تعد الحرية نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على الإنسان ومقصد شرعي من مقاصد شريعته؛ فقد خلقه حرا في هذه الحياة وحظر كل ما يمس أو يقيد هذه الحرية بغير وجه حق؛ بيد أن مسيرة البشرية وتقلب أممها وتعاقب دولها عبر التاريخ كثيرا أصاب هذه الحرية في مقتل؛ سواء من خلال ظاهرتي الرق والاستعمار، أو ظاهرتي الاستبداد والطغيان؛ ما دفع الناس في مختلف هذه الحقب التاريخية إلى الثورة على أوضاعهم لاسترداد حرياتهم؛ سواء أكانت ثورات ضد الرق أو ثورات ضد الاستعمار أو ثورات ضد الاستبداد، ولأن ثمن التحرر كان باهظا فإن الحرية كانت غالية نفيسة عند من يقدرونها حق قدرها، وعند من لم يتطبع والعبودية.
ولذلك كانت رسالة الإسلام باعتباره خاتم الأديان ودعوة للعالم أجمع (إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام)؛ فظلت آياته تنادي برفض كل نوع من أنواع الاستبداد أو قمع الحريات حتى لو كان باسم الدين؛ فقال الله تعالى مخاطبا أصحاب الديانتين السماويتين: ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىكَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ )).
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
فالرب الواحد هو الله دون سواه، وكل من ادعى أنه رب لغيره فقد كفر بالله تعالى، وكون الله تعالى ربا واحدا هو الضمانة الأكبر للحرية؛ لأن البشر إن طغوا وتجبروا واستغنوا قمعوا الحريات وادعوا أن آراءهم لوحدها صدق وعدل وحق؛ ثم جاءت تشريعات الإسلام بعدئذ لتكرس الحرية قيمة أساسية كقاعدة آمرة؛ فأكد على حرية العقيدة وحرية العلم وحرية العبادة وحرية الرأي والمشورة والنصيحة وحرية التنقل في الأرض وحرية بناء أسرة وحرية الاحتفاظ بالخصوصيات وحمايتها وحرية التملك وحرية الاستمتاع بالطيبات، وحرية العمل والكسب، وقبلها الحق في الحياة والكرامة الإنسانية وغيرها من الحريات.
ويأتي الاستعمار القديم والحديث على رأس مظاهر قمع الحريات ومصادرتها؛ لأن أثره شامل فهو لا يصادر نوعا واحدا أو نوعا واحدا من أنواع الحرية، بل يصادرها جميعا، في طريق احتلاله لأي أرض قتل واغتصاب وتشريد وتعذيب وإهانة، وسطو ومصادرة، فيفقد الإنسان بموجب ذلك كل حرياته وحقوقه الطبيعية والمدنية، من حياة وكرامة ودين وثقافة وملك وكرامة وتنقل ومواطنة، ورأي سياسي أو اجتماعي، لذلك صاحب الاستعمار ظواهر عالمية مشينة على غرار اللجوء والتهجير وكثرة الضحايا، ولا يكاد استعمار يخلو من مثل هكذا ظواهر سالبة للحريات وللهويات وللأوطان؛ وهي كلها تعد مبررا لثورات الشعوب لتقرير مصيرها واستعادة حرياتها.
ولعل الشعب الجزائري المحتفي غدا بذكرى استقلاله؛ الذي خضع لأبشع استعمار حديث صودرت من خلاله كل حق له في الحياة والملك والثقافة والهوية، وثار عليه في مقاومات وانتفاضات توجت بثورة الفاتح نوفمبر، يعد أكثر الشعوب معرفة بطبائع الاستعمار ومجازره، وأكثر الشعوب أيضا إدراكا لقيمة الحرية ونفاستها، وحريته لم توهب له كما وهبت لغيره، بل افتكها افتكاكا وقدم في الطريق إليها ملايين الشهداء عبر مراحل الثورات، وقيمة الشيء عادة بالثمن الذي دفع في سبيله، وبقدر ما كان الاستعمار شاملا بقدر ما كانت الحرية شاملة، فقد تحررت الإنسان والأرض والعمران، وتحرر الدين والهوية، فلم يبق في الجزائر إلا الإسلام الذي اعتنقه أبناء هذا الوطن منذ القدم، على خلاف من وهبت لهم الحرية، حيث كرس عندهم تعدد الأديان.
ع/خ
التحرر مكون من مكونات الجينات الجزائرية
يقال عادة (إن الشعوب التي ألفت العبودية إذا تحررت بحثت مجددا عمن يستعبدها)، وهي مقوله صحيحة إلى حد ما، حيث أثبت الواقع المعيش ذلك، فالكثير من الشعوب التي تحررت من الاستعمار سرعان ما نصبت لنفسها مستبدين جددا يصادرون الحقوق ويقمعون الحريات، وهم يصفقون لهم ! بيد أن هذه المقولة يمكن أن تصاغ بضدها أيضا وهو أن الشعوب التي ألفت الحرية إذا استعبدت ستثور حتما على مستعبدها تتحرر مجددا)؛ وهي مقول تنطبق على نفسية الشعب الجزائري، لأن الحرية مكون أساس من مكوناته الجينية، فعلى الرغم من طول ليل الاستعمار وميلاد اجيال وأجيال إلا أن نفسية البحث عن الحرية لم تفارق أي جيل فقد ظلت المقاومات الشعبية تقض مضاجع الاستعمار تقاوم عبوديته واستعباده، وقد ظن البعض أن روح المقاومة والتحرر قد نضبت في نفوس الجزائريين مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حيث احتفلت فرنسا بالذكرى المأوية الأولى لاحتلال الجزائر، وظنت أنها باقية إلى الأبد بعد أن خمدت حركات المقاومة؛ لكنها سرعان ما فوجئت بتحرك جينات الحرية التي وجدت لها متنفسا في الحركة الوطنية والإصلاحية، منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى لتتوج بثورة تحرير شاملة، كشف للاستعمار وغيره أن هذه الشعب حر أبا عن جد،وذلك طبعه الذي ولد به منذ فجر التاريخ (ومن قال حاد عن أصله فقد كذب)، بل إن الشعب أثبت أن جينات الحرية لما تزل تتحرك فيه فما انفك يأبى الاستبداد مهما كان وظل يعيش حريته قناعة شعبية ونخبوية، على خلاف الكثير من الشعوب بعد استقلاله، ولعل الحراك الذي انطلق العام الماضي دليل على ذلك.
ع/خ
فتاوى
lما حكم تهريب الذهب ؟
لا تجوز كل أعمال التهريب، سواء كان ذلك تهريبا للذهب أو غيره، لما في ذلك من الغش، والإضرار بالمجتمع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من غش فليس مني))، وقال: ((لا ضرر ولا ضرار))
lما حكم الاتجار في الأوراق النقدية؟
إن الاتجار في الأوراق النقدية يدخل ضمن الصرف الذي هو مبادلة النقد بالنقد، والصرف معاملة تجارية جائزة شرعًا بشرط عدم تأجيل أحد البدلين لقـول النبي صلى الله عليه وسلم :» فـإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد».وينبغي مراعاة النظام العام في ذلك، بحيث يكون المخوّلون بالصرف هيئات أو تجّار تعتمدهم جهة ولي الأمر، حتى لا يعود عملهم على الأمة بالفوضى و إضعاف ذات اليد.
lإنني تاجر أستورد السلع من الدول المجاورة وأدفع المال لتسهيل تمرير سلعتي إلى الوطن، فهل ما فعلته يعتبر رشوة؟
هي أكل أموال الناس بالباطل، وهي ما يدفع من مال إلى ذي سلطان أو وظيفة عامة لنيل ما يصعب الحصول عليه إما لأنه ممنوع شرعًا أو قانونا. وقد حرّم الإسلام على المسلم أن يسلك طريق الرشوة لذوي السلطة، كما حرّم على هؤلاء أن يقبلوها إذا بذلت لهم، وحظر على غيرهم أن يتوسطوا بين الآخذين والدافعين. قال الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون). وعن ثوبان قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش والرائش: هو الوسيط بين الراشي والمرتشي.
فما قمت به أيها الأخ الكريم من تقديم المال لتسهيل عملية تمرير سلعتك هو عين الرشوة، لكن عدولك عن ذلك وامتناعك عن مثل هذا التعامل دليل توبتك والله عز وجل يقول في كتابه العزيز (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات..)، أما قولك أنك شاركت أخاك بمالك في تجارة داخل الوطن وبالطرق المشروعة فالاكتساب بهذه الطريقة ممّا أحلّه الله لعباده، قال الله تعالى : (وأحلّ الله البيع) ودعا إليه الإسلام في نصوص قرآنية وسماه ابتغاء من فضل الله؛ فلا حرج عليك في مشاركتك هذه لأخيك سعيا للابتغاء من فضل الله، وتقرّب إلى الله بالأعمال الصالحة يعفو عنك زلاتك وهو القائل عز من قائل : (إنّ الحسنات يذهبن السيئات).
وقال النبي صل الله عليه وسلم:» اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها).
موقع وزارة الشؤون الدينية
قد تهلك الجماعة باستهتار الفرد بإجـــــراءات الوقـــــــايـــــــة
يعيش المجتمع منذ أشهر في أزمة كورنا، ورغم أنها مستقرة في الجزائر إلا أن مسارها لم يتضح بعد، هل هي في تصاعد أم تراجع، والمشكلة فيها أن الإنسان الذي يستخف بإجراءات السلامة لا يلحق الضرر بنفسه، ولكنه يلحق الضرر بالمحيطين به، وهذا على شاكلة من يجنح للفساد الأخلاقي والانحراف، فضرره ليس قاصرا عليه فقط بل يتعدى لغيره، فقد يكون الإنسان سببا في هلاك الأسرة أو المجتمع أو الأمة، فوجب على الجماعة أن تأخذ بيده وتنهاه عن غيّه ومنكره، وفساده وحرقه لقوانين الاجتماع العمراني والتعايش الاجتماعي، ولا مبالاته بالشروط الصحية التي يجب عليه الالتزام بها لحفظ نفسه وحفظ الجماعة، وترشده إلى الأفضل والأحسن، حتى يلتزم بما فيه صلاحه وصلاح المحيطين به.
وفي القرآن والسنة نماذج كثيرة وأمثلة شتى مثلا لمثل هذا الصنف من المفسدين كيف تسبّب في هلاك أمة من الناس؛ سواء كان مسؤولا أو فردا من عموم الناس؛ ومن القرآن الكريم، فرعون، الذي أضلّ قومَه في الدنيا وأوردهم العذاب يوم القيامة، فتحمّلوا جميعا تبعات فعله وضلاله ودفعوا الثمن باهظًا، رغم محاولات موسى عليه السلام في تقديم النصيحة له ولهم، قال تعالى: (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ)، وكذلك قصة أصحاب السفينة الذين لو تركوا إخوانهم يخرقونها لغرق الجميع بسبب ذلك لكن عندما أخذوا بأيديهم نجوا جميعا.
فكما أنه قد يكون الأب سببا في انحراف أولاده وزوجته، ويكون الصديق سببا في انحراف أصدقائه بالقدوة السيئة لهم، وقد يؤثر الطالب الفاشل في زملائه فيزرع فيهم الفشل واللامبالاة، والطبيب الجاهل قد يقتل عددا من المرضى، والموظف الكسول يؤثر في عدد كبير من الموظفين فيقلّ مردودهم ويتكبّد المصنع أو الإدارة خسائر كبيرة، وقد تؤثّر المرأة في غيرها من الفتيات أو النسوة فتسوء أخلاقُهن، وقد يكون المنحرف قدوة سيئة لكثير من الناس فيتأثّرون بأخلاقه وسلوكه، وقد يضعف اقتصادُ دولة أو يتأزّم أو ينهار بعدم استشراف وسوء تخطيط من الساسة، وقد تضيع ثروات بلد بسوء تدبير وتسيير، كذلك قد يكون المستهتر بإجراءات السلامة سببا في انتشار المرض واتساع رقعته، وهلاك الناس وتعطل الحياة العلمية والتعبدية والاقتصادية والسياسية والعمرانية وفي هذا ضرر خطير على الأمة ينبغي العمل على تحاشيه، بل هو من الأذى المحرم الحاقه بالناس ففي الحديث: (.. وَمَا حَقُ اَلطرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ اَلْبَصَر، وَكَفُّ اَلأذًى، وَرَدُّ السلاَم، وًأمْر بِالْمَعْرُوف، وَنَهي عَنِ اَلْمُنْكَرِ) رواه البخاري ومسلم.
سكان تندوف يحققون حلمهم بتدشين المسجد القطب
تعزز قطاع الشؤون الدينية والأوقاف بتندوف بمسجد قطب يعد تحفة معمارية ظل السكان ينتظرونه من سنوات قبل أن يرى النور وتصدع منارته بالتكبير حيث دشن منتصف الاسبوع، وقد سبق للنصر أن زارت هذا المسجد القطب منذ سنتين ونصف ونقلت الآمال المعلقة للمسيرين والمواطنين على هذا الصرح العلمي الكبير، ليكون منارة وقبلة لطلبة العلم والقرآن خاصة وأنه يشتمل على مرافق عدة كما نأمل أن يكون حاضرة علم يسهم في الحفاظ على المرجعية الدينية والوطنية ويعزز قيم الوسطية والاعتدال في المجتمع. فكان لهم اليوم ما أرادوا بمسجد يسع 3500 مصل وأكثر، وسيكون كما قالوا منارة علم تعيد لتندوف حضورها العلمي الإشعاعي في تلك المناطق الممتدة عبر الجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية والمغرب الشقيق.