولي الأمر أن يكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضـرورة الناس إليه». وللحاكم أن يتخذ من الوسائل التي يراها مناسبة للتأديب. و له سلطة واسعة في اتخاذ الإجراءات المناسبة لزجر المحتكرين، يؤكد هذا المعنى الإمام الشاطبي: «وأما المحتكر فإنه خاطئ باحتكاره، مرتكب للمنهي عنه، مضرّ بالناس، فعلى الإمام أن يدفع إضراره بالناس على وجه لا يستضرّ هو به».
كما أن المجتمع ينبغي أن يكون له وعي في مثل هذه الظروف، وأن يبلغ عن المحتكرين، وأن لا يتسارع لشراء المواد بكميات كبيرة ويخزنها في البيوت، فإن ذلك يجعلها تقل في السوق و يرتفع سعرها، و يستغلها التجار في اللاحتكار ورفع الأسعار . و أن يتحلى الناس بروح التضامن والتعاون والمواساة والتراحم فإن ذلك مما أوصى به الإسلام في قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى).
والتاجر الصدوق القنوع يبارك الله تعالى في تجارته وماله؛ فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي قال: (البيِّعانِ بالخيار ما لم يتفرَّقا، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) متفق عليه. وعن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال رسول الله : (إِنَّ التُجَّارَ يُبعَثُونَ يَومَ القِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلَّا مَن اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله : (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) الترمذي
السكوت عمن يخرق إجراءات الحجر الصحي كالسكوت عن أصحاب السفينة وهم يخرقونها !
يحاول البعض النأي بنفسه عما يشاهده من خرق لاحتياطات الوقاية والحجر الصحي في محيطه الاجتماعي، مكتفيا بالاستياء النفسي دون أن يبادر بتنبيه غيره لخطورة مثل هكذا خرق؛ معتقدا خطأ أن التزامه الشخصي كاف لدرء خطر كورونا عنه، و هذا اعتقاد خاطئ لأن إصابة غيره لا قدر الله بالفيروس مظنة إصابته وإصابة مجتمعه؛ لأن الفيروس لا يقتصر ضرره على المصاب به بل ينتقل إلى غيره عن طريق العدوى كما هو معلوم، وترك الناس يختلطون ببعضهم البعض دون احتياطات أمنية في الأماكن العامة على مرأى الجميع من شأنه توفير محيط مناسب لهذه العدوى التي تزحف تدريجيا، والموقف هنا يشبه موقف أصحاب السفينة الذين تحدث عنهم رسول الله؛ فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- عن النبي قال: مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا›› أخرجه البخاري، ذلك أن ترك الناس يخرقون إجراءات الحجر الصحي خطر على الجميع وذريعة لتفشي المرض فكل شخص مطالب بالنهي عن مثل هكذا منكر؛ وكل حسب مسؤوليته الأمنية والدينية والإعلامية والصحية و الاجتماعية، فالكل مسؤول ومعني بدفع الناس للتقيد بإجراءات الحجر الصحي، سواء كان النهي بالفعل أو بالقول؛ فتركهم ضرر للجميع ومنعهم نجاة وصحة للجميع، وهذا من سنن التدافع الاجتماعية التي تحول دون تفشي الضرر لقوله تعالى: (( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ)). [البقرة:251]
«المسجد الأقصى يغلق ويلتحق بالحرمين الشريفين
بعد أن تم غلق الحرمين الشريفين المسجد الحرام والمسجد النبوي وغلق المدينتين المكرمتين مكة والمدينة من قبل السلطات السعودية في إطار الحجر الصحي من وباء كورونا، استيقظ المسلمون مجددا في غضون الأسبوع الماضي على غلق المسجد الأقصى للعلة نفسها؛ و هو الذي اعتادوا أن لا يغلق إلا كرها من قبل الاحتلال الإسرائيلي؛ وبهذا تكون المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، والتي يتضاعف فيها ثواب الصلوات موصدة أمام المسلمين إلى إشعار آخر ؛ فتبعا لذلك ونقلا عن وسائط إعلامية فقد أعلن مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية تعليق دخول المصلين إلى المسجد الأقصى لفترة مؤقتة كإجراء احترازي للوقاية من انتشار فيروس كورونا. و أضاف المجلس أن هذه القرارات تشمل «تعليق حضور المصلين للصلوات من جميع أبواب المسجد الأقصى» مع «استمرار التحاق جميع الموظفين والعمال والحراس بأعمالهم وممارسة نشاطاتهم كالمعتاد». و استمرار رفع الآذان في الأقصى في كافة الأوقات على أن يؤدي جميع العالمين في دائرة الأوقاف الإسلامية و حراس الأقصى المتواجدين الصلاة في الساحات مع مراعاة الإرشادات الصحية. و قال إنه اضطر لذلك حفاظا على حياة وصحة المواطنين وصونا للنفس البشرية استجابة للفتاوى الشرعية في العلم الإسلامي». وأهاب المجلس بالمواطنين الالتزام بأداء الصلاة في منازلهم حفاظا على صحتهم وسلامة المجتمع المقدسي»
مجلة أمريكية تنصف الإسلام: النبي محمد أول من قاوم الأوبئة بهذه الطريقة
تحت عنوان»هل يمكن لقوة الصلاة وحدها وقف جائحة؟ حتى النبي محمد كان له رأي آخر»، قالت مجلة «نيوزويك» الأمريكية»newsweekإن النبي محمد «أول» من اقترح الحجر الصحي والنظافة الشخصية في حالات انتشار الوباء.
ونقلا عن وسائط إعلامية فقد قال الباحث والأستاذ بقسم علم الاجتماع في جامعة رايس الأمريكية، كريج كونسيدين في هذا المقال: «خبراء المناعة مثل الطبيب انتوني فوتشي والمراسلون الطبيون مثل سانجي جوبتا يقولون إن نظافة شخصية جيدة وحجرا صحيا هما أفضل الوسائل لتطويق كوفيد- 19 (فيروس كورونا)». وأضاف: «هل تعلمون من أيضًا اقترح النظافة الشخصية والحجر الصحي خلال انتشار وباء؟ محمد، نبي الإسلام قبل 1400 عام.. ففي الوقت الذي لم يكن (النبي محمد) وبأي شكل من الأشكال خبيرًا «تقليديًا» بشؤون الأوبئة المميتة، محمد قدم نصائح لمنع ومواجهة تطورات مثل كوفيد-19».
وتابع: «محمد قال: إذا ما سمعتم بانتشار الطاعون بأرض ما لا تدخلوها، أما إذا انتشر الطاعون في مكان خلال تواجدك فيه فلا تغادر هذا المكان.. وقال أيضا: المصابون بأمراض معدية يجب ابقاءهم بعيدا عن الآخرين الأصحاء». وأشار الطبيب إلى أن «النبي محمد أيضًا شجع بقوة البشر على الالتزام بالنظافة الشخصية التي ستبقي الناس في مأمن من العدوى.. انظروا للأحاديث هذه: النظافة جزء من الإيمان.. اغسل يديك بعد استيقاظك من النوم فلا تعلم اين تحركت يداك خلال نومك.. بركة الطعام تكمن في غسل اليدين قبل وبعد الأكل..» وتابع: «لعل أهم شيء هو أنه (النبي محمد) علم متى يوازن الدين والأسباب، خلال الأسابيع الماضية ذهب البعض بعيدًا لاقتراح أن الصلاة ستكون أفضل لإبقائك آمنًا من فيروس كورونا أكثر من الالتزام بالمبادئ الأساسية والتقيد بالتباعد الاجتماعي والحجر الصحي.. ماذا كان النبي محمد ليقول عن فكرة أن الصلاة أهم أو الوسيلة الوحيدة للعلاج؟» واستشهد مؤلف كتاب «إنسانية محمد: وجهة نظر مسيحية (Blue Dome Press ، 2020) بالقصة التي جاءت في الترمذي، قائلاً: في أحد الأيام، لاحظ النبي محمد رجلاً بدويًا يترك جمله دون ربطه. سأله: «لماذا لا تربط جملك؟» أجاب البدوي: «أنا أثق بالله». ثم قال النبي: «اربطوا جملكم أولاً، ثم ثقوا بالله». وأشار إلى أن «النبي محمد شجع الناس على التماس الإرشاد في دينهم، لكنه أعرب عن أمله في أن يتخذوا إجراءات احترازية أساسية لاستقرار وسلامة و رفاهية الجميع. و بعبارة أخرى، كان يأمل أن يستخدم الناس الفطرة السليمة.
الجزائري حمدان خوجة أول مسلم دعا للحجر الصحي في العصر الحديث وشرعنه
كتاب رائع سبق عصره في العالم العربي والإسلامي للجزائري حمدان خوجة عنوانه: (إتحاف المنصفين والأدباء بمباحث الاحتراز عن الوباء) ألفه صاحبه عام 1836م حث فيه المسلمين خاصة بالجزائر وتركيا على ضرورة اللجوء للحجر الصحي و أورد أدلة ذلك من الشرع والواقع الطبي الأوروبي ودعا المسلمين إلى ذلك وأنحى باللائمة عليهم وعلى الذين يحرمون مثل هكذا وسائل، و لام المسلمين على زهدهم في علوم الطب و العلوم الكونية رغم أن لها أصولا في حضارتهم، و دعا للحجر بعد العودة من السفر و التزام الحجر الذاتي أيضا و قارن بين بعض المدن الإسلامية التي يجري فيها الحجر فلا تعاني أوبئة، بخلاف غيرها؛ الكتاب يكتسي أهميته ليس فقط لأن صاحبه عاش تجربة شخصية في الحجر فحسب؛ بل أيضا من خلال الوقت و الزمن الذي صدر فيه؛ حيث ران التخلف على المسلمين و أصبحت الإجراءات الصحية غريبة عنهم، فحري بالباحثين تحقيق هذا الكتاب و دراسته و نشره فبمثل هذا تفتخر الجزائر، و يمكنكم الاطلاع على هذه المقالة القصيرة حول هذا الكتاب.