إن من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان أن خلق له ما في الأرض جميعا وسخر له خيراتها ظاهرة وباطنة، ومَكَنّه منها تمكينا وزوده بنعمة العقل الذي بفضله يستخرج خبأها وكنوزها استخرجا وجعل له كل ما عليها حلال طيبا إلا ما نص على حرمته وهو قليل محصور معدود: وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وقوله تعالى :يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا. وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. ولم يكلفه سوى أن يصلح ولا يفسد ويعمر ولا يخرب ويعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا.
ورغم التحذير الإلهي والتنبيه الرباني للإنسان ألا يتبع خطوات الشيطان ولا يتخذه وليا وليجعل منه عدوا {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}؛ إلا أن الإنسان ظلوم جهول سريع النسيان للعهد الإلهي والنداء الرباني فتجده هذا الأخير يهرع إلى المعاصي والذنوب هروعا ،ويسارع إلى الفساد إسراعا ويتفنن في اتباع خطوات الشيطان.
ورحمة من الله بعباده بعد انقطاع الوحي وختم النبوة وانتهاء الرسالة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم يبعث عليهم ما يذكرهم وينبههم ويدق عليهم نواقيس الخطر ومن بين هذه النذر الزلازل والبراكين والأوبئة والأمراض والمجاعة والقحط وغيرها من جنود الله تعالى {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَر}.
فلقد أصيبت البشرية عبر تاريخها الطويل بالعديد من المحن والكوارث والابتلاءات وكان الهدف كما أخبرنا القرآن الكريم التنبيه بعد الغفلة والتذكير بعد النسيان لقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}.
فلقد بين الله تعالى أن الهدف من البأس والمحن إنما تنبيه الغافلين من البشر لتهتدي فطرتهم إلى بارئها وخالقها وهذا الأصل في الإنسان أنه لم يدركه الضر وتعجز أسباب الأرض عن كشف الضر يلجأ إلى القوة الحقيقية إلى خالقه وبارئه فيتضرع ويستكين ويعود إلى الله ويرجع عن غيه وفساده وظلمه وجبروته وإفساده في الأرض فيكون بذلك البأس والضر جرس إنذار وتنبيه للغافلين حتى إذا ما تمادى البشر في غيهم ولجوا في طغيانهم فتح الله عليهم باب كل نشئ وكانت سنة الاستدراج حتى إذا أخذهم بعذاب بيس لا يفلتهم ويجعلهم عبرة وآية ويكون بذلك البأس والضر ومنه الزلازل وجميع الكوارث عقابا من الله لعباده لقوله تعالى:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}.
وأما المؤمنون الصالحون فالضر والبأس والزلازل والمحن ابتلاء واختبار ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم وتتأكد عبوديتهم لله تعالى ويزدادوا خضوعا وتذللا وإخباتا لله تعالى :{لَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}. ومن ينظر إلى حال أمتنا اليوم فنجدها تترنح بين هذه المراتب الثلاث:
(1)صنف المؤمنين المحافظين على شريعة الله تعالى: وهم القائمون على حدوده الحافظون لما حفظ الله القائمون بالقسط والعدل بين الناس ولو على أنفسهم لا يعرفون للفساد بكل صوره سبيلا ولا لظلم الناس طريقا فهؤلاء مبتلون ممتحنون لا محال فإن أصيبوا فنحسبهم شهداء عند ربهم يرزقون .
(2)صنف المؤمنين الغافلين: وهم الفئة الثانية مؤمنون موحدون خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ولكن قد يغلب عليهم الفساد وخاصة التَخَوضٌ في المال الحرام وأكل أموال الناس بالباطل كالرشوة والربا واستباحة المال العام بحجة ملك الدولة، وظلم ذوي الحقوق وخاصة في الميراث والاستيلاء على الأراضي والعقارات واللجوء إلى تزوير الوثائق والفرائض مع إتيانهم ببعض الفرائض وفعلهم لبعض وجوه الخير، فهؤلاء تكون الزلازل والأسقام والأمراض تنبيها لهم حتى يعودوا إلى رشدهم وينتهوا عن غيهم.
(3)صنف المفسدين والمنحرفين المنغمسين في شهواتهم: الذين لا يعرفون للمسجد طريقا ولا لبقية الفرائض سبيلا، يستحلون جميع المحارم ويرتكبون كل الموبقات ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض فهؤلاء ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، فهذا الصنف من الناس هم من تكون الزلازل والأوبئة عقابا لهم.
والسؤال المطروح متى يستفحل أمر هذه الفئة من الناس في مجتمعاتنا حتى يصبح الوباء والزلازل والفيضانات عقوبة إلهية؟
الجواب: العمل بالسنة الربانية الطردية العكسية أنه كلما وجد الإصلاح والمصلحون الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر والواقفون عند حدود الله تعالى العاملون بشرعه المبينون لأحكامه الصادعون بالحق بحكمة وأناة وتؤدة كلّما قلّ الفساد وكسد سوق الرذيلة، وكلما فتر المصلحون بل وفسد هؤلاء أنفسهم راج سوق الفساد وعلت أسهم الرذيلة؛ لقوله تعالى: {فلولا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} ,قوله تعالى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مصلحون}
وأخيرا نهمس في أذن كل مؤمن صادق أن الفرصة مازالت سانحة للرجوع إلى الله تعالى واستدراك ما فات فقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}
الزلزال وعدم فهم سنن الكون
وقعت محن وفتن وزلازل وبراكين للمسلمين فلم يقل عاقل منهم عاقبنا الله . فقد واجه الصحابة رضوان الله عليهم» فتن الردة والبغي.» بالرد المطلوب وزلزال المدينة بكثرة الاستغفار و «سيل أم نهشل «الذي أغرق الكعبة وجرف مقام إبراهيم عن مكانه ببناء سد لتغيير مجرى السيل و «. طاعون عمواس» الذي أهلك الكثير ومنهم كبار الصحابة بالحجر الصحي؛ إنه الوعي بسنن الكون ومنها: اللجوء إلى الله، والأخذ بالأسباب، وتحقيق العدل وبذل التضحية وتقديم النصح، وحسن التدبير وتقديم الإجراءات اللازمة. ونسأل الله اللطف بأمتنا وبلدنا
عرفه الجزائريون من خلال كتابه "صفوة التفاسير": وفاة العلامة السوري الشيخ الصابوني
توفي الجمعة، رئيس رابطة العلماء السوريين الشيخ محمد علي الصابوني، عن عمر ناهز 91 عاما.في مدينة يلوا شمال غربي تركيا. وحسب وسائط إعلامية فإن الشيخ الصابوني، من مواليد مدينة حلب السورية عام 1930، وتخرج في الكلية الشرعية بجامعة الأزهر في مصر عام 1955، ويعد أحد أبرز العلماء وأشهر المفسّرين والمصنّفين في علم التفسير والحديث والقرآن. والشيخ الراحل تولى رئاسة رابطة العلماء السوريين، وبلغ عدد مؤلفاته 57 كتابا أبرزها «صفوة التفاسير» الذي صدر قبل 40 عاما، إضافة إلى «مختصر تفسير ابن كثير»، و«مختصر تفسير الطبري»، و«التبيان في علوم القرآن»، و«روائع البيان في تفسير آيات الأحكام»، و«قبس من نور القرآن».كما اغتنمت شاشات التلفاز فرصا وفيرة من علم الشيخ الصابوني، إذ سجل الراحل أكثر من 600 حلقة تلفزيونية لتفسير القرآن الكريم.
ويعد الشيخ الصابوني من العلماء المشهود لهم بالوسطية والاعتدال وميله أكثر للعلم وجمع الكلمة، وقد خدم التراث كثيرا لاسيما عندما عمد إلى تنقيح واختصار كتب التفسير المطولة وقدمها يسيرة للقارئ المسلم المعاصر؛ ولا أذكر أنه زار الجزائر؛ لكن الجزائريين عرفوه جيدا لاسيما من خلال كتابه "صفوة التفاسير" الذي طبع في الجزائر نهاية الثمانينيات.
خطباء المساجد يحثون الجزائريين على الاستعداد لشهر رمضان
شرع خطباء مختلف مساجد الجزائر منذ هذه الجمعة التي تعد أول جمعة في شهر شعبان في حث المسلمين على الاستعداد لشهر رمضان الكريم ؛ وذلك بالاستعداد النفسي من توبة وإخلاص وشوق لبلوغ هذا الشهر، وعزم على صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا والكف عن المنكرات وإصلاح ذات البين وصلة الرحم؛ تأسيا بمن سلف من الخيرين عبر تاريخ الأمة المسلمة؛ ونأمل أن تجد هذه الخطب آذانا صاغية لاسيما عند بعض من ألف جعل هذا الشهر فرصة للثراء واستغلال حاجة الصائمين الماسة للسلع والمؤونة؛ فيرفع أسعارها أو يحتكرها أو يغش فيها؛ بدل الرحمة بهم والسماحة في التعامل معهم، وإن كان هؤلاء لا يعكسون معدن الجزائريين الأصيل.
بلد المليون شهيد.. بلد المليون حافظ للقرآن
كشف وزير الشؤون الدينية والأوقاف عشية الاحتفال بذكرى عيد النصر عن وجود 800 ألف متمدرس بالمدارس القرآنية الـ 58 ألف عبر الوطن؛ وهو رقم كبير لاسيما إذا أضيفت له الأرقام التي تمدرست في مثل هكذا مدارس منذ الاستقلال حيث يتجاوز الملايين؛ وهو ما يعكس وجه الجزائر المشرق المتشبع بقيمه المتأصل في عمق انتمائه الإسلامي؛ كما ورثته منذ فجر الفتوحات الإسلامية؛ وستصبح عما قريب تعرف إلى جانب كونها بلد المليون شهيد ببلد المليون حافظ لكتاب الله تعالى.
فبمثل هذه المدارس التي تعج بها الجزائر شرقا وغربا وشمالا وجنوبا؛ وينضوي في فضاءاتها أبناء الجزائر عربا وأمازيغ؛ واجهت الأمة الجزائرية محاولات المسخ والطمس التي عرضت لها هويتها خلال القرون الماضية لاسيما خلال الاستعمار الإسباني الذي زحف غداة سقوط الأندلس أو الاستعمار الفرنسي الذي زحف غداة ضعف الجزائر والخلافة الإسلامية؛ حتى قال حاكم فرنسا أثناء احتفاله بالذكرى المئوية الأولى لاحتلال الجزائر: (لن ننتصر على الجزائريين وهم يقرؤون القرآن ويتكلمون العربية) ثم قال ابن باديس لنا سلاح أقوى من سلاح فرنسا إنه القرآن الكريم.
واليوم يواجه مجتمعنا الجزائري كل محاولات الطمس الفكرية والإيديولوجية بالسلاح ذاته؛ الذي يتشبع به أبناؤها منذ الصغر ليزرع في نفوسهم الإيمان والرحمة والسلام وينمي فيهم روح النظر والتأمل والتفكير؛ ولا يمكن لأحد أن يشكك في انتماء هذه الأمة لدينها أو تقصيرها في خدمته وهي تسعى جاهدة لخدمة القرآن الكريم وحفظه، وستفشل كل محاولات إبعاد أبنائها عن دينهم وقرآنهم وهويتهم.
لكن؛ ما ينبغي العمل عليه مستقبلا هو صناعة القراء على غرار ما يحدث في بعض دول العالم الإسلامي؛ حتى نحصن المرجعية ولا تظل أعناق الجزائريين مشدودة كل مرة إلى فضائيات عربية وإسلامية تذيع القرآن، الكريم بتلاوات عذبة، وهي تملك في أرجائها شبابا يتقنون التعامل مع القرآن الكريم حفظا وأداء ولهم من حسن الصوت ورونقه ما يحسنون به تجويد القرآن، وترتيله بأحسن نغم وأعذب صوت.
ع/خ